ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
اتخذت دول الخليج العربية إجراءات صارمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا. كانت الكويت من أوائل الدول التي أوقفت الرحلات الجوية مبكرًا في 13 مارس/آذار. وفي 22 مارس/آذار، تقدمت الكويت خطوة أخرى إلى الأمام من خلال فرض حظر تجول جزئي، وحذت حذوها السعودية في اليوم التالي. وفرضت الإمارات العربية المتحدة قيودًا أثرت على العديد من أعمالها التجارية ومواقعها السياحية، ومنعت مواطنيها من السفر، وعلقت دخول حاملي تأشيرات الإقامة. في 23 مارس/آذار، علقت الإمارات العربية المتحدة كافة رحلات المسافرين الجوية الداخلية والخارجية. وفرضت البحرين وقطر إجراءات مختلفة، بما في ذلك إغلاق المدارس ومراكز التسوق والمطاعم، وغيرها من الأماكن الاجتماعية. وأوقفت دول الخليج الكبرى، المملكة العربية السعودية وعُمان، جميع وسائل النقل العام، بما في ذلك الحافلات وسيارات الأجرة والقطارات (في المملكة العربية السعودية)، والعبارات (في عمان).
في حين أن هذه التدابير يمكن أن تساعد في احتواء انتشار فيروس كورونا، إلا أن تفشيه أعاد تحديد مسؤوليات المواطنين ومجتمع الأعمال، وسلط الأضواء على التحديات الاقتصادية والدينية. وأعلنت حكومات الخليج عن حزم الحوافز لدعم أعمالها المحلية. ومع ذلك، فإن انهيار أسعار النفط والتأثير الاقتصادي لفيروس كورونا وضع دول الخليج العربية تحت قيود إضافية. ونتيجة لذلك، أصبح مجتمع الأعمال التجارية حاجزًا بين الحكومة والسكان. إن طمس الخطوط الفاصلة بين الحكومة ومجتمع الأعمال التجارية هو محاولة لجعل التحدي الاقتصادي مسؤولية مشتركة. ويتجلى هذا الشعور بالمسؤولية في استخدام بطاقات تحمل مسميات مثل “التاجر الوطني” لمعرفة أولئك الذين يُظهرون الدعم لحكوماتهم في أوقات الأزمات.
في أواسط شهر مارس/آذار، أطلق رجل الأعمال الكويتي فواز خالد المرزوق مبادرة لتعبئة الدعم للحكومة الكويتية، حيث تبرع بعشرة ملايين دولار في رصيدٍ يوضع تحت تصرف الحكومة. واحتشدت شركات أخرى للمساهمة من خلال تقديم المساعدات المالية والطبية والدعم اللوجستي ووضع الفنادق والمستشفيات وأماكن أخرى تحت سيطرة الحكومة. وأشاد الكويتيون بهذه المبادرات، واعتبروها إعادة تأكيد على التزام مجتمع الأعمال بدعمه للحكومة في أوقات الحاجة
نتيجة لذلك، ارتفعت بعض الأصوات في الإمارات العربية المتحدة مطالبةً الشركات بلعب دور مماثل في إنعاش الاقتصاد ورد الصنيع للدولة. وأشارت بعض هذه الأصوات إلى أن الحكومة ساعدت الأُسر التجارية في الحصول على الأراضي والعقود العامة والأرباح، ولم تطلب منها دفع الضرائب لسنوات. احتج أعضاء آخرون في مجتمع الأعمال، مثل خلف الحبتور، رئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور، بأن الانتقادات المتزايدة على وسائل التواصل الاجتماعي والتقليدي ضد الشركات لا تأخذ في الاعتبار الخسائر المالية التي تكبدوها نتيجة تفشي المرض. وأوضح الحبتور، في مقطع فيديو قام بنشره، الأسباب التي تجعل دعم الشركات من واجبات الحكومة. في اليوم التالي، تبرع بخمسين سيارة إسعاف، ومول إنشاء مختبر لعلوم الفيروسات والأبحاث.
