قامت بوتيكات، وهي منصة كويتية واعدة للتجارة الإلكترونية، بتكليف سيتي جروب في يونيو/حزيران للمساعدة في جمع تمويل بقيمة تصل إلى مليار دولار. بحلول شهر يوليو/تموز، غرقت شركة التجارة الإلكترونية في فضيحة غسيل الأموال، تورطت فيها شخصيات مؤثرة [انفلونسرز] على وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يشكلون الركيزة الأساسية لنموذج أعمال شركة بوتيكات. وبدلاً من أن تصبح بوتيكات “الوجهة المفضلة للجمال على الإنترنت في الشرق الأوسط“، من المرجح أن تصبح مثالا لضرورة الموازنة بين الإبداع القائم على التكنولوجيا والحوكمة الرشيدة للشركات.
تكمن جاذبية بوتيكات إلى حد كبير في مزجها بين تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة التجارة الإلكترونية والتقنيات المالية. أسسها رائد الأعمال الكويتي عبد الوهاب العيسى في عام 2015، من خلال هذه الشركة الناشئة كان يمكن للانفلونسرز على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهم من المشاهير من المنطقة العربية التوصية وبيع المنتجات من خلال واجهات المتاجر الافتراضية. في يناير/كانون الثاني 2018، استثمرت شركة بوبيان للبتروكيماويات 45 مليون دولار في بوتيكات. وفي حين أنها بدأت كمتجر إلكتروني لبيع مستحضرات التجميل والأزياء بالتجزئة في الكويت، إلا أن شعبية المنصة دفعت الشركة إلى السعي نحو وضعية اليونيكورن– وهو مصطلح في مجال ريادة الأعمال، يتم استخدامه لوصف الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار.
ومع ذلك، فقد أدت الفضيحة المالية إلى كبح جماح النجاح التجاري للشركة الناشئة. وكشفت وزارة الداخلية الكويتية عن أسماء العديد من [الانفلونسرز] المشتبه في استخدامهم للبوتيكات لأغراض غسيل الأموال. وأصدر المدعي العام أمراً بمنع سفر المشتبه بهم، وجمد البنك المركزي في البلاد الحسابات التابعة للمشتبه بهم إضافة إلى حسابات بوتيكات ومؤسسها.
تكشفت الفضيحة خلال فترة صعبة لرواد الأعمال الخليجيين. وفقًا لدراسة مشتركة أجرتها ماجنيت وإنسيد (MAGNiTT and INSEAD)، أبلغ 72٪ من مؤسسي الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن انخفاض في الإيرادات الشهرية بنسبة 25٪ على الأقل في النصف الأول من عام 2020. وقد أثر تفشي فيروس كورونا أيضاً على أولويات المستثمرين، من حيث تركيز الصناعة وحجم الاستثمارات. سوف تستغل بعض الشركات الناشئة في الخليج التسارع الجاري في التحول إلى الرقمنة الناجم عن تفشي فيروس كورونا في المنطقة، لكن العديد من الشركات الأخرى ستكافح لتستطيع التكيف مع البيئة التجارية الجديدة.
ستعمل الأزمات الاقتصادية لعام 2020 على اختبار مدى التزام حكومات دول الخليج العربية بدعم مبادرات ريادة الأعمال. تَجَسد دعم الدول لريادة الأعمال بقوة بعد فترات الاضطرابات في 2011 وفترة 2014-2015، ولا تزال آلية السياسة هذه عنصراً رئيسياً في استراتيجيات ورؤى دول الخليج. سلطت عمليات الاستحواذ التي تقدر بمليارات الدولارات للشركات الخليجية الناشئة -مثل استحواذ أوبر على شركة كريم بمقدار 3.1 مليار دولار- الضوء على النظام البيئي للشركات الناشئة وريادة الأعمال في المنطقة. ومع ذلك، فإن الأداء القوي للشركات الناشئة الأصغر – مثل “طلبات” أو “كاريج” في الكويت- هو الذي يوضح إمكانات ريادة الأعمال في المنطقة. وبالرغم من القيود الاقتصادية، من المرجح أن تستمر حكومات دول الخليج العربية في إعطاء الأولوية لتشجيع ريادة الأعمال، لأنها تدعم الصناعات السريعة النمو، ويمكنها أيضاً التخفيف من بعض ضغوط التوظيف المحلية.
