كانت عبارة “أغلقنا أبوابنا والذكريات ستبقى للأبد ولنا لقاء آخر! مكتوبة على لافتة عند مدخل موقع إكسبو 2020 دبي في الأول من أبريل/نيسان 2022. بعد 182 يومًا، أغلق إكسبو دبي العالمي، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، أبوابه على ما مجموعه 24.1 مليون زيارة، و35,000 فعالية. على مر التاريخ، كانت المعارض العالمية مراكز للإبداع، حيث كان يتم فيها الكشف للمرة الأولى عن مفاخر معمارية مثل برج إيفل، واختراعات مثل هاتف ألكسندر جراهام بيل. ومع ذلك، فقد ثبت تاريخيًا أنه من الصعب على الدولة المضيفة لهذه الأحداث العالمية المحافظة على الدرجة نفسها من الاهتمام الدولي، والاستثمار في خطط التنمية لمواقع المعارض بعد انتهائها.
تقام هذه الأحداث العملاقة كل خمس سنوات، وتستضيفها الدول بناءً على عطاءات تنافسية بإشراف المكتب الدولي للمعارض. تتطلب هذه الأحداث مساحات شاسعة من الأرض، وغالبًا ما تقام خارج المدن الكبرى. تمت إقامة إكسبو 2020، على سبيل المثال، في الجنوب من إمارة دبي -على بعد حوالي 45 دقيقة بالسيارة من برج خليفة في وسط الإمارة – وأصبح المحطة الأخيرة في مترو دبي اعتبارًا من يونيو/حزيران 2021. حتى هذه اللحظة، يتَّبِع إرث مواقع المعارض العالمية توجهات مماثلة، حيث أصبحت المواقع معالم معمارية بشكل أساسي، أو حدائق، أو مواقع لأداء الفنون الاستعراضية، أو متاحف، أو مجمعات سكنية. غالبًا ما يتم هدم معظم المباني والأجنحة بعد وقت قصير من المعرض بناءً على الاتفاقيات التعاقدية بين الدولة المضيفة والدول المشاركة. في الحالات التي يتم فيها تطوير المواقع فعليًا بعد المعرض، تكون العملية بطيئة في معظم الأحيان، حيث يتضاءل الزخم السياسي والاقتصادي والإعلامي الذي كان قائمًا أثناء المعرض.
تسعى دبي جاهدة لتكون مختلفة، في يونيو/حزيران، أعلنت ريم الهاشمي، وزيرة الدولة الإماراتية لشئون التعاون الدولي والمدير العام لمعرض إكسبو 2020، عن وجود خطط لمدينة إكسبو دبي. تشمل هذه الخطط منطقة جديدة، قال المكتب الدولي للمعارض أنها “ستكون بمثابة نموذجٍ للمناطق الحضرية المبتكرة الهادفة للتعاون، وتبادل المعرفة، وخلق المواهب لصالح الأجيال القادمة”.
“عادة ما تترك معظم المعارض خلفها مبنى أو منطقة، ولكن بالنسبة لنا، ترك لنا المعرض في الحقيقة مدينة كاملة”، على حد تعبير أحمد الخطيب، الرئيس التنفيذي للتطوير والتسليم العقاري في إكسبو 2020. لطالما كان إرث إكسبو 2020 دبي عاملاً أساسيًا من عوامل تطويره وتنفيذه كجزء من خطة دبي الحضرية 2040. تمهد هذه الخطة الطريق لمدينة إكسبو لكي تصبح “بؤرة حيوية للاقتصاد والتنمية بدعم من أنشطة المعارض، والفعاليات العالمية والخدمات اللوجستية المتكاملة”.
مركز اقتصادي ومدينة مستقبلية مستدامة
تقع مدينة إكسبو على مقربة من المنطقة الحرة بجبل علي، وهي أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم، حيث تساهم بما نسبته 21% من إجمالي الناتج المحلي لدبي، وتضم ميناء جبل علي، تاسع أكثر موانئ العالم ازدحامًا. إلى جانب ذلك، تقع المدينة بالقرب من مطار آل مكتوم الدولي. من خلال ربط مدينة إكسبو بالمناطق الصناعية الحرة القائمة، بالإضافة إلى مراكز النقل والخدمات اللوجستية في الإمارة، تضع إمارة دبي مدينة إكسبو ضمن استراتيجية دبي الصناعية 2030، التي تم الإعلان عنها في عام 2016.
