هناك اهتمام إعلامي يتنامى بشأن التدخل الروسي في ليبيا، نتيجة لتقرير رويترز المنشور في 14 مارس/آذار والذي يقول بأن موسكو “تبدو أنها نشرت قوات خاصة في قاعدة جوية بغرب مصر، بالقرب من الحدود مع ليبيا.” هذه القوات، والتي ورد في التقرير ذكرها، تتكون من 22 وحدة بشرية، انتشرت لدعم الجنرال خليفة حفتر، والذي يسيطر على شرق ليبيا. ويناهض حفتر الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة (ومن ثم بموافقة روسيا)، والتي تستقر في الجزء الغربي من البلاد، برئاسة فايز السراج.
وكعادة موسكو في ردة فعلها على التقارير حول نشر القوات الروسية، أنكرت إرسالها لقوات خاصة إلى ليبيا، أشارت موسكو إلى دعمها لحفتر خلال مناقشات عديدة رفيعة المستوى، بما في ذلك المناقشات التي دارت مع وزير الخارجية الروسي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويغو. كل ذلك يؤكد التوقعات بشأن احتمالات نوايا بوتن في ليبيا؛ يرى المراقبون أن له نوايا عدة، بما في ذلك تقديم الدعم لزعيم موالي لروسيا، كي يحكم كل ليبيا، وإنعاش (وربما توسيع) الاتفاقات التي كانت في عهد القذافي، بشأن مشاركة روسيا في قطاع النفط الليبي وبيع السلاح، وتأسيس قاعدة بحرية روسية أخرى في المنطقة، ومنع النظام الموالي للغرب من السيطرة على كل ليبيا، أو التعاون مع حلف شمال الأطلنطي.
ربما تسعى موسكو بالفعل لتحقيق هذه الأهداف – أو ربما تأمل في ذلك، إذا ما تم إحلال الاستقرار الكافي في ليبيا، لتمكينها من فعل ذلك؛ لكن أيا ما كانت آمال موسكو التي تهدف لتحقيقها من خلال دعم حفتر، ما يبدو جليا هو أنها تفعل ذلك بالتنسيق مع مصر. الحقيقة أن دعم روسيا لحفتر ربما يتصل بطموحات روسيا في مصر كما هو في ليبيا.
توطد موسكو علاقاتها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودائما ما كانت تفعل ذلك منذ أن أطاح بالرئيس الاخواني المنتخب، محمد مرسي، في عام 2013. تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية حين خفضت إدارة أوباما إمدادها للقاهرة بالسلاح عقب هذا الحدث – حيث رأى أوباما أن السيسي يحول دون التقدم نحو الديمقراطية في مصر، بينما يرى السيسي نفسه بأنه لم يتم تقديره بالشكل المناسب من قبل واشنطن، لإنقاذه مصر من إسلامي ديماجوجي منتخب، وقتها عرض بوتين بيع الأسلحة الروسية لمصر، ومن ثم تحسنت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير.
إلا أنه بالرغم من وجود علاقات وثيقة بين بوتين والسيسي، فمصر تستمر في الاعتماد أولاً على الولايات المتحدة كشريك أمني. هناك شكوك في موسكو بشأن تحول السيسي حيال روسيا، وبأن هذا التحول يبدو أقل فيما يتعلق بإعادة توجيه السياسات الخارجية المصرية المؤيدة في اتجاهات روسيا، وأن هذا التحول كان مجرد جهود لتحفيز واشنطن للتعاطف مع مخاوف القاهرة، إلا أن دعم السيسي لحفتر في شرق ليبيا قد أمد موسكو بفرصة لمساعدة مصر على شيء يشكل أهمية كبرى لها، ولم يكن لأوباما أن يدعم السيسي في ذلك، كما أن ترامب لم يبلور سياسته حيال هذا الأمر.
