ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
التقيت الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لأول مرة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عندما وصلت إلى دولة الإمارات كسفيرة في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2001. كان الشيخ خليفة آنذاك ولي عهد إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية. ونظرًا لاتخاذ واشنطن خيار الحرب بكل ما تعنيه الكلمة في ذلك الحين، كان عليّ أن أستخدم لقائي الأول معه من أجل طلب دعم الإمارات لعدد من العمليات العسكرية في الوقت الذي تحركت فيه الولايات المتحدة ضد القاعدة في أفغانستان. ونظرًا لحساسية الموضوعات المطروحة، فقد طلبت أن يكون الاجتماع فرديًا، ما يعني أن المحادثة ستجرى باللغة العربية لأن الشيخ خليفة لا يتحدث الإنجليزية. أتذكر بوضوح ابتسامته الدافئة عندما ألقيت عليه التحية بلهجتي المصرية العامية، وتعليقه بأنه يرحب بي بشكل مزدوج في الإمارات، لكونه يكن احترامًا كبيرًا لكلٍ من مصر والولايات المتحدة! في ذلك الاجتماع الأول، أوضح لي الشيخ خليفة أنه يدرك أن هذا هو “وقت الحاجة” بالنسبة للولايات المتحدة، وأكد أن الإمارات ستكون شريكًا فاعلاً في دعم جهودنا ضد تنظيم القاعدة.
خلال مهمتي، التي دامت ثلاث سنوات في الإمارات، تشرفت بلقاء الشيخ خليفة في عدة مناسبات لأن والده الرئيس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان قد تنحى عن إدارة الشؤون الحكومية أثناء فترة تعافيه من عملية زراعة الكلى. كان الشيخ خليفة متواضعًا في تعاملاته العامة والخاصة على حد سواء، وكان رجلاً قليل الكلام ويتحدث بهدوء وروية. كان زوارنا، في كثير من الأحيان، من كبار الشخصيات يأتون من واشنطن في مهمات عملية، ولم يتوفر لهم دائمًا الوقت الكافي للاستماع عن كثب أو بعناية، لا سيما عندما بدأ موضوع العراق، وما يجب فعله حيال صدام حسين في الظهور إلى الواجهة في أواخر عام 2002.
أحداث 11 سبتمبر– نداء تحذير للإمارات
كانت الكثير من الأعمال الثنائية للولايات المتحدة في تلك الأيام تتعلق بالتعاون العسكري والأمني الذي أٌقمناه مع الأخ غير الشقيق للشيخ خليفة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان آنذاك نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، ولكنه كان يعمل وزيرًا للدفاع. جاءت أحداث 11 سبتمبر/أيلول بمثابة تحذير لقادة الإمارات؛ حيث ينحدر إثنان من الخاطفين الخمسة عشر من دولة الإمارات. أدرك الشيخ خليفة والشيخ محمد بن زايد نقاط الضعف الخطيرة لهذا الاتحاد الإماراتي الفضفاض، وعملا معًا عن كثب لتعزيز الروابط بين الإمارات السبع على كافة الأصعدة. ولم تكن هذه مهمة سهلة لأن كل أسرة حاكمة كانت تعمل بشكل مستقل نوعًا ما، مع غياب التشاور، أو القليل منه، مع أبوظبي بشأن الأحداث داخل حدود كل إمارة. وكان لكل إمارة جهازها الأمني وقوة الشرطة والقضاء الخاص بها، ولها سلطتها الخاصة على موانئها ومطاراتها. وسرعان ما أدركتُ أنه يجب معالجة العديد من القضايا التي تهم الولايات المتحدة على مستوى كل إمارة على حدة. عندما سعت الحكومة الأمريكية لإنهاء عمليات مهرب الأسلحة الروسي فيكتور بوت (Viktor Bout) في الإمارات، كان علينا أولاً التعامل بشكل مباشر مع الإمارة التي أتاحت له الوصول إلى مطارها المحلي.
في العقد الذي تلا أحداث 11 سبتمبر/أيلول، أجرت الإمارات إصلاحات حاسمة على نطاق واسع شملت الإمارات السبع، بدءًا بالقطاع المالي وضوابط التصدير والجيش والأمن والاستخبارات، والإصلاح الطموح والشامل لنظام التعليم لاستئصال أي إشارة للفكر الإسلامي المتطرف. أوكل الشيخ خليفة للشيخ محمد بن زايد قيادة هذه المرحلة الحاسمة، ودعمه في تحول الإمارات من كونفدرالية إلى اتحاد شديد التماسك، وجعل أبوظبي في قلب عملية صنع القرار بشأن القضايا الحاسمة. وكان لشعبية الشيخ خليفة وعلاقاته الوثيقة مع القبائل والعشائر في كل الإمارات دور حاسم في نجاح إعادة هيكلة الاتحاد وتعزيزه.
