ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
واخيرا حقق الرئيس دونالد ترامب أحد أهم أهدافه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، أي عقد لقاء قمة رسمي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي طالما أغدقه الرئيس الأمريكي بالثناء مع أي ذكر له. وبعد ساعات من إعلان واشنطن وموسكو معا عن قمة هلسنكي في السادس عشر من شهر يوليو – تموز، غرّد ترامب تبرئة جديدة لروسيا من تهمة التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو أمر أكدته ولا تزال تؤكد حصوله أجهزة الاستخبارات الأمريكية، التي يرأسها مسؤولون عينهم ترامب نفسه. وكان ترامب قد أعلن أنه سيناقش مع بوتين قضايا مثل سوريا وأوكرانيا “ومواضيع عديدة أخرى”، قالت مصادر أمريكية رسمية لاحقا أنها تشمل طلب ترامب من بوتين المساعدة في الضغط على إيران لسحب قواتها وعناصر الميليشيات المتعاونة معها في سوريا والتي لعبت دورا هاما في إبقاء بشار الأسد في السلطة. وسوف تتزامن قمة هلسنكي مع تفاقم الضغوط الأمريكية على الدول الأوروبية وغيرها من الاقتصاديات الهامة في العالم مثل الهند للتوقف عن استيراد النفط الإيراني مع حلول بداية شهر نوفمبر المقبل، حين تبدأ الولايات المتحدة بتطبيق سلة العقوبات الاقتصادية الجديدة ضد طهران، عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران. وتصر واشنطن، على أنها ستفرض عقوبات من الدرجة الثانية ضد حلفائها الأوروبيين مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إذا لم تتوقف شركاتها عن استيراد النفط الإيراني وغيره من المنتجات الإيرانية.
القمة المتوقعة أثارت المخاوف والقلق في محافل عديدة، وخاصة في أوساط دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) واحتمال قيام ترامب بإغداق الثناء العلني على بوتين، كما فعل قبل أسابيع خلال لقائه مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة. وسيسبق قمة هلسنكي اجتماع لقادة دول حلف الناتو في بروكسيل سيشارك فيه ترامب. المخاوف الأوروبية تتمحور حول احتمال حدوث مناوشات لفظية بين ترامب وبين بعض قادة الدول الأوروبية، ما يؤدي إلى تفجير اجتماع بروكسل من الداخل، كما حدث في بداية الشهر خلال قمة الدول الصناعية السبعة في كندا. وكان ترامب قد وصل إلى القمة متأخرا وغادرها مبكرا. وخلال إقامته القصيرة تلاسن ترامب مع مضيفه رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، وغيره من المشاركين في القمة وقال بازدراء إن “حلف الناتو سيء مثله مثل اتفاق النافتا” التجاري الذي يجمع الولايات المتحدة والمكسيك في شراكة تجارية منذ تسعينات القرن الماضي، وهو اتفاق يسعى ترامب إلى تعديله ويواجه مقاومة من كندا والمكسيك. وإذا لم تنجح قمة الناتو، فإن ذلك سيكون انتصارا كبيرا لبوتين الذي يهدف إلى تعميق أي شروخ تبرز بين أعضاء حلف الناتو. مجرد انعقاد القمة سيخدم بوتين لأنه سيوفر انطباعا مخالفا للواقع يُظهر روسيا وكأنها غير معزولة دوليا على الرغم من احتلالها لشبه جزيرة القرم، كما سيؤكد رغبة الرئيس ترامب بالسعي لتحسين العلاقات الثنائية على الرغم من التحقيقات القضائية الأمريكية بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهو ما نفاه الرئيس الروسي مجددا خلال لقائه بمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي التقاه مؤخرا في موسكو.
سوريا في القمة
الإعلان عن قمة هلسنكي تزامن مع تصعيد الحملة العسكرية التي يشنها النظام السوري ضد معاقل الثوار في درعا ومحيطها في جنوب سوريا، حيث يوفر سلاح الجو الروسي الدعم لهذه الحملة، في انتهاك واضح لاتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في السنة الماضية والذي وافقت عليه روسيا. وإذا استمرت العمليات العسكرية على وتيرتها الراهنة، واستمر تقدم قوات النظام المدعومة من روسيا، من المحتمل أن تنعقد القمة بعد انتصار تكتيكي آخر للنظام في دمشق وروسيا. وكانت الولايات المتحدة قد أوضحت للمعارضة السورية المسلحة في درعا أنها لن تتدخل عسكريا لوقف أو احتواء الحملة السورية-الروسية.
وتأتي القمة الأمريكية-الروسية في الوقت الذي نشرت فيه صحف أمريكية تقارير مبنية على مصادر أمريكية مسؤولة تقول إن ترامب سوف يطلب من بوتين الضغط على إيران لتخفيض وجودها العسكري في سوريا وضمان عدم تقدم قواتها أو الميليشيات المتعاونة معها إلى قرب الحدود مع إسرائيل. وكانت موسكو قد دعت علنا قبل أسابيع إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا في إشارة واضحة إلى القوات الإيرانية. وعلى الرغم من وجود سياسات واجتهادات متباينة لكل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل في سوريا إلا أن الدول الثلاثة تلتقي حول ضرورة تقليص إن لم نقل التخلص من الوجود العسكري الإيراني في سوريا. وكان وزير الخارجية مايك بومبيو قد قال مؤخرا “إذا استطاع الروس إخراج الإيرانيين من هناك (سوريا) فإنني سأصفق لذلك”. ولكن بومبيو أضاف أن قدرة موسكو على تحقيق ذلك هي “مسألة مفتوحة”. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المسؤولين الأمريكيين يتحدثون عن احتمال بروز “توافق” بين واشنطن وموسكو حول مستقبل الوجود الإيراني العسكري في سوريا، والذي أصبح التخلص منه الهدف الأمريكي والإسرائيلي الأبرز في سوريا، حتى ولو تم ذلك من خلال التسليم ببقاء بشار الأسد في السلطة.
