على الخريطة، تبدو كل من مأرب في اليمن وفيينا في النمسا متباعدتين للغاية. لكن تبين أن أبوظبي تجعل المدينتين على مسافة قريبة جدًا من حيث التأثر. كانت المفاوضات الأمريكية، غير المباشرة، مع إيران بشأن برنامجها النووي في فيينا متعثرة بالفعل. وأكد الجيش الأمريكي الآن أنه شارك في اعتراض صاروخين باليستيين حوثيين استهدفا قاعدة الظفرة الجوية بالقرب من أبوظبي – والتي تؤوي جناح الاستطلاع الجوي 380 التابع لسلاح الجو الأمريكي و2000 عنصر عسكري أمريكي. وتحول التطور الدرامي في الصراع العربي، بسرعة، من محلي إلى إقليمي في أقل من شهر، ثم أصبح، في الحقيقة، عالميًا عندما اندلعت الهجمات المكثفة، الأمر الذي أدى إلى انهيار عملية تهدئة في الشرق الأوسط استمرت 18 شهرًا.
شن الحوثيون هذه السلسلة من الهجمات الصاروخية القاتلة على الإمارات ردًا على الانتكاسات الكبيرة التي مُني بها الحوثيين في المعركة حول مأرب، المركز الاقتصادي لشمال اليمن، بسبب تدخل ميليشيا يمنية قوية تدعمها الإمارات. ونظرًا لأن إيران هي التي تزود الحوثيين بمثل هذه الصواريخ المتطورة، إلى جانب أدلة قوية على الدعم الفني الحاسم لحزب الله، سيكون من الصعب تجاهل تورط إيران. ونظرًا لأن مقرًا عسكريًا أمريكيًا رئيسيًا وجناحًا جويًا قد تعرض لهجوم مباشر بهذه الأسلحة، فمن المستحيل تجاهل الخط المباشر بين مأرب وفيينا الذي يتقاطع مع أبوظبي.
لماذا الحوثيين غاضبين
بدأت سلسلة الهجمات الصاروخية الحوثية ضد الإمارات في 17 يناير/كانون الثاني، عندما عملت الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة على تدمير عدد من صهاريج الوقود الإماراتية، وقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة عدد آخر. من الواضح أن الهجمات جاءت ردًا على استعادة القوات الموالية للحكومة بشكل درامي لمناطق رئيسية في محافظة شبوة في جنوب اليمن من قوات الحوثيين. يُعزى هذا التحول الكبير في مجريات المعركة في المقام الأول إلى تدخل كتائب العمالقة، البالغة الفاعلية والمدعومة من الإمارات.
وفي حين سحبت الإمارات معظم قواتها من اليمن في عام 2019، إلا أنها تحتفظ بوجود قوي في جميع أنحاء الجنوب وفي أماكن أخرى من البلاد. في الواقع، يُعد الدور الذي تلعبه الإمارات أحد الأسباب الرئيسية لفصل هذا الصراع عن الجنوب بشكل فعال، في ظل التحريض على الحرب بين الحوثيين والحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة وداعميها في التحالف الذي تقوده السعودية، حيث تحاول الإمارات تحقيق التوازن بين مختلف الفصائل الجنوبية مع الاستمرار في حملتها ضد القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى.
إن ما سهّل تدخل كتائب العمالقة، الذي لا شك تم بموافقة الإمارات، هو عزل محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو المنتمي لحزب الإصلاح الإسلامي الذي هو على خلاف مع أبوظبي. لقد أقاله الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بعد انتقادات حادة غير معتادة لدور الإمارات في البلاد، والشعور المتزايد بين القبائل المحلية القوية بعجزه عن قيادة القتال، بشكل فعال، ضد العدوان الحوثي على هذه المحافظة الغنية بالنفط. بعد إبعاد عديو عن الواجهة واستبداله بمحافظ جديد موالٍ للإمارات، عوض العولقي، بدأت كتائب العمالقة القوية بالعمل محققة نتائج فورية. بحلول 10 يناير/كانون الثاني، أعلن العولقي أن محافظة شبوة “محررة” من الحوثيين بعد طرد قوات المتمردين من مناطق العين وعسيلان وبيحان، التي كان الحوثيون قد احتلوها في وقت سابق في حملة أوسع للسيطرة على محافظة مأرب المجاورة.
