ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تبين الإجراءات التصعيدية والتصريحات المتشددة الصادرة عن كبار المسؤولين الأمريكيين أن الولايات المتحدة وإيران يسيران على طريق مواجهة جديدة، سوف تتضح معالمها وأبعادها أكثر حين يلقي الرئيس دونالد ترامب خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء المقبل. وبعدها سوف تتوجه الانظار الى الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر المقبل حين يقرر الرئيس ترامب ما إذا كان سيصدق رسميا كما فعل مرتين منذ انتخابه على تطبيق إيران لبنود الاتفاق النووي الدولي الذي وقعته إدارة الرئيس السابق أوباما في 2015، أو يرفض التصديق، كما ألمح أكثر من مرة، كان آخرها يوم الخميس حين اتهم إيران “بانتهاك روح الاتفاق”. وتمهيدا لهذه التواريخ الهامة، أدلى ترامب، ومندوبته في الأمم المتحدة السفيرة نيكي هايلي، ووزير خارجيته ريكس تيلرسون في الأسابيع الماضية بتصريحات علنية سعوا من خلالها لإعداد الأمريكيين والعالم لحقبة جديدة ومختلفة في التعامل مع إيران سوف تكون مختلفة نوعيا عن حقبة الرئيس السابق أوباما وأن مواقف ترامب وشروطه المتشددة لن تشمل الاتفاق النووي فحسب، مثل تعديله جذريا، بل أيضا التصدي للدور التخريبي لإيران في العراق وسوريا واليمن، ومضاعفات ذلك على الأمن الدولي. ولخّص الوزير تيلرسون هذا التوجه الجديد حين قال للصحفيين خلال وجوده في لندن يوم الخميس “علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مجمل الأخطار الإيرانية، وليس فقط قدرات إيران النووية”. وتابع تيليرسون “من الواضح أن إيران تنتهك هذه الواجبات”، في إشارة إلى دعم إيران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهجماتها الالكترونية وتجاربها الصاروخية.
وقبل منتصف الشهر المقبل سوف تعلن الحكومة الأمريكية عن نتائج مراجعتها لسياستها تجاه إيران وهي عملية مستمرة منذ أشهر. وفي مؤشر على أن سياسة التصعيد سوف تكون النهج الذي سيعتمده الرئيس ترامب، فقد أعلنت الحكومة الأمريكية الخميس أن العقوبات الأمريكية التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي والتي علقت بعد التوقيع على اتفاق مجموعة الخمسة زائد واحد، سوف تبقى معلقة، ولكنها فرضت على إيران عقوبات جديدة شملت 11 مؤسسة وفردا بسبب دورهم في تطوير البرامج الصاروخية والهجمات الالكترونية التي تعرضت لها الشركات الأمريكية في السنوات الأخيرة. وتهدف العقوبات الجديدة من جملة ما تهدف إليه اضعاف قدرات الحرس الثوري الإيراني، حيث فرضت العقوبات على شركة هندسة توفر آليات كبيرة تستخدم كمنصات للصواريخ الباليستية. وجاء في بيان لوزير الخزانة ستيفن منوشن أن وزارته سوف تواصل “إجراءاتها القوية لمجابهة استفزازات إيران، بما فيها دعم قوة القدس التابعة للحرس الثوري والإرهابيين المتطرفين، وحملة العنف المستمرة في سوريا، والهجمات الالكترونية الهادفة إلى تخريب الأنظمة المالية الأمريكية”.
