ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الثلاثين من مارس/آذار، أنهى وزير خارجية الصين وانج يي جولةً في ست دول في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من موجة المبادرات، فإن الأخبار التي حظيت باهتمام الجميع كانت توقيع اتفاقية مع إيران يُتوقّع لها أن تقوّي علاقات التعاون في القضايا الاقتصادية والاستراتيجية بين بكين وطهران. ومن الطبيعي أن ترى العديد من الدول في الشرق الأوسط في ذلك تطوراً مزعجاً. ولكن من خلال النظر إلى الصورة الإجمالية، فإن ذلك لا يبدو سبباً للخوف كما ظهر في بداية الأمر.
أولاً، الاتفاقية بين إيران والصين ليست صفقه، هي إطار للتعاون. لا يوجد أي تفاصيل محددة في الوثيقة، على الرغم من التقارير المسربة عن التزام الصين باستثمار 400 مليار دولار. وعندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية زهاو ليجيان في مؤتمر صحفي عن الاتفاقية، وصفها بخطة “ترسم مساراً لتعاون طويل الأمد، وهي لا تشمل عقوداً كمية أو محددة ولا تستهدف أي طرف ثالث”.
وهناك قضية مهمة أخرى وهي أن هذا ليس تطوراً جديداً. وسبق لإيران والصين الإعلان عن إقامة شراكة استراتيجية شاملة أثناء زيارة الرئيس شي جين بينج في يناير/كانون الثاني 2016، مع وجود هدف طموح لزيادة التجارة الثنائية من مبلغ متواضع بقيمة 32 مليار دولار في ذلك العام إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. والواقع أن التجارة بين البلدين قد بدأت تتراجع بينهما باستمرار نتيجةً للعقوبات الأمريكية على إيران ولا يوجد أي تحرك لعلاقات تجارية أكثر عمقًا. إن علاقة الصين الاقتصادية مع الولايات المتحدة هي أكثر أهمية من الشراكة مع إيران، وقد برهنت بكين المرة تلو الأخرى أنها لن تخاطر بتخريب علاقاتها مع واشنطن من أجل النشاط التجاري مع إيران.
إن الموقف الأمريكي يشكل الاعتبار الأكثر أهمية هنا. وقد تمت إقامة شراكة الصين مع إيران مباشرةً بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في 2015. أثناء حملة الرئيس دونالد ترامب في عام 2016، غالباً ما أشار إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) على أنها “أسوأ اتفاق تم التفاوض عليه” وأكد أنه كرئيس ستكون أولويته هي “إلغاء الاتفاق الكارثي مع ايران”، وأقام حملته الانتخابية على سياسة شديدة العدوانية للصين. وعندما تم انتخابه، أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة ستغادر الاتفاق النووي، ونتيجة لذلك، فقد أصبح تواصل الصين مع إيران فاتراً بشكل دراماتيكي. وبعد أربعة أعوام من التدهور المطرد، أصبحت علاقة الصين والولايات المتحدة في حالة متردية وبدأ يعود الدفء لعلاقات الصين-إيران مجدداً. وهذا ليس مصادفة. ويبدو ذلك كتحرك من الصين لزيادة أهمية إيران بوصفها ورقة مساومة في تعاملاتها مع الولايات المتحدة.
يوجد بعض الخوف من أن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران ستجعل الصين تقدم دعماً لإيران في سياستها الخارجية العدائية، ولكن تطلعات إيران لامتلاك أسلحة نووية تقلق الصين. وقد أجرت إدارة الرئيس جوزيف بايدن أولى محادثاتها مع الصين في 18 و19 مارس/آذار في أنكوريج بولاية ألاسكا. وفي الاجتماع، أفادت الأنباء أن الوفدين الصيني والأمريكي اتفقا على أن قضية إيران سيتم العمل عليها معاً، أما نائب وزير الخارجية ما تشاو شو فقد عبر عن القلق بأنه “يوجد بعض التغيرات الجديدة في الموقف النووي الإيراني الراهن. وأن على كل الأطراف زيادة الشعور بالضرورة الملحة”.
إذًا، ما الذي تغير في أسبوع؟ لقد أظهرت الكلمات الافتتاحية في قمة ألاسكا بُعد المسافة بين الصين والولايات المتحدة في الوقت الحاضر. وعلى رأس ذلك، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين صينيين، كما أن بايدن وضع الصين في مكان الصدارة في سياسته الخارجية قائلاً: “سوف نواجه انتهاكات الصين الاقتصادية، وسنتصدى لأعمالها العدائية العنيفة بعدم قبول هجومها على حقوق الإنسان والملكية الفكرية، والحوكمة العالمية”. إن تركيز إدارة بايدن على القيم في علاقاتها الخارجية، والتزامها بالعمل مع ديمقراطيات أخرى يضع الصين في موقف صعب. لم يكن للصين أن تشعر بالقلق من تردي علاقاتها مع الديمقراطيات الغربية خلال فترة إدارة ترامب، لأن الاهتمامات بالقيم والحلفاء لم تكن حاضرة بشكل بارز في توجهات الولايات المتحدة نحو الصين. الآن يتشكل تحالف خارجي متماثل، يضع الصين في حالة تناقض مع أكبر شركائها في التجارة، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكان على القادة الصينيين الإظهار أن لديهم خيارات، لذا؛ ومنذ قمة ألاسكا، قام وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف بزيارة بكين ثم قام وانج برحلة إلى الشرق الأوسط. وليس من قبيل الصدفة أن تكون كل تلك الدول غير مرتاحة من اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن.
