ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
إذا كان مارتن غريفيث يبدو على عجلة في هذه الأيام، فلديه ما يبرر ذلك. فيتسابق هذا المبعوث الأممي الخاص الجديد إلى اليمن مع الوقت بهدف عدم بلوغ أي تصعيد عسكري على يد أي أحد من المحاربين في النزاع الناشب في ذلك البلد، ما سيؤدي حتمًا إلى تعطيل جهوده الرامية إلى بث الروح في عملية السلام المتلاشية.
منذ أن تولّى غريفيث مهامه، انهمك في لقاء ممثلي أطراف النزاع وبعض الأطراف الفاعلة الداعمة، من بينهم مسؤولين إداريين رفيعي المستوى في واشنطن. وعند كل فرصة، لا شك في أن غريفيث يلتمس ضبط النفس في عباراتٍ تحاكي تلك التي استخدمها في نيسان/أبريل عندما أخبر مجلس الأمن الأممي أن “الحل السياسي لإنهاء هذه الحرب هو فعلًا متاح”، فيما حذّر من أن أي عملية عسكرية طائشة “قد تطيح بالسلام دفعة واحدةً”.
إن الدردشة المسعورة على وسائل التواصل الاجتماعي حول احتمال هجومٍ برّي يشنّه الائتلاف الذي تقوده السعودية على مرفأ الحديدة الاستراتيجي لن تساهم في تهدئة قلق المبعوث. فتسيطر على المغردين فكرة إمكانية نشوب معركة منظَّمة لتحرير مرفأ اليمن الأساسي في البحر الأحمر، الذي شكّل لأكثر من سنة مطمعًا مباشرًا لمخططين عسكريين من الائتلاف. وربما كان هذا الهجوم لحدَثَ قبل الآن لو لم تكن الأوساط الدولية قلقة بشدة من أثره الكارثي، الذي سيردع سير العمليات في المرفأ حيث تمر نسبة 80% من الأغذية والمساعدات الإنسانية الموجَّهة إلى شعب اليمن المحاصَر، ما سيؤدي بالتالي إلى تفاقم ما يُدعى بالأزمة الإنسانية الأسوأ في العالَم
حتى الآن، يُحيط نوعٌ من الشك بالنظرة إلى فكرة الهجوم العسكري على الحديدة، ويتأتى جزءٌ من هذا الشك من جهة بعض المسؤولين الرفيعي المستوى في إدارة الرئيس دونالد ج. ترامب. وفي الواقع، نظرًا إلى العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة، لا يُرجَّح أن يبدأ أي هجوم على الحديدة من دون أن تُعطي واشنطن الضوء الأخضر الذي لم تُعطِه بعد. وفي الوقت نفسه، سيُقابَل أي تحفُّظ في هذا الشأن برغبة إدارة ترامب في إظهار الدعم المستمر والقوي لجهود أقرب حلفائها في منطقة الخليج العربية من أجل التصدي لمغامرات إيران في المنطقة. وينطبق هذا الأمر بشكلٍ خاص في اليمن، حيث طالما اعتبرت السعودية والإمارات أن المتمردين الحوثيين هم قوة عميلة لإيران، وهو رأيٌ تعتمده الآن أيضًا الإدارة الأمريكية.
ربما بسبب ما يدعو للقلق من الناحية الإنسانية، تبدّل تركيز المخططين العسكريين من الائتلاف لينصب على الاستيلاء على المرفأ فحسب، الذي يقع شمال غرب مدينة الحديدة. وكانت القوات الخاصة الإماراتية، التي تدعمها ميليشيات يمنية مجنَّدة ومدرَّبة محليًا وعناصر من “حرس جمهوري” أُعيد تشكيله مؤخَّرًا، ويقوده طارق صالح، ابن أخ الرئيس الراحل السابق علي عبدالله صالح، تتحرك ببطءٍ على طول الشاطئ، ويُقال إنها تقدّمت مسافة 13 ميلًا داخل الحديدة. وكجزءٍ من هذه العملية، أفادت الإمارات في وقتٍ سابق من شهر أيار/مايو بأنها شنّت هجومًا برمائيًا ناجحًا على مركز قيادة وسيطرة يسيطر عليه الحوثيون في محافظة الحديدة، فدمّرت التجهيزات وأودت بحياة عددٍ كبيرٍ من المقاتلين المتمردين. وستبرز مناورة كهذه على الأرجح في أي محاولة لاستعادة السيطرة على المرفأ.
لا يتّضح إذا ما كانت النية هي شن هجوم برّي على المرفأ أو المدينة، أو ببساطة تطويق الحديدة وإيقاف خطوط الإمداد إلى المقاتلين الحوثيين المحميين هناك. ويبدو أن السعوديين يعتقدون أن سكّان المدينة سئموا جدًّا من الوضع تحت الحُكم الحوثي القمعي، فعندما تسنح الفرصة، سيقومون بتمرّدٍ مسلح ويخرقون سيطرة الحوثيين على المدينة. وستكون الحديدة المحرَّرة مقرًّا للحكومة اليمنية المنفية الخاصة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تم نفيه تمامًا من مدينة عدن الجنوبية على يد مقاتلين موالين لـ”مجلس انتقالي جنوبي” ذي عقلية انفصالية، ومن المفارقات أنه يتمتع بدعم الإمارات العربية المتحدة.
