تسببت جائحة فيروس كورونا في شعور عالمي باليأس، ويحذر الخبراء من “الهزات الارتدادية” على الصحة العقلية، وعليه يحاول صناع السياسة ووسائل الإعلام، على حد سواء، تقديم رسائل الأمل، خاصة في دول الخليج. في الإمارات العربية المتحدة، لم تتم ترجمة هذا إلى برامج لمساعدة السكان على التغلب على التحديات العقلية فحسب، وإنما تُرجم أيضًا إلى رسالة عامة للعالم تبعث على الأمل. ويمكن أن نلمس هذه الفكرة المتكررة في جهدين رئيسيين أطلقتهما الدولة: ائتلاف الأمل ومسبار الأمل. ولكلٍ من هاتين المبادرتين بعد محلي (التنمية والتنويع) وآخر خارجي (العلامة التجارية والنفوذ).
بالإضافة إلى الرابط المشترك المتمثل في توجيه رسالة إيجابية، يوضح هذان الجهدان تحولاً متزايدًا من التركيز على القوة الصلبة طوال العقد الماضي إلى إعطاء اعتبارات أكبر للأمن الإنساني وادماج التقنيات الجديدة. كما أنهما يسلطان الضوء على الشراكات متعددة الأقطاب، التي تعتبر استراتيجية البلاد منذ حقبة التسعينيات. رسالة الإمارات للعالم هي: هناك أمل، وستكون الإمارات رائدة في إيجاد الحل، وسيكون للشرق مستقبلٌ راسخ.
حظي كل من ائتلاف الأمل ومسبار الأمل في الإمارات بتغطية إعلامية هائلة، ما يعكس حاليًا بعض أولويات البلاد. الأول هو شراكة بين القطاعين العام والخاص، ومقره الإمارات، وتديره دائرة الصحة في أبوظبي لدعم توزيع لقاحات فيروس كورونا عالميًا، وتتكون سلسلة التوريد من شركات مثل موانئ أبوظبي (الشريك الرئيسي) والاتحاد للشحن ورافيد (Rafed) [وهو نظام شراء في مجال الرعاية الصحية يغطي عقود ومصاد الموردين] وسكاي سيل (SkyCell) [وهي سلسلة توريد في مجال المنتجات الدوائية]. من خلال هذا المشروع، تسعى أبوظبي إلى أن تصبح “بوابة العالم في العملية اللوجستية الكبيرة لنقل للقاحات”. تم إرسال المركبة الفضائية مسبار الأمل في مهمة للإمارات إلى المريخ، وقد وصلت إلى الكوكب الأحمر في 9 فبراير/شباط. تأمل الإمارات، من خلال هذا المشروع، أن تصبح رائدةً عالميةً في استكشاف المريخ، وفي السباق الدولي الواسع لاستكشاف الفضاء السحيق.
يجسد كل من ائتلاف الأمل ومسبار الأمل مساعي الإمارات في أن تصبح مركزًا للتكنولوجيا كوسيلة للتنمية الاقتصادية وعمليات التنويع الاقتصادي. أعلن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، من خلال ائتلاف الأمل، عن انطلاق أول خط إنتاج للقاح فيروس كورونا في الإمارات في 28 مارس/آذار. بالإضافة إلى ذلك، قام محمد جمعة الشامسي، الرئيس التنفيذي لموانئ أبوظبي، بتسليط الضوء على “الحل اللوجستي الكامل” (بما في ذلك تقنية قاعدة البيانات المستخدمة في تخزين وتوريد اللقاحات الحساسة لدرجة الحرارة) لضمان نقل اللقاحات في أفضل حال. تهدف الإمارات إلى توفير اللقاحات لثلثي سكان العالم المحتاجين لها. لكنها حققت بالفعل إنجازًا تقنيًا رائدًا في تصنيع وتوزيع أدوات اختبار فيروس كورونا. وعلى نحو مماثل، يوضح مسبار الأمل الإنجازات التي حققتها الإمارات في تطوير “قطاع العلوم والتكنولوجيا المتقدمة”.
لهذين المسعيين الرئيسيين نتائج مهمة بالنسبة للتواصل الدولي لدولة الإمارات. فبعد عقد من النفوذ في المنطقة وخارجها، والذي تميز على الأغلب بالتركيز على إظهار القوة الصلبة، يبدو أن الإمارات قد تحولت إلى استراتيجية التقليل من القوة العسكرية. ومن المرجح أن هذا ينبثق من الوعي بوجود حاجة لإعادة ترتيب أولويات التهديدات (إيلاء المزيد من الاهتمام لتحديات الأمن الإنساني) والمبادرات لمواجهتها. كما أن التسريع في توزيع موارد قطاع الصحة العامة واستكشاف الفضاء والأمن الغذائي والتنمية المستدامة قد يكون مرتبطًا بطموح الظهور في صورة عالمية أكثر إيجابية بعدما تضررت سمعة الإمارات بسبب تورطها في الصراعات في اليمن وليبيا. أخيرًا وليس آخرًا، لا شك أن قيادة الإمارات تدرك حجم الإمكانات الهائلة لكونها ضمن طليعة رواد العلوم والتكنولوجيا العالميين.
