إن حالة الريبة التي تحيط بالمبادرات السياسية المحتملة لكل من الإدارة الأمريكية التي تنتهي ولايتها في يناير والإدارة القادمة تُلقي بظلها على عملية السلام، التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، حيث تنظر الأطراف المعنية في كيفية تأثير النهجين المختلفين تماماً على نتائج المفاوضات.
فمن الناحية الأولى، يعتبر تهديد إدارة الرئيس دونالد ترامب بتصنيف المتمردين الحوثيين كمنظمة أجنبية إرهابية تهديداً للتقدم التدريجي، الذي تم إحرازه بشق الأنفس خلال الأشهر الثمانية الماضية، للتوصل إلى اتفاق على خارطة طريق من شأنها أن تنهي الأعمال العدائية، وتطلق عملية سياسية شاملة. إن الإعلان الذي جاء في أوائل ديسمبر/كانون الأول عن قيام إدارة ترامب بتصنيف حسن إيرلو، سفير إيران في صنعاء، الذي يوصف بأنه “ضابط في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC-QF) أرسلته إيران مؤخراً إلى صنعاء للعمل كضابط اتصال مع حركة الحوثيين”، قد يوحي بأن التصنيف الأوسع ضد الحوثيين سيبقى معلقاً.
قد يكون لتصنيف الحوثيين أثر هائل جداً على المفاوضات الجارية بشكل غير مباشر، إلى حد بعيد، بين أطراف النزاع اليمنية الرئيسية. وهذا قد يوفر ذريعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في المنفى، الذي أفصح عن عزوفه عن عملية السلام، ليعلن أنه لم يعد قادراً على الانخراط، حتى ولو بشكل غير مباشر، مع المفاوضين الحوثيين لأنه تم الإعلان عن الحركة كمنظمة إرهابية. ومن ناحية أخرى، من المرجح أن يرد الحوثيون على التصنيف بأن يصبحوا أكثر شراسةً، ما قد يؤدي إلى تجميد الجهود لإنهاء الصراع.
كما توجد مخاوف من أن التصنيف ضد الحوثيين سيجعل من المستحيل على منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية العمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، في وقت يتعرض فيه نظام الصحة العامة لضغوط هائلة بسبب النقص الحاد في الغذاء، الذي ينتشر على نطاق واسع، بالإضافة إلى فيروس كورونا والكوليرا وأمراض أخرى.
وعلاوة على ذلك، فليس من الواضح ما إذا كان تصنيف الحوثيين بالإرهابيين سيكون له أي تأثير مادي عليهم. فليس لديهم أي أصول معروفة في الخارج يمكن أن تكون عرضة للمصادرة. وفي حين قد يتكبدون بعض الخسائر المالية داخل اليمن، فإن تلاعبهم باقتصاد الحرب الذي ازدهر منذ بدء الصراع في عام 2014 يشير إلى أنه سيكون لديهم موارد وفيرة تحت تصرفهم، حتى وإن تم فرض عقوبات إضافية.
على النقيض من القلق الذي يحيط بالتصنيف، هناك بعض التفاؤل بأن الإدارة القادمة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن ستنخرط بشكلٍ أكثر دبلوماسيةً فيما يتعلق باليمن، بعكس المسار الذي تبنته إدارة ترامب، التي كانت تنظر إلى الصراع بشكل كليٍ تقريبًا من خلال العدسات الإيرانية. وقد شكل هذا المنظور طبيعة الدعم الأمريكي للتحالف العسكري بقيادة السعودية، حيث أقحمت نفسها في الصراع في عام 2015 لدعم حكومة هادي.
ربما تلجأ إدارةٌ أمريكية، تتمتع بنشاطٍ دبلوماسيٍ أكثر فاعلية، إلى استخدام نفوذها لحشد دعمٍ دوليٍ متجدد لجهود مبعوث الأمم المتحدة لإصلاح العملية السياسية في اليمن، وهو الجهد الذي اختفى من المشهد في الأشهر الأخيرة، حيث طغى الوضع الإنساني الكارثي على ذلك المشهد.
