في 23 سبتمبر/أيلول تحتفل السعودية بيومها الوطني، إحياءً لذكرى توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1932. فقد أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز هذا اليوم عطلة رسمية في عام 2005. بعد عشر سنوات، ساهم تنامي النزعة الوطنية التي تميز بها حكم الملك سلمان بن عبد العزيز على تغيير طبيعة الاحتفال من مجرد عرض للعلم السعودي إلى حشدٍ وطنيٍ تقديرًا للدور الذي لعبته القيادة في إقامة الدولة. وفي فبراير/شباط، أعلنت الحكومة عن احتفال إضافي – يوم التأسيس- إحياءً لذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى في عام 1727. تُشَّكِل هذه الاحتفالات عنصرًا هامًا في بناء السردية الوطنية السعودية حيث تسلط الضوء على مركزية الأسرة الحاكمة وأثرها في نشأة الدولة.
على مر السنين، حاول ملوك السعودية إحياء المناسبات الوطنية إلا أن ردود فعل علماء، الذين الذين كانوا يرون أن مثل هذه الاحتفالات تتعارض مع التقاليد الإسلامية، غالبًا ما عرقلت هذه الجهود. في عام 1950، قررت الحكومة السعودية الاحتفال بمناسبة مرور 50 عامًا على دخول الملك عبد العزيز الرياض، ولكن تم إلغاء تلك الفعالية بسبب اعتراض كبار علماء الدين. في يناير/كانون الثاني 1999، أعلن القادة السعوديون عن خططهم للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على استرداد الملك عبد العزيز للرياض، تكريمًا لعهد “الأب المؤسس”، ولا سيما دوره في توحيد المملكة. إلا أن علماء الدين قد أعربوا مرة أخرى عن عدم موافقتهم، وتداولوا فتاوى تحرم الاحتفال. وعلى الرغم من مضي الحكومة قدمًا في الاحتفال، اقتصرت الفعاليات في الأغلب على المقالات الصحفية ومطبوعات مؤسسات الدولة التي تشدد على أهمية المناسبة في ظل غياب مشاركة شعبية واسعة.
استضاف الحرس الوطني السعودي، الذي كان يقوده عبد الله منذ عام 1963 (قبل توليه منصب الملك)، افتتاح مهرجان الجنادرية في عام 1985. وتهدف هذه الفعالية السنوية التي تستمر أسبوعين، بالقرب من الرياض، إلى استعراض وتعزيز النسيج الثقافي المتنوع في المملكة، مع تسليط الضوء على دور الملك عبد العزيز في توحيد البلاد. شهد حكم الملك عبد الله حملة جادة لتعزيز الحس الوطني، من خلال تشجيع المواطنين على المشاركة في مثل هذه الفعاليات، حيث صدر قرار يقضي بمنح عطلة للموظفين والطلاب. وكان لمثل هذه الاحتفالات أهمية خاصة بعد أن شهدت البلاد فترة من الهجمات الإرهابية المتزايدة. ومع ذلك، واصل علماء الدين تداول الفتاوى والتحدث على شاشات التلفاز لتحريم المشاركة. في ذلك الوقت، كان اليوم الوطني يفتقر للتنظيم والرؤية الوطنية الواضحة في ظل غياب خيارات الترفيه لجذب الحشود الجماهيرية، لذلك اتسمت الاحتفالات السنوية بالفوضى والارتباك في معظم الأحيان. كانت أجواء اليوم الوطني، وسلوك الشباب السعوديين المحتفلين، تثير حفيظة رجال الدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تراقب الأحداث عن كثب، ما تسبب في اعتقالات وحوادث سير.