لن يقتصر الأمر على قرب مدينة إكسبو من المنطقة الحرة بجبل علي، وإنما من المقرر أن تصبح بمثابة المنطقة الحرة الاقتصادية والمركز التجاري الخاص بها، ومن المقرر كذلك أن تستضيف المقرات الرئيسية للشركات، مثل شركة دي بي وورلد (DP World) وسيمنز (Siemens) وترمينوس جروب (Terminus Group)، بالإضافة إلى الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. إن اجتذاب مدينة إكسبو المبكر للشركات العملاقة في قطاع التكنولوجيا ورواد الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، بالإضافة إلى الإعلان مؤخرًا عن استراتيجية دبي ميتافيرس، يعني أن مدينة إكسبو تنسجم تمامًا مع جهود الإمارة للاستفادة من الميتافيرس (العالم الافتراضي). وأعلنت شركة طيران الإمارات مؤخرًا أنها ستعيد توظيف جناح الشركة، الذي عرض رحلة الواقع الافتراضي حول “مستقبل الطيران التجاري” خلال المعرض، في مدينة إكسبو ليصبح مركزًا للابتكار يرتكز على الميتافيرس، والـ إن إف تي (NFT) أو الرموز غير القابلة للاستبدال، وشبكك الجيل الثالث من الانترنت (Web3).
تضم مدينة إكسبو مخططًا حضريًا مستدامًا يتمحور حول الإنسان. ويأتي ذلك تماشيًا مع التوجهات التي تعم المنطقة في تطوير المدن الذكية المستدامة، مثل مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية، ويعكس ذلك المحاور الثلاثة لإكسبو 2020 وهي الفرص، والتنقل، والاستدامة. لن يُسمح للسيارات بالمرور في الموقع؛ وبدلاً من ذلك، سيتمكن المقيمون والزوار من استخدام أساليب “الحركة المرنة“، بما في ذلك السكوترات والعربات والدراجات الهوائية. ولن يُسمح كذلك بالمواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة. سيبقى في الموقع أكثر من 120 مبنى حاصلاً على شهادة الريادة في الطاقة والبيئة من قبل المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء.
من بين هذه المباني، يعد جناح الاستدامة بحد ذاته مفخرة للتكنولوجيا والهندسة المعمارية المستدامة. يمكن للمبنى أن ينتج ما يصل إلى 4 جيجاوات من الكهرباء سنويًا يتم جمعها من أكثر من ألف لوحة شمسية. ويعمل على تجميع مياه الأمطار والندى للتبريد، وتنقية المياه العادمة وفلترتها وإعادة تدويرها، التي تظل باردة حتى في حرارة الصحراء الصيفية بسبب الظل الذي توفره مظلة فولاذية معاد تدويرها على شكل الشجرة الوطنية لدولة لإمارات العربية المتحدة (شجرة الغاف الصحراوية). سيستمر استخدام تقنية القياس الذكي مايند سفير (MindSphere) التي انتجتها شركة سيمنز وظهرت خلال المعرض، “لمراقبة استهلاك الطاقة وكفاءة أنظمة الطاقة والضوء والمياه والتكييف” في جميع أنحاء الموقع المترامي الأطراف.
بالإضافة إلى ذلك، تم التخطيط لبناء مدينة إكسبو وفقًا لمعيار مجموعة ويل ((WELL، التي تعطي الأولوية لصحة ورفاهية السكان. تُظهر مخططات مدينة إكسبو التركيز على الصحة العقلية والجسدية للفرد والمجتمع، بما في ذلك مسارات الدراجات الهوائية والجري، والمتنزهات والحدائق، وخيارات الأطعمة والمشروبات الصحية، والمعالم الاجتماعية والثقافية، والمباني منخفضة الارتفاع للأغراض السكنية والتجارية المشتركة. وفقًا للمخططات، ستكون مدينة إكسبو أيضًا أكبر مدينة في العالم تتم تغطيتها بشبكة تدعم-5G (شبكات الجيل الخامس في المحمول). مع التركيز على الاستدامة، والطاقة النظيفة، واقتراب الناس أولًا في التصميم الحضري، فإن مدينة إكسبو تتناسب مع استراتيجية دبي 2015 للطاقة النظيفة.
