ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لطهران في 22-23 يناير/كانون الثاني 2016، وإصدار بيان مشترك بعد التوقيع على شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين، بدأت الشائعات تحوم بينما كان الطرفان يضعان اللمسات الأخيرة من التفاصيل بشأن ما تشمله هذه الشراكة. فما هي بنود الاتفاقية بالضبط؟ وما هي دوافع الجمهورية الإسلامية للالتزام بهذه الشراكة؟ وما هي احتمالات تحقيقها؟
تعتمد تغطية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين على ثلاثة مصادر رئيسية مفتوحة باللغة الفارسية: أولاً، تقرير في موقع بتروليوم نيوز في 3 سبتمبر/أيلول 2019، والذي يدعي أن الصين ستستثمر 400 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنفط والغاز والنقل في إيران؛ ثانياً، “المسودة النهائية” المزعومة لاتفاقية شراكة مدتها 25 عامًا، والتي بالرغم من أنها تبدو أصلية، إلا أنها صدرت عن وسائل الإعلام المختلفة؛ ثالثاً، الانتقادات الداخلية للاتفاقية إلى جانب رد الحكومة على هذه الانتقادات، والتي ظهرت بشكل أساسي في البرلمان؛ ولم يصدر عن وزارة الخارجية نفسها. وفي حين يوضح استطلاع للمصادر إلى حد ما إطار الاتفاقية ودوافع الجمهورية الإسلامية في الالتزام بالشراكة، إلا أن احتمالات تحقيقها قد تعتمد على عوامل خارجة عن نفوذ الجمهورية الإسلامية.
يتوسع تقرير بتروليوم نيوز إلى حد كبير في البيان المشترك الصادر في 23 يناير/كانون الثاني 2016، ولكنه يهدف أيضاً إلى الكشف عن “تفاصيل” يدعي أن الحكومتين الصينية والإيرانية لا تنويان الكشف عنها للجمهور. ويشير التقرير إلى أن الصين ستستثمر 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية و120 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنقل والتصنيع في إيران. وبالمقابل، ومن بين غيرها من المزايا الأخرى، ستحصل الصين على خصم إجمالي يصل إلى 32٪ على مشترياتها من النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية لمدة 25 عاماً. ونقلاً عن مصدر إيراني لم يذكر اسمه، يزعم المقال أيضاً أنه سيتم نشر 5000 من أفراد الأمن الصينيين في إيران “لحماية المشاريع الصينية”. وبحسب التقرير، فإن الجمهورية الإسلامية، من خلال التزامها بالشراكة، تحاول تأمين الدعم الدبلوماسي الصيني لإيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتحقيق تمويل خارجي لتطوير حقولها النفطية، وربما الأهم من ذلك، تجاوز العقوبات الاقتصادية الأمريكية. ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من المعلومات التي أوردها موقع بتروليوم نيوز، ولكن تم توزيع التقرير على نطاق واسع في وسائل الإعلام باللغة الفارسية.
يعود تاريخ ما تسمى “المسودة النهائية” لاتفاقية الشراكة المكونة من 18 صفحة إلى “خرداد عام 1399″، والذي يمكن أن يكون في أي وقت بين 21 مايو/أيار و21 يونيو/حزيران، ولكنه ظهر لأول مرة على مواقع شبكة الإنترنت الإيرانية في 7 يوليو/تموز. وعلى العكس من مقال بتروليوم نيوز، لا تقدم الوثيقة أي معلومات حول حجم الاستثمارات الصينية في إيران. ولا يوجد ذكر للتخفيضات أو الامتيازات الأخرى للحكومة الصينية. ومع ذلك، توفر الوثيقة خريطة طريق واضحة لكيفية اندماج إيران في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وبحسب الوثيقة فإن الفقرة الأولى في الاتفاقية تعرفها على أنها وسيلة “لتطوير التعاون الاستراتيجي والشامل” في “العلاقات الثنائية، والإقليمية، والدولية”. وتحدد الفقرة الرابعة النفط والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والطاقة النووية غير العسكرية كمجالات للتعاون. وتشمل المجالات الأخرى بناء الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط الشحن التي تربط إيران بالصين، والتعاون في قطاعات أخرى مثل المالية والمصرفية والسياحة والعلوم. الملحق 2 الفقرة ب2، التي تغطي التعاون الإقليمي، تبحث كذلك في صادرات إيران من الغاز الطبيعي إلى باكستان والصين، ومشاريع الطاقة الإيرانية-الصينية المشتركة في العراق، وإشراك الشركات الصينية في صادرات إيران من الكهرباء إلى دول المنطقة، والمشاريع المشتركة في بناء محطات الطاقة الكهربائية في باكستان، وأفغانستان، والعراق، وسوريا. وتبدو وثيقة “المسودة النهائية” أكثر مصداقية من تقرير بتروليوم نيوز لأنها تشبه الاتفاقات التي أبرمتها الصين مع دول أخرى ولم يشكك أحد في إيران بمصداقيتها. ولكن في 8 يوليو/تموز، أصر الناطق باسم وزارة الخارجية سيد عباس موسوي على عدم وجود أي وثيقة صحيحة حتى الانتهاء من المفاوضات مع الصين.
