تحت قيادته الجديدة، لم يعد فيلق القدس قوة للتعبئة الشعبية، بل أصبح يتولى قيادة جيشٍ شيعيٍ متعدد الجنسيات، ويبقى هو القوة المهيمنة داخل قوات حرس الثورة الإسلامية.
في عهد قيادة اللواء قاسم سليماني التي دامت 23 سنة، خضع فيلق القدس التابع لقوات حرس الثورة الإسلامية لثلاثة تغييرات انتقالية، من منظمة للعمليات الخاصة السرية، إلى قوة تعبئة شعبية بقيادة زعيمٍ مهاب؛ ومن مجموعة من المليشيات المتميزة مقسمة حسب الجنسية، إلى جيش شيعي متعدد الجنسيات؛ ومن المكون الطليعي المتواضع لقوات حرس الثورة الإسلامية إلى القوة المهيمنة فيها.
يبدو أن مقتل سليماني في الثاني من يناير/كانون الثاني قد أثر على هذه الأبعاد التنظيمية إلى درجة محدودة، استناداً إلى دراسة أجرتها مصادر مفتوحة باللغة الفارسية. وبصرف النظر عن الدور الشعبي التعبوي لفيلق القدس الطليعي، الذي لم يكن بالإمكان فصله عن معتقدات سليماني، وبالتالي فإن مذاهبه التنظيمية والعملياتية، التي لا تضاهى، لم تزل تعكس التغييرات الانتقالية التي أحدثتها عوامل أخرى غير شخصية القائد على مدى هذه الفترة الطويلة. وهكذا، فإنها لا تزال تشكل تحديات كبيرة لواشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط.
في الوقت المعاصر، يمكن القول إن جذور العمليات الحربية الاستطلاعية الإيرانية يعود إلى دعم طهران للتمرد الكردي في العراق (1961-1974)، والمشاركة في قمع ثورة ظفار في عمان (1972-1979)، وعلى نمط أكثر تحديدًا، في جنوب اليمن (1972-1975). بعد ثورة 1979، لم ترث جمهورية إيران الإسلامية عقيدة العمليات الخاصة وعناصرها وعتاد النظام السابق فحسب، بل عملت بعدوانية على التوسع في الإرث بشبكة من الثوريين في الشرق الأوسط وخارجه. وبشرعنة من المادة 154 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضمن الإطار التنظيمي لحرس الثورة الإسلامية، ظهرت العديد من المنظمات الموازية، ومنها فيلق القدس، للمشاركة في ما يشار إليه غالبًا بـ “تصدير الثورة”.
كان معظم هذا الجهد سريًا، ولكن ذلك تغير تدريجيًا بعد تعيين سليماني رئيسًا لفيلق القدس في وقت ما بين 10 سبتمبر/أيلول 1997 21 مارس/آذار 1998. في البداية، التزم سليماني بالسرية مثله مثل القادة الذين سبقوه. ومع ذلك، ولأن فيلق القدس قد كبد القوات المسلحة الأمريكية خسائر كبيرة في العراق، من خلال حلفائه ووكلائه، فقد ذاع صيت سليماني السيئ في وسائل الإعلام الدولية. وهذا الاهتمام بسليماني أدى بدوره إلى زيادة اهتمام وسائل الإعلام في إيران، حيث قامت آلة الإعلام في الجمهورية الإسلامية برعاية معتقد سليماني في حشد الدعم الشعبي من أجل التدخل العسكري في العراق ولاحقًا في سوريا.
لم يكن العميد إسماعيل قاآني، القائد الحالي لفيلق القدس، ولا العميد محمد حسين زاده حجازي، الرجل الثاني في القيادة، قد أبديا استعداداً أو قدرة على الاقتداء بسليماني في قيادته الكاريزمية. وقد يشير قلة تعرض وسائل الإعلام لذكر فيلق القدس منذ مقتل سليماني إلى توقف المنظمة المؤقت عن دورها في التعبئة الشعبية والعودة إلى السرية.
ومن ناحية أخرى، من غير المرجح أن يؤثر مقتل سليماني على التغييرات الانتقالية في فيلق القدس. وينطبق هذا بشكل خاص على التغييرات التي حدثت بسبب ظروف لا دخل لسليماني بها، بالرغم من حدوثها خلال فترة قيادته للفيلق.
أحد الأمثلة على ذلك هو تحويل مجموعة من المليشيات المتميزة المقسمة حسب الجنسيات إلى جيش شيعي متعدد الجنسيات.
منذ الثمانينيات، وحرس الثورة الإسلامية يقوم برعاية الميليشيات الشيعية غير الإيرانية، وأبرزها حزب الله، وهي قوة عسكرية رهيبة في لبنان، وفيلق بدر وغيره من الميليشيات الشيعية التي ظهرت لملء الفراغ في السلطة في العراق في عام 2003. عندما هددت الحرب الأهلية نظام البعث في سوريا، تدخلت طهران عسكرياً، لتأمين بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، ولحماية خطوط الإمداد من إيران إلى حزب الله اللبناني.
