يغادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واشنطن يوم الجمعة في جولته الأولى خارج البلاد منذ توليه سدة الرئاسة، في ظل جو متنامٍ من الجدل الداخلي، سوف يستهلّها بزيارة مصيرية إلى المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم مما يشاع على نطاق واسع بأن ترامب يتجنّب السفر وميل فطري إلى عدم الابتعاد عن موطنه ليتمكن من التعامل مع التصورات التي تلمّح إلى أن الإدارة الأمريكية تخرج عن نطاق السيطرة، قد يجد الرئيس نفسه مرحّبًا بفكرة الذهاب في رحلة دولية مهمة ومفعمة بالطموح من شأنها أن تسمح له أن يظهر على الصعيد العالمي بصورة رجل دولة ويترك بصمة دامغة أكثر في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع من هذه الجولة، التي ستتضمّن أيضًا زيارات إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وبلجيكا وإيطاليا أن تعطي ترامب فرصةً سانحة ووافية لدعم المصالح الأمريكية في المنطقة والمضي في تطوير مقاربته الخاصة للسياسة الشرق أوسطية. أمّا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، تأتي الزيارة في توقيتٍ مؤاتٍ للعلاقات مع واشنطن، إذ تعتبر بدورها أن ثمة قاعدة واسعة من التطورات يمكن الارتكاز عليها لتحسين علاقتها مع ترامب، نظرًا إلى تأكيده العلني على سعيه إلى ترميم علاقات وطيدة مع مجموعة من الشركاء الشرق أوسطيين التقليديين. وتحرص المملكة العربية السعودية بشدّة على تكلل زيارة ترامب بالنجاح، إلى حدّ أنها أطلقت موقعًا إلكترونيًا خاصًا ومبهرًا باللغتين الإنكليزية والعربية مكرّسًا بالكامل للترويج لزيارة ترامب للمملكة تحت شعار “العزم يجمعنا”.
وتنقسم زيارة ترامب للمملكة إلى ثلاثة أجزاء أساسية، يمكن تصويرها بدوائر تحيط ببعضها البعض وتشترك بنفس المركز وفي اتساع غير متناه من التفاعل الأمريكي. وستنال العلاقة الثنائية الأمريكية-السعودية حصة الأسد من المشاورات التي ستجري في اليوم الأول من زيارة ترامب للمملكة في 20 أيار/مايو، ولربما ستشكّل الجزء الأهم من هذه المحطة من جولة ترامب. وفي 21 أيار/مايو، سيتسع جدول الأعمال ليضمّ اجتماع قمة مع دول “مجلس التعاون الخليجي”، يليه لقاء للرئيس مع مجموعة أكبر من القادة القادمين من دول عربية وإسلامية. وسيلتقي ترامب في هذا اللقاء الثالث أعضاء التحالف الرامي إلى محاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، المعروف بـ”التحالف الإسلامي العسكري”، الذي سيحظى بتأييد دبلوماسي وسياسي مهم من واشنطن. ولكل مرحلة من مراحل هذين اليومين غير الاعتياديين والحافلين باللقاءات غايةٌ محددة ضمن الإطار الأوسع لما تسعى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومختلف شركائهما الإقليميين والدوليين إلى تحقيقه من خلال اللقاءات.
وسيروّج ترامب لسلسلة محددة وواضحة من الأولويات وتشمل: زيادة الدعم العربي لجهود مكافحة الإرهاب والتصدي لإيران وتعزيز التجارة الخليجية مع الاقتصاد الأمريكي وزيادة الاستثمار الخليجي فيه، بما في ذلك المشتريات العسكرية، وتشجيع مشاركة دول الخليج العربية في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، بالإضافة إلى التصدي للتصورات التي تلمّح إلى أن ترامب أو إدارته منحازان ضد المسلمين والإسلام. أما دول الخليج العربية وحلفاؤها فستتطلع إلى: ضمان الحصول على المزيد من الدعم التكنولوجي العسكري وأشكال أخرى من الدعم من واشنطن وتعزيز صفقاتها التجارية الخاصة مع الولايات المتحدة، فضلًا عن تعزيز الاستثمارات في الاتجاهين وكسب ثقل سياسي ودبلوماسي من علاقاتها الوطيدة مع ترامب، وإعطاء ترامب كل فرصة ممكنة لتبديد الانطباعات السلبية التي كوّنها لدى العرب والمسلمين. والأهم من ذلك كلّه، تتطلّع إلى ضمان أقصى قدر ممكن من التعاون مع الولايات المتحدة بهدف التصدي لجدول أعمال إيران الإقليمي. وتجدر الإشارة إلى أن المصالح السعودية-الأمريكية متقاربة للغاية إلى حد أن حصة المملكة من جولة ترامب تكاد تكون مكفولة النجاح. وإن كان الرئيس، الذي وعلى الرغم من كونه دبلوماسي مبتدئ إلاّ أنه بلا شك موهوب وحذق في طريقة تأديته لمهامه، يسعى إلى “تغيير القناة” والابتعاد عن التجاذبات والجدالات الداخلية للانتقال إلى دوره الجديد كرجل دولة على الصعيد العالمي، فمن الصعب صياغة جدول أعمال أفضل من جدول أعمال نهاية هذا الأسبوع.
