ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
حاولت الدبلوماسية السعودية على مدى السنوات أن تدفع موسكو إلى التخلي عن دعمها لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، ولإيران، من خلال الإصرار على إمكانية تعزيز الروابط الاقتصادية بين المملكة ومجلس التعاون لدول الخليج من جهة وروسيا من جهة أخرى. وقد أفصح وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير مؤخرًا عن تطلُّع الرياض إلى قبول موسكو بعرضٍ كهذا عندما قال في تصريحٍ له في تموز/يوليو: “إنّه لمن المنطقي أن تلاحظ روسيا أنّ علاقتها بنا ( أي المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج) هي التي تصبّ في مصلحتها، وليس تلك التي تربطها بالأسد”. وعاد وأضاف: “نحن مستعدون لإعطاء روسيا حصةً في الشرق الأوسط سوف تجعل منها قوّةً أعظم من الاتحاد السوفيتي”..”
إلّا أنّ الآمال السعودية قد أُحبطت عندما باشرت قاذفات القنابل الروسية بحملاتها الجوية فوق سوريا انطلاقًا من قاعدة همدان الجوية في غرب إيران. وكانت موسكو قد بدأت بإرسال قاذفاتها في وقتٍ سابق من قاعداتها في جنوب روسيا، وهي أبعد بكثير عن أهدافها السورية من قاعدة همدان. وفي حين قد تتزايد الأهمية العسكرية لانطلاق القاذفات الروسية اليوم من إيران، يحمل هذا الواقع أهميةً سياسية كبيرة، بمعنى أنّه يشير إلى صلابة التحالف الروسي-الإيراني لدعم نظام الأسد، ويبرهن عدم استعداد موسكو للرجوع عن موقفها.
وكان للتقارب الروسي-التركي الأخير تداعيات سلبية على الآمال السعودية بالتحالف مع روسيا. ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في آب/أغسطس إلى “رحيل بشار الأسد” وأضاف أنّه “لا يجوز اعتبار “جبهة النصرة” تنظيمًا إرهابيًا” بما أنّها تحارب “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في سوريا. إلّا أنّ عددًا من التقارير يشير إلى أنّ أنقرة مستعدّةٌ للتعاون مع موسكو وطهران من أجل التوصّل إلى حلٍّ يبقى فيه الأسد رئيسًا للجمهورية، شرط أن يتمّ فرض “إصلاحاتٍ” معيّنة، وأن تضغط روسيا وإيران على أكراد سوريا للانسحاب من المنطقة التي سيطروا عليها في شمال غرب سوريا مقابل وقف تركيا لدعمها للقوات المعارضة للأسد. وبغضّ النظر عن مدى صحّة هذه التقارير، يبدو أنّ التقارب التركي-الروسي يشير إلى أنّ إسقاط الأسد لم يعد أولويةً بالنسبة لأردوغان، بل بات يركّز بشكلٍ أساسي على حصر المنطقة التي تقع تحت سيطرة القوات الكردية السورية التي يراها مرتبطة بحزب العمّال الكردستاني، وهو المجموعة الكردية المعارِضة في الداخل التركي.
ومع توسيع روسيا لتعاونها العسكري مع إيران في سوريا وإزاحة تركيا للعوائق التي تقف في وجه تحقيق الهدف الروسي-الإيراني الكامن في الحفاظ على نظام الأسد وهزيمة أعدائه، من الواضح أنّ موسكو لا تجد أي ضرورةٍ للابتعاد عن الأسد أو طهران مقابل تعزيز الروابط الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية والخليج. بل يتناول الإعلام الروسي اليوم إمكانية التعاون الاقتصادي السعودي-الروسي في ما يخص تسعير النفط ومشاريع الطاقة الذرية السعودية ومجالاتٍ أخرى من دون التطرّق إلى كيفية تأثير دعم روسيا للأسد أو تعاونها مع إيران على العلاقة الروسية-السعودية. وبالفعل، يلمّح الإعلام الروسي إلى أنّ المملكة العربية السعودية تخسر أمام روسيا، ليس في سوريا فحسب، بل في عالم الاقتصاد أيضًا. وورد في إحدى آخر مقالات صحيفة “برافدا” الروسية أنّه “يبدو أنّ السعودية قلقةٌ اليوم حيال خلفية لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع القادة الإقليميين من إيران وتركيا وأذربيجان، التي تطرّق فيها المسؤولون إلى مسألة التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي. ويظهر أنّ المملكة تخشى أن يتمّ تشكيل اتّحادٍ جديد قد يتمكّن من تجريد السعودية من احتكارها لسوق النفط”.
لكن يبدو أن هذا التحليل خاطئٌ بالطبع، فمن المستبعد جدًّا أن ينجح أي اتّحادٍ نفطي تقوده روسيا وتغيب عنه السعودية في رفع أسعار النفط (خصوصًا مع إصرار روسيا على رفضها للحدّ من الإنتاج النفطي الروسي لتحقيق هذا الهدف)، وقد فشلت الجهود (إذا صحّت التسمية) لبناء اتّحادٍ للغاز. ولا يهمّ إن كان هذا التحليل خاطئًا أم لا، فالأهمّ هو معرفة ما إذا كانت روسيا تؤمن بهذه الخطة وتعمل على أساسها. فإذا كانت موسكو ترى، على الرغم من المشاكل الاقتصادية التي تمرّ بها والتي تفاقمت مع فرض العقوبات الغربية عليها، أنّ “حاجة السعودية لروسيا أكبر من حاجة روسيا للسعودية”، فلن تُحدث موسكو أي تغييرٍ في سياساتها تجاه سوريا وإيران مقابل تعزيز روابطها الاقتصادية مع المملكة، مع العلم أنّ روسيا تتوقّع من السعودية أن تستمرّ في سعيها لتحقيق ذلك في كلّ الأحوال.
فماذا يمكن للسعودية أن تفعل لتغيير السياسة الروسية في ظلّ هذه الظروف؟ يمكن للمملكة أن تستمرّ في دعمها للمعارضة السورية أو أن تعززه حتّى، فترفع بذلك ثمن دعم روسيا للأسد. ويمكنها أن تستمر في إنتاج كمياتٍ كبيرة من النفط لإبقاء أسعار البترول منخفضةً، فتلحق بالضرر على الاقتصادَين الروسي والإيراني. ويمكن للمملكة أن تشنّ حملةً للعلاقات العامة تتوجّه فيها إلى السُنّة في العالم العربي وخارجه، تركّز فيها على وقوف روسيا إلى جانب إيران والشيعة ضدّهم. وقد تسعى الرياض إلى بناء تحالفاتٍ أقوى مع دولٍ تشعر بأنّ روسيا تشكّل خطرًا عليها، ولو لم تشعر بتهديد كافٍ من إيران. وفي النهاية، يتوافر أمام المملكة خيار القبول ضمنيًا بواقع أنّ روسيا وإيران قد ربحتا المعركة السورية، والعمل بشروط موسكو على أمل دفعها إلى كبح طهران. وقد تظهر احتمالاتٌ أخرى أمام السعودية، إلّا أنّ الأحداث الأخيرة قد أوضحت أنّه من غير الوارد أن تتمكّن الرياض من إبعاد روسيا عن الأسد وطهران مقابل الدعم الاقتصادي السعودي.