وبما أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الآن في سوريا – بعد التخلص تقريبا من خطر تنظيم الدولة الإسلامية- هو منع إيران من إقامة جسر بري بينها وبين سوريا ولبنان عبر العراق، فإن واشنطن مستعدة للقبول بسيطرة قوات النظام على درعا ومحيطها بما في ذلك المعابر الحدودية مع الأردن، بشرط أن لا يكون هناك أي دور لإيران والميليشيات التابعة لها في المنطقة، وضمان بقاء الإيرانيين وحلفائهم على بعد 80 كلم من الحدود الإسرائيلية. وفي هذا السياق فإن أي تفاهم مع روسيا بهذا الشأن سوف يقضي ببقاء قاعدة التنف الجوية في جنوب شرق سوريا التي تستخدمها الولايات المتحدة لضمان عدم قيام هذا الجسر البري الإيراني تحت سيطرتها في المدى المنظور. مثل هذه التسوية التي ستكون على حساب الثوار السوريين تعكس تسليم واشنطن بأن موسكو هي الطرف الرئيسي الخارجي الذي سيساهم في تقرير مصير سوريا السياسي. وعلى الرغم من إصرار وزارة الدفاع الأمريكية على ضرورة بقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا في المستقبل المنظور لردع إيران وتقليص نفوذها، فإن روسيا ونظام الأسد في دمشق تدركان أن الرئيس ترامب كان ولا يزال يرغب بسحب القوات الأمريكية من سوريا في أسرع وقت ممكن، ما يعني أن واشنطن (وترامب تحديدا)، باستثناء ردع واضعاف إيران في سوريا، ليست مهتمة بمستقبل سوريا السياسي بعكس موسكو. السؤال الأساسي هو: هل موسكو قادرة بالفعل على تقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا، خاصة وأن إيران وميليشياتها قد لعبوا دورا رئيسيا في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار في السابق، ولأن إيران قد نجحت في السنوات الماضية في تعميق نفوذها السياسي والأمني والثقافي في سوريا وأصبح لها وجود واضح في جميع أوجه الحياة في سوريا. وهناك من يقول إن الأسد حتى ولو وافق على تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا، فأنه يدرك استمرار حاجته إلى الدعم الإيراني في المستقبل، ولذلك قد لا يوافق على أي صيغة روسية –مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل- للتخلص بشكل جذري من النفوذ الإيراني في سوريا.
وفي الأشهر والأسابيع الماضية، كان من الواضح أن هناك تفاهم روسي- إسرائيلي في سوريا يقضي بعدم تعرض روسيا للغارات الجوية الإسرائيلية الدورية ضد المواقع الإيرانية العسكرية السرية في سوريا، واعتراض وتدمير أي إمدادات إيرانية عسكرية لحزب الله.
التركيز الأمريكي على احتواء وردع النفوذ الإيراني في سوريا، يأتي في سياق تصعيد الضغوط الأمريكية الاقتصادية والسياسية على إيران في اعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران والإعلان عن سلة جديدة من العقوبات ضد الاقتصاد الإيراني المحاصر. المسؤولون الأمريكيون يدركون أن إيران مكشوفة اقتصاديا، ما يفسر استمرار الحركة الاحتجاجية الشعبية اخفاق الحكومة في معالجة الازمة الاقتصادية الخانقة بسبب الفساد المستشري في الدولة وهدر المال العام لتمويل التورط الإيراني العسكري في سوريا وغزة واليمن. ومع اقتراب بدء تطبيق العقوبات في الرابع من نوفمبر- تشرين الثاني المقبل، ارتفعت وتيرة الضغوط والتحذيرات الأمريكية للحلفاء مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا (الشركاء القدامى في الاتفاق النووي مع إيران) للتوقف عن استيراد النفط الإيراني وإلا تعرضت شركات هذه الدول للعقوبات الأمريكية من الدرجة الثانية التي ستطالها.النشاط الأمريكي في هذا السياق شمل تنسيق المواقف مع الدول العربية المصدرة للنفط في الخليج، ومطالبتها بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض النفط الإيراني وعدم خلق الاضطرابات في سوق النفط العالمي بعد أن يسري مفعول تطبيق العقوبات ضد تصدير النفط الإيراني. وليس من الواضح حتى الآن كيف سترد الجمهورية الإسلامية في إيران على حملة الرئيس ترامب لتضييق الخناق الاقتصادي عليها، فضلا عن تضييق الخناق العسكري عليها – بالتعاون مع روسيا وإسرائيل- في سوريا. ما هو مؤكد هو أن أمريكا وإيران، مرة أخرى، تسيران في طريق المواجهة.