المرحلة الأولى: العلاقة الثنائية مع المملكة العربية السعودية
على الرغم من أنّ زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية سوف تضمّ عناصر مهمة أخرى، من شبه المؤكد أن العلاقة بين واشنطن والرياض ستكون العنصر الأهم والأعظم. وفي الوقت الذي خابت فيه آمال عدد كبير من شركاء الولايات المتحدة التقليديين، بما في ذلك دول عربية خليجية أخرى ومصر وإسرائيل، بشكل متزايد في السياسة التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما في ولايته الثانية، ما دفع بهذه الدول إلى الترحيب بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، قليلة هي الدول التي فرحت بوصوله أكثر من المملكة العربية السعودية. وتحرص إدارة ترامب بدورها على تعزيز علاقتها بالمملكة، كما كان واضحًا في زيارة ولي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض في أيار/مايو. وعقب هذا اللقاء، الذي أفادت التقارير أنه استغرق وقتًا أطول بكثير من الوقت المخصص له، أشاد مسؤولون من كلا الطرفين كثيرًا بهذا اللقاء باعتباره “نقطة تحول” تاريخية، وبداية عصر جديد مفعم بالمزيد من التعاون الوثيق بين واشنطن والرياض.
وثمة تلاقي ملحوظ في مصالح الفريقين إزاء القضايا الرئيسية كالمشتريات الدفاعية والاستثمارات والاستراتيجية الأمنية الإقليمية. ونظرًا إلى تناغم جدولي الأعمال المتشابهين، من المرجّح أن يتم التوصل بسهولة إلى اتفاق شامل حول أبرز بنود جدول الأعمال المتعلقة بالعلاقة الثنائية. وتتضمن أولويات ترامب مكافحة الإرهاب، ولاسيما ضد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وتنظيم “القاعدة”، والتصدي لجدول أعمال إيران العدواني، وضمان تكبّد الشركاء “نصيبهم العادل” من النفقات الدفاعية فضلًا عن قبولهم بمشاركة واشنطن في تحمّل الأعباء. ولقد كانت كل هذه البنود ملائمةّ تمامًا لجدول الأعمال السعودي، ما يبرر حس التفاهم المتبادل القوي وربما المبالغ فيه الذي تطور بشكلٍ شبه فوري بين الحكومتين.
ويهاجم ترامب الدول الأخرى التي لا تنفق أموالًا كافية لتلبية حاجاتها الدفاعية، وقد انتقد الرياض مرارًا وتكرارًا في خلال حملته الرئاسية لهذه الأسباب. وها إن المملكة العربية السعودية تقيم مفاوضات فعالة مع واشنطن حول حزمة دفاعية هائلة من شأنها أن تخفف من حدة مثل هذه المخاوف بشكلٍ كبير. وفي عام 2010، وافقت المملكة العربية السعودية على إنفاق 60 مليار دولار أمريكي على مشتريات وخدمات عسكرية أمريكية. وتتضمّن الحزمة التي يتم التفاوض عليها في الوقت الراهن صفقات بيع أسلحة كانت إدارة أوباما قد وافقت عليها ثم علّقتها في ما بعد، ومنها نظام الدفاع الجوي المضاد للصواريخ “ثاد” ومجموعة من الأسلحة والأنظمة والخدمات الأخرى التي تقدّر بـ350 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ويقال أن ثمة إعلان مهم قيد التحضير سيشكل الجزء الأبرز من هذه الجولة.