الشائعات والتكهنات الإعلامية حول مضمون اتفاقية الشراكة التي مدتها 25 عاماً، وانتقادات الاتفاقية، ورد الحكومة على الانتقادات تدخل رؤى أخرى إلى القضية. في 20 مارس/آذار 2019، حذر عضو البرلمان حجة الإسلام حسن نوروزي، حكومة الرئيس حسن روحاني من خطط “تأجير جزيرة كيش للصين لمدة 25 سنة”. كما اتهم نوروزي أيضاً حكومة روحاني “ببيع حقوق الصيد في المياه الجنوبية للصينيين سراً والتفكير في فعل الشيء نفسه مع حقوق الصيد في بحر قزوين”. وحذر الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في 28 يونيو/حزيران 2020 من: “أنهم يتفاوضون على اتفاق مدته 25 عاماً مع دولة أجنبية دون السماح لأي شخص بمعرفة ذلك”.
وعلى الوتيرة نفسها من الجدل، في 5 يوليو/تموز، وجّه عضو البرلمان محمد حسن أصفري اتهاماً لروحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف بالتعتيم على البرلمان فيما يتعلق بمفاوضات اتفاقية الشراكة. وفي 8 يوليو/تموز، اتهم محمد رضا سباغيان، وهو أيضاً عضو برلمان، روحاني بتقديم تنازلات مفرطة للصين في اتفاقية الشراكة، وشبهها بخطة العمل الشاملة المشتركة: قدمت إيران تنازلات مفرطة، ولكنها كوفئت بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. وفي هجوم على ظريف من زاوية أخرى، في 8 يوليو/تموز، انتقد مجتبى ذو النوري، وهو عضو برلمان آخر، ظريف بالزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة بدلاً من السعي وراء الاتفاقات الاقتصادية الثنائية مع الصين.
في دفاعه عن سياسة الحكومة في البرلمان، حث ظريف النواب على “الانتباه إلى التحول في القوى العالمية”. وتابع: “لدينا الثقة بالنفس للتفاوض على اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 25 عامًا مع الصين… لا توجد فيها أمور خفية. عندما التقى السيد شي والمرشد الأعلى لمناقشة العلاقات الاستراتيجية واتفاقية لمدة 25 عامًا، تم الإعلان عن ذلك للجمهور. وعندما حملتُ مسودة الاتفاقية إلى الصين، تم الإعلان عنها للجمهور، وكذلك حصل عندما ردت الصين على المسودة… ما زلنا نتفاوض، ولكن عندما نتوصل إلى اتفاق، سوف نعلن ذلك أيضاً [للجمهور]”.
تلقى ظريف دعماً من أوساط لم تكن متوقعة، من وكالة تسنيم للأنباء وصحيفة جافان، وكلاهما تنطقان باسم حرس الثورة الإسلامية. يوضح التنافس التقليدي للنخب التكنوقراطية في الجمهورية الإسلامية، ودعم حرس الثورة الإسلامية الأهمية المرجوة من اتفاقية الشراكة، والاعتقاد بأن وثيقة “المسودة النهائية” التي تم تسريبها صحيحة.
ومع ذلك، لم يعترف ظريف ولا الجهات الناطقة باسم حرس الثورة الإسلامية علانية لماذا تُجبر الجمهورية الإسلامية نفسها على التوجه نحو الصين. في مواجهة حملة “الضغوط القصوى” للإدارة الأمريكية، تتوجه الجمهورية الإسلامية نحو الصين لضمان بقائها. ولكن هل الصين، التي أحجمت حتى الآن عن تحدي سياسة واشنطن تجاه إيران بشكل علني، مستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية في إيران؟ وبالقدر نفسه من الأهمية، هل ستواصل الحكومة الأمريكية حملة “الضغوط القصوى” بعد الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني؟ في ضوء ذلك، تبدو الاتفاقية الإيرانية- الصينية كإطار للتعاون، يعتمد في تحقيقه على عوامل خارجية لا تأثير لإيران عليها.