تؤكد إدارة ترامب خلافاتها مع سابقاتها، وخاصة إدارة أوباما، وتدعي أنها تتبع سياسات مختلفة جذريًّا في جميع المجالات. فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كانت الاختلافات في كثير من الحالات في الأساس خطابية أو محدودة النطاق أكثر منها عملية. ومع ذلك، وفيما يتعلق بإيران، تبرز سياسات جديدة يمكن أن تبشر بنهج استراتيجي جديد، ويجري وضعها موضع التنفيذ في كثير من الحالات الضرورية. وبالنسبة لمعظم دول الخليج العربية، فإن الاستعداد للتصدي للأجندة الإقليمية لإيران هو أهم جانب من جوانب السياسة الإقليمية للولايات المتحدة وهو الاختبار الذي يضع الإدارات الأمريكية على المحك. ومن وجهة نظرهم، تم بالفعل إدخال سلسلة من التحسينات على مجموعة من القضايا المصيرية.
سوريا
لطالما اعتقدت دول الخليج العربية أن نتيجة الصراع في سوريا ستحقق الكثير من أجل تشكيل توازن قوى مع إيران في الشرق الأوسط. كان من الواضح أن إدارة أوباما لم تشاركهم هذا الرأي، ولكن يبدو أن إدارة ترامب لديها مثل هذا الرأي، وهو ما يساعد على تفسير كون المسار الأخير للسياسة الأمريكية في سوريا يبدو إيجابيًّا إلى حد كبير بالنسبة لحلفاء واشنطن في منطقة الخليج العربية.
لقد شاطرت العديد من هذه الدول، وخاصة السعودية وقطر، إدارة أوباما التزامًا خطابيًّا بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وقد تشكل هذا الهدف نتيجة للإدراك المتبادل بأن إيران ستكون الفائز الأكبر إذا ما نجا النظام السوري من الثورة، ولم يكن ذلك في مصلحة واشنطن ولا شركائها العرب الخليجيين. غير أن الرئيس باراك أوباما لم يلتزم بشكل كامل أبدًا بتمويل وتجهيز وتنظيم نوع من المعارضة المسلحة يكون قادرًا على تغيير النظام بالقوة. في الواقع، بدأت الشكوك والتردد في ولاية أوباما الثانية والمرتبطة في بعض الحالات بالتجربة الأمريكية في العراق في تشكيل السياسة الأمريكية في سوريا.
واتضح ذلك بشكل أكبر عندما وضع أوباما “خطًّا أحمر” على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، ما يعني ضمنًا أن استخدام النظام للأسلحة الكيماوية سيواجه بالقوة. ولكنه لم ينفذ ذلك عندما ارتكب النظام في آب/ أغسطس 2013 عملاً وحشيًّا آخر بالسلاح الكيماوي ضد المدنيين. وبدلاً من ذلك، أبرمت إدارة أوباما اتفاقية مع الأسد، بزعم تجريده من قدرات سلاحه الكيماوي، كما أعطت الاتفاقية النظام قدرًا من الاعتراف الدبلوماسي القائم على استمرار سيطرته على المناطق الرئيسية. وعلاوة على ذلك، بدأت واشنطن تقليص دعمها المباشر بشكل كبير للجماعات المتمردة المنخرطة في الثورة ضد النظام، والتركيز بدلا من ذلك على المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، على الرغم من مناشدات دول الخليج وغيرها على السعي لتحقيق الهدفين بشكل متزامن.
يبدو فعلاً أن إدارة ترامب تزيد بشكل ملحوظ من تدخل الولايات المتحدة في سوريا. لقد قوبلت إحدى الهجمات الكيماوية العديدة التي شنها نظام الأسد في وقت مبكر من السنة الأولى للرئيس دونالد ترامب بضربة بصواريخ كروز، وإن كانت رمزية إلى حد كبير، ضد إحدى القواعد الجوية التابعة للنظام. ومع ذلك، يبدو أن هذه إشارة لمرة واحدة تهدف إلى توصيل رسالة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية لا يزال غير مقبول لواشنطن، وليس بهدف التأثير بشكل كبير على المعادلة الإستراتيجية على أرض الواقع. تصرف ترامب حيث لم يفعل أوباما. ومع ذلك، فإنه لا يزال من غير الواضح أن إدارة ترامب قد غيرت السياسة الأمريكية بشكل كبير فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية في سوريا.
