ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في عام 2010، فازت قطر بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، متغلبة آنذاك على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. كانت الأخبار مفاجئة في جميع أنحاء العالم لأن قطر لم تلعب قط في نهائيات كأس العالم، ومن المؤكد أنه لم يتم اختبار قدرتها على استضافة مثل هذا الحدث الرياضي الكبير. في ذلك الوقت، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد برزت أكثر على الخريطة، ويعود الفضل في ذلك، على الأقل، لقطاع السياحة الجذاب في دبي. وفي غضون ذلك، أبقت السعودية على صورتها المحافظة واقتصار السياحة على المواقع الدينية. بعد اثني عشر عامًا، شهدت دول الخليج تحولات هائلة. ستعود بطولة كأس العالم بفوائد كبيرة على كل من قطر والسعودية والإمارات، على الرغم من تاريخ علاقة هذه الدول وخلافاتهم المتجذرة، تحاول هذه البلدان تعظيم الأثر الإيجابي لهذا الحدث الضخم على المنطقة.
سلطت أزمة الخليج الأخيرة، التي امتدت من عام 2017 إلى عام 2021، وما سبقها من صراع في عام 2014، الضوء على الخلافات بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية. وتمثلت مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر عام 2017 في إغلاق المجال الجوي والحدود البحرية، ما تسبب في وقف الرحلات الجوية مع إغلاق المعبر البري الوحيد لقطر مع السعودية. في أوائل عام 2021، تصالحت الدول الخليجية خلال قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة العلا بالسعودية. ومنذ ذلك الحين، ساهمت التحضيرات لكأس العالم في تحويل التركيز من الخلافات المشتركة إلى المصالح والتحديات المشتركة، خاصة ما يتعلق بالسياحة والرياضة. واتخذت كل من قطر والسعودية والإمارات خطوات متماثلة لتنويع اقتصاداتها لحقبة ما بعد النفط والغاز، وعملت هذه الدول على توسيع القطاعات السياحية لديها، وتعزيز تطلعاتها في مجال القوة الناعمة.
استثمرت منطقة الخليج بشكل هائل في الرياضة على مدى العقد الماضي. بدأ الاهتمام القطري والإماراتي بالألعاب الرياضية على المستوى الدولي فعليًا بشراء أندية كرة قدم في أوروبا. حيث استحوذت الإمارات على مانشستر سيتي في عام 2008، واستحوذت قطر على باريس سان جيرمان في عام 2011. وانضمت السعودية مؤخرًا إلى هذا التوجه بشرائها نادي نيوكاسل يونايتد في عام 2021. وفي حين أن امتلاك أندية كرة القدم يمكن أن يساهم في تحقيق تطلعات القوة الناعمة الخليجية في الخارج، فإن جلب الرياضة إلى المنطقة يتماشى مع اهتمام دول الخليج بتوفير الترفيه والجذب السياحي كوسيلة لزيادة الإيرادات غير النفطية. كما أن الاستثمار الخليجي في الرياضة شمل أيضًا استضافة مباريات المصارعة للمحترفين وبطولات التنس وبطولات الجولف والسباقات الدولية.
سوف يتيح صغر حجم قطر لمشاهدي كأس العالم حضور أكثر من مباراة في اليوم الواحد. وهذا يعني أيضًا أن أماكن الإقامة ستبقى محدودة لـ 1.5 مليون مشجع من المتوقع أن يأتوا لزيارة البلاد خلال البطولة التي تستغرق شهرًا. سيعود النقص في أماكن الإقامة في قطر بالفائدة على الدول الخليجية المجاورة، خاصة الإمارات، التي أصبحت الوجهة المفضلة للزوار الباحثين عن المزيد من الخيارات السكنية بأسعار معقولة. وتحسبًا لتدفق المشجعين، منحت السعودية حاملي تذاكر كأس العالم تأشيرات متعددة الدخول إلى المملكة. وستقوم شركات طيران خليجية متنوعة بتشغيل أكثر من 160 رحلة مكوكية لربط الدوحة بالمدن في الدول المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هنالك مناطق لعرض مباريات كأس العالم للمشجعين في كل من قطر والسعودية والإمارات. كما نظمت قطر جولات دعائية في السعودية والإمارات، نظرًا للعدد الكبير من حاملي التذاكر من هذين البلدين، لإطلاع المشجعين على الأنشطة والخدمات اللوجستية خلال كأس العالم.
واجهت قطر انتقادات بشأن معاملة النساء والعمال الوافدين منذ فوزها باستضافة كأس العالم. كما واجهت الدول المجاورة انتقادات مشابهة، واتخذت خطوات مماثلة لمعالجة هذه القضايا في السنوات القليلة الماضية. فقامت السعودية بالتخفيف من قيود الوصاية على النساء في عام 2019، وأعلنت عن إصلاحات عمالية تهدف لتحسين ظروف العمال الأجانب في عام 2021. كما أدخلت الإمارات، في عام 2021، إصلاحات قانونية مستفيضة تتعلق بالمرأة والعمال الأجانب. واتخذت قطر خطوات لمعالجة وضع العمال الوافدين من خلال الإصلاحات العمالية في عام 2020، وزيادة الحد الأدنى للأجور والسماح للعمال بتغيير وظائفهم دون الحاجة إلى إذن صاحب العمل. في أكتوبر/تشرين الأول، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إن بعض الانتقادات التي تستهدف قطر كانت بناءة حيث عملت البلاد على معالجة هذه القضايا. وفي حين يتعين على الدول الخليجية أن تقطع شوطًا طويلا فيما يتعلق بالإصلاحات، إلا أن مثل هذه الجهود تظهر الاهتمام المشترك لدول الخليج بتحسين صورتها في الخارج، لا سيما أنها تهدف إلى جذب السياح والاستثمارات من الخارج.