حظي الشيخ محمد بن زايد بدعم أشقائه المتمكنين والمثابرين، وجميعهم أبناء الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، والتي لعبت أيضًا دورًا مهمًا من خلال علاقاتها الوثيقة والمؤثرة مع الأسر الحاكمة في الإمارات الأخرى. وتم تكليف الإخوة بأدوار رئيسية على المستوى الاتحادي، من نائب رئيس الوزراء إلى وزير الخارجية، وما يزال معظمهم يشغلون مناصب قيادية عليا. مع تصاعد المكانة البارزة لدولة الإمارات، وجد الشيخ خليفة نفسه مرتاحًا أكثر في التركيز على السياسة الداخلية، وأصبح يميل للابتعاد عن قضايا السياسة الخارجية واللقاءات الضرورية مع كبار الشخصيات، والتي فوضها، برحابة صدر، للشيخ محمد بن زايد. من وجهة نظري، رأيت في نمو هذه الشراكة دليلاً إضافيًا على حكمة الشيخ خليفة وإحساسه الفطري بالثقة، لأنه رأى في التحالف مع الشيخ محمد بن زايد وإخوانه خدمة لمصالح البلاد المستقبلية خلال هذه الفترة الحرجة. وقد أتم الشيخ زايد هذه الشراكة والمسار المستقبلي للبلاد بتعيينه الشيخ محمد بن زايد نائبًا لولي العهد الشيخ خليفة في عام 2003.
إرث الشيخ خليفة
تم تعيين الشيخ خليفة وليًا للعهد من قبل والده في أواخر ستينيات القرن الماضي، ويُنسب إليه الفضل الأكبر في إرساء الدعائم الأساسية لثروة أبوظبي وقوتها التي أوجدت أسس تحويل دولة الإمارات إلى دولة حديثة. فركز في فترة ولايته الطويلة كولي للعهد على تطوير الإمارة، وترك إدارة الاتحاد والسياسة الخارجية لوالده. قام في أواخر السبعينيات بإنشاء العديد من المؤسسات التي كانت السبب في بدء الازدهار الاقتصادي لأبوظبي، ورفعت من مستوى معيشة مواطنيها. وأسس صندوق خليفة للإسكان، الذي قدم التمويل لمشاريع الإسكان للإماراتيين، وأنشأ دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية، التي وفرت قروضًا منخفضة التكاليف لمشاريع البناء للمواطنين. فعززت هذه المبادرات من تطوير القطاع الخاص الناشئ في أبوظبي، والازدهار العمراني الذي استمر دون توقف على مدى العقود التالية.
الأهم من ذلك بالنسبة لمستقبل الإمارة والبلاد ككل، هو أن الشيخ خليفة قد أشرف على استراتيجية أبوظبي الاقتصادية وعلى الثروة الهائلة للطاقة من خلال إنشاء المجلس الأعلى للبترول، وجهاز أبوظبي للاستثمار. عندما أنشأ الشيخ خليفة جهاز أبوظبي للاستثمار كصندوق صغير لاستثمار الفائض من عائدات النفط في الأسواق الخارجية، لم يتوقع أحد أن يصبح هذا الصندوق من أكبر صناديق الثروة السيادية، بقيمة تقدر اليوم بما يزيد على 800 مليار دولار. وتمتلك أبوظبي سابع أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، حيث تنعم بأغلبية النفط في البلاد، الأمر الذي يسمح لها بأن تصبح القوة المركزية للاتحاد الإماراتي، والمصدر الرئيسي لتمويل الحكومة المركزية والتنمية الاقتصادية في كامل البلاد. لذلك كان أمرًا مفروغًا منه أن ينتخب حكام الإمارات الست الأخرى حاكم أبوظبي لمنصب رئيس دولة الإمارات.
خلافة الحكم والاستقرار
تمامًا كما هو متوقع، في 13 مايو/أيار، يوم وفاة الشيخ خليفة، أصبح الشيخ محمد بن زايد حاكمًا لإمارة أبوظبي، وفي اليوم التالي، انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد رئيسًا لدولة الإمارات. وقام حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو شاعر بارع أيضًا، بإعلان ولائه للرئيس الجديد علانيةً قبل تصويت المجلس، وذلك من خلال قصيدة نشرها على حسابه الرسمي على تويتر. إن عملية انتقال السلطة السلس لمنصب الرئاسة للمرة الثالثة في تاريخ الإمارات يشير إلى استقرار البلاد في ظل قادة يتمتعون بالثقة وذوي بصيرة ليس فقط في أبوظبي، وإنما أيضًا في دبي والإمارات الأخرى. غالبًا ما يوصف الشيخ محمد بن زايد بأنه أحد أكثر قادة المنطقة نفوذًا وأكثرهم طموحًا. ويُعزى له الفضل في تنمية القوة العسكرية للبلاد، وتمكين شبابها، وإظهار مجتمعها المنفتح والمتعدد الجنسيات، وتنويع اقتصادها، وإعادة مواءمة علاقاتها السياسية إقليميًا وعالميًا وتعزيزها، لا سيما مع الغرب والولايات المتحدة. كما أوضح الشيخ محمد بن زايد أن الإمارات لن تتسامح مع أي دور للإسلام السياسي، والذي يعتبره تهديدًا مباشرًا لتركيبة البلاد المتعددة الجنسيات، وقد عمل بشكل حثيث ضد صعود الإسلام السياسي في المنطقة منذ احتجاجات الربيع العربي. وفي حين أنه من غير المرجح أن يكون هناك تغييرات جذرية في السياسات المحلية والخارجية لدولة الإمارات، إلا أنه من المرجح أن يكون هناك دافع متسارع لمزيد من التعزيز لنموذج الإمارات الناجح من حيث ميوله العلمانية والتوجهات العالمية في السياسات الخارجية والاقتصادية.