تمت متابعة المعركة ضد داعش، وقد تم بالفعل استكمالها بنجاح بقيادة ترامب ولكن وفقًا لإستراتيجية وجدول زمني وضعته إدارة أوباما. وعلاوة على ذلك، وبعد الإعلان الذاتي عن سقوط ما يسميه تنظيم الدولة الإسلامية بالمقر الرئيسي لدولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام في منطقة الرقة، أعلنت إدارة ترامب أنها تعلق رسميًّا الدعم العسكري الأمريكي للمتمردين السوريين الذين يقودهم الأكراد، والذين كانوا القوات البرية الرئيسية المقاتلة ضد داعش في عهد كل من ترامب وأوباما. وتوقعت كلتا الإدارتين تحويلهما إلى قوة عسكرية كبيرة ومستقرة وموالية لأمريكا في شمال وشمال شرق سوريا.
كما هو متوقع، وحال الهزيمة النكراء لداعش، قامت تركيا بزيادة تدخلها العسكري في سوريا إلى حد كبير لوقف تنامي سلطة الجماعات الكردية السورية ومنع توحيد مناطق السيطرة الثلاث التابعة لهم على الحدود الجنوبية لتركيا. وعلى الرغم من أن هذه الميليشيات كانت تسلحها وتمولها واشنطن وتعمل بالتنسيق الوثيق مع القوات الخاصة الأمريكية، إلا أن تركيا لم تتردد في مهاجمتها وتهديد المناطق التي تعمل فيها القوات الأمريكية نفسها. في حين حذرت إدارة ترامب تركيا لتجنب أو الحد من هذه الهجمات، أعلنت أيضًا أنها ستلغي تدريجيًا كل الدعم لهذه الجماعات الكردية. وما لم تحل محلها فصائل سورية مسلحة أخرى، فإن تنفيذ تلك السياسة بالكامل سيكمل عمليًّا فك الارتباط الأمريكي، الذي بدأ خلال إدارة أوباما، من مقاتلي المعارضة السورية.
ومع ذلك، يبدو أن السياسة الأمريكية في سوريا تشهد توسعًا في نطاق مهامها في ظل إدارة ترامب. وكانت الدلالة الأكثر دراماتيكية هي الرد العسكري الأمريكي على هجوم لقوات موالية للنظام، حيث ذكرت التقارير أنه تم قتل العديد من المرتزقة الروس الذين كانوا يهددون المقاتلين الذين تدعمهم الولايات المتحدة في شمال سوريا. وادعت إدارة أوباما أن عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين في سوريا خلال العامين الماضيين كان حوالي 500. في نهاية السنة الأولى من ولاية ترامب، ارتفع العدد الرسمي إلى حوالي 2000، في حين أن هناك دلائل تشير إلى أن العدد الفعلي أكبر بكثير وفي تزايد.
ولا تزال المهمة الرئيسية للقوات العسكرية الأمريكية في سوريا هي الحيلولة دون عودة تنظيم داعش. ومع ذلك، هناك تركيز جديد على هدف ثان، وهو احتواء ومن ثم دحر قوات إيران ووكلائها، وخاصة حزب الله، في سوريا. تعهد وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس بوجود طويل الأمد للقوات الأمريكية في شمال وشمال شرق سوريا، من الواضح أنه يهدف لاحتواء نفوذ إيران هناك، ما يوحي بأنه يجري تشكيل جدول أعمال أوسع وطويل الأمد. إن الانتشار الواسع للقوات الأمريكية في سوريا، حتى عندما يعني المواجهات المحتملة مع القوى العظمى الأخرى مثل روسيا أو حلفاء حلف شمال الأطلسي، مثل تركيا، يشير إلى مدى المخاطر والتصميم.
