في حال فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فمن المرجح أن تتبنى إدارتها نهجاً مدروساً يقوم على الاستمرارية تجاه الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بدول الخليج العربي. ستؤثر تعقيدات المشهد السياسي الحالي والصراعات المستمرة والتحالفات الجيوسياسية المتغيرة بشكل كبير على قرارات إدارتها.
الدور الإيراني وإمكانية خفض التصعيد
سوف تواجه إدارة هاريس منعطفاً محورياً مع إيران، حيث قد تلوح فرص لتغيير مسار وشكل العلاقات بين البلدين. فقد أدلى الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً مسعود بزشكيان بتصريح تصالحي حول رغبته في “مؤاخاة” مع الولايات المتحدة، شريطة رفع العقوبات، ما يوحي باحتمال حدوث انفراج في العلاقات. ومع ذلك، فإن هذا مرهون باستعداد القوتين الرئيستين في إيران، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وحرس الثورة الإسلامية، لتقديم تنازلات كبيرة لصالح ضمان بقاء النظام.
على الرغم من لهجتها الصارمة تجاه إيران، فقد تنتهج هاريس استراتيجية مماثلة لتلك التي اتبعتها إدارة الرئيس جوزيف بايدن. وسوف يرتكز نهجها على حماية القوات والمصالح الأمريكية من أي تهديدات إيرانية يمكن تصورها، مع إعطاء الأولوية للاستقرار الإقليمي كهدف أساسي.
الحرب بين إسرائيل وحماس ومسارات تحقيق الاستقرار
من المرجح أن تحافظ إدارة هاريس على التحالفات الأمريكية التقليدية، مع تركيز قوى على جهود الاستقرار ومساعي التكامل الاقليمي، مثل توسيع اتفاقات إبراهام، والاستمرار في مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. ويبقى هذا الممر أولوية استراتيجية للولايات المتحدة من أجل تعزيز التواصل الاقتصادي بين دول الخليج وجنوب آسيا وأوروبا.
ووَفقا لمصادر من حملتها، دعمت هاريس بقوة، خلال توليها منصب نائبة الرئيس، دمج إسرائيل إقليمياً، من خلال السعي للبناء على اتفاقات إبراهام، وتوسيعها من خلال ضم دول أخرى، خاصة السعودية. إن التقدم نحو الاستقرار يتوقف على التعامل بنجاح مع الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، وإيجاد مسار قابل لتطبيق حق تقرير المصير للفلسطينيين.
لقد عارضت هاريس علناً فرض حظر للأسلحة على إسرائيل، ولم تنأَ بنفسها عن سياسة بايدن تجاه إسرائيل، رغم ورود تقارير تفيد بأنها انتقدتها سراً. كما أنها وصفت الدمار مع الخسائر البشرية في غزة بأنه “كارثة“. وعلى نحو مماثل، أكد فيليب جوردون (Philip Gordon)، مستشار هاريس لشؤون الأمن القومي منذ عام 2020، في خطاب له في مؤتمر هرتسليا في يونيو/حزيران، على وجود حاجة لحل الدولتين باعتباره “الهدف النهائي” في حين أشار إلى “التوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين، وغير ذلك من الأنشطة المزعزعة للاستقرار في الضفة الغربية” باعتبارها تضر بعملية السلام. وعلى الرغم من أن هاريس تعرب عن تعاطفها مع الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين في رؤيتها لإنهاء الحرب، إلا أنه من الصعب ترجمة هذه الرؤية إلى دبلوماسية فعالة – ولا سيما مع وجودة الائتلاف اليميني الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سدة الحكم، وغياب قيادة سياسية فلسطينية موحدة.
تحقيق التوازن في تنافس القوى العظمى وتعزيز الشراكات الإقليمية في الخليج
من المتوقع لإدارة هاريس أن تعطي الأولوية لمفهوم “التنافس بين القوى العظمى” من خلال معالجة تداعيات الأمن القومي على الروابط الاقتصادية بين دول الخليج وروسيا والصين. كرئيسة، من المرجح أن تقوم هاريس بفرض ضغوط لكبح التجارة مع روسيا، وفرض قيود على الوصول للتكنولوجيا الصينية المتقدمة، ما يعكس الاستمرار في نهج بايدن الحذر. وهذا يتوافق مع الاستراتيجية الأميركية واسعة النطاق التي تستهدف الحد من النفوذ الصيني، والمحافظة على نفوذ الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة.
