بينما يقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولة في أرجاء الولايات المتحدة هذا الأسبوع، فإن الجدل حول أهمية العلاقات الأمريكية – السعودية، وجدوى الإصلاح الاجتماعي السعودي، وشرعية دعم الولايات المتحدة للمشاركة العسكرية في اليمن، يتصدر نشرات الأنباء. لكن ينبغي على الأميركيين أيضًا أن يهتموا باستقرار الاقتصاد السعودي، آخذين بعين الاعتبار ارتباط مساره ارتباطًا وثيقًا باقتصاد الولايات المتحدة. وترتبط المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة بعلاقات الاستثمار، وأسواق الطاقة، والاهتمام المشترك باستقرار الاقتصاد العالمي.
تحطم الرابط النفطي، وبقاء رابط الطاقة
حقيقةً، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الصادرات النفطية السعودية. وفي المستقبل، ستحتاج الولايات المتحدة (والعالم) إلى كمية أقل من نفط الشرق الأوسط، وذلك ببساطة لأن هناك الكثير من النفط الذي يمكن اكتشافه واستخراجه بالتكنولوجيات الحديثة من مناطق كثيرة أخرى في العالم، بما في ذلك الإنتاج المحلي من النفط الصخري. وتُقدر شركة بريتش بتروليوم (BP) أن كميات النفط التي يمكن تحصيلها حاليًّا (تصل إلى 2.6 تريليون برميل) وهي تكفي لتلبية ضعفي الطلب العالمي الحالي حتى عام 2050.
على الرغم من أن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية تبتعد عن التبادل القائم على صادرات النفط الخام مقابل الدولار الأمريكي، إلا أن العلاقات في أسواق الطاقة لا تزال قائمة. مثال على ذلك: شركة أرامكو السعودية ليست مجرد شركة نفط وطنية، ولكنها الآن شركة طاقة عالمية تهدف إلى توسيع دائرة إنتاجها إلى المصافي العالمية وعمليات البتروكيماويات الضخمة. في الواقع، تمتلك الشركة التي تملكها الحكومة السعودية أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، في بورت آرثر، تكساس. كما تمتلك أرامكو حصريًّا الحق في بيع البنزين والديزل من ماركة شل في جورجيا ونورث كارولاينا وساوث كارولاينا وفيرجينيا ومريلاند والنصف الشرقي من تكساس ومعظم ولاية فلوريدا. قد لا يكون النفط السعودي هو الذي يغذي سيارات الأمريكيين، لكن الإيرادات النهائية تذهب إلى المملكة العربية السعودية.
مبيعات الأسلحة تعني الولايات المتحدة أكثر مما تعني المملكة العربية السعودية
بناء على دراسة لعام 2016 أجرتها شركة ديلويت، يعتبر قطاع الفضاء والدفاع (A&D) في الولايات المتحدة أحد أهم مصادر التوظيف ودافعي الضرائب في اقتصاد الولايات المتحدة. وبتوظيفه لـ 4.1 مليون عامل بشكل مباشر أو غير مباشر في عام 2014، موزعين على جميع أنحاء البلاد، دفع القطاع ما يقارب 54.3 مليار دولار من الضرائب المفروضة على الدخل الفردي ودخل الشركات للحكومات المحلية والولاياتية والفيدرالية، ودفع 115.6 مليار دولار كأجور للمستخدمين بشكل مباشر. في عام 2014، كان هنالك ما يقرب من 640,000 موظف في أكبر 20 شركة في قطاع الفضاء والدفاع في الولايات المتحدة. وتعتبر المملكة العربية السعودية من أكبر زبائن الولايات المتحدة، وقد بذلت إدارة الرئيس دونالد ترامب جهودًا مبكرة في أيار/ مايو 2017 لزيادة (أو على الأقل إعطاء فكرة بزيادة) عقود بيع الأسلحة للرياض. وتزداد علاقة التعاقدات الدفاعية تعقيدًا بالكيفية التي يتم بها نشر هذه الأسلحة والمعدات، خاصة أنها مرتبطة بالمشاركة في المعلومات الاستخباراتية والأدوار الاستشارية، كما أثبتت الحرب في اليمن.
علاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أكثر استعدادًا من العقد الماضي للنظر في بدائل لموردي المعدات الدفاعية، وخاصة روسيا. وفي حين أن التهديد بشراء الأسلحة من روسيا غالبًا ما استخدم كأداة للمساومة في مفاوضات الأسلحة السعودية مع الولايات المتحدة، فإن المشتريات من روسيا آخذة في الارتفاع، كوسيلة من وسائل الضغط السياسي والتنويع الأمني.
أسواق الديون والأسهم الأمريكية قد تحتاج إلى المملكة العربية السعودية
لكن ربما يكون من أهم مظاهر العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية على الأجندة الحالية لولي العهد هو الوصول إلى أسواق الدين وأسواق الأسهم الأمريكية. لقد اقترضت المملكة العربية السعودية ما يقرب من 40 مليار دولار من أسواق الديون العالمية خلال العامين الماضيين، وتخطط لإصدار سندات أو استدانة قروض بذاك المبلغ تقريبًّا في عام 2018. سوف يشكل المستثمرون الأمريكيون والمؤسسات المالية الأمريكية جزءًا كبيرًا من جمهور المستثمرين المستهدف. المؤسسات المستثمرة في صناديق التقاعد والصناديق التي يضع فيها معظم الأمريكيين مدخراتهم التقاعدية هي من كبار المشترين للسندات السيادية. بالنسبة إلى إصدارات السندات السعودية السابقة، كان المستثمرون الآسيويون من أهم المشترين للسندات السعودية، ما يعزز الترابط بين اقتصاد الولايات المتحدة السليم واقتصاد الخليج، وكذلك استقرار البنوك والمستثمرين في الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
وعلاوة على ذلك، فإن مستقبل الاستقرار المالي للمملكة العربية السعودية أصبح الآن مرهونًا بالاستثمارات الخارجية من صندوق ثروتها السيادية، وصندوق الاستثمار العام (PIF)، وسلطة نقد المملكة العربية السعودية، مع احتياطياتها من الأرصدة الأجنبية. وترتبط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل معقد بهذه الطريقة، لأن المملكة العربية السعودية هي مستثمر كبير في الشركات الأمريكية والديون.
ومع ذلك، فإن إستراتيجية صندوق الاستثمار العام (PIF) تزيد من شهيتها للمجازفة. فقام الصندوق ببعض الاستثمارات غير التقليدية في شركات مثل اوبر وماجيك ليب. يعتبر توسع PIF في وسائل الترفيه، بما في ذلك الانفتاح على وكالات هوليوود وشركات الإنتاج السينمائي مثل شركة وليام موريس إنديفور إنترتينمنت LLC، تحولاً آخر. في حين أن PIF ليس هو الصندوق السيادي الوحيد الذي يقوم بمثل هذه الخطوات (مؤسسة GIC في سنغافورة ومجلس خطة استثمار المعاشات التقاعدية الكندية هما أيضًا مستثمران في إنديفور)، فإن توافق الاستثمار السعودي مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي والترفيه هذه يشير إلى تغيير في إستراتيجية الاستثمار وانفتاح على المؤثرات الثقافية الغربية. صناديق الثروة السيادية تشبه صناديق التقاعد الحكومية، فهي مدخرات عمال القطاع العام، أو بشكل أدق، هي الاستثمار المشترك لموارد الثروة الوطنية التي هي أصلاً ثروة عامة. فهم يعتمدون استراتيجيات الاستثمار الطويلة الأجل، وعادة ما تكون قليلة المخاطر. ربما تعمل وسائل الاستثمار الحكومية السعودية المهتمة بالاستحواذ على حصص كبيرة في شركات تكنولوجيا الأفلام الأمريكية، على تقديم دعم ما من شأنه إيقاف سوق الاستثمار المؤسساتي الأمريكي مؤقتًا.