تعمل حكومات دول الخليج العربية بشكل فعال على دعم المبادرات التي تنطوي على استخدام وسائل الإعلام والتجارة الإلكترونية والتقنيات المالية المتقدمة. في يونيو/حزيران، افتتح حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، أكاديمية الوسائط الجديدة لإعداد الخريجين لشغل وظائف في مجال التسويق الرقمي. تقدم الأكاديمية برامج تعليمية للشباب من مستخدمي اليوتيوب ومحترفي وسائل التواصل الاجتماعي. كما تمتلك دبي اثنتين من المناطق الحرة، تركزان على التجارة الإلكترونية. ويخطط المسؤولون السعوديون لبناء مدينة إعلامية في الرياض، حيث وافق صندوق (eWTP Capital) -وهو صندوق يركز على التكنولوجيا، وله علاقات بمجموعة علي بابا الصينية- على تحديد موقع مقر المدينة الرئيسي. ويعمل “خليج البحرين للتكنولوجيا المالية” كأحد العناصر الحاسمة في طموح الحكومة البحرينية لتجديد قطاعها المالي والمصرفي الناضج.
استفاد العديد من رواد الأعمال الخليجيين من استراتيجيات التنمية الطموحة، والرغبة في التطور القائم على الإبداع في الخليج. ويستضيف سوق أبو ظبي العالمي مبادرة Hub 71، وهو نظام بيئي تكنولوجي برعاية الحكومة يقدم برنامجًا تحفيزياً سخياً لشركات ناشئة مختارة. علاوة على ذلك، فالعديد من صناديق الاعتماد المملوكة للحكومات في الخليج تهدف إلى توسيع فرص التمويل المتاحة للشركات الناشئة في المنطقة.
وبالرغم من ذلك، يواجه صناع السياسة في الخليج انتقادات أيضاً لأساليبهم الحذرة في التعامل مع التقنيات الجديدة. حيث تبنت العديد من البنوك المركزية في الخليج أساليب حذرة تجاه انتشار العملات المشفرة في أنظمتها الاقتصادية. يخشى المسؤولون الحكوميون الأجانب، وخاصة في الولايات المتحدة، من أن جهات فاعلة خبيثة قد تستغل الأنظمة والشبكات المالية في دول الخليج العربية. وأعلنت وزارة العدل الأمريكية في 13 أغسطس/آب أنها قد صادرت ملايين الدولارات من حسابات العملات المشفرة وصفحات الفيسبوك ومواقع أخرى تُستخدم لتسهيل جمع الأموال للإرهاب عبر الإنترنت. في الحقيقة، تكشف حكاية بوتيكات أن هناك ما يبرر مخاوف المسؤولين المحليين ونظرائهم الأجانب.
على الرغم من هذه المخاوف، فإن تدابير الصحة العامة المتعلقة بفيروس كورونا، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن الركود الاقتصادي ستجعل من الصعب -وغير المرغوب فيه– على الحكومات أن تكبح جماح الشركات الناشئة، وبالأخص شركات التكنولوجيا المالية. وفقًا لدراسة أجرتها يوجوف (YouGov)، ينظر معظم السكان في الإمارات العربية المتحدة بإيجابية إلى الانتقال نحو مجتمع خالٍ من الكاش. قبل جائحة فيروس كورونا، كانت قيمة المدفوعات الإلكترونية تُقدّر بنحو ثلث إجمالي مدفوعات التجزئة في المملكة العربية السعودية، لكن الحكومة السعودية تأمل في زيادة معدل الصفقات غير النقدية إلى 70٪ بحلول عام 2030. أما الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، التي تعتمد عليها الحكومات الخليجية لتحديد احتياجات السوق سريعة التغير والاستفادة منها، فلديها تصورات مختلفة بخصوص تهديدات التقنيات الجديدة.
بالإضافة إلى الدعم الحكومي، اعتاد رواد الأعمال الخليجيون الاعتماد بشكل كبير على المستثمرين. وبدأ الكثير من أصحاب الشركات المملوكة للعائلات ينظرون إلى الشركات الناشئة على أنها فرص استثمارية واعدة، على الرغم من كونها تعزف تقليدياً عن المجازفة. كانت وفرة رأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة في المنطقة تزداد ببطء، حتى وإن كان ذلك بمشاركة كبيرة من الدولة. ومع ذلك، فإن المناخ الاقتصادي الحافل بالصعوبات وظهور فضائح جديدة قد يعقد من عملية جذب الاستثمارات لتتركز في الخليج. إن تنفيذ الأطر الأقوى في حوكمة الشركات والمعايير الصناعية التي تنطبق على الشركات الإقليمية الناشئة يعدّ نقطة انطلاق جيدة.
في مقابلة معه عام 2018، قال مؤسس بوتيكات: “البوتيكات هو مفهوم أصلي وإنتاج كويتي صرف… إن ابتكار شيء من الصفر يتناسب مع مجتمعنا سوف تتوفر له إمكانات أكبر من استنساخ المفاهيم الخارجية في منطقتنا”. يمكن للابتكار الحقيقي أن ينبثق من الخصائص الفريدة لمجتمع ما، ولكن الحوكمة الجيدة للشركات تحول دون السلوكيات غير المرغوبة للأطراف الاجتماعية الفاعلة.