تعتبر الحملة التي تُشنّ على طول الساحل اليمني للبحر الأحمر صورةً مصغّرة عن المشاكل التي يواجهها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في محاولاته لإعادة الرئيس الشرعي اليمني إلى السلطة. وإنّ المعركة المرتقبة لانتزاع الحُديدة، التي تُعدّ أكبر ميناء في البحر الأحمر، من قبضة المتمردين الحوثيين تسلّط الضوء على هذه المشاكل.
وتعود حصة الأسد في السيطرة على البحر إلى السعوديين والإماراتيين. ولقد استغلّ الإماراتيون قوّتهم هذه لشنّ عمليّتَي إنزال برمائيتين معاكستين، واحدة في عدن والأخرى في المكلّا. ويُعدّ الإنزالان حدَثين غير مسبوقين في أي دولة عربية. وفي البحر الأحمر، تعتمد السفن البحرية التابعة لقوات التحالف على حرية المناورة، وتلجأ إلى القوى البحرية المهيمنة كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لتحافط على حرية الملاحة هذه، التي تعتبر ركنًا من أركان استراتيجيتها الرامية إلى محاربة التمرد بالإضافة إلى الملاحة التجارية العابرة في هذا الممر المائي. إلّا أنّه على غرار الحال في مجالاتٍ أخرى من الحرب اليمنية، لم يترجَم النجاح العملياتي إلى انتصار استراتيجي. ففي البحر كما على البر، لا يبدو أن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية قد قطع أي شوط باتجاه تحقيق أهدافه منذ بداية الحرب.
وقد دخل الصراع في مرحلة من الركود. إذ تسيطر قوات التحالف البرية بقيادة الإمارات على مدينة المأرب ولكنها عاجزة عن التقدم غربًا باتجاه صنعاء لتعذّر اجتيازها للأراضي الجبلية الوعرة والمحصَّنة، والتي يقال إنها مفخخة. وتقدّمت قوات التحالف، التي يقودها الإماراتيون أيضًا، داخل مدينة عدن نحو الشمال حتى وصلت إلى تعز، ولكنّها عاجزة عن انتزاع ما تبقّى من المدينة من قبضة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
حالة جمود في الداخل، وفرصةٌ سانحة على طول الساحل
في ظلّ حالة الجمود السائدة في الداخل، حوّل التحالف، الذي ضاق ذرعًا من الصواريخ التي أطلقها الحوثيون على داخل المملكة العربية السعودية، انتباهه في وقت مبكر من العام 2017 إلى المناطق التي تقع على طول ساحل البحر الأحمر الذي لا يزال يخضع لسيطرة الحوثيين. وتقع الغنيمة خارج نطاق الموانئ الصغيرة في مدينتي مخا وذباب: في ميناء الشحن الرئيسي في الحُديدة، وهو مرفأ الحاويات المعاصر الوحيد الذي يسيطر عليه الحوثيون ونقطة شحن محتملة للأسلحة الإيرانية.
وهدفت عملية الرمح الذهبي التي أطلقها التحالف في 6 كانون الثاني/يناير، إلى الاستيلاء على تعز وعلى الخط الساحلي للبحر الأحمر جنوب الحُديدة. وأمسى الهجوم متعثّرًا في تعز إلا أنه تمكّن من الاستيلاء على مدينتي مخا وذباب. وكان من المقرر أن يتقدّم التحالف على طول الساحل ليصل إلى الحُديدة فور تمكّنه من تعزيز مكاسبه.
وفي بداية شهر آذار/مارس، بدا الهجوم وشيكًا. ومن الناحية التكتيكية، تشكّل الحُديدة هدفًا ملفتًا لأي عملية إنزال برمائي. وعلى خلاف ميناء مكلّا الشرقي، تبعد المنطقة الناشطة من الميناء كثيرًا عن المناطق المأهولة في المدينة. فتقع المدينة وسط الصحراء، ما يعني أنه كان من الممكن الاستيلاء والسيطرة على الميناء من دون قتال فوضوي وشرس في المناطق الحضرية. وكانت القواعد البحرية السعودية في جازان والقواعد الإماراتية في إريتريا والصومال لتكون قادرةً على تنظيم ودعم القوات البرية لتجتاز مدينة مخا في الجنوب وتتقدم في سيرها على طول الساحل. فبدا سقوط الحُديدة مسألة وقت ليس إلّا.
تبدّد الغنيمة
في الأسبوعين الماضيين، بدّل عاملان مهمّان هذه المعادلة. فوقعت الحادثة الأولى في 11 آذار/مارس عند مقتل اثنين من حراس الساحل اليمني فيما كانا يحاولان أن يبطلا لغمًا بحريًا بالقرب من مخا يشتبه بأنه قد وُضع من قبل الحوثيين أو مجموعة حليفة لهم. وحتى هذه الساعة، لم تتسبب الألغام البحرية بوقوع أضرار إلا في حادثتين فحسب، إلا أن الألغام فعالة لمجرد أنها تثير الريبة والحيرة. وعلى الرغم من أن عدد الألغام الفعلي بقي غير معروف، فخطر وقوع أي انفجار يكفي لتغيير تحركات الملاحة. وأظهر الحوثيون للعالم، عبر نشر سلاح عشوائي في الممرات الملاحية، أنهم على استعداد لتوسيع نطاق الحرب إلى ما بعد اليمن والمملكة العربية السعودية في مناطق أخرى كالبحر الأحمر على سبيل المثال، قد تتضرّر فيها مصالح البلدان غير المشاركة في القتال.
