ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
لقد أثارت كارثة الزلازل الهائلة التي ضربت سوريا وتركيا في الساعات الأولى من السادس من فبراير/شباط ردود فعل إنسانية في جميع أنحاء العالم. وفي حين تمكنت تركيا من تلقي المساعدات وتوزيعها على وجه السرعة، فإن الانقسامات التي ترسخت بعد عقد من الصراع في شمال غرب سوريا حالت دون تقديم المساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها في تلك المناطق. كانت السعودية من أوائل الدول التي قدمت مساعدات للمناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى مناطق خارج سيطرة دمشق. تعكس جهود السعودية في سوريا مدى تغير نهج المملكة تجاه القطاع الخيري والذي شهد إعادة هيكلة واسعة النطاق على مدى السنوات القليلة الماضية.
تعد المساعدة الإنسانية والعطاء الخيري من القيم الجوهرية على مستوى المجتمع والسياسة السعودية. إن التركيز على العطاء وتقديم المساعدة للمحتاجين، في البلدان الإسلامية بشكل خاص، قد سمح لعدد من الجهات الفاعلة بجمع التبرعات وتقديم المساعدات داخل المملكة وخارجها. غالبًا ما يتم جمع التبرعات للإغاثة في حالات الكوارث، ودعم البلدان التي مزقتها الحروب بعيدًا عن إشراف الحكومة، في حين تقوم المنظمات الحكومية في الوقت ذاته بتقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم من خلال قنواتها الخاصة.
عرقل تعدد منصات التبرعات، وغياب الرؤية الموحدة أحيانًا، جهود السعودية في تحقيق الفائدة القصوى من مساهماتها الإغاثية، بما في ذلك عدم الاستفادة من كل إمكانات القوة الناعمة لديها. علاوة على ذلك، خضعت المساعدات السعودية لرقابة دولية مشددة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. كما دفعت الهجمات التي تعرضت لها المملكة بين عامي 2003 و2005 إلى تغييرات جوهرية تجاه المساعدات لمكافحة الإرهاب وتنسيق الجهود لمنع تمويل الإرهاب. اتخذت المملكة خطوات جادة لتنظيم المساعدات ومراقبتها، وتم إخضاع المنظمات الخيرية لمزيد من الرقابة.
شمل الاتجاه نحو مركزية السلطة في السعودية على مدى السنوات الأخيرة المؤسسات الإنسانية حيث تأسس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في عام 2015، وأصبح الجهة الوحيدة المسؤولة عن تقديم المساعدات في جميع أنحاء العالم. وحل مركز الملك سلمان للإغاثة محل المنظمات الراسخة الأخرى التي كان لها دور مركزي في تقديم المساعدة على مدى عقود، مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة لرابطة العالم الإسلامي. كما يتم تذكير المواطنين السعوديين باستمرار، من خلال القنوات الرسمية، بالتبرع لحملات المساعدات الخارجية فقط من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة، وتحذيرهم من عواقب تقديم المساعدة من خلال الأفراد أو المنظمات الأخرى.
أطلق مركز مركز الملك سلمان للإغاثة حملة “ساهم” الوطنية عبر الإنترنت لجمع التبرعات لصالح ضحايا ومتضرري الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا. وتمكنت هذه المناشدة من تجميع ما يزيد على 90 مليون دولار في غضون أسبوع. كما أقام المركز جسرًا جويًا لتقديم المساعدات بشكل متواصل مع وصول رحلات جوية إلى أضنة يوميًا. والتحق الممثل السعودي وسفير مركز الملك سلمان للإغاثة فايز المالكي بجهود الإغاثة لتوثيق التطورات على الأرض وبثها مباشرةً. تم نشر مقاطع فيديو لمتطوعين سعوديين يشاركون في هذه الجهود على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع المشاركة في جهود الإغاثة والتطوع في العمل الخيري. تتيح بوابة مركز الملك سلمان للإغاثة الإليكترونية للمتطوعين الانضمام لبرامج مختلفة داخل المملكة وخارجها. وتؤكد رؤية السعودية 2030 على المشاركة المدنية والتطوع ضمن هدفها الرامي إلى دمج الشباب في التحول الذي تشهده البلاد.
