لو لم تكن وتيرة ونطاق مبادرات التنمية الاقتصادية وسياساتها، التي تم الإعلان عنها خلال السنوات الخمس الأولى من رؤية السعودية 2030، مدهشة بما فيه الكفاية، أظهر صانعو السياسة السعوديون القليل من علامات التباطؤ. يهدف المسؤولون الحكوميون لخلق دائرة فعالة من النمو الاقتصادي، من خلال وضع سياسات أكثر مركزية، ومن خلال المزيد من التعاون مع الشركاء في القطاع الخاص. إن الكم الهائل من المبادرات والبرامج والأهداف الجديدة يوفر العديد من الفرص التجارية. ومع ذلك، فإن النهج المتعدد الأهداف في صنع السياسات الاقتصادية يهدد بإعاقة التقدم الأساسي في أي مجال يتم تحديده.
في مقابلة طال انتظارها في 27 أبريل/نيسان، قدم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجهة نظره فيما يتعلق بمزيد من المركزية في صنع السياسات الاقتصادية، وهو ما يعتبره ضروريًا لدفع رؤية 2030 للأمام. يذكر أن الحكومة قد أنشأت مكتب الميزانية، وتخطط لإنشاء مكتب جديد للسياسات هذا العام. قد تساعد هذه الإجراءات في توفير التماسك والاستدامة الضروريين للاستراتيجيات الاقتصادية المختلفة. في الواقع، كان صندوق النقد الدولي قد أوصى منذ سنوات بأن تضع الحكومة السعودية إطارًا أوسع لتوجيه قرارات الاستثمار والاقتراض.
أي هيئات حكومية جديدة تتولى الإشراف على شؤون الميزانية والسياسة الاقتصادية السعودية سيكون في انتظارها مهام شاقة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن ولي العهد أن صندوق الاستثمارات العامة سوف يستثمر 40 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد المحلي، ما سيجبر صندوق الثروة السيادية في البلاد على الموازنة بين الرغبة في تحقيق عوائد كبيرة من الاستثمارات الدولية مع ضخ رأس مال محليًا. وأشار ولي العهد، خلال المقابلة التي أجراها في أبريل/نيسان، إلى أن “صندوق الاستثمارات العامة يحفز الاقتصاد السعودي أكثر من تحفيزه للميزانية، وهذا الأمر سيستمر”. وفي هذه الأثناء، فإن برنامج “شريك“، وهو برنامج جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص، يهدف لتوجيه ما قيمته 1.3 تريليون دولار من استثمارات الشركات إلى القطاع الخاص من الشركات الوطنية الرائدة مثل أرامكو السعودية والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) بحلول عام 2030. وسيقوم صندوق الاستثمار العام والاستراتيجية الوطنية للاستثمار المرتقبة بضخ مزيد من تريليونات الدولارات في الاقتصاد على مدى العقد القادم، وفقًا لما ذكره ولي العهد.
تهدف المبادرات الأخرى التي تقودها الحكومة لتعزيز القدرات التجارية والتواصل الدولي للشركات السعودية المحلية. في شهر فبراير/شباط، أعلنت السعودية عن خطط لإنشاء بنكٍ لتمويل الصادرات والواردات برأسمال قدره 8 مليارات دولار. وتهدف مبادرة “صنع في السعودية“، التي انطلقت لاحقًا في آذار/ مارس، إلى دعم المنتجات الوطنية على المستوى المحلي بالإضافة إلى ربط الشركات السعودية بالمستوردين العالميين.
كما أعلن محمد بن سلمان عن “مبادرات خضراء” للمملكة العربية السعودية والشرق الأوسط الكبير. في حين أن المبادرات تمتاز بطبيعة بيئية إلى حد كبير، إلا أنها تتضمن مشاريع تهدف لتحسين المعيشة، وتعزيز قدرات الطاقة المتجددة، وإدماج المزيد من التقنيات الهيدروكربونية النظيفة – وهكذا تكون لها أبعاد تجارية عديدة. كثيرًا ما تلتقي الأهداف الصديقة للبيئة مع مشاريع التنمية التي تقودها الدولة، مثل مشروع “ذا لاين” في مدينة نيوم واستراتيجيات الاستثمار الحكومية.
يجب عدم تجاهل المستثمرين الأجانب، حيث تأمل الحكومة السعودية في جذب 500 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى العقد القادم. تكشف أرقام الاستثمارات الأخيرة كم سيكون هذا الأمر صعبًا: ففي الفترة ما بين 2015 و2019، وصل إجمالي صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 25.8 مليار دولار وهو مبلغ ضئيل، وفقًا للبنك الدولي. في 15 فبراير/شباط، أعلنت الحكومة السعودية أنها، من باب تأمين العقود الحكومية، ستطلب من الشركات الأجنبية إنشاء مقر إقليمي في السعودية اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2024 – كجزء لا يتجزأ من الجهود المبذولة ضمن سياسة العصا والجزرة لاجتذاب الاستثمارات. هناك خطط إضافية قيد التنفيذ لتسريع أجندة الخصخصة في البلاد، وتحصيل المزيد من الإيرادات والمدخرات من أصول الدولة.