لبنان
لقد كشفت الرياض، بشكل جلي، عن خيبتها الشديدة من لبنان على وجه الخصوص، في الآونة الأخيرة وبشكل درامي من خلال الاستقالة المدوية (المثيرة للجدل) لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. يبدو أن المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الأخرى مصممة على الضغط على اللبنانيين بسبب دور حزب الله كطليعة للميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا وخارجها. كان بإمكان الرياض أن تتسبب في انهيار قيمة الليرة اللبنانية بسحب ما يقرب من مليار دولار من البنك المركزي اللبناني، وتعطيل التحويلات المالية من 400,000 مواطن لبناني يعملون في الخليج. تسعى المملكة العربية السعودية لإيجاد سبل لإيصال هذه الرسالة مع تجنب مثل هذه الأعمال الصارمة التي من شأنها أن تسبب دمارًا اقتصاديًّا عشوائيًّا في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، وبعد وضع حزب الله على جميع قوائم الإرهاب في الخليج، وحصوله على وصف مماثل في جامعة الدول العربية، تكون الرياض انتهت، وبشكل حازم، من تحقيق جميع الخيارات التي تصبو إليها. إن الحملة التي تقوم بها وزارة الخزانة في إدارة ترامب للضغط على حزب الله من خلال مجموعة من العقوبات الجديدة أو المكثفة وغيرها من الأدوات المالية والقانونية توفر لدول الخليج العربية مظاهر من النفوذ الذي تصبو إليه، ولكنها تفتقر إليه حاليًّا.
العراق
وتنكشف المبادرة الدبلوماسية السعودية في العراق، والتي تسعى إلى دعم التوسع المكثف طويل الأمد، وخاصة في جنوب العراق، من قبل العراق والكويت إلى تعزيز الهوية الوطنية العراقية، وتحفيز العراقيين من جميع الأطياف على السعي لتحقيق مصالحهم الوطنية بدلاً من مصالح إيران. والهدف من ذلك ليس محاولة القضاء على النفوذ الإيراني في العراق، وهو أمر غير مقبول. وإنما الهدف هو تعزيز العراق الذي يتفادى الاصطفاف مع أي من طرفي الصراع، الرياض وطهران، وكي يرى نفسه جزءًا من العالم العربي، وليس دولة تابعة لإيران. وكانت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية داعش شرطًا مسبقًا لهذا الانتشار، وسيعتمد الكثير على جهود إعادة الإعمار في المناطق ذات الأغلبية السنية التي كانت تحتلها داعش في السابق. وفي مؤتمر المانحين الذي عقد مؤخرًا، انضمت المملكة العربية السعودية إلى الكويت وغيرها في التعهد بتقديم أموال هائلة لإعادة الإعمار. وتعمل الولايات المتحدة للسمسرة لهذا الجهد، ولكن واشنطن بقيادة ترامب أشارت إلى أنها أنفقت ما فيه الكفاية من الأموال في العراق، وتصر على دول أخرى، وخاصة من الخليج، على تمويل إعادة إعمار العراق. وسيشكل التعاون في هذه الجهود جانبًا مهمًّا من علاقات واشنطن مع دول الخليج العربية، ووسيلة أساسية لمواجهة النفوذ الإيراني.
وعلاوة على ذلك، فإن التواصل ما بين السعوديين والخليجيين الآخرين مع السياسيين العراقيين الشيعة مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي ومقتدى الصدر وغيرهم سوف يعتمد أيضًا، بشكل جزئي، على القدرة على مواءمة المصالح وتنسيق الجهود مع واشنطن. وستسعى دول الخليج إلى تجنب أي تكرار للسيناريو الذي أيدت فيه كل من واشنطن وطهران، لأسبابهم الخاصة، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي ثبت أنه في قبضة إيران بالكامل، فضلاً عن كونه طائفيا بشكل مؤذٍ للسنة في العراق. وقد أحرزت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تقدمًا كبيرًا مؤخرًا في العراق، ولكن إيران لا تزال طرفًا حاسمًا. وتؤثر طهران بشكل خاص في بعض جوانب هيكلية السلطة الشيعية، وعلى رأسها، قوات الحشد الشعبي، وهي الميليشيات التي تتماشى بشكل وثيق مع إيران وتعمل بشكل كبير خارج سيطرة الحكومة العراقية. وسوف يتعين على دول الخليج وواشنطن العمل معًا لتعزيز مناخ سياسي بناء بشكل أكبر داخل العراق يمكنه أن يوازن بين المصالح المختلفة ومن ضمنها مصالح السنة والشيعة العرب والأكراد، مع مصالح إيران وعملائها الطائفيين. ولكل منهما مصلحة قوية في العمل على كبح السلطة المستقلة لميليشيات قوات الحشد الشعبي (PMF) عن طريق دمجها في الهيكلية العسكرية القائمة، أو حلها، أو منعها بأي شكل آخر من الظهور كقوة على غرار حزب الله، دولة-داخل دولة، تدين بالولاء لإيران.