وقد أنفقت المملكة العربية السعودية أكثر من 8 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع عام 2016، علمًا أن القسم الأكبر من هذا المبلغ قد أنفق على السلع والخدمات العسكرية الأمريكية، مقارنة بالولايات المتحدة التي لم تنفق سوى حوالى 3 في المئة ومعظم الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي أنفقت ما يقل عن 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد انخفضت نسبة الإنفاق الدفاعي هذه بعدما سجّلت أكثر من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. إلا أن النفقات الحالية، في وقتٍ تعاني فيه المملكة من ضغوطات جمّة على ميزانيتها العامة نظرًا إلى انهيار أسعار النفط العالمية، تبقى من أعلى النفقات الدفاعية في العالم، سواء من حيث الناتج المحلي الإجمالي أو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وباختصار، لا تقوم المملكة العربية السعودية بدفع نصيبها من النفقات بحسب أية تقدير منطقي فحسب، بل يبدو أنها على أهبة الاستعداد لتذهب أكثر من ذلك وتنفق المزيد، لاسيما على الأسلحة والمعدات الأمريكية.
ويقال أن السعوديين قد اقترحوا، أثناء اللقاء الذي جمع ترامب بولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في شهر أيار/مايو، عقد صفقة استثمارية في الولايات المتحدة قد تصل إلى 200 مليار دولار للسنوات الأربع المقبلة، من شأنها أن تخلق مليون فرصة عمل أمريكية مباشرة ومليون فرصة عمل إضافية غير مباشرة. وقد يتخلل زيارة ترامب للمملكة إعلان عن استثمار سعودي أولي في مشاريع في مجال البنية التحتية في الولايات المتحدة بقيمة 40 مليار دولار. وتتلاءم مثل هذه الاستثمارات تمامًا مع كل من جدول أعمال ترامب الذي يتصدره شعار “أمريكا أولًا” وتعهداته، التي لم يفي بها حتى هذه الساعة، بوضع برنامج بالغ الأهمية للإنفاق على البنى التحتية. وتخدم هذه الاستثمارات أيضًا النية السعودية، المبيّنة في مبادرات برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 الرامية إلى تحويل اقتصاد المملكة وإبعاده عن الاعتماد على عائدات النفط والعمل على تنويع مصادر الدخل، بما في ذلك اللجوء إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وستسعى الرياض من دون أي شك إلى الحصول على دعم ترامب لزيادة الاستثمارات الأمريكية في الاقتصاد السعودي، ولاسيما في قطاعات ستشهد في المستقبل القريب تقدمًا مهمًا على غرار الصناعات الدفاعية وقطاعي السياحة والترفيه. ومن المقرر أن يصل إلى السعودية بعد انتهاء زيارة ترامب العشرات من كبار قادة الأعمال الأمريكيين على أمل أن تضمن الولايات المتحدة إبرام صفقات ضخمة مع المملكة ستعود بالفائدة على الطرفين وتعزز هذه الأهداف التجارية والسياسية.
وقد تضغط الإدارة الأمريكية على المملكة العربية السعودية لاتخاذ المزيد من الإجراءات للتصدي للإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم ينشرون التعصب من دون مناصرة العنف بشكلٍ علني. وللرياض مصلحة واضحة ليس في محاربة المتشددين العنيفين فحسب، بل أيضًا في التصدي للعقائديين المتطرفين الذين يهددون ويهاجمون المجتمع السعودي العام ونظامه السياسي. وأنشأت المملكة مؤخرًا مركز الحرب الفكرية لمكافحة الإرهاب واستحدثت مركزًا للأمن الوطني. وفي السابع من أيار/مايو، استقبل ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف وزير الأمن الداخلي الأمريكي جون كيلي الذي عيّنه ترامب ومستشار ترامب لشؤون الأمن الداخلي توماس بوسرت لمناقشة مسألة مكافحة الإرهاب وغيرها من المسائل المتعلقة بالتعاون الأمني.