أسوأ اتفاق
خلال حملته الانتخابية كان ترامب يصف الاتفاق النووي مع إيران بأنه ” أسوأ اتفاق تم التفاوض بشأنه” حيث كان يلمح إلى أنه في حال انتخابه سوف يتخلص منه أو يمزقه أو الانسحاب منه. ويوم الخميس قال ترامب للأمريكيين ضمنا أنه قرر عدم قبول الأمر الواقع المتعلق بالاتفاق مع إيران والذي ورثه من الرئيس أوباما. وفي حوار وجيز مع الصحفيين، قال ترامب ” سوف ترون ما سأفعله قريبا في تشرين الأول/أكتوبر. دعوني أقول التالي: الاتفاق مع إيران هو أحد أسوأ الاتفاقيات الموقعة التي رأيتها. “وبعد أن كرر القول إن الاتفاق غير منصف لأمريكا، وكان يجب ألاّ يُوقع، كرر القول “سوف ترون ماذا سنفعل خلال الأسابيع القليلة المقبلة”. وشدد ترامب “نحن لن نقبل بما يفعله (الإيرانيون) لبلادنا. لقد انتهكوا عناصر مختلفة، ولكنهم انتهكوا روح الاتفاق…”. والإشارة إلى أن إيران انتهكت “روح” الاتفاق هي عبارة يكررها المسؤولون الأمريكيون كلما تطرقوا إلى الاتفاق.
وخلال المفاوضات التي سبقت التوقيع على الاتفاق، وبعد البدء بتطبيقه كان الرئيس السابق أوباما يرفض توصيات المحللين العسكريين وبعض المسؤولين البارزين في حكومته التصدي للسلوك الإيراني الاستفزازي في سوريا والعراق واليمن، لأنه كان مقتنعا بأن تحدي هذا السلوك الإيراني يهدد المفاوضات ويدفع إيران للانسحاب منها. وكان مسؤولون أمريكيون بارزون، من بينهم نائب وزير الخارجية بيل بيرنز، وهو المسؤول الأمريكي الذي بدأ المفاوضات السرية مع إيران في سلطنة عمان، والتي مهدت للمفاوضات الدولية العلنية، يؤكدون للرئيس أوباما بأن إيران بحاجة إلى اتفاق للتخلص من العقوبات الأمريكية والدولية التي أرغمتها على تخفيض قيمة عملتها بخمسين بالمئة، وتخفيض صادراتها النفطية إلى النصف، وخلقت تململا شعبيا مقلقا للنظام. ولكن أوباما أصر على موقفه معتبرا أن الاتفاق مع إيران سيكون من أبرز إنجازاته في المنطقة، ولذلك تفادى التصدي للسلوك الإيراني الإقليمي الذي كان يتحدى مصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها. اللافت أن الولايات المتحدة كانت خلال حقبة الحرب الباردة، تتفاوض دوريا مع الاتحاد السوفياتي وتوصلت إلى أكثر من اتفاقية للحد من انتشار الأسلحة النووية، كانت واشنطن وموسكو يلتزمان بها، ولكن في الوقت نفسه، لم تتوقف واشنطن خلال ولايات الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين عن الدفاع عن حقوق الإنسان في الإتحاد السوفياتي، أو مواجهة موسكو وحلفائها في حروب الوكالة من نيكاراغوا إلى أنغولا إلى أفغانستان. ولم تؤدي أي من هذه النزاعات الإقليمية إلى تهديد الاتفاقات النووية.