اليمن
إن إدارة ترامب زادت من وتيرة النشاطات العسكرية الأمريكية في اليمن، بما في ذلك عدد الضربات الأمريكية بالطائرات دون طيار وغيرها من عمليات مكافحة الإرهاب. وعلاوة على ذلك، فإن الإدارة الأمريكية خففت من تحفظاتها على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية من إدارة أوباما، على الرغم من أن واشنطن بدأت مرة أخرى علنًا بالضغط على الرياض بشأن المخاوف الإنسانية الناشئة عن صراعها مع المتمردين الحوثيين. وفي هذه الأثناء، يبدو أن هناك دعمًا قويًّا من واشنطن لعمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الإمارات العربية المتحدة ضد تنظيم القاعدة في جنوب شبه الجزيرة العربية.
ربما تأمل دول الخليج العاملة في اليمن أن تعمل واشنطن للمساعدة في التوصل إلى حل سياسي يسمح لها بالبدء في إنهاء التزامها العسكري الذي اتخذ مظهر المستنقع والكارثة الإنسانية الحقيقية. وهناك مؤشرات قوية على أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سترحبان بصيغة تسمح لهما بالانسحاب من اليمن، ولكن في ظل الظروف الراهنة، لا يملك المتمردون الحوثيون وداعموهم الإيرانيون ما يدفعهم للانضمام إلى مثل هذا الجهد. يمكن أن تكون مشاركة الولايات المتحدة عاملاً مهمًا في إيجاد مخرج، خاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، على المدى الطويل، كما أن استمرار الدعم الأمريكي سيكون حاسمًا لقدرة الرياض على مواصلة حملتها العسكرية على المدى القصير والمتوسط.
خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)
السعي وراء المعاهدة الدولية للحد من السلاح النووي مع إيران، أو خطة العمل الشاملة المشتركة، أثر على نطاق واسع على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال ولاية أوباما الثانية أكثر مما كان يعتقد العديد من المحللين في ذلك الوقت. يبدو أن الرغبة في عدم زعزعة المفاوضات مع طهران قد شجعت جزئيًّا على التوصل إلى صفقة مع نظام الأسد بشأن الأسلحة الكيماوية بدلاً من الرد بقوة على تجاوز الخط الأحمر المعلن عنه. وعلى نحو مماثل، تشير تقارير موثوقة إلى أن إدارة أوباما تغاضت عن الأنشطة الإجرامية التي يقوم بها حزب الله من أجل تجنب التوترات المدمرة مع إيران. الآن وبعد أن تم إبرام الاتفاق –ومع التبدد التام لأية آمال في أن يؤدي ذلك إلى انفتاح أوسع مع إيران، ومع معاداة الإدارة الأمريكية الجديدة الصريحة للاتفاقية- فإن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تعد تعمل بمثابة الكابح على نهج واشنطن تجاه إيران. وقد انعكس ذلك في الهجوم بصواريخ كروز في سوريا والعقوبات الجديدة التي استهدفت حزب الله، والتي لم يكن من المحتمل أن تتم خلال المفاوضات النووية التي جرت في عهد أوباما.
بل على العكس من ذلك، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة الآن تشكل إزعاجًا كبيرًا في العلاقة، نظرًا للإدانة الشديدة، ليس فقط من قبل إدارة ترامب، بل أيضًا من قبل المتشددين في طهران. كما أصبحت تهديدات الإدارة بالتخلي عن الاتفاقية مصدرًا للتوتر مع البلدان الخمسة الأخرى الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة. وتتوقف کیفیة تجلي هذه القضیة إلى حد كبير علی ما إذا كانت الإدارة قد قررت بالفعل التخلي عن خطة العمل الشاملة المشترکة في المستقبل القریب أم لا. وإذا فعلت واشنطن ذلك في حين أوفت إيران جوهريًّا بالتزاماتها ولم ترتكب أي خرق مادي لخطة العمل الشاملة المشتركة، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية سيئة. ومن المؤكد أن معظم اللوم، حتى من حلفاء الولايات المتحدة المقربين مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، يتم توجيهه إلى واشنطن. ومن غير المرجح أن يكون هذا السيناريو موضع ترحيب من قبل معظم دول الخليج العربية، بالرغم من مخاوفها العميقة من الطموحات الإيرانية، والتساؤل حول فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة على المدى البعيد، الشكوك الدائمة حول الثقة بالتزام الولايات المتحدة بأمنها.