أثار ملف تقديم المساعدات للسوريين الجدل، حتى قبل الزلازل، بسبب الصراعات والعقوبات الدولية وتسييس المساعدات. إلى أن تم تخفيف ذلك في أعقاب الدمار الهائل الناجم عن الزلزال حيث سمحت حكومة الأسد بعد أيام من وقوع الزلزال بدخول مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. تجاوز مركز الملك سلمان للإغاثة المداولات مع النظام من خلال إرسال قافلة إنسانية في وقت مبكر إلى الجزء الخاضع لسيطرة المتمردين في شمال غرب سوريا عبر معبر الحمام، قادمةً من تركيا مباشرة دون المرور من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. قام المالكي ببث الرحلة، التي استغرقت يومًا كاملاً، بشكل مباشر عبر تطبيقات سنابشات وتيك توك، وأعد الصحفيون السعوديون تقارير حول هذه الجهود. قوبلت المساعدات السعودية التي وصلت إلى مناطق خارج سيطرة الحكومة بشكل إيجابي من قبل العديد من الصحفيين السوريين والنشطاء على الأرض، الذين شاركوا مقاطع فيديو لعمال مركز الملك سلمان للإغاثة، وهم يوزعون المساعدات وينصبون الخيام. وقد وصلت في اليوم السابق شاحنات محملة بإمدادات إغاثة سعودية إلى منطقة عفرين السورية الخاضعة للسيطرة التركية، في الشمال الغربي أيضًا.
بعد نجاحها في تسليم المساعدات على الأرض في شمال غرب سوريا، بدأت السعودية في إرسال المساعدات إلى حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة، والتي تضررت هي الأخرى بشكل كبير من الزلازل. هبطت الطائرات السعودية التي تحمل مساعدات من مركز الملك سلمان للإغاثة في مطار حلب في 14 فبراير/شباط، في أول تواصل من هذا القبيل منذ عام 2012، عندما قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا. كما أفادت تقارير إعلامية سورية أن طائرة سعودية محملة بمواد إغاثة هبطت في دمشق. وأكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي عقده في بروكسل في 13 فبراير/شباط، على أهمية إيصال المساعدات إلى “جميع المناطق المتضررة من الزلازل في تركيا وسوريا”.
وقد نشطت دول خليجية أخرى بالقدر نفسه في مد يد العون لسوريا وتركيا منذ وقوع الزلزال. على غرار السعودية، تمكنت قطر أيضًا من إيصال المساعدات في وقت مبكر إلى شمال غرب سوريا. زار أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني تركيا كأول زعيم يلتقي بالرئيس رجب طيب أردوغان في أعقاب الزلزال، ما من شأنه تأكيد متانة العلاقة بين البلدين. في غضون ذلك، قدمت الإمارات العربية المتحدة مساعدات للحكومة السورية، وسافر وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق لمقابلة الأسد، الأمر الذي يعكس التقارب الإماراتي-السوري خلال السنوات الأخيرة. ومن المثير للاهتمام أن السعودية قد وضعت نفسها في خضم هذه الجهود الخليجية، وتعمل بالتنسيق مع الآخرين في تركيا، حيث سعت للتقارب مع أنقرة، وقامت بتوزيع المساعدات على المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا (ومناطق أخرى)، دون استعادة العلاقات الدبلوماسية ودون الاجتماع بمسؤولين سوريين كبار.
تشكل المساعدات الإنسانية إحدى ركائز السياسة الخارجية الهامة والمتميزة لدول الخليج. كما يأتي التوجه السعودي غير المشروط بشأن الإغاثة الإنسانية الطارئة في سوريا مخالفًا لتوجهها الجديد نحو الدول التي تحتاج للدعم الاقتصادي، حيث كانت المملكة تقدمه على شكل منح وودائع نقدية مباشرة، ولكنها الآن تتجه نحو الاستثمار في هذه البلدان. وفي حين تعهد الخليج بتقديم المساعدة والدعم لكل من سوريا وتركيا، إلا أن كل دولة خليجية قد فعلت ذلك بشكل مختلف يعكس الديناميكيات والجغرافيا السياسية الإقليمية. كما استطاعت المملكة إعادة هيكلة قطاع الأعمال الخيرية التي كان في العادة يتولى إدارتها – والإعلان عنها – رجال الدين، حيث أصبحت الآن تتم تحت إمرة مركز الملك سلمان للإغاثة، وبدعم من مشاهير السعودية، ويتم تغطيتها مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. يأتي هذا النهج الجديد للمملكة تجاه الجهود الإنسانية منسجمًا مع أجندة التحول الواسعة للمملكة، ما من شأنه أن يسلط الضوء على مركزية السلطة، والتركيز على المشاركة المكثفة للشعب السعودي، ولا سيما قطاع الشباب.