ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
واصل الرئيس ترامب حملته ضد التحقيق بفضيحة التدخل الروسي في الانتخابات، وذلك في الوقت الذي دخل فيه التحقيق مرحلة حرجة ومحفوفة بالمخاطر للرئيس ومساعديه، بعد الكشف عن قيام المحقق الخاص روبرت مولر بتعيين هيئة محلفين في واشنطن في مؤشر بأن التحقيق سوف يستمر لأشهر، مع امكانية توجيه التهم ضد بعض الشخصيات التي يتم التحقيق معها. وخلال مهرجان أمام مؤيديه في ولاية ويست فيرجينيا، رفض ترامب صحة الاتهامات الموجهة ضد مقربين منه بالتواطؤ مع الروس في تدخلهم في الانتخابات، معتبرا هذه الادعاءات “مفبركة كليا”، متناسيا أن جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية أكدت حقيقة التدخل الروسي، وأن أربعة لجان في الكونغرس تحقق بالموضوع، إضافة إلى المحقق الخاص مولر. وتفادى ترامب ذكر مولر بالاسم، وإن قال إنه يأمل في أن تكون نتائج التحقيق “نزيهة”. وادعى ترامب أنه بدلا من أن يقوم المحقق بالتحقيق بعلاقات حملته وبعض مساعديه مع الروس، عليه أن يحقق بقضية البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون.
وتزامنت تصريحات ترامب، وتعيين هيئة المحلفين مع انحدار ملحوظ في شعبية الرئيس ترامب. وجاء في استطلاع لمؤسسة كوينيبياك أن 33 بالمئة فقط من الأمريكيين يوافقون على أداء الرئيس ترامب، مقابل 61 بالمئة لا يوافقون على أدائه. وهذا يظهر انحدار شعبية ترامب من 40 بالمئة في 29 حزيران- يونيو الماضي إلى مستواها الجديد، أي 33 بالمئة، وحين كانت نسبة الذين لا يوافقون على أداء ترامب آنذاك 55 بالمئة. وأظهر الاستطلاع أيضا أن أكثرية من الأمريكيين تنظر سلبيا إلى الرئيس ترامب في أكثر من مجال. فقد قال 54 بالمئة منهم أنهم يشعرون بالإحراج لأن ترامب هو رئيس البلاد، بينما رأى 57 بالمئة منهم أن ترامب يسيء استخدام صلاحياته الرئاسية، كما رأى 60 بالمئة منهم أن ترامب يعتقد أنه فوق القانون، بينما يرى 71 بالمئة من الأمريكيين أن ترامب “ليس متزن العقل”.
ويعني تعيين هيئة محلفين في واشنطن أن مولر يحقق في جرائم جنائية اقترفت في المدينة وأن أي محاكمات سوف تجري في واشنطن حيث يقع البيت الأبيض. ويحق لهيئة المحلفين أن تحقق وتستجوب سرا أي مسؤول دون حضور محاميه معه، وأن تطلب الحصول على أي وثائق تحتاج إليها، مثل الرسائل الإلكترونية، وسجلات الهاتف، والوثائق المالية والضرائبية من أي مصدر ترتأيه مناسبا. ويعتبر تعيين هيئة محلفين، أهم تطور إجرائي وقانوني يتخذه المحقق مولر منذ تعيينه قبل أكثر من شهرين. وحتى الآن عين مولر 16 عشر محاميا من ذوي الخبرات العالية وخاصة في المجالات الضريبية والمالية.
وجاء هجوم ترامب ضد التحقيق على خلفية تكهنات كثيرة بأنه لا يزال يعتزم إقالة المحقق مولر، لأنه متخوف من أنه سيحقق بسجلات الرئيس (وأفراد عائلته) المالية وأي صفقات مع أفراد أو مؤسسات أجنبية يمكن أن تكون مشبوهة، والأهم من ذلك التحقيق في سجلاته ووثائقه الضرائبية، وهي مسألة اعتبرها ترامب “خطا أحمرا” يتعين على مولر عدم تخطيه. ويتخوف بعض المراقبين، من أن تكون محاولات ترامب المستمرة لنزع صفة الشرعية عن التحقيقات، وجهوده لتجييش وتعبئة قاعدته الشعبية التي تنحسر باستمرار وتحريضها ضد “المستنقع” السياسي والإعلامي في واشنطن، مقدمة للعودة إلى هذه القاعدة ومطالبتها بالنزول إلى الشوارع للاحتجاج ضد أي إجراء قانوني محتمل يطاله أو يطال أفراد من عائلته، مع ما تحمله مثل هذه الخطوة من مخاطر سياسية وحتى أمنية.
وفي مؤشر جديد حول توتر العلاقات بين ترامب والجمهوريين في الكونغرس، بادر أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ مثل ليندسي غراهام وتوم تيليس بالتعاون مع أعضاء ديمقراطيين مثل كوري بوكر وكريس كونز بطرح مشاريع قرارات تحد كثيرا من قدرة الرئيس ترامب على إقالة المحقق مولر، أو حتى تحظر ذلك. وذلك في محاولة لضمان بقاء مولر لمواصلة تحقيقاته. كما قرر أعضاء مجلس الشيوخ، استخدام حيلة برلمانية لإبقاء مجلس الشيوخ منعقدا، بصورة شكلية وبالرغم من مغادرة أعضائه لقضاء إجازاتهم، خلال العطلة الصيفية التي تستمر حتى الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر لمنع ترامب من استغلال غياب الكونغرس وتعيين بديل لوزير العدل سيشنز، في محاولة لطرد المحقق مولر.