عقب الإعراب عن تحفظات جدية عندما بدأت المحادثات النووية مع إيران، ومن ثم عند التوقيع على الاتفاقية النووية، أيد مجلس التعاون الخليجي بالإجماع الميثاق. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنه لم يكن هناك سوى القليل مما يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تفعله بشأن القرارات التي تم اتخاذها بالفعل، ويرجع أيضًا لكونهم راضين عن تطمينات واشنطن، ولاحظوا نوعًا من الإيجابية في القيود على أجندة إيران النووية. على عكس إسرائيل التي وصلت القضية النووية في أذهانهم إلى حد لم يسبق له مثيل. بل كانوا أكثر قلقًا بشأن سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة. ولكن على الرغم من هذه التحفظات، وعلى عكس بعض القادة الإسرائيليين، فإن دول الخليج العربية لم تشجع على انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبدلاً من ذلك، فإن جوهر موقف دول الخليج العربية يتلخص في حث واشنطن على استخدام القضية النووية لفرض المزيد من الضغوطات على نشاطات إيران الإقليمية. لا يمكن تلبية المصالح الخليجية العربية لو أن واشنطن، التي يعتمدون عليها لقيادة عملية الرد على إيران، ينتهي بها الأمر بتحمل مسؤولية إنهاء الاتفاقية خاصة إذا لم تكن هناك إستراتيجية بديلة. وفي ظل هذه الظروف، كان من الصعب أن يتفاوض المتشددون الإيرانيون على إنهاء العقوبات الدولية التي جلبت طهران إلى طاولة المفاوضات، مع عدم وجود احتمال حقيقي لإحيائها، في حين يتم التخفيف بشكل فعال من القيود المفروضة على برنامجها النووي. إنه سيناريو مثالي تقريبًا للصقور الإيرانيين، وبالتالي لا يخدم جدول أعمال دول الخليج العربية. وبقدر ما تستخدم إدارة ترامب التهديدات بالتخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة كحافز لتعزيزها، أو كجزء من حملة أوسع للحد من السياسات الإقليمية لإيران، فإن ذلك سيكون موضع ترحيب من دول الخليج العربية. ولكن إذا كان هجوما انفعاليا وبمثابة ضربة للذات، ليس لسبب إلا لأن سَلَف ترامب هو الذي أنجزها، فهذا لن يخدم مصالحهم.
عندما انتخب ترامب رئيسًا، تفاءلت دول الخليج بأن إدارته ستثبت أنها أكثر تعاطفًا وفائدة لمصالحها من إدارة أوباما. وقد شجعت العديد من تصريحاته المبكرة مثل هذه الآمال، ومنها على سبيل المثال تصريحات ترامب أنه أثناء إدارة أوباما كان هنالك توتر في العلاقات مع البحرين بسبب مخاوف بشأن حقوق الإنسان “لن يكون هناك توتر مع هذه الإدارة”. وحتى الآن، لم يكن هناك بالفعل أيه توترات جديدة مع البحرين، والقليل مع البلدان الخليجية الأخرى بهذا الشأن. حتى الانتقادات القوية التي وجهها ترامب إلى قطر في سياق المقاطعة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر في حزيران/ يونيو 2017 لا يبدو أنها أثرت سلبًا على جوهر علاقات واشنطن بالدوحة التي تبدو قوية كما كانت دومًا. والشيء نفسه ينطبق على العلاقات الأمريكية مع البلدان المُقاطِعة.
لقد أصبح محور المخاوف المتعلقة بأوباما والآمال المتعلقة بترامب بين دول الخليج العربية هو جوهر السياسة الأمريكية تجاه إيران. فبينما لا توجد إستراتيجية شاملة ومتكاملة للولايات المتحدة تجاه إيران حتى الآن، يبدو أن بعض لبنات البناء الأساسية موجودة. ومع ذلك، فإن المدى الذي ستكون واشنطن على استعداد للوصول إليه، وما هو الثمن الذي يمكن أن تدفعه في تحدي إيران إقليميًّا، وكيف لمثل هذا الالتزام الأساسي والمستمر أن يكون متوازنًا مع أجندة “أمريكا أولا” الآخذه بالتطور، لا يزال يتعين تحديده إلى حد كبير.