فالقاهرة مثل الآخرين قلقة بشأن وجود تنظيم داعش وجهاديين آخرين في ليبيا، لكن مصر مهتمة بإحلال الاستقرار في شرق ليبيا، حيث تشترك في حدود معها؛ خاصة وأن الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة، والكائنة في طرابلس، لا تبدو قادرة على حكم حتى الجزء الغربي من البلاد، لذا فإن السيسي يرى حفتر الأمل لتحقيق الاستقرار في شرق ليبيا.
يخدم انضمام روسيا للسيسي في دعم حفتر أهداف الحكومة المصرية في ليبيا، كما أن روسيا ومصر ليستا الداعمتين الوحيدتين لحفتر، فالإمارات العربية المتحدة تدعمه أيضا، وكذلك فرنسا. مثل مصر، فالإمارات العربية المتحدة وفرنسا هما حليفتان مهمتان للأمريكيين. في مسألة حفتر، فإن روسيا تتسق مع هذه الدول الحليفة للولايات المتحدة أكثر من الولايات المتحدة نفسها، لكن هذا لا يعد مؤشراً على أن أي من هذه الدول، بما في ذلك مصر، عازمين على الابتعاد عن واشنطن، والاتجاه لموسكو، لكنه مؤشر على أن واشنطن لا يمكنها الاعتراض بقوة على تصرفات موسكو، بسبب الدول الحليفة لها، وإلا أبعدت مصر والدول الأخرى التي تدعم حفتر. وبالطبع، فإن إدارة ترامب يمكن أن تتفق مع القاهرة وموسكو على أن حفتر هو الأفضل في إبعاد الجهاديين عن شرق ليبيا.
هناك سؤال يطرح نفسه حول ما إذا كانت موسكو تستطيع أو تقبل بأن تدعم حفتر، أو اتباع سياسة في ليبيا أكثر عدوانية، قد تجدها القاهرة غير مألوفة. هناك سابقة لذلك في سوريا، بالرغم من أن موسكو وطهران تدعمان نظام الأسد، فإن روسيا وإيران تسعيان خلف أهداف متعارضة – فموسكو مستعدة لرحيل الأسد أكثر من طهران، وموسكو تدعم الأكراد السوريين، بينما لا تدعمهم طهران، وطهران وحلفاؤها الشيعة ضد إسرائيل، بينما موسكو لديها علاقات جيدة مع الدولة اليهودية. وجود روسيا في ليبيا أقل بكثير من وجودها في سوريا، ويعتمد بشكل كبير على تعاون مصر للمضي في سياساتها حيال ليبيا. لذلك، فإن اتباع سياسات تزعج القاهرة لن يؤذي العلاقات مع مصر فحسب، بل سيقلل أيضا من قدرتها على العمل في ليبيا، وبناء عليه، فإنه من غير المطروح أن يفعل بوتين ذلك.
سؤال آخر مطروح ألا وهو: ما هي قدرة كل من روسيا ومصر وأي دولة أخرى ترغب في دعم حفتر؟ الإجابة على هذا السؤال ليست واضحة، حيث أن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في غرب ليبيا ضعيفة جداً، وحيث أن موسكو والقاهرة ترغبان في رؤية ليبيا موحدة تحت حكم متعاطف معهما، فإن حفتر لا يبدو أنه قادر على توحيد ليبيا تحت حكمه. من الممكن أن تساعد روسيا في محاولات مصر وتونس والجزائر الجارية للوساطة بين الفصائل الليبية المتصارعة، والتي لا تعارض الجهاديين فقط، ولكنها تعارض بعضهم البعض. لكن حتى الآن لم تتمكن روسيا ولا غيرها من القيام بذلك في ليبيا؛ ربما أفضل ما يمكن أن يأملوا في تحقيقه من خلال دعم حفتر هو توفير درجة من الأمن في شرق ليبيا، لكن، حتى ذلك يحتاج إلى جهود مضنية. وبذلك، فإن ليبيا لن تكون مكسباً جغرافيا سياسياٍ بالنسبة لروسيا كما يخشى الكثير من الغرب.
نشر هذا المقال في الأصل مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.