القضية المركزية حول علاقات الصين-إيران هي ما إذا كانت تمثل تغيراً بارزاً، وعند النظر إلى الصورة الإجمالية، يظهر أنها ليست كذلك. ومع ذلك، فإن سفير الصين السابق في إيران، هوا ليمينج، لا يتفق مع ذلك. وقد أشار إليها على أنها “تغير بالغ الأهمية” وادعى أن الصين قد أبقت إيران على مسافة منها لتسترضي واشنطن، ولكن “مع وجود تغيرات جوهرية في العلاقات الصينية–الأمريكية، فإن تلك الفترة قد انتهت”. ولكن مثل هذه الملاحظات من السفير الصيني السابق هي أمور متوقعة. والواقع أن العلاقات الصينية–الأمريكية لم تتغير بشكل جوهري. وبالتأكيد هي في أدنى مستوى منذ عقود، ولكن وصف ريان هاس (Ryan Hass) عن الترابط التنافسي مهم، فالدولتان متداخلتان بشكل عميق بعد سنين من المشاركة الاقتصادية المتنامية، وبصرف النظر عن الخطاب حول فك الارتباط، فإن كلا الطرفين يعيان أهمية وضع هذه العلاقة الثنائية في الإطار الصحيح. إنهما يشكلان أكبر شريكين تجاريين لبعضهما. إن التعاقد والاستثمار في الولايات المتحدة منذ 2005 يقدر بـ 190 مليار دولار للصين. ولن تخاطر بكين بذلك من أجل علاقات أقوى مع إيران ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية الهامشية.
بالنسبة لدول الخليج العربية، فقد تكون الاتفاقية باعثة على القلق، لكن منطقاً مشابهاً يمكن أن ينطبق هنا. إن تجارة الصين وتعاقداتها واستثماراتها مع دول الخليج العربية عميقة وواسعة، بينما هي سطحية وضيقة مع إيران. إن مصالح الصين-الشرق أوسطية تجارية بشكل كبير، لذا؛ من غير المعقول أن تخاطر بكين بعلاقاتها القيّمة أكثر مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أجل فرصة تحقيق ربح سريع مع إيران، على فرض قدرتها على تجنب العقوبات. كما أن للإمارات والسعودية شراكات استراتيجية شاملة مع الصين. فالشراكة المُبرمة مع السعودية تم توقيعها قبل أيام فقط من تلك المُبرمة مع إيران، والشراكة مع الإمارات تم توقيعها أثناء زيارة شي عام 2018. لقد توقفت الشراكة مع إيران لمدة خمس سنوات. وفي تلك الأثناء، فإن الشراكة مع السعودية قد تم تنفيذها وتنمو بشكل مطرد. أما الشراكة مع الإمارات فهي ديناميكية بشكل مدهش في غضون ثلاث سنوات منذ توقيعها، وذلك واضح في الإعلان في أواخر مارس/آذار عن المشروع المشترك بين شركة سينوفارم CNBG الصينية ومجموعة 42 في أبوظبي لإنتاج حوالي 200 مليون جرعة من لقاح سينوفارم لفيروس كورونا في الإمارات. مرة أخرى، لن تقوم الصين بالتخلص من سنوات من الرصيد الدبلوماسي والسياسي من أجل صفقة مع إيران، التي لها القليل من الحلفاء المفيدين.
أخيراً، فإن تعميق علاقات إيران والصين ليس من الضروري أن يكون سيئاً. إن كلاً من الإمارات والسعودية لها علاقة ناضجة وشراكة تقوم على المصالح مع الصين. وهذه فرصة لوجود بعض التأثير الإيجابي لقوة عظمى في طهران. إن علاقة إيران-الصين غير متماثلة بشكل أساسي. فإيران بحاجة ماسة إلى الصين، ما يمنح بكين نفوذاً لا نظير له في طهران. إن الشراكة الإماراتية والسعودية مع الصين يمكن أن تكون أداة دبلوماسية مفيدة لمحاولة تغيير السلوك الإيراني.
من الطبيعي رؤية هذه الصفقة كسبب للقلق، ولكنها في الصورة الإجمالية، لن تغير ميزان القوى الإقليمي، ولن تنتقص شيئاً من دول الخليج العربية. في الواقع، يمكنها تقديم فرص للدبلوماسية الإبداعية.