في حين تعمل قطر على استضافة كأس العالم لكرة القدم في نوفمبر القادم، فإن متاحف قطر تهتم بأن تضمن للزوار الاقتراب من المشهد الثقافي للبلاد من خلال الأعمال الفنية في الأماكن العامة.
قبل أكثر من عشر سنوات، فازت قطر بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم، لتكون أول دولة عربية تقومبتنظم هذا الحدث. قبل بضعة أشهر فقط من مباراة الافتتاح، تتحول البلاد من أجل استيعاب حشود الزوار المتوقعة، بما في ذلك مئات الآلاف من لاعبي كرة القدم الدوليين ومحبيهم من المشجعين. وقد بلغت قيمة الاستثمار في الدوحة حوالي 200 مليار دولار، وذلك ببناء سبعة ملاعب لكرة القدم، والعشرات من الفنادق وأماكن الإقامة، ونظام مترو بطول 47 ميلا بالإضافة لتحسين وضع الطرق والبنية التحتية. وبموازاة هذه التطورات وانسجامًا مع رؤية خطة قطر 2030، تم الإعلان هذا العام عن العديد من المبادرات الثقافية الجديدة، بما في ذلك المتاحف وبرنامج الفن العام، بهدف تحسين العروض الثقافية المحلية وتزيين المشهد القطري بالأعمال الفنية الملونة.
نمو المشهد الثقافي القطري
على الرغم من أن الاستثمار في البنية التحتية في قطر قد بلغ ذروته في العقد الأخير، إلا أن تطور المشهد الثقافي في قطر كان في تصاعد مستمر لما يزيد عن 15 عامًا. تقود متاحف قطر، المعروفة سابقًا بهيئة متاحف قطر، المؤسسات الثقافية في البلاد. منذ 2006، تقوم على رئاستها الشيخة المياسة حمد بن خليفه آل ثاني، شقيقة أمير قطر، وكانت هيئة متاحف قطر قد تم انشائها في العام السابق من قبل والدها، الحاكم السابق لقطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. في عام 2013، اختارت مجلة آرت رفيو كلا من الشيخة المياسة ووزير الثقافة الراحل سعود بن محمد آل ثاني كأكثر الأشخاص تأثيرًا في عالم الفن المعاصر لمساعدتهما قطر على اكتساب فن أكثر حداثة ومعاصرة من أي مكان آخر بين عامي 2011 و2013. وتم تصنيف الاثنين بين عامي 2011 و2014 ثلاث مرات من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في عالم الفن المعاصر، جنباً إلى جنب مع المشرفين على صالات العرض ومديري المتاحف والفنانين المشهورين عالميًا.
تحت إشراف الشيخة المياسة، أصبحت متاحف قطر في مقدمة تشكيل وتوجيه المشهد الثقافي في البلاد، حيث أقامت مؤسسات مثل متحف الفن الإسلامي الذي صممه آي إم بي، وكذلك المراكز الإبداعية لتعزيز الفن المحلي بما في ذلك إم 7 وليوان. إضافة لذلك، تشرف متاحف قطر على برنامج قوي من اللجان الفنية العامة والمعارض، تفيد التقارير أنه يتم إنفاق ما قيمته مليار دولار في العام على اقتناء الأعمال الفنية لتقديم عروض بمستوى عالمي للمقيمين والجمهور الدولي. وقد شملت المقتنيات في ظل رئاستها لوحة “لاعبو الورق” لبول سيزان (Paul Cezanne)، والتي اشترتها هيئة متاحف قطر بمبلغ 250 مليون دولار في 2012 في صفقة بيع قياسية، والعشرات من اللوحات والمنحوتات الأخرى لبول جوجين (Paul Gaugin) ومارك روثكو (Mark Rothko) وريتشارد سيرا (Richard Serra) وجيف كونز (Jeff Koons) وآندي وارهول (Andy Warhol)، والتي تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات.