كما أنّه لزرع الألغام أثر تكتيكي كبير. فسيتعين على القوات البحرية التابعة للتحالف أن تعمل بدرجة أكبر من الحذر مما كانت عليه في الماضي. إذ إنّ الألغام، لاسيما تلك المزروعة إلى جانب ما يعتبره قائد الأسطول الأمريكي الخامس هجومًا شنّته سفينة عبر تقنية التحكّم عن بعد في شهر شباط/فبراير على السفينة الحربية السعودية التي تحمل اسم “المدينة”، تعيق السيطرة العسكرية في البحر وتزيد عنصر تعقيد آخر على إنزال برمائي محتمل.
أما الحادثة المفصلية الثانية التي ألحقت ضررًا أكبر بكثير بمصالح التحالف الطويلة الأمد، فتمثّلت في هجوم المروحية القاتل الذي استهدف في 16 آذار/مارس سفينةً تحمل على متنها لاجئين صوماليين فارّين من ميناء الحُديدة إلى السودان. حمّلت التقارير الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان التحالف مسؤولية قتل الصوماليين، على الرغم من أن الفاعل لم يعرَف بعد. وفي أعقاب الهجوم، ناشدت المملكة العربية السعودية الأمم المتحدة لأن تسيطر على ميناء الحُديدة.
مجرى الأحداث في المستقبل
تعتبر ردّة الفعل السعودية حذرةً إلى حد ما، إذ تعترف بأهمية الرأي العام الدولي حول الحرب في اليمن، إلا أنها تعكس في الوقت عينه الضعف الاستراتيجي للتحالف على المدى البعيد. ولقد عرّضت الأعمال السعودية في اليمن المملكة بشكل متزايد إلى خطر عزلها عن أبرز حلفائها الاستراتيجيين وأبرز الدول التي تمدّها بالأسلحة: الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي الوقت الذي يبدو فيه الرئيس دونالد ج. ترامب ميالًا إلى زيادة مبيعات الأسلحة المتقدمة إلى السعوديين، لا يزال الكونغرس يتمتّع بدور مهم في عمليات بيع الأسلحة، وقد لا يشارك ترامب الرأي. ولا مفر من ارتكاب الأخطاء الفادحة في الحرب، ولكن الرأي العام في الغرب لا يميل عمومًا إلى تأييد الدول الريعية في الخليج ولاسيما المملكة العربية السعودية.
ورفضت الأمم المتحدة بسط سيطرتها على الحُديدة. ولكنه من المحتمل أن السعوديين لم يتوقعوا قطّ أن تقوم الأمم المتحدة بذلك. بل تحاول المملكة العربية السعودية، من خلال مطالبتها بإدارة الحديدة بطريقة محايدة، أن تلفّ نفسها بدرع يقيها من أي انتقاد ينجم عن الخسائر في صفوف المدنيين التي قد تقع في خلال المعركة الدائرة للاستيلاء على الميناء.
كما أن تأجيل قوات التحالف هجومها الحُديدة جاء بسبب قرب الإفراج عن الذخائر الموجهة بدقة من الولايات المتحدة. فلقد احتجزت إدارة أوباما الأسلحة التي كان من المقرر أن يتم شحنها إلى المملكة العربية السعودية، ولكنه يبدو أن إدارة ترامب تتحضّر لاستئناف عمليات الشحن هذه، وإن لم ترد أن تقوم بذلك بعد الهجوم مباشرًة على الصوماليين (وإن تنصّل السعوديون من مسؤولية ارتكاب هذا الهجوم). وعلى غرار ذلك، فمن الصعب على إدارة ترامب أن تستأنف عمليات الشحن في الوقت الذي تقع فيه مدينة بالغة الأهمية تحت الحصار. ومع ذلك، فقد تتعرض الحُديدة لهجوم عسكري في غضون أسابيع من شحن الولايات المتحدة لأسلحتها إلى المملكة العربية السعودية.
وفي غضون ذلك، قد تسعى المملكة العربية السعودية وباقي دول التحالف إلى تصعيد الحصار البحري، بغية منع سفن الشحن من دخول الميناء. ومتى يرى التحالف أنه قد بات يبسط سيطرته بشكلٍ كافٍ على الساحل جنوب الحُديدة، سيقوده حسّه الاستراتيجي إلى شن هجوم على الميناء البحري الأخير الذي يسيطر عليه الحوثيون.
التداعيات على نطاق أوسع
أظهر التحالف الذي يحارب في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية مستوىً غير مسبوق من الخبرة العملية التي لم يشهد أي جيش عربي معاصر لها مثيلًا، ولاسيما قوة تابعة لتحالف. إلّا أنّ العوائق التي تعرقل تنفيذ خطة التحالف الرامية إلى السيطرة على الحديدة قد سلّطت الضوء على القيود التي تحدّ من النجاح التكتيكي في بيئة استراتيجية غير مستقرة. ولا يستطيع التحالف أن يتحمل التبعات الناجمة عن عدم السيطرة على الحُديدة، إلا أنه في وضع لا يسمح له أن يجازف ويشنّ هجومه الآن على هذه المدينة الساحلية.
لا تعبّر هذه الآراء عن وجهات نظر أي فرع من فروع الحكومة الأمريكية.