ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في السابع من مارس/آذار، قام أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بتعيين وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيسًا جديدًا للوزراء، وهذا محور تغيير وزاري يمثل أول خطوة رئيسية لإعادة ترتيب الأوضاع داخل البلاد منذ اتفاقية 2021 في العلا، التي وضعت حدًا لمقاطعة قطر. كان محمد بن عبد الرحمن، الذي يحتفظ بحقيبة وزير الخارجية، قد شغل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء منذ عام 2017، وهو يخلف خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني، الذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2020 بينما كان يشغل أيضًا منصب وزير الداخلية. يرى بعض المحللين أن خالد يمثل آخر حلقة مرتبطة “بالأمير الوالد” حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تنازل عن الحكم عام 2013 لتهيئة الطريق لحكم ابنه تميم. رئيس الوزراء الجديد البالغ من العمر 42 عامًا، وهو عُمر الأمير نفسه ومن الجيل نفسه لوزير الداخلية المعين حديثًا خليفة بن حمد آل ثاني، الذي ترأس مؤخرًا جهود تأمين بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 التي استضافتها قطر.
مساعدة قطر لإعادة تشكيل صورتها العالمية في لحظة حرجة
بصفته دبلوماسيًا بارزًا ساعد في توجيه سياسة قطر خلال فترة أزمة السنوات الأربع في علاقاتها مع أقرانها من دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بالإضافة لمصر، يُنظر لمحمد بن عبد الرحمن على أنه الشخصية المحورية التي يمكنها مساعدة قطر في إعادة تشكيل صورتها العالمية الآن بعد أن قامت بتسوية علاقاتها مع خصومها السابقين في الخليج. بعبارة أخرى، فإن التعيين يشكل علامة على أن قطر ستكون بشكل واضح أكثر “تطلعًا للخارج” اعتمادًا على النجاح الباهر الذي حققته في كأس العالم.
يأتي التعديل الوزاري في قطر في لحظة حرجة وعدم يقين فيما يتعلق بالديناميكيات في الخليج – أحد المحللين الإماراتيين المؤثرين يتوقع “محور عربي” جديد، على سبيل المثال. لكنها أيضًا لحظة واعدة بشكل ملحوظ. بعد مرور عامين على اتفاق العلا، فإن عملية تسوية علاقات قطر مع جيرانها الخليجيين تستمر بشكل مختلف وتفتح مسارات مختلفة في المستقبل. إن اتفاقات إبراهام مع إسرائيل قد أطاحت بعقود من الحقائق الدبلوماسية والاستراتيجية مع قطر، جنبًا إلى جنب مع جارتها الأقوى السعودية. وبالنظر للأمور الخارجية، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا قد حول قطر – على مدار جيل قادم – إلى المورد الرئيسي للغاز لأوروبا المحاصرة، والتي تم قطع قطع إمدادات الطاقة الروسية عنها فجأة. إن إعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية-الإيرانية، مؤخرًا، تشير إلى النفوذ الإيراني الظاهر والمتغير في الخليج، والذي تعمل كل دول الخليج جاهدة، بما فيها قطر، على التعامل معه. تشير جهود إدارة النفوذ الإيراني أيضًا لعلاقات قطر مع الولايات المتحدة، نظرًا لدور الدوحة كوسيط رئيسي في السنوات الأخيرة.