علاوة على ذلك، يمكن للتغييرات المفاجئة في إستراتيجية PIF للاستثمار أن تهز بسهولة أسواق التكنولوجيا الأمريكية في المستقبل. ولم يقتصر أثر سوق الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة على التكنولوجيا وشركات التواصل الاجتماعي، ولكن تزايد الطابع السياسي لعمل هذه الشركات، قد يزيد من النفوذ السعودي في الاقتصاد والسياسة في الولايات المتحدة في المستقبل. وفيسبوك هو مثال على ذلك. فدوره، ودور القادرين على التلاعب ببياناته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 هو حاليًا موضع تحقيق.
وبشكل موازٍ، فإن أي تفريغ لسندات الخزانة الأمريكية من قبل الحكومة السعودية قد يكون له بعض التبعات في السوق. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن السياسة النقدية للمملكة، التي تربط فيها قيمة الريَال السعودي بالدولار الأمريكي، تعني أن الاستمرار برفع نسبة الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيزيد من الضغط على الاحتياطيات الأجنبية السعودية وسيطال نظامه المصرفي في معدل الإقراض.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، لا يزال التناغم في ما يعتبر ممتلكات للحاكم وممتلكات الشعب يشكل تحديًا للجهود الرامية إلى محاكمة المستثمرين الأجانب والتواصل مع الدوائر المحلية حول كيفية تنفيذ أجندة الإصلاح لتلبية احتياجات السكان بشكل مباشر. وتستمر ملحمة تطهير الفساد، حيث تعمل الاعتقالات الجديدة وحالة عدم الوضوح في التسويات على التعتيم على رسالة الحكومة للمستثمرين الأمريكيين.
بالنسبة لبعض الشركات الأمريكية، أصبحت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة اليوم من الناحية الاقتصادية أقوى من أي وقت مضى. والسبب بكل بساطة هو – فرصة الربح. هناك شركات أمريكية كبيرة، مثل غولدمان ساكس وبلاكروك، تراهن بوضوح على التحول الاقتصادي السعودي، أو على نحو أكثر دقة، القدرة على الوصول إلى رسوم من عدد من خطط التحرر والخصخصة وكسبها. وتتأهب المؤسسات المالية والاستشارية والمستثمرون في القطاع الخاص في الولايات المتحدة لتقديم استثمارات كبيرة في المملكة العربية السعودية، متوقعين الأرباح.
من المتوقع أن تكون زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة طويلة جدًّا، وقد تكون رحلة لوجستية صعبة لحاشيته، والأهم من ذلك، لقدرته على الحفاظ على مبادئه. من الواضح أن المملكة العربية السعودية تتودد للمستثمرين، وتصبو أيضًا إلى المشاركة مع المؤسسات التعليمية مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتجمعات التكنولوجية لجلب بعض خبراتها وابتكاراتها إلى المملكة.
ما تنفقه المملكة العربية السعودية الآن يفوق مدخراتها. يصل الإنفاق الهائل في الاستثمار المحلي لعام 2018، إلى ما يقدر بـ 90 مليار دولار من نفقات رأس المال وهو خارج الميزانية العادية، ومن المفترض أن يحفز هذا شركات جديدة ومواقع جديدة للابتكار (من نيوم المستقبلية إلى مصافي النفط والبتروكيماويات مثل جازان). قد يسرف محمد بن سلمان في الإنفاق لاستيراد التكنولوجيا والأنظمة التي ستكمل التنمية الاقتصادية داخل المملكة. تعد هذه أخبارًا جيدة للشركات والمؤسسات التعليمية الأمريكية. وستحصل العلاقات الطويلة الأمد على بعض الاهتمام للمحافظة عليها ولتتمكن المملكة العربية السعودية من استيعاب التحول التكنولوجي بالكامل واستخدامه محليًّا.
العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية قوية ومتنامية، لكن دوافعها كانت تقليديًّا قصيرة النظر: في تبادل النفط والعقود الدفاعية، والآن، الوصول إلى الأسواق. ترتبط مسارات النمو بعضها ببعض، وستعمل الحكومتان على أكمل وجه للأخذ بعين الاعتبار مدى تلبية النمو المستقر للاحتياجات الاقتصادية للبلدين. كما أنه من الأهمية بمكان أن نأخذ على محمل الجد طبيعة الاستثمارات المشتركة وكيفية تأثير النفوذ السعودي على طبيعة الابتكار الأميركي.