شهد عهد الملك سلمان تنامي الاحتفالات الوطنية دون تدخل أو ممانعة من رجال الدين الذين تضاءل تأثيرهم على المشهد الاجتماعي. فتعمل مؤسسات الدولة والقنوات التلفزيونية على تنمية الحس الوطني بشكل يومي، بدلاً من اقتصاره على يوم في السنة أو لذكرى بعض الأحداث السنوية. ووسعت الحكومة السعودية السردية الوطنية إلى ما هو أبعد من حقبة ومساهمات الملك عبد العزيز للتأكيد على ماضي الأسرة الحاكمة وأثرها. وكان هذا هو السبب في اعتماد احتفال وطني إضافي – يوم التأسيس – في 22 فبراير/شباط. وعقب الإعلان، أوضحت القنوات الإخبارية والصحف السعودية أن يوم التأسيس لن يحل محل اليوم الوطني، ففي الوقت الذي يركز اليوم الوطني على إرث الملك عبد العزيز كمؤسس الدولة السعودية الحديثة عام 1932، يأتي يوم التأسيس للاحتفال بالجذور المبكرة لتشكيل الدولة.
يُحدد يوم التأسيس عام 1727 على أنه بداية الدولة السعودية الأولى على خلاف عام 1744، الذي كان يعتبر عام تأسيس المملكة انطلاقًا من التحالف بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، وهو التحالف الذي ساهم في توسع الدولة. يبدو أن الهدف من يوم التأسيس هو تعديل السردية الوطنية بتقليص أهمية ذلك التحالف كنقطة انطلاق الدولة السعودية الأولى. ساهم الإعلام السعودي على تعزيز السردية الجديدة، حيث صور التركيز على عام 1744 على أنها أسطورة سياسية تتجاهل العديد من السنوات الهامة التي ساهمت في تشكيل الدولة. لذلك تنسب هذه السردية الجديدة الفضل فقط لدور محمد بن سعود في قيام الدولة الأولى. ويهدف الاحتفال بيوم التأسيس كذلك للتخلص من التصور السلبي الذي مثلته الحركة الوهابية وتأثير تعاليمها على بعض الجماعات الجهادية.
وفي حين يُنظر ليوم التأسيس على أنه محاولة من الدولة لفك الارتباط بالحركة الوهابية، إلا أن هذا لا يعني أن السردية الجديدة تهمش دور الدين ومركزيته في المملكة. فلا تزال السعودية تؤكد على أهمية التمسك بالتعاليم الإسلامية، ويتضح هذا في الكتب المدرسية السعودية الجديدة، التي تم تعديلها عام 2019. إذ تستمر هذه الكتب في التأكيد على أهمية الولاء للقيادة من منظور ديني. ومع ذلك، فهي أيضًا تستعرض تاريخ السعودية فيما قبل العصر الإسلامي، مما يتماشى مع تركيز المملكة حديثًا على تطوير المواقع التاريخية لاستهداف السياحة، بينما يتم في الوقت ذاته تعزيز التوجه الديني نحو “الإسلام المعتدل” كجزء من استراتيجية الدولة لتطوير صورتها.
كما يهدف يوم التأسيس كذلك إلى تسليط الضوء على تاريخ المملكة وتقاليدها، فيركز يوم التأسيس على عرض تراث المملكة وتنوعها. وكان للسعوديين دور في بناء السردية الجديدة، حيث نزلوا إلى الشوارع ومراكز التسوق وهم يرتدون الملابس التقليدية من مختلف أنحاء المملكة. وقد تم تسليط الضوء بشكل خاص على أزياء منطقة نجد، موطن الدرعية ومسقط رأس الدولة السعودية الأولى. وبالتالي، فإن الهدف من اليوم الوطني الإضافي هو الانتقال بتاريخ السعودية إلى ما هو أبعد من توحيد المملكة في القرن العشرين للتأكيد على عمقها التاريخي الذي يمتد إلى 300 عام.