تعد شبوة الغنية بالنفط، ومأرب بشكل خاص، ضروريتين للحوثيين كمركز اقتصادي. إذا تمكن الحوثيون من تأمين سيطرتهم على شبوة، فمن المرجح أن تكون مأرب هي التالية، وهذا من شأنه أن ينهي عمليًا آمال حكومة هادي في الإبقاء على قاعدة قوية ذات مغزى للنفوذ السياسي الوطني. لكن الانقلاب المفاجئ لمجريات المعركة التي خططتها كتائب العمالقة في غضون أيام يعني أن سيطرة الحوثيين على المناطق الحاسمة لا تزال محل نزاع، وأن التطورات في ساحة المعركة لا يمكن اختزالها في سلسلة من الانتصارات الحتمية للقوات المدعومة من إيران.
وهذا يعني أنه، ما لم تنعكس الأمور بشكل كبير، إما أن يستمر الصراع في اليمن في المستقبل المنظور مع خسارة كبيرة محتملة للحوثيين، أو أن المتمردين سيضطرون للمرة الأولى للانخراط في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي للصراع مع حكومة هادي. حتى الآن، ما تزال مشاركة الحوثيين في المحادثات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة شكلية، وتعكس في المقام الأول اعتقاد الجماعة بأن استمرار القتال على الأرض من المرجح أن يؤدي إلى مكاسب إضافية.
تكشف سلسلة الهجمات التي استهدفت المنشآت العسكرية الإماراتية والأمريكية عن الصدمة والإحباط اللذين أحدثتهما هذه الهزيمة المفاجئة وغير المتوقعة بين الحوثيين. ولكن ما كان قد بدأ باعتباره حافزًا “وهو جلب المعركة إلى الوطن” للإمارات من خلال ضرب داعمي خصومهم في عقر دارهم، جعل حرب اليمن حربًا إقليمية أكثر من أي وقت مضى. وبمهاجمتهم لقاعدة الظفرة الجوية، يكون الحوثيون قد أقحموا الولايات المتحدة. ومن خلال استخدام الصواريخ الباليستية التي من المؤكد أنها من صنع إيراني وتزويدها، وربما مستشارين تقنيين لحزب الله، حمل الحوثيون معركة شبوة إلى العالمية.
واشنطن وطهران وحرب اليمن
لم تتوقف إدارة الرئيس جوزيف بايدن عن المحادثات غير المباشرة في فيينا، الهادفة إلى إحياء اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع إيران، والتي ألغاها الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018. لم تسفر هذه المحادثات سوى عن القليل من المؤشرات على إحراز تقدم، حيث أشار مسؤولون أمريكيون إلى أنهم لن يواصلوا هذه المحادثات المفتوحة لأكثر من بضعة أسابيع إضافية. ولكن سيكون من المحرج جدًا محاولة التعامل المثمر مع إيران في هذه “اللحظة الحاسمة” التي يقوم حلفاؤها المقربون في اليمن بتصدير حربهم الداخلية ضد الحكومة من خلال مهاجمة ليس فقط أحد شركاء الولايات المتحدة المهمين، وإنما أيضًا منشأة عسكرية أمريكية رئيسية.
من المستبعد للغاية تحديد الطبيعة الدقيقة لدور إيران (أو حزب الله) في هذه الهجمات بشكل دقيق، عدا عن توفير المعدات، بشكل نهائي. ولكن نظرًا لتصاعد الهجمات خلال الأسبوع الماضي لتشمل منطقة الظفرة، ما أجبر الجيش الأمريكي على التدخل المباشر في اعتراض نظام باتريوت للصواريخ الباليستية، فليس هناك ما يشير إلى أن طهران كانت غير مرتاحة لهذا التصعيد من قبل الحوثيين، ولم تقم بأي عمل لمنع ذلك. إن تفاخر الحوثيين وتبجحهم بهذه الهجمات يعزز هذا الانطباع بقوة.
الآثار الاستراتيجية المترتبة على الفاعلين الرئيسيين
رد التحالف الذي تقوده السعودية بضربات جوية قوية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من اليمن، هذه الضربات ألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية وقوات الحوثيين، وتسببت في مقتل العديد من المدنيين. وعلى الرغم من أن الإمارات قد تعهدت برد أكثر هولاً، إلا أن ذلك سيستند إلى حسابات مختلفة، بما في ذلك موقف الولايات المتحدة، وردة الفعل المحتملة من إيران، ومدى أهمية التهديد الذي يمكن أن تشكله الهجمات الصاروخية الحوثية الإضافية. إن مثل هذه المخاوف الاستراتيجية قد تحث الإماراتيين على التركيز بشكل أساسي على شبوة ومأرب. إن التقدم المستمر للقوات الموالية للحكومة، وخاصة كتائب العمالقة، في منطقتي جوبا والعبدية بمأرب يشير إلى أن استمرار هذا الهجوم القوي والمضاد قد يكون الوسيلة الأنجع والأقل خطورة للرد على مصالح الحوثيين.