وسيشكّل استعداد إدارة ترامب الواضح للتركيز على تحدي جدول أعمال إيران الإقليمي دافعًا إضافيًا للمملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب. وبدا أن إدارة أوباما كانت تركز في المقام الأول على البرنامج النووي الإيراني، الذي وضعت من أجله “خطة العمل الشاملة المشتركة”. ومهما كانت المزايا التي يتمتع بها هذا الاتفاق، فإنه يعالج المسألة النووية بشكلٍ مباشر التي توليها الولايات المتحدة الأهمية القصوى ويرجئ أقله عملية المحاسبة. أما من وجهة نظر المملكة العربية السعودية وشركائها في الخليج فإن التوصل إلى اتفاق نووي قد جاء على حساب مسألة التصدي لجدول أعمال إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار.
وبالتالي، يلقى تشديد إدارة ترامب مجددًا على مناهضة الجهود الإيرانية الرامية إلى توسيع نطاق نفوذها في العالم العربي ترحابًا كبيرًا في الرياض وخارجها. وبالفعل، قد يكون التماس المملكة العربية السعودية لزيادة الدعم الأمريكي لها في مواجهة إيران قد ساهم جزئيًا في تحفيز ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتفوه مؤخرًا ببعض التعليقات اللاذعة بشكلٍ خاص حول نوايا طهران وإيديولوجيتها. وإن اقتنعت المملكة العربية السعودية وشركاؤها بأن الولايات المتحدة ملتزمة فعلًا بوقف هذا التوسع للنفوذ الإيراني في المنطقة ليتخذ منحى عكسيًا، فقد تسارع إلى التعاون مع واشنطن لحل مجموعة كاملة من القضايا التي قد تكون معقّدة.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، تتمثل الجبهة الأهم من الحملة الرامية إلى مواجهة نفوذ طهران وإرجاعه إلى سابق عهده في اليمن، إذ تعتبر أن الثوار الحوثيين وكلاء إيرانيين يشكّلون خطرًا على حدودها الجنوبية الهشة. وقد وسّعت الولايات المتحدة نطاق تدخلها في اليمن إلى حد كبير في عهد ترامب، ولاسيما عبر شن هجمات جوية وأخرى عبر طائرات من دون طيار، فضلًا عن نشر قوات خاصة، لاسيما في عمليات مكافحة الإرهاب بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة. ومن المؤكد أن الرياض ستمارس ضغوطات على الولايات المتحدة لتزيد دعمها لها. وقد يكون بعض هذا الدعم في طريقه إلىها في القريب العاجل. إلا أن واشنطن بدورها ستدفع الرياض باتجاه تسوية سياسية تهدف إلى إنهاء النزاع، إذ تشدد الإدارة الأمريكية على أنها باتت ضرورةً ملحّة. ويبدو أن الرياض تتطلع بشكلٍ متزايد إلى إيجاد مخرج من الصراع الذي يبدو أنه وصل إلى حائط مسدود وقد تسبب في نشوب أزمة إنسانية.
وأيًا كانت التخوفات التي تساور واشنطن من الصراع الدائر في اليمن، فإنه مع ذلك يعتبر مثالًا واضحًا على اقتسام وزر الأعباء بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تبادران إلى الدفاع عن نفسيهما من دون المغالاة في الاعتماد على الولايات المتحدة. وقد يدفع هذا السبب وحده إدارة ترامب إلى المضي في دعمها للجهود التي تبذلها هاتين الدولتين، لعلهما تصبحان مثالًا عن الاعتماد على الذات فيحذو حذوهما شركاء الولايات المتحدة حول العالم.