وفيما يتعلق بسياسة الطاقة، فمن المرجح أن تحافظ هاريس على مساعي بايدن، أو حتى تتجاوزها، في مجال تطوير الطاقة النظيفة، دون الحد بشكل كبير من عمليات التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز من الصخر الزيتي. ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تضمن بقاء الولايات المتحدة قادرة على المنافسة في أسواق الطاقة العالمية. وفي الوقت ذاته، من المرجح أن تضغط إدارة هاريس على دول الخليج لزيادة إنتاج النفط من خلال تحالف أوبك بلس، ما من شأنه أن يعرقل التعاون السعودي الروسي في هذا التحالف، للحد من تقلبات سوق الطاقة العالمية.
لقد غيرت دول الخليج العربية استراتيجيات تصدير الطاقة الخاصة بها مستهدفة الاقتصادات الناشئة في آسيا، ولا سيما الصين والهند. ويشكل هذا التغير في أنماط التجارة جزءاً من تحول واسع النطاق. وباعتمادها تقليدياً على الغرب فيما يتعلق بالأمن، تعمل الدولتان الرائدتان في مجلس التعاون الخليجي، السعودية والإمارات، على تنويع علاقاتهما. ليس من المرجح أن يتباطأ هذا الزخم أو أن ينعكس اتجاهه، حتى ولو حاولت إدارة هاريس تغيير هذا المسار بعكس ما هو متوقع.
في خضم هذه التطورات، وعلى مدى العامين الماضيين، كانت إدارة بايدن تسعى لإعادة بناء الثقة وإنعاش العلاقات مع حلفائها الخليجيين التقليديين. وقد صنفت الولايات المتحدة مؤخراً الإمارات على أنها شريك دفاعي أساسي – وهو امتياز لم تمنحه إلا للهند فقط – الأمر الذي سهل التعاون العسكري الوثيق من خلال التدريبات والمناورات المشتركة ومبادرات التعاون المختلفة الأخرى. ومن المرجح لهذه الترتيبات أن تستمر في ظل إدارة هاريس.
لقد أكد اللقاء الذي عقد بين بايدن والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في سبتمبر/أيلول في البيت الأبيض على الشراكة بين الولايات المتحدة والإمارات، والتي ترتكز على تجارة سنوية بقيمة 40 مليار دولار وصادرات أميركية بقيمة 26 مليار دولار. وقد التزم الطرفان بتعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا والطاقة النظيفة، وأشادا بمبادرة مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي جي 42 (G42)، ودعم الطرفان المبادئ المشتركة للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. كما استعرض الطرفان مبادرة الشراكة في البنية التحتية العالمية ومشاريع مبادرة الممر الاقتصادي الذي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وأكد الرئيسان على أهمية الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية والمعادن الحيوية. وبالتالي، فإن إدارة هاريس سوف ترث إطار عمل راسخ للمضي قدماً- وهو إطار ليس من المحتمل أن تتخلى عنه هاريس.
وعلى نحو مماثل، وعلى الرغم من التوتر الشديد الذي اتسمت به العلاقات الأمريكية-السعودية في بدايات إدارة بايدن، عمل الجانبان مؤخراً على إعادة بناء الثقة. لقد أصبحت اتفاقية الدفاع الأمريكية-السعودية المقترحة، والتي يحتمل أن تكون مرتبطة بتطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية، محوراً مركزياً لنهج إدارة بايدن في الشرق الأوسط. ويذكر أن هذه المعاهدة تتضمن التزامات دفاعية حازمة، وطريقاً موثوقاً به للحصول على الأسلحة الأمريكية، ودعم الولايات المتحدة لبرنامج نووي مدني.
ومع دخول إدارة بايدن أشهرها الأخيرة، فإنها تسارع لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة، التي يأمل المسؤولون أن تفضي في نهاية المطاف لإشراك إسرائيل والنهوض بالسلام الإقليمي. ومع ذلك، فإن آفاق إنجازها خلال فترة ولاية بايدن أصبحت ضئيلة. يعد تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ضرورياً للحصول على موافقة الكونجرس، في حين تطالب الرياض بتحقيق الهدوء في غزة، وإيجاد مسار قابل للتطبيق نحو إقامة دولة فلسطينية. قد ترث إدارة هاريس هذا العمل الواعد، ولكن غير المكتمل.
الاستمرارية والتغيير في العلاقات الأمريكية-الخليجية
من المرجح أن تتبني إدارة أمريكية برئاسة هاريس نهجاً يجمع بين الاستمرارية والتكيف الإستراتيجي في التعامل مع منطقة الخليج. وسوف تعطي هذه الإدارة الأولوية للتحالفات التقليدية، واعتبارات التنافس بين القوى العظمى، والدعم الثابت لأمن إسرائيل وتكاملها الإقليمي. من المستبعد أن تقوم إدارة هاريس بإطلاق مبادرات رئيسية جديدة في منطقة الخليج، بل ستختار بدلاً من ذلك إدارة الالتزامات القائمة، والتأهب للتطورات المتواصلة وغير المتوقعة في المنطقة.