خلال العقد الماضي، في الوقت الذي استعدت فيه قطر لاستضافة كأس العالم، أعلنت متاحف قطر عن إقامة المزيد من المؤسسات الثقافية. في 2010، تم افتتاح المتحف: المتحف العربي للفن الحديث، الذي يضم أكبر مجموعة متخصصة من الفن الحديث والمعاصر من العالم العربي والدول المجاورة. في مارس/آذار 2019، أعيد افتتاح متحف قطر الوطني في الدوحة في مبنى جديد صممه “المهندس المعماري البارز” جان نوفيل (Jean Nouvel). وفي منتدى الدوحة 2022، تم الإعلان عن ثلاثة متاحف أخرى، متحف مطاحن الفن وهو متحف إبداعي متعدد الاستخدامات في موقع مطحنة دقيق سابقة، ومتحف قطر للسيارات، والذي سيعرض السيارات القديمة والنادرة، ومتحف لوسيل، الذي سيعرض أغلى مجموعة من فن المستشرقين في العالم. وكان من المناسب، قبل انطلاق كأس العالم في الدوحة بأشهر قليلة، افتتاح متحف قطر الأولمبي والرياضي 3-2-1 للجمهور في استاد خليفة الدولي في الدوحة كأول مؤسسة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
التحول إلى الفن العام
هذه المؤسسات هي مجرد مظهر واحد من الاستراتيجية الثقافية لمتاحف قطر. لجعل المشهد الفني متاحًا للجمهور بدرجة أكبر، عمدت متاحف قطر إلى إنشاء برنامج قوي للفن العام. وكجزء من مبادرة قطر تُبدع، وهي “حركة ثقافية مستمرة طوال العام” تسعى للعمل على ترويج الفن والثقافة للمواطنين والزوار، تم مؤخرًا توسيع المجموعة الكبيرة، حقًا، من الفن العام في الدولة، بالإعلان عن حوالي 40 عملاً فنيًا جديدًا قبيل كأس العالم. وأعلن مدير الفن العام في متاحف قطر، عبد الرحمن آل إسحق، أنه يرى في تقديم الفن العام في الدولة “قطعة الكرز التي تعلو الكعكة”– الكعكة تمثل إنجازات البنية التحتية والاقتصاد والتعليم والصحة. وبالنسبة له، عروض الفن العام هي إشارة على تقدم قطر ونجاحها في بناء هذه المؤسسات خلال العقود العديدة الماضية.
وبهدف “إلهام المواهب المحلية وإقامة علاقة عضوية بين الفن والمجتمع المحلي”، فإن “متحف قطر المقام في الهواء الطلق”، الذي يضم حاليًا أكثر من مئة عملًا فنيًا، يأمل أن يجعل الفن جزءًا من الحياة اليومية في الدولة الخليجية الصغيرة. وتتوزع المنشآت والمنحوتات في كل أنحاء الدولة – في مطار حمد الدولي في الدوحة، وفي الصحراء، وفي محطات القطار، وعلى طول مرسى قوارب الترفيه، وفي منطقة السوق القديمة، بالإضافة للمؤسسات العامة والخاص. ومن بين الفنانين الذين عُهد إليهم بالعمل، سيمون فتال (Simone Fattal) ومنيرة القادري ويايوي كوساما (Yayoi Kusama) وجيف كونز (Jeff Koons)، بالإضافة للفنانين القطريين بثينة المفتاح وعائشة ناصر السويدي وشوق المانع، حيث يعكسون مدى متنوع من الأساليب والوسائط والمواضيع والجنسيات والخلفيات. بالنسبة للشيخة المياسة، فإن الفن العام هو “أحد أبرز مظاهر التبادل الثقافي”.
تم اختيار العديد من اللجان في سياق مبادرة متاحف قطر 5/6، وهي مسابقة فنية لمواطني قطر تركز على “موضوع شامل للمجتمع” من أجل التذكير بـ “مرونة الدولة وشعورها الملحوظ بالوحدة والتضامن” خلال فترة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضت عليها في يونيو/حزيران 2017 من قبل بعض دول المجاورة. تقول الفنانة القطرية الشابة شوق المانع، التي تخرجت من جامعة فيرجينيا كومنويلث في قطر والفائزة بجائزة في دورة مسابقة 5/6 لعام 2021، إن انطلاقة المشهد الفني في قطر والدعم المستمر الذي تقدمه الشيخة المياسة للفنانين المحليين كان “مشجعًا جدًا” لها.
يشمل عمل شوق الفني الفائز “عقال” على خمس منحوتات فولاذ مقاوم للصدأ، تتراوح في الحجم بين 11.5 قدم الى 14.5 قدم، على شكل غطاء الرأس التقليدي للرجال القطريين، تتوازن على أهدابها [المنحوتات] في منطقة مرسى لوسيل. تقول شوق إنه عندما تم الإعلان لأول مرة عن مقاطعة قطر كانت تُكمل إقامة فنية في مطافئ ، وهو مركز للابداع الفني في متاحف قطر، “لقد أثار الحدث ردًا عاطفيًا قويًا”، وألهمها دمج النزعة الوطنية بالوحدة في عملها الإبداعي. في العمل الفني الذي نفذته شوق، فإن العقال “يشكل تكريمًا لتاريخ قطر وتقاليدها”، ويُقصد به، من خلال زاويته المرفوعة قليلا، أن يكون “رمزًا للاحترام والتقدير لقيادة قطر ومواطنيها والمقيمين فيها”.