وستحثّ المملكة العربية السعودية ترامب على اتباع سياسة أوضح وأكثر انخراطًا في سوريا. فقد لقيت الضربة الصاروخية التي أطلقت فيها صواريخ “توماهوك” على قاعدة جوية تابعة للنظام على أعقاب الهجوم بالأسلحة الكيماوية على المدنيين تأييدًا كبيرًأ لدى عدد كبير من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاسيما الرياض. إلاّ أن واشنطن لا تزال تفتقر لسياسة واضحة ومتينة لتتبعها حيال سوريا، وستحثها المملكة العربية السعودية لتضع مثل هذه السياسة التي من شأنها تقليص نفوذ كل من إيران و”حزب الله” وتستهدف تنظيمي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”القاعدة”. ويعني ذلك أن المملكة ستسعى إلى إنزال الرئيس السوري بشار الأسد عن عرشه، وهي فكرة يبدو أن المسؤولين في الإدارة قد أهملوها ليعودوا ويتبنوها من جديد في الأسابيع الأخيرة. وسيتعين على الرياض أن تتحلى بالصبر في تعاملها مع سوريا كما مع الكثير من الجبهات الأخرى وأن تتحضر ليزفّ إليها خبر أن واشنطن قد لا تكون مستعدة للمجازفة بقدر ما تأمل هي. إلا أن السعوديين سيوضحون بشدة أن أي عملية تصدي ناجحة لكل من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”القاعدة” ستتطلب مواجهة إيران وحزب الله والأسد. وفي الوقت الذي يبدون فيه حريصين على أن يواجه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ضربةً قاضية في سوريا والعراق، لديهم تحفظات مهمة حول خطة واشنطن الرامية إلى استخدام الميليشيات الكردية لقيادة حملة نزع هذا التنظيم من معقل داره السوري في الرقة.
المرحلة الثانية: مجلس التعاون الخليجي وجدول الأعمال الإقليمي
في 21 أيار/مايو، ستزداد فرص التعاون بشكل ملحوظ بين الطرفين إذ سيعقد إجتماع قمة يجمع ترامب بحكومات ست دول أعضاء في “مجلس التعاون الخليجي”. ففي الواقع، ستكون هذه القمة السنوية الثالثة التي تجمع رئيس أمريكي بقادة “مجلس التعاون الخليجي”، ولكن لبعض الأسباب التقنية الدبلوماسية، قد يتم الإعلان عنه رسميًا على أنها القمة السابعة عشرة “لمجلس التعاون الخليجي” التي تشارك فيها الولايات المتحدة. ومع ذلك، يبدو أنّ الطرفين حريصان على إحياء مجموعات العمل التي تشكّلت في قمة “كامب ديفيد” عام 2015 والتي اتسعت في قمة الرياض عام 2016.
وقد ناشدت واشنطن “مجلس التعاون الخليجي” مرارًا وتكرارًا بتفعيل التكامل والتبادلية وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول المجلس، إلا أنه لم يستجب لمعظم هذه المطالب حتى الساعة. وعلى وجه التحديد، لطالما سعت واشنطن إلى المساهمة في وضع نظام دفاع صاروخي خليجي إقليمي متكامل، يهدف بشكل رئيسي إلى حماية الخليج من أي هجمات صاروخية تشنّها إيران عليه. ومن المؤكد أن شراء الإمارات العربية المتحدة نظام الدفاع الجوي المضاد للصواريخ “ثاد” واحتمالية شراء المملكة العربية السعودية له سيساهمان في حماية الدول الخليجية، إلا أنه من المرجح أن تستمر واشنطن في حث دول “مجلس التعاون الخليجي” على اتخاذ المزيد من الإجراءات الدفاعية.
وتسعى إدارة ترامب أيضًا إلى التدخل مجددًا في القضايا الإسرائيلية-الفلسطينية، وسيتوجه ترامب من المملكة العربية السعودية إلى إسرائيل وسيزور الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتألف النهج الذي تعتمده الإدارة الأمريكية جزئيًا من نموذج “من الخارج إلى الداخل” الذي يسعى إلى إضافة مكوّن إقليمي، ينطوي بشكل خاص على مشاركة دول الخليج العربية في عملية السلام. ومن المؤمل في أن تعطي الدول الخليجية، التي تقودها من جهة رغبتها في الحد من التوسع الإيراني في الشرق الأوسط ويقودها من الناحية الأخرى تحفيز الولايات المتحدة لها، إسرائيل حافزًا إضافيًا لتعمل على توسيع نطاق مشاركة الدول في عملية السلام وعلى مشاركة استراتيجية أكثر انفتاحًا، بينما تقوم هذه الدول بتأمين الفلسطينيين بالغطاء السياسي والدعم الدبلوماسي والمساعدة الاقتصادية التي يحتاجونها بشدة.