وفي هذا الصدد، شركاء الإمارات في كلا المشروعين يسلطوا الضوء على علاقاتها الدولية متعددة الأقطاب ومحور الخليج الأوسع نحو آسيا. لقد جسّد ائتلاف الأمل ودبلوماسية الفيروس الشاملة للإمارات توطيد ما أطلق عليه عبد الله بن زايد “العلاقات التاريخية والمتميزة” بين الإمارات والصين والاحتفاء بها، والتي ارتقت إلى مستوى “شراكة استراتيجية من أجل الإنسانية”.
تم إطلاق مسبار الأمل من مركز الفضاء الياباني تانيجاشيما في يوليو/تموز 2020 على متن صاروخ ياباني، وقد أشاد وزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي بنجاح العملية باعتبارها انعكاسًا للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. كما اعتمدت دبلوماسية الإمارات في مجال الفضاء كذلك على علاقاتها القوية مع كوريا الجنوبية، الأمر الذي ساهم في تطوير أول الأقمار الصناعية الإماراتية، بما فيها “خليفة سات”، المحلي الصنع، الذي تم إطلاقه في عام 2018.
بالإضافة لتوجها نحو الشرق، اعتمدت مهمة المريخ لدولة الإمارات، بشكل كبير، على المؤسسات التعليمية الأمريكية (جامعة كولورادو وجامعة كاليفورنيا بيركلي، وجامعة ولاية أريزونا، وجامعة شمال أريزونا)، والتي قدمت مشاركة جوهرية في الخبرات والمعرفة التقنية. لقد ساعدت تلك المؤسسات في “انطلاقة برنامج فضائي بين الكواكب في دولة كانت، حتى الآن، تنتج أقمارًا صناعية لرصد الأرض فقط”.
ونظرًا لأن الإمارات تركز على تنويع محفظتها الاستثمارية وتوسيعها، يبدو أنها تحاول وضع نفسها فوق المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين. إن الإنجاز المتمثل في وصول مسبار الأمل إلى مدار المريخ قبل البعثات الصينية والأمريكية يشير إلى طموح الإمارات في أن تكون رائدًا على مستوى العالم. علاوة على ذلك، كان نهج التحفظ الاستراتيجي للإمارات في علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة واضحًا أيضًا في دبلوماسية اللقاح. حيث اعتمدت الإمارات لقاحات طورتها شركة أسترازينيكا الأوروبية وشركة فايزر الأمريكية وشركة سينوفارم الصينية؛ كما أنها منحت ترخيصًا طارئًا للقاح سبوتنيك الروسي. على هذا الصعيد، لا يزال التعاون بين الإمارات والصين متقدمًا جدًا. على سبيل المثال، عملت شركة سينوفارم والمجموعة 42 (G-42)، وهي شركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها، على توحيد جهودهما لإطلاق اللقاح الذي أعيدت تسميته بـ حياة-فاكس Hayat-Vax، وصنع ملايين الجرعات لإرسالها إلى الدول النامية.
في ظل هذا التوازن لإثبات نفسها كلاعب مستقل وسط إعادة تشكيل الديناميكيات الدولية، كانت السمة المثيرة للاهتمام لدبلوماسية الإمارات هي اعتمادها على الشراكات التي أقامتها مع الجهات الفاعلة الخاصة. ويتضح هذا بشكل خاص في دبلوماسية الفيروس التي اتبعتها. منذ عام 2011، دخلت الإمارات في شراكة مع مؤسسة بيل وميليندا جيتس (Bill & Melinda Gates) من أجل “دعم توزيع لقاحات النجاة في المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها”، ولا سيما المساعدة في استئصال أمراض مثل شلل الأطفال والملاريا في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2020، تم التوصل لاتفاقية لإرسال أدوات الاختبار التي تبرعت بها الإمارات لولاية نيفادا في أعقاب مناقشات بين المجموعة 42 وفريق العمل المعني بالاستجابة والإغاثة والتعافي من COVID-19 في نيفادا التابع للقطاع الخاص. ومع ذلك، فقد أدى هذا إلى تحذيرات هادئة من قبل الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين لولاية نيفادا بعدم استخدام الأدوات صينية الصنع (التي تُصَنعها مجموعة BGI)، وذلك “بناءً على مخاوف بشأن خصوصية المريض، ودقة الاختبار وتورط الحكومة الصينية”.
تستفيد الإمارات على أكمل وجه من التعددية القطبية المتزايدة في العالم، ومن الخصخصة الجيوسياسية المتزايدة لترسيخ دورها المتنامي على الساحة الدولية. ويبقى أن نرى ما سينجم عن ذلك بالنسبة لبعض العلاقات الثنائية لدولة الإمارات، وخاصةً مع الولايات المتحدة في ظل التزام واشنطن بـ “بالتصدي لبكين ومواجهتها”.