ومنذ توقيع الاتفاق النووي في تموز/يوليو 2015 تقوم الوكالة الدولية للطاقة النووية التي يقوم مفتشوها دوريا بمعاينة المنشآت النووية الإيرانية للتأكد من التزام طهران ببنود الاتفاق، من دون اكتشاف أي انتهاكات إيرانية جدية للاتفاق. ومع أن الانتقادات الأمريكية للسلوك الإيراني السلبي في الدول العربية، ونشاطاتها الإرهابية في العالم عبر تنظيمات مثل حزب الله، صحيحة ومبررة وتدعو للقلق، إلا أن الاتفاق النووي لا يشمل هذه النشاطات ولا يتطرق إليها بتاتا. أما بالنسبة لتجارب إيران الصاروخية، فإن قرار مجلس الأمن الذي أيد الاتفاق النووي “دعا إيران لكي لا تقوم بأي نشاطات تتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لحمل رؤوس نووية…”، ولكن القرار لم يلزم إيران بوقف هذه التجارب كما جاء في قرار سابق اتخذه في 2010، ولم يعد ساري المفعول بعد القرار الأخير. وهذا يعني أن إيران بتجاربها الصاروخية تنتهك “روح” القرار وليس بالضرورة نصه التقني والحرفي. وينص القانون على قيام الرئيس بإبلاغ الكونغرس رسميا كل 90 يوما في تقرير يتضمن تقييم أجهزة الاستخبارات لمدى التزام إيران بالاتفاق. وآخر مرة صدّق فيها ترامب على التزام طهران بالاتفاق (بعد أن أكدت ذلك الوكالة الدولية للطاقة النووية وأجهزة الاستخبارات الأمريكية) فإنه فعل ذلك بتردد، وألمح إلى أنها المرة الأخيرة التي يصدّق فيها على التزام إيران، وطلب من مساعديه جمع الأدلة والحجج التي تعطيه خيار رفض التصديق على التزام إيران “بروح” الاتفاق ولكن دون الانسحاب من الاتفاق أو تقويضه نظرا لمعارضة الأطراف الأخرى الموقعة عليه وخاصة الصين وروسيا وألمانيا، ولوجود تحفظات قوية من فرنسا وبريطانيا أيضا. ويلمح المسؤولون الأمريكيون إلى أن ترامب قد يطلب العودة إلى المفاوضات لإطالة أمد الاتفاق إلى أكثر من 10 سنوات، والمطالبة بنظام تفتيش أقوى يشمل قواعد ومصانع عسكرية وفرض قيود جديدة على برنامج إيران الصاروخي. وسوف يكون مصير الاتفاق النووي من أبرز القضايا التي سيناقشها ترامب مع قادة الأطراف الأخرى وخاصة قادة فرنسا وبريطانيا وفرنسا. ولكنه لن يلتقي برئيسي الصين وروسيا اللذين لن يشاركا في أعمال هذه الدورة للأمم المتحدة. وسوف يناقش ترامب مصير الاتفاق النووي مع بعض قادة الكونغرس مثل السيناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي أبدى تفهما لموقف ترامب.
هل تجازف إيران بتقويض الاتفاق؟
سارع وزير خارجية إيران جواد ظريف للرد على هذه المواقف والعقوبات الأمريكية عبر تغريدة قال فيها إن “الاتفاق غير خاضع لإعادة التفاوض بشأنه. الحديث عن اتفاق أفضل هو محض خيال. وحان الوقت للولايات المتحدة أن تتوقف عن الدوران وتطبيق الاتفاق كما تفعل إيران”. لن نعرف ردود فعل إيران، إلا بعد معرفة مضمون المراجعة الأمريكية للسياسة تجاه إيران، وبعد معرفة قرار الرئيس ترامب في منتصف الشهر المقبل بشأن تصديقه أو عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق، والشروط التي سيفرضها. أيضا مواقف الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق، سوف تؤثر على طبيعة الرد الإيراني. إذا وجدت واشنطن نفسها معزولة والدول الأخرى، بمن فيها حلفاء أمريكا: بريطانيا وفرنسا وألمانيا ترفض دعم أي تصعيد أمريكي ضد إيران، عندها يمكن لإيران أن تعزز من علاقاتها الاقتصادية على الأقل مع هذه الدول من دون الانسحاب من الاتفاق. وأي تصعيد أمريكي جديد يتخذه ترامب ضد إيران، سوف يدخل عامل توتر جديد في علاقاته بثلاثة دول أوروبية رئيسية، خاصة وأن علاقاته بالمستشارة الالمانية انغيلا ميركل كانت فاترة منذ البداية.