تسعى الحكومة السعودية كذلك للحصول على استثمارات أجنبية ومحلية من خلال مبادرات تطوير السياحة الجديدة التي ظهرت على الرغم من الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس كورونا في عام 2020. في يناير/كانون الثاني، أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة “كروز السعودية” للارتقاء بسمعة السعودية كوجهة سياحية. في 23 فبراير/شباط، أعلن محمد بن سلمان عن انطلاق شركة السودة للتطوير، وهي هيئة أخرى مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وتخطط لضخ 3 مليارات دولار في مشاريع السياحة والبنية التحتية في منطقة عسير السعودية. وتأتي هذه الهيئات والمشاريع التجارية الأحدث في مقدمة مبادرات التنمية الحالية – نيوم، شركة البحر الأحمر للتطوير، أمالا، القدية – وجميعها مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة.
تستند العديد من هذه البرامج والمبادرات الاقتصادية لخطط التنمية الطموحة التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. إن البرنامج الجديد لصندوق الثروة السيادية للفترة ما بين عامي 2021 و2025 يستدعي زيادة أصوله الخاضعة للإدارة من 400 مليار دولار في عام 2021 إلى 1.07 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2025. حتى إن محمد بن سلمان ألمح في إحدى مقابلاته إلى أنه قد يتم تحويل أسهم أرامكو السعودية إلى صندوق الاستثمارات العامة. ومن شأن إجراء كهذا أن يمكن الصندوق من زيادة حجم أصوله بشكل أسرع، لكنه لن يعكس بالضرورة التطور في المجالات غير النفطية الموعودة في رؤية 2030. كما يهدف صندوق الاستثمارات العامة أيضًا خللق 1.8 مليون فرصة عمل بحلول عام 2025، زيادة على 331 ألف وظيفة تم إيجادها بحلول عام 2020.
لدى مسؤولي صندوق الاستثمارات العامة ما يدعو للتفاؤل بشأن الإمكانات المتعلقة بالاستثمارات المحلية. ولدى السعودية من الثقل الاقتصادي الأساسي ما يكفي لأن تفرض وجودها. فقد استحوذت المملكة على 49.8٪ من القيمة الاسمية لإجمالي الناتج المحلي بين جميع أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست في عام 2020. ومع ذلك، فإن الكثير من السياسات الاقتصادية للحكومة السعودية تشير إلى الرغبة في إنشاء دائرة للتعزيز بحيث يستأثر صندوق الاستثمارات العامة فيها باهتمام أكبر من المستثمرين، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع قيمة هذه الاستثمارات، ما سيؤدي إلى عوائد أكبر والمزيد من رأس المال لضخه مرة أخرى في الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الدورة لا تعمل داخل نظام مغلق، وإنما ترتبط بالقوى الإقليمية والعالمية. وأطلقت دول الخليج العربية المجاورة – الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص- مبادرات تنافسية لجذب الزوار الأجانب والشركات العالمية. في ظل مناورة حكومات دول الخليج العربية للحصول على مركز وسط الانتعاش الاقتصادي بعد الركود، الذي تسبب به فيروس كورونا، تزداد المنافسة الإقليمية على التدفقات التجارية والاستثمارية. وعلاوة على ذلك، فإن استعداد المستثمرين الأجانب للمشاركة في التحول الاقتصادي المستمر للمملكة يعتمد بشكل أكبر على احتمالية الأرباح المرتفعة، وبشكل أقل على أي التزام شخصي برؤية 2030.
إن أسعار النفط المرتفعة قد توفر الحماية المالية قصيرة الأمد اللازمة لإطلاق هذه البرامج والمبادرات الاقتصادية وزيادة جاذبيتها لدى المستثمرين المحتملين. وتتأرجح أسعار النفط فوق 60 دولارًا للبرميل، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض سعر التعادل المالي السعودي للنفط إلى 65.70 دولار في عام 2022. تعمل أرامكو على انتهاز الفرصة لتسويق أصول مختلفة من النفط والغاز للمستثمرين الدوليين، وتفيد التقارير بأن الحكومة تجري محادثات لبيع حصة أخرى من أرامكو بنسبة 1٪.
عندما يفضي تعزيز الدورات إلى النتائج المرغوبة، تظهر الدورة الفعالة. لكن لا شيء ينمو إلى ما لا نهاية. فعلى الرغم من أن تقييم الحكومة السعودية لما تم إحرازه من تقدم خلال السنوات الخمس الأولى من رؤية 2030 كان إيجابيًا إلى حد بعيد، إلا أن هناك تلميحات تنطوي على مزيد من الانتقادات. سيشهد العقد القادم من الرؤية “إعادة هيكلة” لبعض البرامج، والمزيد من “المرونة” المقدمة لبرامج التنفيذ، و”تحويل” مبادرات أخرى. يمكن تخفيض نسبة ضريبة القيمة المضافة عن مستواها الحالي البالغ 15٪.
ونظرًا لوتيرة مبادرات التنمية الاقتصادية وحجمها في السعودية، فإن أي تقدم في نهاية المطاف من المرجح أن يكون إما واسعًا وتراكميًا أو ضيقًا وعميقًا. واتباع نهج أكثر اعتدالاً وتوازنًا في التنمية الاقتصادية في السعودية قد لا يتصدر عناوين الصحف، ولكنه سيقدم مسارًا مستدامًا للمضي قدمًا.