مؤخرًا، تصدرت قضايا مجتمع الميم في الآونة الأخيرة المجال الجديد للانتقادات الموجهة لقطر وجيرانها. حيث كثف لاعبو كرة القدم ونشطاء حقوق الإنسان والسياسيون، على حد سواء، انتقاداتهم لدول الخليج بشأن هذه القضية. خلال سباقات الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في السعودية وقطر، ارتدى البريطاني الحائز على بطولة العالم سبع مرات، لويس هاميلتون (Lewis Hamilton)، خوذة قوس قزح دعمًا لمجتمع الميم. وأعلن قائدا منتخبي كرة القدم الألماني والإنجليزي، إلى جانب آخرين، أنهما سيرتديان شارات قوس قزح في مباريات كأس العالم. وقام لاعبو فريق كرة القدم الأسترالي بنشر مقطع فيديو ينتقدون فيه موقف قطر من قضايا مجتمع الميم. بالإضافة لذلك، قالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر (Nancy Faeser)، التي تشمل حقيبتها الوزارية الرياضة أيضًا، إنه لا ينبغي “مكافأة مثل هذه الدول” بالأحداث الرياضية في إشارة إلى قطر.
لقد كان الاعتراض على هذه المشكلة بالتحديد كبيرًا، لأسباب ليس أقلها ردود الفعل المحلية الغاضبة. يجب أن يُفهم ذلك أيضًا في ضوء التأثير العميق لمبادرات التحول الاقتصادي والاجتماعي على المجتمعات الخليجية. لقد حدثت تغييرات على أدوار الجنسين وتطلعاتهم، في حين ظل العديد من مواطني الخليج محافظين بدرجات متفاوتة. لقد وضع هذا الأمر دول الخليج في موقف صعب للغاية حيث تحتاج للمحافظة على انفتاحها على العالم والتأكيد عليه، ولكن في نفس الوقت إظهار بعض التمسك بالقيم والتقاليد الإسلامية للسكان المحليين. ونتيجة لذلك، اتخذت دول الخليج موقفًا موحدًا في معالجة قضية مجتمع الميم. فصادرت كل من وزارة التجارة السعودية ووزارة التجارة والصناعة القطرية عددًا من الدمى من العديد من منافذ البيع بالتجزئة لأنها تُظهر ألوان قوس قزح. وكان لدول الخليج رد جماعي على نتفلكس لبثها محتوى اعتبرته “مخالفًا للقيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية“. كما حظرت دول الخليج عرض فيلم “Lightyear” من ديزني بسبب الاعتقاد بمحتواه المؤيد لمجتمع الميم. ووصفت الإمارات الفيلم بأنه “انتهاك لمعايير المحتوى الإعلامي للدولة”. كما أصدر مجلس التعاون لدول الخليج العربية بيانًا أدان فيه تصريحات فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية التي زارت الدوحة مؤخرًا، وقالت إنه قد تمت “إساءة تفسير” تعليقاتها.
شجعت التحديات التي واجهتها قطر خلال التحضيرات لكأس العالم التعاون بين الدول الخليجية لدرجة لم يشهدها الخليج طوال العقد الماضي أو أكثر. وقد حدث ذلك على الرغم من الخلافات الأخيرة والتنافس المتزايد في المنطقة، لا سيما بين قطر والسعودية والإمارات. قد تتباين الخيارات الجيوسياسية لدول الخليج، لكن بطولة كأس العالم سلطت الضوء على المصالح المشتركة في تعزيز السياحة، ومعالجة القضايا الاجتماعية والدينية، والارتقاء بطموحات القوة الناعمة لديها. لقد تصدت قطر للضغوط السياحية من أجل السماح بالكحول، ولضغوطات الدول الغربية فيما يتعلق بموضوعات مجتمع الميم عن طريق وضع لوحات إعلانية تحمل رسائل إسلامية في مواقع سياحية مختلفة قبل كأس العالم. ويأتي هذا تماشيًا مع محاولة قطر التمسك بمكانة الدين المركزية لدى مجتمعها المحلي والمسلم على الأقل.
إن تحقيق التوازن بين المحافظة على القيم الإسلامية والثقافية وبين العديد من القضايا، التي يأتي بها التغيير السريع الحادث في المجتمعات الخليجية، سيظل يمثل تحديًا لخطط التحول الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة لفترة طويلة بعد اختتام نهائيات كأس العالم في الدوحة في ديسمبر/كانون الأول.