ومن المؤكد أن غريفيث يتتبع بحذر آخر الأخبار بشأن طلب إدارة ترامب من الكونغرس النظر في بيع أكثر من 120 ألف ذخيرة موجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات، وهي عملية بيع قد تُقدَّر قيمتها بحوالى ملياريْ دولار. فمنذ آذار/مارس 2015، أسفرت الغارات الجوية التي شنّها الائتلاف على اليمن عن آلاف القتلى المدنيين، وشلّت البنية التحتية الهشة أصلًا في اليمن – بما فيها مرافق معالجة المياه – ما أدّى بدوره إلى أسوأ انتشار للكوليرا في التاريخ الحديث. وبعد التأكد من الحصول على ذخائر جديدة موجَّهة بدقة، قد يتشجع الائتلاف على الحفاظ على الإيقاع العملياتي لحملته الجوية أو حتى تسريعه، خاصةً بما أن السعوديين مقتنعون بأن الحوثيين لن يعودوا إلى طاولة التفاوض إلا تحت الضغط. ومن غير الواضح إذا ما كان الكونغرس سيوافق على عملية البيع في هذه المرحلة المفصلية الحساسة من النزاع. ففي سنة 2017، توصل مجلس الشيوخ بفارق أربعة أصوات إلى تطبيق خطة بيع ذخائر موجهة بدقة بقيمة 500 مليون دولار إلى السعودية. وفي وقتٍ سابق في أيار/مايو، أقرت “لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية” قرارًا من الحزبيْن يقضي بإيقاف الدعم الأمريكي للائتلاف الذي تقوده السعودية إذا لم يقدر البيت الأبيض أن يؤمّن ضمانات بأن الرياض تفعل ما بوسعها لتقليص عدد القتلى المدنيين وإيجاد حل للحرب يجري التفاوض بشأنه.
بالطبع، في نزاعٍ متّسم بقدرٍ كبيرٍ من التباينات، يتبين أن استخدام الائتلاف لذخائر موجَّهة بدقة من صنع الولايات المتحدة، ومصممة لسحق المتمردين الحوثيين وإخضاعهم، غالبًا ما يُثير ردًّا معاكسًا تمامًا، إذ يُطلق الحوثيون صواريخ بالستية إلى أعماق الأراضي السعودية، نتيجة بعض التغييرات التي أحدثتها إيران لإطالة المدى. وحتى الآن، كانت هذه الصواريخ تُعترَض أو لا تُصيب هدفها، إلا أن احتمال أن يضرب أحدها منطقة سكنية كثيفة هو نوع السيناريوهات الذي يدفع غريفيث إلى مواصلة التحرك. وهذه ليست الطريقة الوحيدة التي قد يستخدمها الحوثيون لإقحام الحرب اليمنية في دوّامةٍ تصعيدية. ففي سنة 2016، أطلق المتمردون النيران عدة مرّات على مدمرة بحرية أمريكية؛ واستخدموا طائرات بحرية من دون طيار للاعتداء على حركة المرور التجارية والسفن الحربية الخاصة بالائتلاف التي تجوب المياه على الشاطئ اليمني. وإذا قرروا المحاولة مرة أخرى ونجحوا، سيتضاعف احتمال تفشي الحرب اليمنية.
حظيت جهود غريفيث لاستئناف مفاوضات السلام بدفعة إلى الأمام من مصدرٍ غير واعد في نهاية الأسبوع، إذ قال نائب وزير الخارجية الإيراني إن إيران، كجزءٍ من محادثاتها مع الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق النووي الدولي، مستعدة لمناقشة موضوع اليمن “بسبب الأزمة الإنسانية هناك”. وذكرت التقارير في هذا الأسبوع مسؤولين أوروبيين يعتبرون أن المحادثات تقدّمت بشكلٍ ملحوظ، وأنها تسلك الاتجاه الصحيح. ومن المقرر استئناف هذه المحادثات في منتصف حزيران/يونيو، أي تقريبًا في الوقت نفسه الذي قال فيه المبعوث الأممي إنه يريد إرجاء خطته لمحادثات السلام. وفي هذا الوقت، يستمر تسابق غريفيث مع الزمن، إذ يحاول إقناع الأطراف الأساسيين في النزاع بالبدء بمحادثاتٍ قبل أن يحدث أمرٌ رهيب وتقع الواقعة، فيما يُضاعف الجميع جهودهم في تصعيد حربٍ لا يمكن أن يكسبها أحد.