يذكر أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تناقلتا “وثيقة مناقشة” تقترح توسيع نطاق العلاقات مع إسرائيل في مجالات الاتصالات والتجارة والتحليق فوق الأراضي شرط أن تحد إسرائيل من نشاطها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتخفف من القيود المفروضة على السلع التي تدخل قطاع غزة. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الوثيقة تشكّل عرضًا رسميًا تقدمه الدولتان لإسرائيل، وإذا كان من الممكن سياسيًا أن يقبل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكيف سينتهي الحال بعملية السلام وما هو الدور الذي ستضطلع به دول خليجية أو عربية أخرى. ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب تشارك دولتين على الأقل من أبرز دول “مجلس التعاون الخليجي” نظرتهما التي ترى إمكانيةً في تعزيز موقف دول الخليج العربية الاستراتيجي من إيران، عبر توطيد علاقاتها بإسرائيل وفي نفس الوقت المساهمة في استقرار النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني أقلّه إن لم تستطع حلّه بشكل قاطع.
المرحلة الثالثة: العالمان الإسلامي والعربي بصورة أوسع
أما المرحلة الثالثة من الجولة فتتمثل بلقاء بين ترامب وحوالى 55 قائدًا من الدول العربية والإسلامية. وسيجمع هذا اللقاء الذي سيحمل اسم “قمة-عربية -إسلامية -أمريكية”، ترامب بالدرجة الأولى مع قادة دول أعضاء في “التحالف الإسلامي العسكري” الذي شكّلته الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2015. وعيّن مؤخرًا رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق الجنرال المتقاعد رحيل شريف القائد الأول لهذا التحالف. وسيلقي ترامب كلمةً مهمة أمام المجموعة سيعطي فيها، أقله بشكل ضمني، بركته “للتحالف الإسلامي العسكري”، الذي لا يزال يعتبر بالدرجة الأولى فريقًا لتبادل المعلومات والتنسيق أكثر مما هو وحدة عسكرية قابلة للانتشار لتنفيذ عمليات عسكرية.
ويقال أن ترامب سيدعو أيضًا لتشكيل ما تسميه إدارته “حلف ناتو عربي” يضمّ أبرز الدول الخليجية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى عدد من الدول العربية كمصر والأردن. وتأمل واشنطن أن يتعاون هذا الحلف مع إسرائيل وينسق معها إلى حد ما في محاولة لمنع أي توسع إضافي لإيران. وعلى أقل تقدير، ترغب واشنطن في أن يضع حلفاؤها العرب التقليديون ذو الأغلبية السنية إطارًا لتحالف عسكري أكثر تكاملًا قادر على مواجهة إيران، ومحاربة الإرهاب، وتلبية المزيد من الاحتياجات الأمنية الملحّة بفعالية أكبر ومن دون المغالاة في الاعتماد على واشنطن.
وفي حين قد تخلّف لقاءات ترامب مع السعوديين نتائج مثمرة، سيشكّل الخطاب الذي سيلقيه أمام المجموعة العربية الإسلامية الأشمل بداية فرصة رمزية لكلي الطرفين. فسيسعى ترامب إلى تبديد أي مفاهيم متبقية من حملته الرئاسية أو تلك الناجمة عن أوامره التنفيذية القاضية بحظر السفر التي قد تظهر الإسلاموفوبيا من جهته وإلى القضاء على المفهوم السائد بأن الانحياز ضد المسلمين يؤدي أي دور في رسم السياسات الأمريكية. ومن منظار البيت الأبيض، إن أدلى ترامب خطابًا كبيرًا حول أهمية توسيع نطاق علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية والإسلامية، والموافقة العلنية أم الضمنية على التحالف الإسلامي العسكري، فذلك سيغير صورة الرئيس التي أخذها عنه عددٌ كبير من حكام العالم الذين قد لا يتوقفوا عن التشكيك في نواياه.
إلا أن ثمة احتمال إحراج واحد على الأقل يلوح في الأفق. فيقال إن الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يواجه التهم التي أسندتها إليه “المحكمة الجنائية الدولية” على خلفية ارتكابه عددًا من جرائم الحرب المزعومة، والذي حظي بفرصة التقرب قليلًا من الرياض في الجهود التي بذلتها لتشكيل أكبر تحالف ممكن لمواجهة إيران، قد دُعي إلى حضور اللقاء إذ تعتبر الخرطوم عضوًا في التحالف الإسلامي العسكري. وفيما يقلل ترامب من أهمية دور حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الخاصة بإدارته، قد يعتبر هذا الأمر مصدرًا للجدل والحرج المحتمل. إلا أنه من المحتمل أن تكون دعوة الرياض لبشير مصحوبةً بتذكير يُعلمه بأن غيابه لن يكون بمثابة مشكلة كبيرة في حال كان لديه أي التزامات مسبقة، لاسيما أن واشنطن قد عارضت مشاركته بشكلٍ صريح .