وهناك أيضا العوامل الاقتصادية الهامة للطرفين، وخاصة الإيراني. وعقب توقيع الاتفاق ورفع العقوبات الدولية الرئيسية ضد إيران، وبعد أن سمحت إدارة الرئيس أوباما لشركتي بوينغ وإيرباص بيع إيران عددا كبيرا من طائرات الركاب، يمكن أن يصل إلى 200 طائرة في المستقبل ( 40 بالمئة من طائرات إيرباص يشمل مواد أميركية، ولذلك موافقة السلطات الأمريكية ضرورية)، وتعاقدت بوينغ مع شركتي طيران إيرانيتين لبيعهما 110 طائرات، وفق اتفاقيات أولية وصلت قيمتها إلى 20 مليار دولار. هذه الصفقات فرضت على الرئيس ترامب تحديا كبيرا، فهو مقابل رفضه للاتفاق النووي خلال حملته، كان يدعو بحماس مماثل للدفاع عن الصناعات الأمريكية الهامة التي توظف آلاف العمال (الصفقات الإيرانية قد توظف أكثر من 18000 عامل). وحتى الآن لم يوضح ترامب موقفه من هذه الصفقات، التي لا يمكن أن تنفّذ إلا بموافقة من وزارة الخزينة. ولكن هذه الصفقات تواجه معارضة كبيرة في الكونغرس، لأن لإيران تاريخا في استخدام طائرات الركاب المدنية لأهداف عسكرية (مثل نقل العتاد العسكري وأفراد الحرس الثوري إلى سوريا). وقبل أيام صوت مجلس النواب ضد بيع إيران مثل هذه الطائرات. وإذا ضغط ترامب وسمح لشركة بوينغ التعامل مع إيران، فهل يستطيع أن يطلب من الدول الأوروبية وقف التعامل التجاري مع إيران؟ وكيف يمكنه تبرير فرض عقوبات جديدة، وصيانة اتفاقات لبيع إيران طائرات من صنع أمريكي؟
ويرى أفشين مولوي الخبير في الشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية في حوار خاص “أن العقوبات الجديدة، إضافة إلى بعض الخطط الإيرانية الاقتصادية غير الحكيمة تشكل ضربة لرؤية الرئيس حسن روحاني لإعادة دمج إيران بالاقتصاد العالمي بهدف أخذ مكانها بين الدول الأكثر حيوية ونموا في الأسواق الجديدة”. ويشير مولوي، وهو باحث بارز في مؤسسة السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن، إلى “وجود شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى الإيرانية غير المسيسة التي كانت تأمل بتطبيق رؤية روحاني في إعادة إيران إلى السوق العالمي، ولكن هذه الشريحة اليوم تواجه واقعا يختلف نوعيا عن التفاؤل الذي شعرت به قبل سنتين”.
ما نعلمه ببعض اليقين الآن، هو أن إدارة الرئيس ترامب تحضر الأرضية السياسية في الولايات المتحدة والعالم، لتصعيد جديد في التعامل مع إيران، إن كان بشأن إعادة التفاوض لتطوير أو تعديل الاتفاق النووي، (دون معرفة مواقف الدول الأخرى المعنية به بالتفصيل)، أو بشأن مجابهة سياسات إيران الاستفزازية في الشرق الأوسط. ولكن مجابهة خطط إيران لوضع بعض دول المنطقة في فلكها السياسي والأمني، يتطلب تنسيقا أفضل مع الشركاء والحلفاء الأوروبيين، الذين يواصلون مشاركتهم مع الولايات المتحدة في الحرب الجوية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا. كما يتطلب مثل هذا التصدي لإيران، حل الأزمة المتفاقمة داخل مجلس التعاون الخليجي، بما يخدم مصلحة أمن هذه الدول ومصالح الولايات المتحدة. ولكن الجهود الأمريكية المترددة والمتقطعة لحل الأزمة، لا توحي بالتفاؤل بقرب التوصل إلى تسوية مقبولة. انقسام المواقف بين المسؤولين الأمريكيين حول الأزمة وجذورها وحلها، ربما زاد من صعوبة جهود الوساطة. وإذا لم تطور إدارة الرئيس ترامب موقفا موحدا من حل أزمة مجلس التعاون، وبذل جهود جدية وثابتة وغير متقطعة، لن يتم حل هذه الأزمة في أي وقت قريب، مع ما يحمله ذلك من إضعاف يد الولايات المتحدة في التصدي لإيران ونفوذها السلبي في المنطقة بكاملها.