استمرار التواصل
سوف تبقى العديد من أشهر الأجنحة والمعالم السياحية في إكسبو 2020 موجودة في مدينة إكسبو. سوف تستمر ساحة الوصل، والقبة الشاهقة التي يزيد ارتفاعها على 221 قدمًا، والتي كانت بمثابة الساحة المركزية للموقع، وأصبحت أكبر مسرح في العالم يعرض بزاوية 360 درجة، في اجتذاب الجماهير كساحة دائمة للفعاليات. كما ستبقى التجربة المائية، التي يطلق عليها شلالات إكسبو، والتي تتحدى الجاذبية، إلى جانب الحديقة في السماء، مفتوحة للزوار والمقيمين في مدينة إكسبو سيتي، بالإضافة إلى جناح المرأة وجناح الرؤية، احتفاءً برؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والتحول الذي حل بدبي تحت قيادته. سيصبح جناح الفرص ثاني متحف إكسبو في العالم، فالأول موجود في شنغهاي. وسوف يبقى أيضًا كل من الجناح الإماراتي الذي يأخذ شكل الصقر، والجناح السعودي الحائز على جائزة ذهبية لأفضل هندسة معمارية ومشاهد طبيعية.
لا تزال المفاوضات مستمرة حول أجنحة العديد من الدول لكي تواصل أعمالها كمناطق جذب سياحي، أو مراكز دبلوماسية أو تجارية للبلدان التابعة لها، أو كمرافق يتم توظيفها مجددًا لاستخدامات أخرى. في حالة الهند، التي كان لديها واحد من أكبر الأجنحة وأكثرها شعبية في إكسبو، يمكن استخدام المبنى كمركز لتسهيل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) الموقعة حديثًا، والتي من المرجح أن تزيد من التجارة والاستثمارات بين البلدين. بالنسبة للدول الأخرى التي وقعت فيما بعد اتفاقيات CEPA مع دولة الإمارات، مثل إسرائيل وإندونيسيا وكولومبيا، كانت المشاركة في إكسبو عبارة عن أحد مظاهر العلاقات الاقتصادية المتنامية.
كما أن إرث مدينة إكسبو دبي سوف يعكس مبادرات دولة الإمارات لكي تكون رائدة على الساحة الدولية في الاستدامة والتكنولوجيا والأعمال التجارية. سوف يقوم مركز دبي للمعارض، وهو المكان الرئيسي للمؤتمرات والذي استضاف قممًا عالمية لرواد التجارة والأعمال العالمية خلال إكسبو، باستضافة الدورة القادمة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ.
الحفاظ على الزخم في مواجهة التحديات
في الوقت الذي فشلت فيه العديد من المعارض العالمية الأخرى في الحفاظ على الزخم لتطوير الموقع في فترة ما بعد المعرض، إلا أن مدينة إكسبو دبي نجحت في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي وإدارة المعرض لكي تتحول إلى مدينة جديدة. في 20 يونيو/حزيران، أعلن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي في سلسلة من التغريدات عن مخططات لمدينة إكسبو دبي. وفي اليوم نفسه، أعلنت هاشمي في تقريرها النهائي إلى الجمعية العامة لمكتب المعارض الدولية أنه ستتم إعادة افتتاح المنطقة الجديدة على مراحل اعتبارًا من أكتوبر/تشرين الأول – بعد مرور سبعة أشهر فقط على اختتام الفعالية. وتم تعيين أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيسًا لمجلس الإدارة وهاشمي رئيسةً تنفيذيةً لهيئة مدينة إكسبو دبي. من خلال تأميم الشركة التي تشرف على مدينة إكسبو، يبدو أن دبي في وضع أفضل من غيرها من المدن المضيفة في استغلال اهتمام وسائل الإعلام، واستمرارية الإدارة، وجذب الأعمال التجارية والاستثمارات من أجل مرحلة انتقالية سريعة نسبيًا بعد انتهاء الفعالية.
في عام 2017، أكد منظمو المعرض في دبي أن مدينة إكسبو دبي لن تتحول إلى “فيل أبيض“، كما حدث في العديد من المدن الأخرى التي استضافت فعاليات عملاقة. وفي محاولة لحماية صورتها، تم اتهام الإمارات بإسكات الصحافيين الناقدين والباحثين في مجال حقوق الإنسان ومنع مسؤولي الأمم المتحدة من الدخول إلى هذه الفعالية وإعداد التقارير حولها. قبل وقت قصير من افتتاح المعرض، دعا السيد مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس واتش الدول إلى مقاطعة المعرض، وكذلك فعل البرلمان الأوروبي. لم تتم الاستجابة لهذه الدعوات، إلى حد كبير، حيث تضمن المعرض أجنحة لـ 192 دولة، واستضاف زيارات دبلوماسية من قبل قادة العالم، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والملك البلجيكي فيليب والملكة ماتيلد، والأمير وليام من المملكة المتحدة، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. من المؤكد أن إجراءات مثل منع باحثي الأمم المتحدة وغيرهم من الباحثين في مجال حقوق الإنسان، ممن يبحثون في وفيات العمال التي حدثت أثناء بناء الموقع، من دخول البلاد بالإضافة إلى مراقبة الحكومة لوسائل التواصل الاجتماعي لتحديد واعتقال الأشخاص الذين تنطوي تعليقاتهم على انتقادات لهذه الأمور، قد أثارت الانتباه السلبي لدبي أثناء الفعالية، ومن المرجح أن تستمر في تحدي تنفيذ مخططات ما بعد المعرض.
