ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
توتّرت علاقات واشنطن بشركائها العرب في الخليج في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك بشكل خاص إلى تواصل الولايات المتحدة مع إيران والتخوّف من احتمالية سعيها إلى التقرب على نطاق أوسع من طهران على حساب عرب الخليج إلى حدّ كبير. ولكن وفي الأشهر الأخيرة، ازدادت الأدلّة التي تشير إلى أن هذه المخاوف، ولاسيما تلك المتعلقة بأثر الاتفاق النووي مع إيران، قد تكون سابقة لأوانها. فإن الخطاب الشديد اللهجة للرئيس المنتخب دونالد ترامب وبعض من أبرز مستشاريه بشأن إيران بشكل عام والاتفاق النووي بشكل خاص قد أثار التساؤلات حول استمرارية الاتفاق. إلا أن أحدًا لا يعلم فعلًا كيف ستكون سياسة ترامب الخارجية، ولاسيما أن عددًا كبيرًا من تعييناته الرئيسية، التي تتضمن تعيين وزير الخارجية، لا يزال غير محسوم. ولقد أعرب الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما والكونغرس محدود النفوذ في نهاية عهده، وعلى الرغم من أنهما لا يملكان تصورًا واضحًا عن خطط ترامب المستقبلية، عن قلق واشنطن المتزايد حيال مضيّ إيران في انتهاج، أو في بعض الحالات توسيع، سياساتها الاستفزازية والمزعزعة للاستقرار. ولا بدّ لهذه التطورات أن تعتبر مطمئنة من منظار دول الخليج العربية. .
في الأول من كانون الأول/ديسمبر، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة (99 مقابل 0) لتمديد العقوبات غير النووية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران على الرغم من تطبيق الاتفاق النووي بنجاح نسبي، وهو اتفاق يضمّ ست قوى عالمية تقودها الولايات المتحدة ويُسمّى بخطة العمل الشاملة المشتركة. قبل أسبوعين، أقرّ مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون مماثل بأغلبية ساحقة (419 صوتًا مقابل صوت واحد). ولقد وافقت إيران، في الاتفاق النووي، على تعليق برنامج أسلحتها النووية مقابل التخفيف من مجموعة العقوبات المفروضة عليها. ومع ذلك، وافق الكونغرس بأغلبية ساحقة على تمديد قانون العقوبات الإيرانية لمدة عشر سنوات والذي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيته بنهاية العام 2016. يسمح هذا القانون للحكومة الأمريكية أن تعاقب الشركات التي تقوم بأعمال تجارية مع إيران. ويهدف بشكل خاص إلى تثبيط الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، ردًا على الجهود التي تبذلها إيران لتوسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط.
وحتى الآن، يبدو أن كلا الطرفين يفيان بالالتزامات المترتبة عليهما وفقًا لخطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنهما يراوحان مكانهما. فإيران تتّهم الولايات المتحدة بانتهاك مضمون الاتفاق وروحيته. ومن جانبها، اشتكت واشنطن من عدم إيفاء إيران بوعدها عبر دعمها المستمر للجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية كحزب الله والميليشيات الطائفية في العراق وغيره، ودعمها الذي يبدو متزايدًا للمتمردين الحوثيين في اليمن، ومشاركتها في الحملة الوحشيّة التي تهدف إلى تجديد وتوسيع نفوذ الرئيس السوري الديكتاتوري بشار الأسد، ولاسيما في حلب الشرقية، وفي حملتها العدوانية الإنتاج وامتلاك صواريخ بالستية طويلة ومتوسطة المدى يمكن تزويدها برؤوس حربيّة تقليدية، وضمنيا حتى نووية. ولقد أغضب قرار إعادة إقرار العقوبات الأمريكية غير النووية في قانون العقوبات الإيراني طهران التي أنذرت “بردّ قوي” على ما تسمّيه “انتهاكًا فادحا” للاتفاق النووي. إلا أن البيت الأبيض، الذي يلتزم بشدة بحماية الاتفاق، قد أكّد أن الخطوة التي قام بها الكونغرس لا تخالف شروط خطة العمل الشاملة المشتركة، وأشار ضمنيًا إلى أن أوباما سيوقّع على التشريع.
