ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
على الأقل في ثلاث مناسبات، أطلق الحوثيون على مدى أسبوعين في أواخر أكتوبر/تشرين الأول مجموعة من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل. في المرة الأولى، استطاعت حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس كارني، التي كانت تقوم بدوريات في البحر الأحمر، أن تسقط في 19 أكتوبر/تشرين الأول صواريخ كروز والمسيرات الآتية من اليمن. وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول، ألقت إسرائيل باللوم على الحوثيين في انفجار وقع في مدينة طابا المصرية بالقرب من الحدود. وبعد بضعة أيام شنّ الحوثيون في 31 تشرين الأول/أكتوبر هجومهم الأكثر طموحًا حتى الآن، حيث أطلقوا على إسرائيل دفعة جديدة من الصواريخ الباليستية والكروز والمسيرات أسقطتها الطائرات المقاتلة ونظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “أرو”. كما كانت هناك تقارير غير مؤكدة تفيد باحتمال اسقاط السعودية لصواريخ حوثية استهدفت إسرائيل.
من غير المرجح أن تكون هذه آخر هجمات الحوثيين على إسرائيل، وذلك لسبب وحيد، حيث يرى الحوثيون إن عمليات اطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل هي عملية منخفضة المخاطر وعالية المردود. للحوثيين هدفان من تنفيذ هذه الهجمات، أحدهما محلي والآخر دولي. أولًا، يأمل الحوثيون، الذين يرفعون شعار “الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود”، في مواجهة الاستياء المتنامي داخل اليمن من خلال حشد اليمنيين في مناطق سيطرتهم حول عدو مشترك. ثانيًا، على المستوى الدولي، يأمل الحوثيون في توفير بعض الغطاء السياسي لإيران من خلال تنفيذ هجمات لا ترغب الجمهورية الإسلامية في تنفيذها بنفسها في الوقت الحالي.
وبصرف النظر عن نجاح هذه الضربات أو فشلها، المهم هو أن الضرر الذي تسببه الصواريخ والطائرات المسيرة هو في صالح للحوثيين، هذه الهجمات هي هجمات سياسية وليست عسكرية. فالحوثيون لا يملكون القرب الكافي ولا الأسلحة اللازمة ليشكلوا تهديدًا عسكريًا حقيقيًا لإسرائيل. وكما أشار مؤخرًا فابيان هينز، الباحث المتخصص في التحليل الدفاعي والعسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فيما يتعلق بالقدرات العسكرية للحوثيين، “إن طائراتهم المسيرة بطيئة جدًا. صواريخهم الكروز أسرع، لكنها لا تزال بطيئة جدًا مقارنة بالأنظمة الأخرى، وصواريخهم الباليستية يبدو أنها ليست دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا للمسافة التي تحتاج إلى قطعها للوصول إلى إسرائيل، من الصعب جدًا أن تتغلب هذه الصواريخ على الدفاعات الجوية الموجودة حاليًا”.
إن القضية الفلسطينية هى إحدى القضايا القليلة التي يمكن أن يتفق عليها جميع اليمنيين من مختلف الأطياف السياسية، يعرف الحوثيون ذلك، ويتطلعون لاستغلالها كما فعلوا خلال حملة القصف ضد السعودية والإمارات في السنوات الأولى من الحرب اليمنية. ففي الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2017 قدم الحوثيون، الذين كانوا قد نفذوا للتو انقلابًا في صنعاء، أنفسهم على أنهم المقاومة ضد ما وصفوه بالعدوان السعودي-الإماراتي. وساعدت حملة القصف العشوائية والمتهاونة، في كثير من الأحيان، على حشد اليمنيين في المناطق الشمالية لدعم الحوثيين، لدرجة أن أولئك الذين لم يدعموهم بشكل صريح من قبل كانوا على استعداد لمنح الجماعة بعض الدعم في مواجهة الضربات السعودية.
لكن هذه المشاعر تضاءلت إلى حد كبير مع استمرار الحرب وتوقف الغارات الجوية السعودية والإماراتية. كما أن الإحباط والاستياء من حكم الحوثيين قد تزايدت مؤشراتهما في الشمال، خاصة مع اتخاذ الجماعة خطوات لضمان هيمنتها على القبائل في المرتفعات اليمنية، والبحث، كما يبدو، عن طرق لتهميش المؤتمر الشعبي العام، شريكها السابق.
ينظر الحوثيون إلى الحرب بين إسرائيل وحماس كفرصة لإسكات بعض هذه الانتقادات المحلية. فإذا كان الحوثيين يهاجمون إسرائيل، فإن خصومهم المحليين سيكونون أقل ميلاً لمهاجمة الجماعة.
وعلى الجبهة الدولية، يعتبر الحوثيون الضربات على إسرائيل غطاء لإيران، التي زودتهم بعديد من مكونات هذه الصواريخ التي يطلقونها على إسرائيل. كما قدمت إيران، مثلها مثل حسن نصر الله وحزب الله، دعمًا خطابياً لحماس وتشجيعًا لوكلائها في جميع أنحاء المنطقة، مع أنها، كما يبدو، تريد تجنب حرب مباشرة مع إسرائيل. والأسباب واضحة، فقد أظهرت إسرائيل عزمها بالرد العسكري على أي تصعيد من جانب إيران أو حزب الله، وهي رسالة أكدت عليها الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. لكن حين يتعلق الأمر بالحوثيين تصبح قواعد اللعبة أقل وضوحًا.
ليس لدى إسرائيل تاريخ في استهداف الحوثيين. حتى لو أرادت الانتقام، فإن عدد الأهداف في اليمن، بعد ما يقرب من عقد من الحرب، محدود جدًا، أكثر بكثير مما هو عليه الحال في إيران أو لبنان. وكانت المرة الوحيدة التي استهدفت فيها الولايات المتحدة الحوثيين بشكل مباشر في عام 2016، عندما أطلق الحوثيون الصواريخ على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، ردت عليها الولايات المتحدة بتدمير ثلاثة مواقع رادار يسيطر عليها الحوثيون.
وقد سبق للحوثيين أن وفروا لإيران قدرة معقولة على الإنكار. ففي عام 2019، على سبيل المثال، سارع الحوثيون إلى إعلان مسؤوليتهم عن الهجمات التي شُنت على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص. ورغم أن الولايات المتحدة حسمت في وقت لاحق أن إيران كانت وراء هذه الهجمات، إلا أن ادعاء الحوثيين الأولي حد من تصاعد الأمر عند نقطة رئيسية، مما أثار الشكوك في الأيام التي أعقبت الهجمات مباشرة. فبحلول الوقت الذي تأكدت فيه الولايات المتحدة من مسؤولية إيران بشكل قاطع، كانت النافذة المتاحة للقيام بعمل انتقامي قد أُغلقت تقريبًا.
حتى لو حددت إسرائيل أو الولايات المتحدة أهدافًا عسكرية حوثية في اليمن وضربتها، فمن غير المرجح أن يكون الضرر كبيرًا بما يكفي لردع الجماعة. كما قد تأتي مثل هذه الضربات بنتائج عكسية، بحيث تعزز من قبضة الحوثيين محليًا. هذه هي الحسابات البسيطة التي يقوم بها الحوثيين عند الهجوم على إسرائيل. أي هجمات على إسرائيل ستفيد الجماعة محليًا وإيران دوليًا، وإذا ردت إسرائيل أو الولايات المتحدة عليهم، فسيستفيد الحوثيون من تدفق الغضب المحلي.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.