وكان الجمهوريون في الكونغرس قد انضموا إلى الديمقراطيين في التصويت بأكثرية ساحقة لفرض عقوبات جديدة ضد روسيا، وتمنع الرئيس ترامب من إلغاء هذه العقوبات قبل العودة إلى الكونغرس. وبعد تردد استمر لخمسة أيام، وقع الرئيس ترامب على مشروع العقوبات، ولكنه احتج على القانون مدعيا أن بعض بنوده غير دستورية، تاركا الانطباع بأنه قد لا ينفذ هذه البنود. وينسجم موقف ترامب هذا، مع رفضه الاعتراف بأن روسيا وحدها كانت مسؤولة عن التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وبعد توقيع ترامب، أصبح مشروع القرار قانونا ملزما للولايات المتحدة. وهذه هي المرة الأولى، التي يفرض فيها الكونغرس الجمهوري، على رئيس جمهوري التوقيع على قانون يعترض عليه، ولكنه عاجز عن استخدام حق النقض الفيتو ضده، لأن الكونغرس أقر القانون بأكثرية ساحقة تلغي مسبقا أي فيتو رئاسي. وكان من اللافت أن ترامب لم يوقع على القانون أمام الصحافيين والمراسلين، كما يفعل عندما يوقع على القرارات التنفيذية، كما تفادى الإجابة على أسئلة الصحافيين بشأنه. وكان هناك استياء كبير في أوساط المشرعين، لأن ترامب واصل عبر تغريداته لوم الكونغرس بدلا من روسيا. وكان رئيس وزراء روسيا دميتري ميدفيديف قد وجه انتقادا لاذعا لإدارة الرئيس ترامب بسبب “ضعفها الكامل”، لأنها لم توقف قانون العقوبات، مدعيا أن العقوبات “قد أنهت أي آمال بتحسين العلاقات مع الإدارة الجديدة”.
تسريب وترهيب
ومرة أخرى تعرض الرئيس ترامب للإحراج بسبب تسريبات للصحافة أظهرت تصرفاته غير الرئاسية. وجاء في محضر لأول اتصال هاتفي بين الرئيس ترامب ونظيره المكسيكي انريكي بينيا نييتو أن ترامب حض نييتو على أن يتوقف عن القول علنا إن المكسيك لن تدفع ثمن الجدار الذي يعتزم ترامب بنائه على الحدود، لأن ذلك سيحرجه أمام الأمريكيين، كما قال لنييتو أن الجدار هو المسألة الأقل أهمية بين القضايا العالقة بين البلدين. كما وصف ترامب ولاية نيوهامبشير الأمريكية بأنها منطقة “موبوءة بالمخدرات”، الأمر الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات من ممثلي الولاية في الكونغرس الأمريكي. وفي محضر أول اتصال بين ترامب ورئيس وزراء استراليا مالكولم تورنبول شكى ترامب من اتفاق توصلت اليه استراليا مع إدارة الرئيس السابق أوباما يقضي بقبول واشنطن لبضعة آلاف لاجيء من استراليا. وقال ترامب إن الاتفاق “سوف يقتلني”، وإنه محرج لأمريكا، وانتهت المكالمة بعد أن وصل إحباط ترامب إلى ذروته قائلا لتورنبول ” لقد سئمت ” من مناقشة الموضوع، وأنهى المكالمة. قد تكون مثل هذه التسريبات محرجة، ولكنها ليست التسريبات التي يخشاها ترامب بالفعل. ما يريد أن يوقفه ترامب هو سيل التسريبات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات، مثل الكشف عن اجتماعات المسؤولين في حملته مع مسؤولين روس أو أفراد من الأوليغارشية الروسية المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، أو الكشف مثلا عن الاجتماع السري الذي جرى في صيف 2016 بين نجله دونالد ترامب جونيور مع شخصيات روسية بهدف الحصول على معلومات مضرة بمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ويهدد ترامب منذ أشهر بمعاقبة المسربين، قائلا إن ما يفعلونه يشكل انتهاكا للقوانين ويمس بأمن البلاد. وفي تطور مقلق لأنه يمس حرية التعبير التي يحميها الدستور، أعلن وزير العدل جيف سيشنز، تلبية لطلب من ترامب، عن إجراءات لمكافحة التسريبات بما في ذلك ارغام الصحافيين على الكشف عن مصادرهم. وقال “أحد السياسات التي نراجعها الآن هي تلك المتعلقة بمقاضاة الإعلاميين” لمحاربة ما وصفه “بالعدد الضخم من التسريبات التي تقوض قدرة حكومتنا على حماية هذه البلاد”. وقال سيشنز، الذي تعرض في الأيام الأخيرة إلى سخرية الرئيس ترامب العلنية، بما في ذلك وصف سيشنز بالضعف لأنه عاجز عن وقف التسريبات، إن وزارة العدل “سوف تتخذ موقفا” قويا ضد التسريبات، مشددا على أن “ثقافة التسريب هذه يجب وقفها”. واعتبر الإعلاميون والحقوقيون هذه المواقف بمثابة محاولة لترهيب الاعلام وتخويف المسربين المحتملين. طبعا، تسريب معلومات استخباراتية ضرورية لأمن البلاد، هو انتهاك للقوانين ويتطلب إجراءات قضائية. ولكن التسريبات التي يشكو منها ترامب وحكومته هي بمعظمها تسريبات لا علاقة لها بالأمن القومي، وخاصة تلك التي تكشف عن الصراعات الداخلية بين الأجنحة المختلفة في البيت الأبيض وغيرها.