تعمل المساهمات المختلفة لمؤسسات الدولة في يوم التأسيس على تعزيز هذه السردية الوطنية الجديدة. فأصدرت هيئة الأزياء، التي تم إنشاؤها مؤخرًا، دليلًا للملابس التقليدية من مختلف مناطق المملكة الخمس. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الثقافة عن انطلاق برنامج منح 1139 البحثية ليوم التأسيس من أجل دعم وتعزيز البحوث الأكاديمية حول نشأة الدولة السعودية الأولى.
مع تحرك المملكة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، تمثل الاحتفالات الوطنية وسيلة لجلب الإيرادات الإضافية، حيث أصدرت الهيئة العامة للترفيه برنامجًا مكثفًا من العروض والأنشطة في جميع أنحاء المملكة للاحتفال باليوم الوطني. وتستضيف منطقة العُلا -التي أصبحت إحدى الوجهات الرئيسية للسياحة في المملكة – مهرجانًا موسيقيًا لعرض المواهب المحلية. وفي السنوات الأخيرة، يعلن قطاع التجزئة عن عروض حصرية لليوم الوطني، الأمر الذي حوّل الفعالية إلى إجازة تجارية بقدر ما هي احتفالية تاريخية.
تسلط الفيديوهات والإعلانات، الصادرة بمناسبة اليوم الوطني، الضوء على مساهمة السعوديين في تنمية البلاد، ويأتي هذا انسجامًا مع رؤية 2030، وخارطة طريق المملكة الخاصة باقتصاد ما بعد عصر النفط، والتي تهدف إلى إشراك المواطنين بشكل أكثر فاعليةً في تحول البلاد. وتعمل مؤسسات الدولة والشركات الخاصة على حد سواء على تعزيز السردية الوطنية من خلال ترويج مقاطع فيديو وطنية على وسائل التواصل الاجتماعي. ويركز أحد مقاطع الفيديو، الذي تم تداوله على نطاق واسع بواسطة هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، على كيفية تأثير اختيار المنتجات المحلية على سلاسل التوريد وتعزيز الاقتصاد الوطني. وأصدرت هيئة السياحة مقطع فيديو احتفاءً بتحول البلاد والدور الذي لعبه المواطنون في هذه العملية. كما سلطت مقاطع أخرى للشركات الخاصة والمطاعم الضوء على الإنجازات الوطنية ومساهمات المواطنين في تنمية البلاد، بالإضافة إلى اعتزازهم بتراث السعودية وثقافتها.
تعد الاحتفالات الوطنية أساسًا لترسيخ وتعزيز السرديات السياسية في منطقة الخليج. فتحتفل العديد من الدول الخليجية بأكثر من يوم وطني أو إحياء لذكرى معينة. في فبراير/شباط، تحتفل الكويت في عيدها الوطني باستقلال البلاد عن الحكم البريطاني في عام 1961، واعتلاء عبد الله السالم الصباح العرش في عام 1950. وفي فبراير/شباط أيضًا، يتم الاحتفال بيوم التحرير وانتهاء الاحتلال العراقي في عام 1991. وعلى نحو مماثل، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/كانون الأول من كل عام بتحريرها من الحكم البريطاني. في عام 2015، أعلن الرئيس الراحل خليفة بن زايد آل نهيان عن يوم الشهيد ليتم إحياؤه في نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بعد أن فقد 45 جنديًا إماراتيًا حياتهم كجزء من الحملة العسكرية في اليمن.
لم تخضع السعودية لاستعمار أوروبي على غرار الدول المجاورة لكي تحتفل بالاستقلال. ومع ذلك، فإن اهتمام القيادة بالاحتفالات الوطنية يمثل محورًا هامًا حيث إن المركزية المطلقة للدولة، والتي أضعفت دور رجال الدين، وغيرت بشكل أساسي القاعدة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، تتطلب سردية وطنية قوية لكي تحظى بالدعم. ولذلك أصبحت احتفالات اليوم الوطني مناسبة هامة لتعزيز هذه السردية ولتقوية النزعة الوطنية في البلاد.