احتمالية نجاح كبرى
يجب أن يقدم جدول الأعمال، على الرغم من كونه معقدًا وطموحًا، لترامب حتى في المرحلة الأولى من جولته الدولية المؤلفة من ثلاثة مراحل، فرصةً رائعة لشق طريقه للمرة الأولى كرجل دولة عالمي ولتوطيد علاقاته مع شركاء في الشرق الأوسط ولاسيما في منطقة الخليج مفعمين بالاندفاع والجهوزية. إلا أن هذه الرحلة لن تكون خالية من المخاطر المحتملة لاسيما بالنسبة إلى رئيس يتسم بعدم الالتزام بما يضعه له مستشاروه، ويخرج عن خطابه ورسالته مما قد يترتب عنه في بعض الأحيان عواقب دبلوماسية وسياسية وخيمة. وقد تفوق خطورة هذا الأمر في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ولاسيما في القدس الشرقية خطورته في الخليج. ولكن لا داعي للتعجب من أي خطاب أو عمل رئاسي يثير الجدل ويصعب إيجاد تفسير منطقي له.
أخيرًا، يطال خطر الاندفاع اللاعقلاني كافة الأطراف. ونظرًا إلى الصعوبات المادية التي تمر بها الدول الخليجية، وعلى الرغم من استعدادها لتنويع الاقتصاد وتعزيز قدراتها العسكرية، قد لا تستطيع هذه الدول أن تثبت على أرض الواقع أنها ذاك الكنز النقدي الذي حلم به ترامب ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي وغيرهم من الحكام الغربيين. وعلى نحو مماثل، على الرغم من انتقاد إيران بشكل لاذع والضربة الجوية على سوريا بواسطة صواريخ التوماهوك والتعهدات القاطعة بتقديم الدعم، قد لا تكون واشنطن مستعدةً لتقديم هذا المستوى من القيادة الاستباقية والديناميكية وحتى الناشطة الذي تترقبه المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج العربية وترغب فيه حتمًا.
وقد لا يبشّر جدول الأعمال المعنون “أمريكا أولًا” بفجرٍ جديد لهذه الانعزالية الحديثة، أو حتى يمنع الولايات المتحدة من التدخل بشكل أقوى في الشرق الأوسط. إلا أن مثل هذا التوجه، المصحوب بإجماع في المدى المنظور في الولايات المتحدة على رفض التدخل في نزاعات الشرق الأوسط، قد يعني أن واشنطن ستكون في حقيقة الأمر أكثر امتناعًا عن نشر قواتها العسكرية لمواجهة مجموعات متطرفة أو إيران أو وكلائها كما يأمل به بعض حلفائها. ولاشك في أن هذا التوجه يشير إلى تشديد ترامب الملحوظ على أن يشاركه شركاؤه الدوليون الأعباء، وهو شعور أمريكي واسع الانتشار وسوف يتعاظم حتمًا مع الوقت.
ويجب أن يصبّ التشابه الكبير بين جدولي الأعمال، بما في ذلك محاربة المنظمات المتطرفة العنيفة ومواجهة إيران وتحسين العلاقات التجارية والاستثمارات وتعزيز الجهوزية العسكرية في الخليج وتفعيل عملية اقتسام الأعباء، في سلسلة ناجحة من اللقاءات في المملكة العربية السعودية ذات نتائج معلنة، ولاسيما في ما يتعلق بالعلاقة الأمريكية-السعودية. علاوةً على ذلك، من مصلحة كافة الحكام، وعلى رأسهم ترامب، أن يظهروا بأوج نجاحهم في القمم. إلّا أن توخي الحذر في الآمال المعلقة من كافة الأطراف في المرحلة المستقبلية قد يشكّل جزءًا مهمًا من عملية الحفاظ على سلسلة من العلاقات الضرورية وحتى تعزيزها.