[من قبل] تصديق مجلس النواب على الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عملت وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة الحكومية في إيران المجاورة على إخضاع الكثير من تحليلات الوضع العراقي لضباط بارزين من فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، والمسؤول عن العمليات الإقليمية الخارجية. فماذا يقول ضباط فيلق القدس الخبراء في الشؤون العراقية؟ وما الذي يحاولون الوصول إليه؟
تشير تصريحات سفير إيران في بغداد وسابقيه، وجميعهم من كبار ضباط فيلق القدس، والتعليقات الواردة من أبواق حرس الثورة الإسلامية، إلى أن فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، ولأسباب ترتبط بالمصلحة الذاتية، يحاول إقناع حلفاء إيران العراقيين بدعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على الرغم من معارضة العديد من الميليشيات الموالية لإيران. ويبدو أن المعلقين الإيرانيين يحثون حلفاء طهران العراقيين على دعم الكاظمي في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قد تواجه الكاظمي أو أي رئيس وزراء آخر في العراق.
وتجلى دعم فيلق القدس للكاظمي خلال أول زيارة رسمية للواء إسماعيل قاآني في أواخر مارس/آذار للعراق بصفته قائدًا لفيلق القدس. وذكرت مصادر عراقية لم يُذكر اسمها آنذاك أن قاآني عبر عن معارضة طهران لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي. ويمكن تفسير نشاطات قاآني على أنها دعم مبكر للمرشحين المحتملين الآخرين، بمن فيهم الكاظمي، الذي ظهر في العديد من قوائم المرشحين المحتملين لرئاسة الوزراء ولكن لم يتم اختياره.
تجلى سبب دعم قاآني وفيلق القدس للكاظمي بشكل أكثر وضوحًا في أول تعليق على ترشيح الرئيس العراقي برهم صالح للكاظمي في 9 أبريل/نيسان لرئاسة الوزراء. في ذلك اليوم، وصف حسن هنزاده، خبير الشرق الأوسط المقرب من حرس الثورة الإسلامية، الكاظمي بكونه “أهون الشّرين” مقارنة بالزرفي، الذي تم تصويره في الإعلام الإيراني على أنه عميل للولايات المتحدة. في 16 أبريل/نيسان، نقلت صحيفة “بصيرت” المقربة من حرس الثورة الإسلامية عن سيد هادي أفقهي، وهو خبير آخر في شؤون الشرق الأوسط، وصفه للكاظمي بالعبارة نفسها، في حين أشاد بكونه واقعيًّا (براجماتياً)، “لقد حاول منذ البداية تحقيق توازن بين الأمريكيين والإيرانيين وقد نجح، إلى حد ما، في القيام بذلك”.
ولربما شاركه في ذلك التحليل إيرج مسجدي سفير إيران في بغداد وأحد قادة فيلق القدس، ولكنه، وكما هو متوقع من رجل دبلوماسي، قال في 10 أبريل/نيسان إن إيران، “سوف تدعم وتحترم أي رئيس وزراء يحظى بثقة مجلس النواب”. كما أشاد مسجدي بحذر بترشيح الكاظمي واصفًا إياه بـ”عمل إيجابي”.
وقد أُتبعت تصريحات السفير بعبارات دعم أقوى في 11 أبريل/نيسان من حسن دنائي فر، سفير إيران السابق في بغداد وأحد زملاء مسجدي في قيادة فيلق القدس. وفي 13 أبريل/نيسان، أوضح دنائي فر بعبارات حذرة في إحدى المقابلات ما الذي يمكن توقعه من الكاظمي فيما يتعلق بالمباحثات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، وانسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وأسعار النفط المتهاوية، ومواجهة فيروس كورونا. وتبدو تصريحات دنائي فر وكأنها محاولة للتعرف على الاختبارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قد تواجه أي رئيس وزراء في العراق.
وفي حين أن تصريحات دنائي فر قد تكون موجهة لمخاطبة حلفاء إيران في العراق، إلا أن حسن كاظمي قمي، وهو أيضًا سفير سابق في بغداد وأحد قادة فيلق القدس، ظهر في مقابلة مع وكالة تسنيم للأنباء في 18 أبريل/نيسان وكأنه يخاطب الكاظمي مباشرةً. أكد قمي أن العراق “يجب أن يكون بلدًا مستقلًا مسؤولًا عن سيادته الوطنية”، وحذر من أن الولايات المتحدة “سوف تبذل قصارى جهدها للمحافظة على وجودها في العراق”، وخَلص إلى أن “أمريكا لن تغادر العراق طواعيةً”.
في 29 أبريل/نيسان، هب دنائي فر مرةً أخرى للدفاع عن الكاظمي الذي كان واضحًا آنذاك أنه يواجه مقاومة برلمانية متزايدة لتشكيل حكومته المقترحة. وقال دنائي فر في مقابلة مع وكالة بورنا للأنباء، “من وجهة نظري، ما زلنا بحاجة للانتظار فيما يتعلق بالوضع العراقي… فتشكيل الحكومة واختيار الوزراء ليس بالمهمة السهلة، إذا أخذنا الأوضاع بعين الاعتبار”. وأنهى مقابلته بالقول إنه من السابق لأوانه الاستنتاج بأن الكاظمي قد وصل إلى “طريق مسدود”.
يبدو أن التعليق المبكر على الكاظمي بوصفه “الشر الأقل” كان انعكاسًا للتصور الذي يحمله فيلق القدس عن رئيس الوزراء [الجديد]. ومن الواضح أن طهران أرادت تجنب الزرفي، “الشر الأكبر”، وتسامحت مع الكاظمي المرشح المستقل.
ربما كان ضباط فيلق القدس صادقين تمامًا في دعمهم للكاظمي، ولكن لأسباب واقعية في ضوء التحديات المتنوعة التي تواجه العراق، فإن فرص النجاح لأي رئيس وزراء محدودة. لماذا يستنفد فيلق القدس ما يتمتع به من حسن النوايا بين مؤيديه في العراق من خلال فرض مرشح أكثر انحيازًا وتقربًا من إيران، وأكثر دعمًا لشركاء المليشيات الإيرانية في العراق، ولكنه يجازف بالفشل في الظروف الحالية؟ ومن خلال دعمه للكاظمي المستقل، ساعد فيلق القدس في تهميش الزرفي، ولكنه لن يتحمل المسؤولية إذا انهار رئيس الوزراء الجديد تحت وطأة هذه التحديات.
وليست الإشارة إلى “واقعية” الكاظمي في تعليقات حرس الثورة الإسلامية بأقل أهمية من ذلك. فلو تمكن فيلق القدس من تنصيب رئيس وزراء موالٍ لإيران، لما كان بمقدور طهران أن تتوقع أي تعاون من جانب واشنطن فيما يخص التنازل عن العقوبات لصالح بغداد، وربما كانت ستجازف بفقدان مساعدة الولايات المتحدة للعراق. بالنسبة لطهران، فإن أهون الشرين يبقى شرًا، ولكن يمكن التغاضي عنه إذا أُخذت جميع الظروف بعين الاعتبار.