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر، صوّت مجلس النواب لإحباط صفقة تجارية كانت شركة بوينغ تخطط من خلالها لبيع 109 طائرة لإيران بقيمة 25 مليار دولار تقريبًا عبر وسطاء من طرف ثالث. إلا أن مصير هذه الصفقة المحتملة لا يزال غامضًا. ولقد أدرج السيناتور ماركو روبيو الذي يمثل ولاية فلوريدا تدبيرًا مماثلاً في مجلس الشيوخ لمنع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي من تمويل الصفقات التجارية كالصفقة التي خططت لها شركة بوينغ مع إيران لبيع الطائرات. والجدير بالذكر أن البيت الأبيض قد انتقد هذا التدبير المقترح، واصفًا إياه “بالجارف والغامض”، قائلًا إنه قد يكون له “أثر مقلق” على “الصفقات التجارية المباحة مع إيران”. ولذلك، يستمر البيت الأبيض بإدارة أوباما بصدّ بعض التدابير التي يتخذها الكونغرس والتي تعتبر أنها تخالف في جوهرها خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنه لا يبدو أنه ينظر إلى قانون تمديد العقوبات الإيراني بالمنظار عينه. وبالفعل، قال البيت الأبيض على وجه التحديد إنه سيستخدم حقه في الفيتو لينقض مشروع القانون هذا إن رأى أنه يتعارض مع الاتفاق النووي، ولكنه لم يتوصّل بعد إلى هذا الاستنتاج.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل على وجه التحديد إن تمديد قانون العقوبات الإيراني ضروري لمنح الولايات المتحدة النفوذ اللازم لدحر “الجهود التي تبذلها إيران بشكل متواصل لتوسيع دائرة نفوذها” في الشرق الأوسط على نطاق أوسع. ولسوف يلقى هذا المخطط رواجًا كبيرًا في عواصم الخليج العربية، إذ أنه يعكس وبشكل لافت وجهات نظرها بشأن السياسات الإيرانية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، وفيما لا تنفكّ ثقة هذه الدول بإدارة البيت الأبيض تتزعزع، يبدو أن عدم احتمال استخدام أوباما حقه في الفيتو لنقض هذا التدبير يثني على الشعور بأن واشنطن بشكل عام، بما في ذلك البيت الأبيض، تقرّ بأن سياسات إيران لم تتغيّر، إن لم تكن قد أصبحت أكثر زعزعًة للاستقرار منذ التوقيع على الاتفاق النووي.
واتّهمت المملكة العربية السعودية إيران مؤخرًا بأنها المسؤولة عن هجوم إلكتروني شُن على ستّ منظمات رئيسية في البلاد، بما فيها إدارة الطيران المدني والبنك المركزي. وفضلًا عن ذلك، عاودت إيران التأكيد على شراكتها مع روسيا في دعم نظام الأسد في سوريا. تقول طهران إنها تسعى إلى مزيد من التعاون مع المملكة العربية السعودية، ويشير اتفاق أبرمه أعضاء الأوبك مؤخرًا، وضم هاتين الدولتين القويتين نفطيا، إلى إمكانية تحديد بعض المصالح المشتركة في بعض الحالات. ولكن نظرًا إلى السياق العام، ستطرح الرياض الكثير من التساؤلات حول هذه المبادرات الإيرانية. ويُشار إلى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى العديد من الذين يحتمل أن يعيّنهم ترامب في المستقبل، يسلّط الضوء على خطورة الوضع إذ أصبحت إيران قوًّة إقليميّة أكثر عدوانية منذ توقيع الاتفاق، داعيا إلى اتخاذ تدابير لكبح جماحها.
ومع ذلك، فإن دول الخليج العربية لا تلحّ على الإدارة القادمة لإلغاء الاتفاق النووي عند تولّي ترامب مقاليد الحكم، كما قال إنه قد يفعل عندما كان مرشحًا إذا ما انتُخب رئيسًا. وبدلًا من ذلك، يبدو أن هذه الدول تفضّل تنفيذ الاتفاق بشكل صارم على إلغائه. ففي نهاية المطاف، إن السيناريو الأمثل بالنسبة إلى المتشددين الإيرانيين يتمثّل بالتوصل إلى الاتفاق وبإزالة نظام العقوبات الدولية بالتعاون مع أوباما ومن ثم فسح المجال لترامب ليبادر بإلغاء الاتفاق، فتنعم إيران بالتالي بالحرية وتعود إلى برنامجها النووي وقد أصبحت فرصة إعادة تأسيس نظام العقوبات السابق الشامل ضئيلة. وفي الوقت عينه، قد تشكّل بعض التدابير المقترح اتخاذها في إدارة ترامب، كالكشف عن فئات عدة من الوثائق “السريّة” أو الخاصة المتعلّقة بالاتفاق، علامًة إضافيّة على اتخاذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر صرامًة من طهران. وتقول إيران إنها ستنسحب من الاتفاق إن أعاد ترامب التفاوض على أحكام هذا الاتفاق.
وفي ظل تبادل الطرفين لمشاحنات كلامية، وسعي الكونغرس إلى تعزيز الموقف الأمريكي، واستعداد الإدارة الجديدة لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، يبدو أن بعض أوجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الأقل تتخذ منحى يتماشى مع وجهات نظر معظم دول الخليج العربية. وبعد سنوات عدّة من التشكيك المستمر في نوايا الولايات المتحدة، سيرحّب شركاء واشنطن في دول الخليج العربية كثيرًا باتخاذ الكونغرس والإدارة السابقة والقادمة موقفًا أكثر تشددًا تجاه إيران.