اختتم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتوّه اجتماعه الأخير على الأرجح مع رؤساء الحكومات الملكية الستّ التي تشكّل مجلس التعاون الخليجي. وكان الاجتماع مثمرًا بكلّ المقاييس مثلما نأمل أن يكون كلّ اجتماع بين قادة دولنا. فهذه الشراكات في نهاية المطاف شراكات هامة ودائمة تركتز على مصالح أمنية واقتصادية وجيوستراتيجية متبادلة.
لكن لماذا نتساءل أحيانًا لِمَ أصبحت المملكة العربية السعودية، وهي الدولة الأكبر والأكثر نفوذًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، كبش الفداء الذي تختاره مجموعة بارزة من سياسيي أمريكا ومثقّفيها؟
لقد اعتدنا الحجج الأكثر تواترًا وتستحق كلّها أن نتمعّن فيها. فأوّلًا، يدين الناقدون تغذيةَ تصدير المملكة لتيارها المحافظ من الإسلام والمعروف بالوهابية نموَّ المنظمات المتطرفة العنيفة حول العالم. وثانيًا، لطالما اعتبرت المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان أنّ المملكة تفشل في الالتزام بمعايير السلوك الدولية، وقد زاد تدخّل المملكة العسكري في اليمن من حدة هذا النقد. ومؤخّرًا، أنعشت المطالباتُ الجديدة بالكشف عن معلومات مرتبطة بهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 النقاشَ حول المشاركة السعودية في هذه الأحداث المأساوية.
وليس من الضروري برأيي أن نتجنب مناقشة أيّ من هذه المسائل بشكل عقلاني، إلّا أنّ إصدار اتهامات متهورة ضدّ دولة كانت منذ تأسيسها منذ سبعين عامًا صديقًا أمينًا للولايات المتحدة يعرّض أمننا – ومركزنا في العالم – للخطر.
وإنني أدلي بهذه الملاحظات بصفتي شخصًا يتابع عن كثب الأحداث في المنطقة منذ عدّة عقود، ويؤمن بشدة بأنّه، في عصر خطير ومتقلّب كهذا، قليلةٌ هي الأمور التي تحمي مصالح أمريكا الوطنية وأمنها أكثر من شبكة من العلاقات الاستراتيجية مع شركاء متمكنين يُعوَّل عليهم. ولشدّة إيماني بذلك، انضممتُ منذ عدة سنوات إلى مجموعة من الأصدقاء هنا في الولايات المتحدة وفي الشرق الأوسط لبّوا دعوة ليعملوا كمسؤولين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وهو منظمة مهمتها الأساسية تشجيع المناقشة الدائمة لتلك المسائل التي تؤثّر في دول مجلس التعاون الخليجي في القرن الواحد والعشرين. ومن أهم أهداف المعهد التأكد من أنّ آراء واضعي السياسات – والمشرّعين – الأمريكيين الذين يقع على عاتقهم تأمين مصالح أمريكا في هذه المنطقة البالغة الأهمية مستنيرة.
وأعتبر أنّ هذه المصالح تبرز في صورتها الأوضح في علاقتنا مع المملكة العربية السعودية، إذ تغذي هذه الأخيرة بكونها المتنج المرجّح الأكبر للنفط الخام في العالم اقتصادات شركائنا التجاريين الأساسيين في شرق آسيا وجنوبها. كما وتشكّل المملكة شريكًا بارزًا في مساعينا العالمية لمكافحة الإرهاب، إذ سمحت لنا الاستخبارات السعودية أكثر من مرّة بإحباط هجمات إرهابية صُمّمت لقتل أعداد كبيرة من المواطنين الأمريكيين. وتتمتع هذه الدولة أيضًا بنفوذ هائل في العالم الإسلامي، وبإمكانها المساعدة في تحديد نتيجة النزاعات في أماكن كسوريا والعراق – وكذلك ضمان استقرار بلدان أساسية مثل مصر. وتقدّم لنا علاقتنا بالمملكة فرصةً للتأثير في هذا النفوذ لن نحظى بها بتاتًا بغير ذلك.
وأعتقد أنّ معظم ما يدفع بهذه الاتهامات المفعمة بالعواطف أحيانًا والتي نشهدها اليوم ضدّ المملكة العربية السعودية مبنيّ على نظرة الأمريكيين إليها. إذ يتخيل كثير منهم عندما يفكرون في المملكة صورةَ مجتمع متحفظ بشدة ومتدين للغاية يقاوم الانفتاح على العالم المعاصر. وكما هي حال كافة التصورات النمطية، لم تصدر هذه الصور البسيطة في الواقع من العدم. إلّا أنّ الممكلة تحاول في الحقيقة مواكبة العصر، فلا خيار آخر أمامها، وقيادتها على علم بأنّ الوضع كذلك. ومن أهم المكونات في تغيير شكل الدولة هذا التحاقُ أكثر من مئة ألف طالب سعودي بجامعات أمريكية باستمرار – ويعَدّ هذا استثمارًا هائلًا للمملكة في علاقتها مع الولايات المتحدة ودليلًا واضحًا على الأهمية التي توليها لتنشئة جيل قادم من المواطنين المتعلمين والمتمرسين.
وفي الوقت عينه، توشك المملكة العربية السعودية على إطلاق خطة إصلاح اقتصادي تحوّلي ستتمكن إن نجحت من تغيير هيكلية الاقتصاد المعتمِد على النفط وعلى الأغلب استهلال مرحلة من التغيير الاجتماعي والسياسي لم تشهدها المملكة من قبل.
وتعتمد مصالح وطننا إذًا على دعمنا القادة السعوديين في هذا المسار بدلًا من البحث عن فرص لإحراجهم. ومع أنّ ذلك قد يكون طلبًا صعبًا في هذا الفصل السياسي الحساس الذي نعيشه، من الأساسي أن يقاوم قادتنا المنتخَبون – وأولئك الذين يطمحون ليصبحوا قادتنا – إغراء إحراز أهداف سياسية قصيرة الأمد على حساب مصالحنا العالمية على المدى الطويل.
نُشر هذا المقال على موقع مجلة “ذا ناشيونال إنترست” The National Interest.