في البداية نشرت طهران فيلق القدس في سوريا، ثم أتبعته بحزب الله اللبناني وفرقة فاطميون الأفغانية ولواء زينبيون الباكستاني، والعديد من الميليشيات العراقية، وينعكس ذلك في رصد التغطية المفتوحة المصدر لخدمات الجنائز التي تقام في إيران والعراق ولبنان، لمقتل المقاتلين الشيعة الأجانب خلال المعارك في سوريا.
مقتل شيعة أفغان، وإيرانيين، وعراقيين، ولبنانيين، وباكستانيين في القتال في سوريا، من يناير/كانون الثاني 2012 إلى مايو/أيار 2020
بيانات تم جمعها من مصادر مفتوحة بواسطة علي آلفونه.وفقًا للبيانات المستقاة من مصادر مفتوحة، منذ يناير/كانون الثاني 2012، قُتل من المواطنين الشيعة الأجانب 573 مقاتلاً إيرانياً، و925 أفغانياً، و118 عراقياً، و1262 لبنانياً، و174 مقاتلاً باكستانياً في القتال في سوريا. ولا بد أنه تم التعامل مع هذه الأرقام كحد أدنى، قد تكون الأرقام الحقيقية أعلى إلى حد ما. ونتيجة لذلك، تمكنت طهران من تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تأمين بقاء نظام البعث في سوريا.
وبالقدر نفسه من الأهمية، ومن خلال العمليات المشتركة في سوريا، والتنسيق المكثف بين بعضها بعضاً، مع القوات السورية الموالية للأسد والقوات الجوية الروسية – وعلى الرغم من الحواجز الوطنية والثقافية وحتى اللغوية – تم تحويل الميليشيات المتميزة إلى جيش شيعي متعدد الجنسيات، من المرجح أن يحافظ على بقائه بعد مقتل سليماني.
كما أن هنالك مثالاً آخر على التغيير الانتقالي في حقبة سليماني، ومن المرجح أن يُعمّر طويلًا بعد مقتل القائد. مثلما حولت الحرب مع العراق (1980-1988) حرس الثورة الإسلامية من مجموعة من المليشيات الغوغائية إلى قوة عسكرية إيرانية بارزة، فإن الحرب في سوريا تعمل على تحويل قوات حرس الثورة الإسلامية برمتها إلى قوة استطلاعية. ويشهد على هذا التطور ارتفاع عدد القتلى في صفوف حرس الثورة الإسلامية في المعارك السورية أكثر من قتلى فيلق القدس.
من بين المواطنين الإيرانيين الـ 573 الذين تم تحديدهم، 60 منهم على الأقل خدموا في فيلق القدس، وربما كان بعض من الـ 332 عنصراً الذين لم يتم تحديد انتماءاتهم قد خدموا أيضًا بين صفوفه. وهذا لا يدعو للاستغراب، لأن فيلق القدس هو وحدة عمليات خاصة، غالباً ما يُعهد إليها بالعمل خارج حدود إيران. وبالتالي، إنه لمن المدهش أكثر أن 147 إيرانيًا ممن قتلوا في الحرب في سوريا تم التعرف على أنهم خدموا ضمن القوات البرية لحرس الثورة الإسلامية.
لماذا قررت قيادة حرس الثورة الإسلامية نشر قواتها البرية في سوريا؟ أول ثلاثة من عناصر حرس الثورة الإسلامية الذين قتلوا في سوريا كانوا: الرائد محرم ترك، والعسكري علي أصغري تقناكي، والعميد حسن شاطري (المعروف أيضًا باسم حسام خوشنويس) وهم جميعًا من أفراد فيلق القدس. يشير التحليل الإضافي لجهة الانتماء، وتوقيت الوفاة خلال قتال هؤلاء المقاتلين، إلى أن فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية قد تحمل العبء الأكبر من القتلى في المرحلة الأولى من الحرب في سوريا. وبما أن فيلق القدس هو وحدة صغيرة نسبيًا داخل حرس الثورة الإسلامية، فمن المرجح أن تكون هذه الخسائر هي التي أجبرت قيادة حرس الثورة الإسلامية على نشر قوات برية منتظمة في سوريا، للتخفيف من الضغط على فيلق القدس.
مقتل مواطنين إيرانيين في القتال في سوريا من قبل الجناح العسكري، من يناير/كانون الثاني 2012 إلى مايو/أيار 2020
من المرجح أن يكون للتغييرات التنظيمية تأثير كبير على عقيدة حرس الثورة الإسلامية وسلوكه المستقبلي. في الوقت الذي يتم فيه ترقية المحاربين القدامى المشاركين في الحرب في سوريا ضمن صفوف المنظمة، فقد تلجأ إلى خطوة أقل حذرًا وأكثر فاعليةً في محاولة لتكرار نجاحها في سوريا، ومن الممكن أن تلجأ إلى استخدام الجيش الشيعي المتشدد في الحرب. هذا التطور سيكون نذير شؤم للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، خاصة إذا ظهرت في المستقبل جمهورية إسلامية أكثر صدامية ردًا على ضغوط العقوبات الاقتصادية المشددة.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.