العلاقات مع الدول الرئيسية في الخليج
بالنسبة لعلاقات قطر، فيما بعد اتفاقية العلا، مع الدول الأخرى في الخليج، فإن التقييم مختلط، ولكنه أعلى من المتوسط. عملت الإمارات، مؤخرًا، على إلغاء الحظر على العديد من المواقع القطرية على الانترنت، بما فيها مواقع قناة الجزيرة الإعلامية باللغتين العربية والإنجليزية، والتي كانت قد تم حظرها منذ وقوع الخلاف مع قطر عام 2017. جاء تخفيف القيود على وسائل الإعلام بعد أيام من زيارة للدوحة قام بها أحد كبار العائلة الحاكمة في الإمارات ومستشار الأمن القومي طحنون بن زايد آل نهيان وأيضًا مسؤولون كبار آخرون. على الرغم من أن تفاصيل قليلة قد تم تسريبها للرأي العام، إلا أن هذه الزيارة تم النظر إليها على أنها جهد لإضافة تفاصيل استراتيجية وتجارية لزيارة الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى قطر في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2022 والزيارة الاحتفالية لحاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم لحضور حفل افتتاح كأس العالم في نوفمبر/تشرين الثاني. من ناحية أخرى، فإن محمد بن زايد قد استضاف الأمير تميم في أبوظبي – بجانب قادة مصر والبحرين والأردن وعُمان – دون السعودية، تحديدًا في قمة يناير/كانون الثاني حول “ازدهار واستقرار المنطقة”. المكالمة الهاتفية الأخيرة بين محمد بن زايد وتميم التي تؤكد على سحب الإمارات عرضها لعقد اجتماعات 2026 للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لصالح قطر، توجت هذا المستوى المتسارع من الاتصالات الهادف لترسيخ تطبيع العلاقات.
تقليص الأجندة الأيديولوجية
فيما يخص السجل السعودي، حققت قطر تحسنًا واضحًا في العلاقات. اتفاقية العلا في رأي العديد من المراقبين هي أداة سعودية قطرية ثنائية إلى حد كبير، حيث جعلت الخصوم الخليجيين يتحركون سريعًا لإعادة تصور العلاقات مع قطر. جرى التصافح بالأيدي بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتميم، وارتدى كل منهما العلم الوطني للبلد الآخر في حفل افتتاح كأس العالم، ما يؤكد التضامن الثنائي والخليجي ويعزز الهوية الوطنية للدولتين بشكل متبادل. ذكر بعض المحللين أن الابتعاد عن قطر في عام 2017 تزامن مع حملة قمع للمعارضة في السعودية، واعتقال أشخاص بتهمة التعاطف مع قطر. ومع ذلك، ينظر أحد المحللين البارزين للتحسن الحالي في العلاقات مع قطر في سياق السعودية الصاعدة، الواثقة في موقعها للقيام بدور قيادي أوسع في المنطقة. بحسب هذا المنظور، ساعد الانقسام الطويل والمصالحة في العلا على تسهيل عودة السعودية للظهور. وبينما ظهرت قطر بثروتها الضخمة، وبالقوة الناعمة، وموارد الطاقة المحورية، فقد ابتعدت عن أجندتها الأيديولوجية المهيمنة السابقة، حيث خفضت دعمها لشركائها، وكما يبدو “قلصت من طموحاتها” نحو القيادة في المنطقة. حاليًا، على الأقل، يبدو أن الدوحة ليس لديها القدرة أو الطموح الاستراتيجي لتكون منافسًا للسعودية.
في هذه الفترة التي تتسم بالغموض، على الأقل في الوقت الحالي، وفي ظل طموحات استراتيجية في المنطقة غير معلن عنها، يبدو أن قطر راضية عن استمالة جارتيها الخليجيتين المؤثرتين والمتنافستين بينما تستمر في القيام بإصلاحاتها. ولجعل الصورة مكتملة، فإن علاقات قطر تتحسن بشكل بطيء وبتردد مع خصمها الخليجي الآخر في البحرين. تشير مكالمة حديثة من ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة إلى علاقات دافئة، لكن تبقى هناك خلافات بارزة بينهما. وإضافة لاستياء المنامة من بطء الدوحة في تطبيع العلاقة مع الدولة الأقل قوة بين الخصوم الخليجيين الثلاثة الأصليين، هناك قضايا موروثة، وخلقت مشاكل في العلاقات، مثل نزاعات الحدود البحرية واتهامات التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما.