في حين أن بعض الأعمال الفنية ، مثل “عقال” للفنانة شوق ، وعمل حسن بن محمد آل ثاني “الوطن الأم” تتناول موضوعات الوطنية والثقافة والتقاليد في قطر، يلجأ آخرون لاختيار معروضات غريبة ومرحة، ومنها دمية الدب المصباحالقطعة الفنية “أكذوبة” (Small Lie) ومنحوتة الإبهاموزهرتا الأوركيد. وبالمثل، فإن الأعمال الفنية المبتكرة الأخرى التي تزيّن المشهد القطري تتبع نهجًا مجردًا للحياة العامة مع التركيز على المادية والشكل، مثل “معالم” و”توازن” لشعاع علي والمنحوتة “7” و”شرق–غرب/غرب شرق” لريتشارد سيرا (Richard Serra)، أما الأعمال الفنية الأخرى فهي جزء من برنامج “جداري آرت” في متاحف قطر، وتسعى إلى “إعادة إحياء جدران المدينة من خلال الجداريات واللون والفن والجمال.”
هناك قطع من سور برلين، تتم مشاهدتها في حرم جامعة جورجتاون في قطر ومركز قطر الوطني للمؤتمرات، ضمن مجموعة الأعمال الفنية العامة في البلاد، وقد أخذت طريقها إلى قطر في عام 2017 كجزء من “عام الثقافة” بين قطر وألمانيا. تقول سارة فوريامي لولر (Sarah Foryame Lawler) المسؤولة المساعدة عن الفن العام في متاحف قطر إن “الفن العام يخلق رابطًا يسهل الوصول إلى الفن، حين يتم جلبه للجمهور بدلاً من أن يضطر الجمهور للبحث عنه في صالة عرض أو في متحف”. وبما أن الدولة تستعد لاستضافة أحد أكبر أحداث كرة القدم في العالم، فإن سهولة الوصول ووضوح الرؤية تكون عناصر أساسية في هدفها من أجل مشاركة قوتها الثقافية.
دَفَعة كأس العالم
ربما يتساءل الزوار لقطر في الأسابيع التي تسبق بطولة كأس العالم لكرة القدم وخلالها عن العلاقة بين الفن والرياضة. وبينما تدور العديد من الأعمال الفنية العامة حول موضوع الرياضة، مثل منحوتة “التحدي 2015” للفنان العراقي أحمد البحراني، فإن أغلبية الأعمال لا تفعل ذلك. وقد أوضح عبد الرحمن، مدير الفن العام في متاحف قطر، أن كأس العالم ذاته هو ليس فقط عن الرياضة، إنه أيضًا يعبر عن الصداقة والتعاضد والإنسانية. بعد الانتهاء من العديد من الأعمال الفنية، تحديدًا قبل الحدث، يقول بأنه يعتقد أن “هذه الأحداث الرياضية هي بوابة للعديد من القضايا ذات الأهمية”، مثل البيئة والاستدامة والتنوع.
إن استضافة قطر لكأس العالم ستتيح لها فرصة استقبال جمهور مشاهدين يقدر بحوالي 1.2 مليون شخص، ويحتمل أن يساهم ذلك في الاقتصاد المحلي بقيمة 17 مليار دولار. في الوقت نفسه، فإن الحدث يشكل أيضًا فرصة للدولة لإظهار كفاءتها الثقافية والتزامها لتكون وجهة ثقافية إقليمية. إن الاستفادة من جمهور كأس العالم بجلب الفن لهم، في ردهات الفنادق ومحطات المترو وملاعب كرة القدم، تجعل من مبادرة الفن العام التابعة لمتاحف قطر تجسيدًا لهدف الدولة لتنويع اقتصادها من خلال ضخ الاستثمارات السياحية والجهود الثقافية. توفر أعمال الفن العام هذه أيضًا لزوار الدولة، خلال كأس العالم أو على مدار العام، قنوات إضافية للإقبال على قطر.
تقول شوق أن هذا الحدث الضخم أيضًا يوفر للفنانين المحليين، الجدد أو القدامي، ظهورًا لا مثيل له مع الجماهير العالمية، والذين سيتم “تعريفهم بالتراث القطري من خلال العديد من الأعمال الفنية العامة في البلاد”. على سبيل المثال، فإن الملصق الرسمي لكأس العالم 2022 قد تم تصميمه من قبل الفنانة القطرية بثينة المفتاح، تخرجت هي الأخرى من جامعة فيرجينيا كومنويلث في قطر. ومثل العمل الفني الخاص بـ شوق في منطقة لوسيل، يعتمد ملصق بثينة على التراث القطري، مستخدمًا العقال والذاكرة الجمعية. وتُظهر تصاميم ملصقاتها شبابًا قطريين باللباس الوطني في الصحراء للتعبير عن الطاقة الحيوية للرياضة والتوقعات المتعلقة بكأس العالم.
تخطط قطر لتجعل بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 قطرية بامتياز، وذلك من خلال حشد عشرات الفنانين، محليًا ودوليًا، وإنعاش شوارع الدوحة بأعمالهم الإبداعية، ليكون الفن جزءًا من الحياة اليومية.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.