ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بعد مرور أكثر من أربعة عقود على اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، ما تزال القوتان العسكريتان الإيرانيتان، جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحرس الثورة الإسلامية، منخرطين في حالة من المنافسة الشرسة. لم تكن المنافسة مجرد نتيجة جزئية للتداخل في المسؤوليات، والتنافس على الموارد المحدودة، والاختلافات العقائدية. بل إنها تعكس تفضيل النظام وجود مؤسسات متوازية، يكبح بعضها جماح الآخر. ولكن هل وصل التنافس، الذي يحث عليه النظام ويرعاه بين الجيش وحرس الثورة الإسلامية، إلى درجة من شأنها أن تقوض النظام؟
إن مقابلة وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية في 31 مايو/أيار مع الأدميرال (العميد البحري) حبيب الله سياري، قائد البحرية الإيرانية من عام (2007-2017)، وإزالة الوكالة الفورية لمقطع الفيديو، وظهور جزء منه مدته 14 دقيقة من تصريحات سياري مرة أخرى على الإنترنت، تعطينا فكرةٍ ما حول عمق أزمة النظام العسكري الإيراني المزدوج.
تحدث سياري بصراحة، وأحيانًا بشكل عاطفي للغاية، مطالباً بالعدالة للجيش. وتساءل عن سبب إشادة الإعلام الحكومي فقط بتضحيات وإنجازات حرس الثورة الإسلامية خلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988) في حين يتجاهل تضحيات وإنجازات الجيش. وفي إشارة للثقافة الشعبية، تذمر سياري من تصوير السينما الإيرانية التي تخضع للرقابة الحكومية لضباط الجيش بشكل هزليٍ وضيع، وتشيد بشكل متواصل بالبطولة والتضحية بالنفس في صفوف حرس الثورة الإسلامية. وقال سياري في تحدٍ مباشر لحرس الثورة الإسلامية: “لماذا التباهي بهذا الإنجاز أو ذاك ليل نهار؟ فالعدو سيستغل هذه المعلومات!”
ومن الأمور الأكثر إثارة للجدل، ما نُقل على موقع نبض بازار الإلكتروني عن سياري متحدثًا ضد تورط حرس الثورة الإسلامية في الأعمال التجارية والسياسة: “ليس من المناسب أبداً أن تتدخل القوات المسلحة في النشاط الاقتصادي. تمشياً مع التوجيهات السياسية، أحجم الجيش عن النشاط الاقتصادي، كما أننا لا نتدخل في السياسة”. وأضاف سياري موضحًا: “يجب على الجيش أن لا يتدخل في السياسة. هذا لا يعني أننا لا نفهم السياسة جيداً. لا، فنحن نفهم السياسة على أكمل وجه، ونحللها ونستوعبها، لكننا لا نتدخل فيها، لأن التسييس يضر بالقوات المسلحة”.
أحد كبار قادة الجيش ينتقد علانية تفضيل النظام في تعامله حرس الثورة الإسلامية وتدخلاته في السياسة والاقتصاد، هذا أمراً غير مسبوق، لكن تذمر الجيش قديم قدم الجمهورية الإسلامية نفسها.
وعلى الرغم من إعلان الجيش الإمبراطوري في 11 فبراير/شباط 1979 عن التزامه الحياد أثناء الثورة، إلا أن قادة الثورة كانوا يشتبهون في احتفاظ الجيش بولائه لشاه إيران المنفي. لذلك، قامت القيادة الجديدة في طهران بتطهير الجيش بوحشية في أعقاب الثورة مباشرة، ورحبت بظهور الميليشيات التي اندمجت لاحقاً لتشكيل حرس الثورة الإسلامية. ومن الملاحظ أن آية الله العظمى روح الله الخميني، زعيم الثورة، قد عارض الدعوات التي كانت تنادي بحل الجيش. وبقي الجيش بدوره منذ ذلك الحين محافظاً على ولائه للجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من ولاء الجيش، إلا أن النظام كان على الأغلب يفضل حرس الثورة الإسلامية على الالتفات للإحباط الكبير لقادة الجيش.
إن تفضيل النظام في معاملته لحرس الثورة الإسلامية يُعزى جزئياً إلى طبيعته المسيسة للغاية، والتي يمقتها الجيش المحترف. وذلك بالضبط بسبب اعتماد النخب الحاكمة في الجمهورية الإسلامية على دعم حرس الثورة الإسلامية لهم في مواجهة المعارضة السياسية المحلية، حيث يستجيب الحرس لرغباتهم. من ناحية أخرى، فإن الجيش، الذي لا يتدخل في السياسة المحلية والمكلف دستوريًا بالدفاع عن وحدة أراضي إيران، يحظى باهتمام أقل.
أثارت مقابلة سياري موجة من التعاطف العام والدعم بين الجماهير، وموجة جديدة من التهجم اللفظي ضد حرس الثورة الإسلامية. وتحسباً لردود فعل الحرس الثوري، أصدر الجيش في 2 يونيو/حزيران بيانًا أدان فيه النشر الجزئي للمقابلة. وزعم الجيش أن مقطع الفيديو الذي تم نشره “قد خضع لتفسير وتحليل محابٍ وغير وديّ”. كما شدد البيان على أن “وحدة القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخصوصاً بين الجيش والحرس، أمر جوهري لا يُمكن تحطيمه”.
لكن الضرر حدث بالفعل. وشنت الصفحات الشخصية وقنوات تويتر المقربة من حرس الثورة الإسلامية على منصة المراسلات الفورية، تيليجرام، حملة ممنهجة تتهم سياري بتلقي الأموال من حكومات أجنبية، والخيانة، وخيانة الثورة. وبعبارة أخرى، فإن التشكيل بالذات للنظام العسكري الإيراني، ورعاية النظام للتنافس بين النظامين العسكريين (حرس الثورة والجيش النظامي)، يعمل الآن على تقويض النظام.