كما يبدو أن إدارة بايدن أكثر استعداداً للابتعاد عن المملكة العربية السعودية، التي اعتمد تدخلها في حرب اليمن بشكل كبير على التدفق الثابت للذخائر أمريكية الصنع والدعم اللوجستي وتبادل المعلومات الاستخباراتية. قال أنتوني بلينكن، الذي اختاره بايدن وزيراً للخارجية، إن الإدارة القادمة ستجري “مراجعة استراتيجية لعلاقتنا الثنائية مع المملكة العربية السعودية للتأكد من أنها تعمل حقاً على تعزيز مصالحنا وتنسجم مع قيمنا”.
إن إدارة بايدن، المستعدة للنظر في التعامل مع النظام في طهران بدلاً من تركيعه من خلال حملة “الضغوط القصوى”، قد تكون أكثر ميلاً للبحث في الشكل الذي قد يبدو عليه دور إيران في اليمن بعد الصراع، وتشجيع دول الخليج العربية أن تفعل ذلك أيضاً. هذا الابتعاد عن الرؤية، المغالى فيها، التي ترفض أي أثر للنفوذ الإيراني في الأراضي العربية هو إلى حد كبير اعتراف بأن العلاقات بين المتمردين الحوثيين وعناصر النظام الإيراني، والحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص، والمدى الذي وصلت إليه على مدار الحرب، لن يتم كسرها بسهولة. وفي الوقت نفسه، فإن القدرة على التعامل مع إيران في مجموعة من القضايا، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الاتفاق النووي، قد تجعل القيادة الإيرانية أكثر ميلاً لاستخدام أي تأثير تمارسه على الحوثيين لتشجيعهم على نهج أكثر تعاونية في المفاوضات السياسية، كدليل على اهتمامها بتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين.
ومع ذلك، لكي تبدأ هذه المرحلة التالية من المفاوضات السياسية، فإنه يتوجب على القيادة السياسية اليمنية، المنقسمة على نفسها، أن تقوم بترتيب أوضاعها الداخلية. تتصدر السعودية جهوداً أخرى لإحياء اتفاق الرياض، الذي وقعه هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي ذو الميول الانفصالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والذي كان من المفترض أن يصلح الشرخ العميق في صفوف القوات اليمنية، التي انضمت ظاهرياً إلى معارضتها للحوثيين. ووفقًا لبنود اتفاق الرياض، سيذعن المجلس الانتقالي الجنوبي في نهاية المطاف لوضع قواته المسلحة، تحت السيطرة السعودية، وفي المقابل، سيفوز بالاعتراف به كقوة سياسية شرعية في البلاد، مع ضمان مقعد له على طاولة المفاوضات لأي مباحثات لتشكيل حكومة ما بعد الصراع، والتمثيل على المستوى الوزاري في أي حكومة تنشأ في نهاية المطاف. وهدف الرياض من إحياء الاتفاقية هو أنها ستحصل على حكومة يمنية لا تدين بالفضل لهادي، وبالتالي أكثر استعدادًا للتفاوض مع الحوثيين.
وفي غضون ذلك، لا تزال الحرب مستعرة في اليمن، حيث من المحتمل أن تكون معركة السيطرة على محافظة مأرب نقطة تحول في الصراع. منذ أسابيع وقوات الحوثي تحاصر مأرب، التي طالما كانت معقلاً لحكومة هادي، وتعتبر مفتاحاً للسيطرة على موارد النفط في اليمن، مهددة بشن هجوم حاسم. إن حقيقة عدم قيامهم بذلك الهجوم حتى الآن تشير إلى أنهم غير متأكدين من احتمالات النصر، ولا يريدون إفساد معنويات النصر، التي اكتسبها مقاتلوهم على مدار الحرب من خلال بدء معركة لا يمكنهم إنهاؤها. وتتواصل الضربات الجوية التي تشنها السعودية على مقاتلي الحوثيين، وتستمر المقاومة من قبل القبائل المحلية في إعاقة مخططات المتمردين في مأرب.
وهكذا، وعلى خلفية الأزمة الإنسانية المتفاقمة في الوقت الراهن، وإمكانية نشوب مواجهة عسكرية حاسمة، ينصب اهتمام جميع المشاركين في عملية السلام اليمنية تقريباً على الانتقال السياسي الذي يحدث على بعد آلاف الأميال. بطريقة أو بأخرى، يبدو من المرجح أن القرارات التي سيتم اتخاذها في واشنطن ستكون لها انعكاسات مهمة على نتيجة الحرب في اليمن.