يُنظر إلى مسؤولية مجتمع الأعمال في مساعدة الحكومة كواجب وطني. أكد أكاديميٌ كويتي على أهمية مساعدة الحكومة، مُحتجاً بأنه لا ينبغي لأحد مناقشة تعويض التجار، وبدلاً من ذلك، فقد “حان وقت العطاء”. وأشارت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية نورة الكعبي إلى أهمية العطاء في تغريدة لها عن كلمة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان تحكي قصة تاجر زود الحكومة بالسيارات خلال حرب الخليج دون أن يطالب بأي تعويضات.
تعرض هذه المبادرات والمناقشات نظرةً مثيرةً للاهتمام حول تطور العلاقة التاريخية بين التجار والحكام. قبل عصر النفط، كان الحكام يحتفظون بالسلطة السياسية، بينما يتمتع التجار بالهيمنة الاقتصادية. وتم تغيير ميزان القوى هذا بسبب الثروة النفطية حيث لم يعد الحكام بحاجة للاعتماد على دعم التجار، وهو ما قلل من نفوذهم. أما اليوم، فإن انخفاض أسعار النفط وفرض ضريبة القيمة المضافة في المستقبل في بعض دول الخليج (الكويت في 2021) سوف يضع العلاقة بين مجتمع الأعمال والدولة موضع الاختبار.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، هناك قضايا اقتصادية ودينية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. لذلك، تم توسيع الشعور بالمسؤولية لإشراك جميع السكان بفاعلية في احتواء فيروس كورونا باستخدام هاشتاج “نحن جميعًا مسؤولون” على تويتر. وفي خطاب متلفزٍ، نادر، ألقاه الملك سلمان بن عبد العزيز للشعب في 19 مارس/آذار، أعلن أن المملكة ستواجه صعوبات في الأيام المقبلة. ومع ذلك قُوبل الإعلان بأن ميزانية الدولة ستنخفض بنسبة 5٪، مما سيؤثر بشكل رئيسي على السياحة والمرافق الترفيهية بصورة إيجابية من أولئك الذين يعتقدون أن الدولة قد أفرطت في إعطاء الأولوية للمرافق الترفيهية على مدى السنوات القليلة الماضية.
ومن الجدير ذكره أن الجانب الديني سيشكل تحديًا أيضًا، خاصة بعد إغلاق المساجد، الأمر الذي قد يكون من الصعب الإبقاء عليه طويلًا. قد يكون من الصعب تنفيذ الفصل بين المسؤولية المدنية والامتناع عن الصلاة في المساجد مع بداية شهر رمضان في أواخر أبريل/نيسان. انتشر الأذان كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تم تعديله وإضافة “صلوا في بيوتكم” إليه. هذه الإجراءات لم يسبق لها مثيل في المملكة العربية السعودية، وجاءت بالتزامن مع انفتاح البلاد، وهو ما هدد الفصيل المحافظ في المجتمع.
لتبرير هذه الإجراءات، وضح عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء في تغريدة له أهمية التعاون مع الحكومة لمكافحة انتشار فيروس كورونا قائلًا “إنها مسؤولية الجميع”. ومع ذلك، فقد أعربت شخصيات دينية أخرى في الدول المجاورة عن استيائها، بحجة أنه لم يسبق أن تم إقرار مثل هذه الإجراءات في التاريخ الإسلامي مطلقاً. حذر وزير الشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ في تغريدة من أن الذين ينتقدون إغلاق المساجد هم الأصوات نفسها التي أشاعت الفوضى خلال حرب الخليج وقوضت الوحدة الوطنية.
يبدو أن مواطني الخليج راضون عن الإجراءات التي اتخذتها حكوماتهم حتى الآن لاحتواء انتشار فيروس كورونا. ويعد التفشي السريع للمرض في أوروبا والولايات المتحدة بمثابة تذكير لسكان الخليج بالقدرات التي تمتلكها حكوماتهم لمعالجة الأزمة. وفي حين تواجه اقتصادات دول الخليج العربية عراقيل جديدة وقديمة على حد سواء، إلا أن مجتمع الأعمال هو الأكثر تضررًا. وعلاوة على ذلك، فسوف تتكشف التحديات الدينية في الأسابيع المقبلة مع بداية شهر رمضان، في ظل ازدياد صعوبة الوفاء ببعض الإجراءات التي تفرضها الحكومات.