خارج منطقة الشرق الأوسط، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. فنظرًا لأهمية محادثات فيينا لإدارة بايدن، قد تحاول واشنطن التقليل من أهمية أي صلة بين هجمات الحوثيين ضد الإمارات وبين المفاوضات. ومع ذلك، ما لم يتمكن كبير المفاوضين روبرت مالي (Robert Malley) وفريقه من الإشارة إلى بعض النتائج قريبًا، فإن الغضب من الهجمات الصاروخية ضد المنشآت والعناصر العسكرية الأمريكية سوف يتضافر لا محالة مع الإحباط الناجم عن انعدام الرغبة الواضحة لدى إيران في العودة إلى الاتفاقية على أساس الامتثال الصريح من أجل الامتثال.
في الواقع، بالإضافة إلى كونها ردًا مباشرًا على الانتكاسة الدرامية على الأرض في اليمن، فإن هجمات الحوثيين ضد الإمارات تعكس، جزئيًا، الاستعداد المستمر لشبكة مجموعات الميليشيات العربية الإقليمية التابعة لإيران لاستعراض عضلاتها بشكل استفزازي للغاية. ويوضح هذا، إلى جانب أمور أخرى، استعداد إيران وقدرتها على ضرب الخصوم بجرأة تحت غطاء إنكار شبه منطقي، على الأقل، لمسؤولية طهران نفسها. على مدى العامين الماضيين، لا شك أن إيران وجدت أن استخدام الضربات بالوكالة ضد الخصوم أداة ضغط فعالة بتكاليف منخفضة جدًا، إن وجدت – مع الاستثناء الأبرز للضربة الأمريكية بالطائرة المسيرة في يناير/كانون الثاني 2020 التي أودت بحياة اللواء قاسم سليماني وقائد الميليشيات العراقية أبو مهدي المهندس. ومع ذلك، فإن هذا النمط الشامل يشير إلى أن إيران لا تزال تنظر إلى مثل هذه الهجمات بالوكالة على أنها أداة رئيسية للحنكة في الحكم وإبراز القوة، بل وحتى الاستعداد للمفاوضات.
أخيرًا، تُعد هذه الهجمات تذكيرًا مقلقًا بمدى بقاء العلاقات الاستراتيجية الهشة في الشرق الأوسط على الرغم من الأشهر الثمانية عشر الماضية أو أكثر من التراجع الكبير في التصعيد بين الجهات الإقليمية الفاعلة الرئيسية. في الواقع، كان من بين أكثر هذه التقاربات الدرامية تلك التي نشأت بين الإمارات وإيران. لقد وصلت هذه العملية إلى ذروتها في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2021 عندما زار مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد آل نهيان، طهران ودعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للقيام بزيارة حكومية رسمية إلى الإمارات هذا العام. وكان واضحًا أن الطرفين حريصان على تحسين العلاقات فيما بينهما. لكن بالطبع، سيكون إتمام زيارة رئيسي الحكومية إلى أبوظبي في غاية الصعوبة طالما أن الصواريخ الإيرانية تضرب أهدافًا داخل الإمارات.
علاوة على ذلك، فإن الاندلاع المفاجئ للعنف الإقليمي الناتج مباشرة عن التطورات الدرامية في ساحة المعركة في اليمن يوضح أن الصراع الدائر في منطقة بعيدة نسبيًا، كالشرق الأوسط، ليس بالضرورة يبقى في حدود تلك المنطقة. في غضون أيام، يمكن إقحام جهة فاعلة رئيسية مرة أخرى في الصراع اليمني، الذي تحاول فك الارتباط منه، ويمكن للدبلوماسية ذات المصالح العالمية أن تصبح أخطر وأكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. لا يزال التأثير المفاجئ للصراع قادرًا بسهولة على إنتاج مشهد استراتيجي وسياسي غير مستوٍ تقع ضمنه مأرب وأبوظبي وفيينا وظيفيًا بجوار بعضها بعضًا.