بالإضافة إلى ذلك، ومع هذا التأكيد على تسويق المعرض وإرثه، أعرب النقاد عن شكوكهم في أن الفعالية، وبالتالي المدينة، سوف ترتقى لمستوى الإعلامي الذي ترافق مع مرحلة تقديم العطاءات والتخطيط. في عام 2018، طرح الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ياسر الششتاوي السؤال التالي، “هل هناك أية مبانٍ معمارية أو منشآت تمثل روح هذه الحقبة الزمنية وتشير لأنماط مبتكرة للسكن؟ في حين أن أجنحة الجوائز تثير الاهتمام بحد ذاتها، إلا أنها لا ترقى لمستوى التميز الذي يقارنها ببرج إيفل أو كريستال بالاس، تلك المنشآت التي تعبر عن روح العصر لكل منهما”. يبدو إكسبو 2020 والمخططات المبكرة لمدينة إكسبو كحلم كبير آخر في التطوير الحضري المنعزل إلى حد ما في دبي. ومع ذلك، فإن الزمن وحده سيقرر ما إذا كانت الساحة المركزية الرائعة لإكسبو دبي – ساحة الوصل – ستدخل التاريخ باعتبارها مفخرةً معمارية وتكنولوجية. لا يزال هناك الكثير من الإمكانات غير المستغلة بمدينة إكسبو للاستمرار في استغلال المبنى لإحداث تغييرات جذرية في التجمعات العامة للفعاليات الجماهيرية أو الاستخدام العام غير الرسمي – كما كان يحدث أثناء المعرض. بالإضافة إلى ذلك، إذا تمت الإنجازات بشكل صحيح وفقًا لمخططات الاستدامة والمكانة المركزية للإنسان، فمن المؤكد أن المدينة بكاملها لديها الإمكانات لتصبح “نمطًا مبتكرًا للسكن”.
الإرث كجزء من الرؤية
قال تيم فان فريجالدينهوفن Tim Van Vrijaldenhoven)) الباحث المعروف بأبحاثه في مجال ميل الفعاليات العملاقة للتحول إلى “فيَلة بيضاء” – إنه معجب بالتخطيط لإرث دبي. ففي حين أخبر فريجالدينهوفن شبكة سي إن إن في أبريل/نيسان أن لديه بعض المخاوف بشأن تحول المواقع المنفصلة عن بقية المدينة إلى مواقع “نهاية الخط”، إلا أنه يعتقد أن دبي ستكون قصة مختلفة، وستصبح نموذجًا للبلدان التي تستضيف المعارض في المستقبل، “أعتقد أن هذا في نهاية المطاف هو الجواب الصحيح بشأن كيفية التعامل مع إرث المعارض”.
من المؤكد أن مدينة إكسبو دبي قد حققت تقدمًا في مخططاتها الطموحة من خلال تأمين الدعم من الشركاء الدوليين والمحليين في الأعمال التجارية، وتعزيز الإدارة وتكريس الموارد من أجل العملية الانتقالية. سوف تكشف الأشهر المقبلة عن العقبات التي لا تزال قائمة في سبيل تطوير المدينة الجديدة، وما إذا كان المشككون قد بالغوا في العيوب والعقبات المؤقتة والصغيرة نسبيًا أو أنهم قد وضعوا أصابعهم على القضايا المستعصية طويلة الأجل. إذا تمكنت دبي في فترة ما بعد إكسبو من تحقيق الانتقال الفعال إلى مدينة مستدامة وتدر أرباح، فإن المعرض العالمي الذي انعقد لأول مرة في الشرق الأوسط يمكن أن يصبح المعيار الدولي الجديد في تخطيط الإرث.