عدم احتمالية توقيع قطر لإتفاقات إبراهام… حتى الآن
من غير المحتمل أن يقود التعديل الوزاري – في أي وقت قريب – إلى انضمام قطر لإتفاقات إبراهام. منذ سنوات – بل منذ عقود – وجدت قطر طرقًا للتعامل مع إسرائيل بينما تعزز علاقاتها مع الفلسطينيين، بما في ذلك دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. لكنها أوضحت أنها ستستمر في تأييد القضية الفلسطينية، وقد تجلى ذلك مؤخرًا في طريقتها في استضافة كأس العالم، وتجنب إتفاقات إبراهام. من خلال العمل، كما يبدو في الوقت الراهن، في الظل الاستراتيجي للسعودية، ستتمكن قطر من الحفاظ على هذا الموقف دون أن تتعرض لضغوط كبيرة ما دامت الرياض ترفض بالمثل التوصل لإتفاق رسمي مع إسرائيل. وعندما يحين ذلك الوقت، الذي يتوقعه الكثيرون، قد تجد قطر أنه من الضروري مراجعة موقفها.
الولايات المتحدة ترحب بالتعديل الوزاري والمساعدة القطرية
نظرًا لطبيعة العلاقات الإيجابية الأمريكية-القطرية الحالية، فليس غريبًا أن ترحب الولايات المتحدة بالتعديل الوزاري في قطر، حيث عبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن امتنانه “للشراكة الدائمة” لواشنطن مع قطر. تتحدث وسائل الإعلام مؤخرًا عن جهود قطرية في غاية الأهمية كوسيط في دعم قضية حساسة (لم تنتهِ بعد) لتبادل سجناء أمريكيين وإيرانيين، ويرى بعض المحللين أن ذلك مقدمة لمساعٍ مكثفة لجهود إحياء الاتفاق النووي بشكلٍ ما. إضافة لذلك، زار تميم طهران في مايو/أيار 2022، وزار محمد بن عبد الرحمن طهران في يناير/كانون الثاني 2022، حيث وقف بجانب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي واجتمع مع الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي. كما عبر المسؤولون الأمريكيون بشكل واضح عن مدى تقديرهم للدعم القطري أثناء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وما تلاه، حيث استقبلت الدوحة الآلاف من القوات الأجنبية والمدنيين في عام 2021، بعد أن سهلت واستضافت لسنوات المفاوضات الأمريكية الحساسة مع حركة طالبان التي بشرت بالانسحاب. برز امتنان الولايات المتحدة بشكل واسع خلال زيارة وزير الخارجية لواشنطن في فبراير/شباط، مباشرة بعد زيارته لطهران. ولطالما كانت هناك قناعة لدى الشخصيات العسكرية الأمريكية المؤثرة، وعلى مستوى القيادة في القيادة المركزية الأمريكية والبنتاجون، بدور قطر المهم، وأشادت بمساهمات الدوحة في استضافتها للمقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية والقوات الأمريكية الأخرى في قاعدة العُديد الجوية.
تعتبر التعديلات الوزارية في الخليج حدثًا معتادًا إلى حد ما. في منطقة لا يوجد فيها أحزاب سياسية وغيرها من الدلائل على صخب السياسات الانتخابية التنافسية، فإن التعديلات الوزارية تساعد في إعطاء مؤشر على تغيير سياسي طفيف وعملية انتقال للمستقبل. وبينما لا يوجد ضرورة للمبالغة في أهمية التعديل الوزاري القطري، فإن حركة تشكيل حكومة جديدة تساعد في فهم بعض الضغوط على قطر، وبعض الاحتمالات فيما يتعلق بآفاقها، وبعض الديناميكيات الأوسع في الخليج. بالطبع فإن الأخيرة تشمل العلاقات بين الخصوم السابقين، والعلاقات مع الولايات المتحدة، والتطورات بين إيران ودول الخليج والولايات المتحدة، حتى إنها تقدم لمحة عن المنافسة الاستراتيجية بين دول الخليج الرئيسية في العقد المقبل.