نظرًا إلى المأزق العسكري الذي يحكم الميدان في اليمن، توشك المعركة التالية المهمة في هذه الحرب على أن تندلع داخل مجلس الشيوخ الأمريكي.
وربما يوم الثلاثاء في 20 آذار/مارس على أقرب تقدير، وهو موعد لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية في واشنطن، قد يصوت مجلس الشيوخ على قانون مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي رقم 54 يدعو إلى “سحب القوات المسلحة الأمريكية من أعمال العنف الدائرة في جمهورية اليمن التي لم يسمح الكونغرس بإرسالها”. وكان تمّ نشر هذه القوات دعمًا لتحالف عسكري بقيادة السعودية التي تسعى إلى إعادة حكومة الرئيس اليمني المنفي عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا.
ويُعزى الدافع خلف هذا القانون، بحسب الرعاة الرئيسيين له – السيناتور مايك لي (جمهوري من ولاية يوتا)، وبيرني ساندرز (مستقل من ولاية فيرمونت)، وكريس ميرفي (ديمقراطي من ولاية كونتيكيت) – إلى عاملين: أولًا، لإعادة السلطة الحصرية إلى الكونغرس المعطاة له بموجب الدستور الأمريكي بإعلان الحرب. فلسنوات، زعم أعضاء الكونغرس أن عددًا من رؤساء الولايات المتحدة الذين أرسلوا قوات أمريكية للمشاركة في حروب في الخارج من دون مشاورات مع الفرع التشريعي اغتصبوا هذه السلطة. أما السبب المعلن الثاني فهو طمأنة المدنيين في اليمن الذين تحملوا طيلة ثلاث سنوات أوزار الضربات الجوية التي شنتها السعودية وحلفاؤها، في إطار حملة ساهمت بشكل ملموس في الكارثة الإنسانية التي باتت تحكم قبضتها على البلاد. ويصادف يوم 25 آذار/مارس الذكرى الثالثة لدخول التحالف الذي تقوده السعودية إلى ما كان حتى تلك اللحظة يُعتبر حربًا أهلية في اليمن اندلعت إثر وقوع العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 في أيدي “أنصار الله”، الميليشيا المسلحة التابعة للحوثيين، وهم حركة شيعية زيدية متمردة متأتية من شمالي البلاد.
ويستند قانون مجلس الشيوخ إلى قانون سلطات الحرب لعام 1973 باعتباره أساسًا لادعاءاته بأنه “تمّ جرّ القوات الأمريكية إلى الحرب” بحكم أنها تدعم التحالف السعودي من خلال تقديم المساعدة المستهدفة ومشاركة المعلومات الاستخباراتية وإعادة تزويد المقاتلات السعودية التي تشنّ الضربات الجوية في اليمن بالوقود.
من جهتها، تعترض وزارة الدفاع على هذه المزاعم. ففي رسالة موجهة بتاريخ 14 آذار/مارس إلى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل، أكّد وزير الدفاع جيم ماتيس أن أيًا من الرئيسين باراك أوباما أو دونالد ترامب لم يسمح باستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضدّ الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على معظم المرتفعات اليمنية المكتظة بالسكان ومرفأ الحديدة الرئيسي على البحر الأحمر. وقد وصف ماتيس المساعدة التي توفرها الولايات المتحدة إلى التحالف الذي تقوده السعودية بأنه “دعم غير قتالي”.
وعلى وجه الخصوص، يعالج القانون الدعم الذي توفره القوات الأمريكية التي تواجه تمرد الحوثيين فقط، ويستثني تحديدًا الفرقة الصغيرة من “قوات العمليات الخاصة” الأمريكية التي تنفذ عمليات لمكافحة الإرهاب مع نظيراتها من الإمارات العربية المتحدة والميليشيات المجندة محليًا ضدّ مقاتلين تابعين لتنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ويندرج نشر هذه القوات ضمن “التفويض باستخدام القوة العسكرية” الذي منح مباشرة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الرئيس صلاحية توجيه قوات أمريكية لشنّ عمليات عسكرية ضدّ أي منظمة ترتبط بتنظيم “القاعدة”.
وفي الفترة التي تسبق تصويت مجلس الشيوخ المتوقع، كان رعاة القانون يعملون باجتهاد للحصول على تأييد عدد كافٍ من أعضاء المجلس من الحزبين لضمان إقراره. وفي حين يحظى مشروع القانون بدعم واسع من الحزب الديمقراطي، يمكن وصف تأييد الجمهوريين له بالخجول في أحسن الأحوال. في الواقع، قد تعمد قيادة الحزب الجمهوري إلى تعطيله، علمًا بأنها أعربت عن اهتمامها بإحالة القانون إلى “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ” الأمريكي قبل طرحه على مجلس الشيوخ كاملًا، ما قد يحول دون إجراء عملية التصويت.
في المقابل، تُعتبر حظوظ تمرير مشروع القانون في مجلس النواب – في حال إقراره أساسًا في مجلس الشيوخ – قوية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، صوّت النواب بنسبة ساحقة لصالح قانون مشابه إلى حدّ كبير، ولو أنه أصبح قانونًا غير ملزم في إطار مفاوضات سمحت للرعاة بإيصاله إلى مرحلة التصويت عليه. في تلك الحالة، جرى تمرير القانون بـ366 صوتًا مقابل 30.
ويُعتبر احتمال تزامن التصويت على قانون مجلس الشيوخ مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة مرتبطًا بالرزنامة التشريعية أكثر منه بأي تصميم لرعاة مشروع القانون. غير أن التوقيت يمنح البيت الأبيض محفزًا قويًا للمحادثات التي ستجري بشكل شبه مؤكد حول اليمن. ويسمح للإدارة بتحديد العائق الذي يضعه الكونغرس الذي يزداد تعنتًا يومًا بعد يوم أمام التزام أمريكي مفتوح بالحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية. وقد يحث احتمال تراجع الدعم الأمريكي المطرد القيادة السعودية – بما في ذلك ولي العهد، مهندس تدخل المملكة العسكري في اليمن – على البدء بالتحقيق في وسائل غير عسكرية لحل الصراع.
في الواقع، ظهرت خلال الأسبوع الفائت تقارير مفادها أن كبار المسؤولين السعوديين شاركوا في مناقشات سرية مع رئيس وفد الحوثيين المفاوض محمد عبد السلام في العاصمة العُمانية، مسقط. وكان عبد السلام سافر إلى مسقط أواخر كانون الثاني/يناير برفقة مواطن أمريكي كان اعتقله الحوثيون، وبقي هناك ليؤكد جهوزيته للمناقشات حول استئناف محادثات التوصل إلى تسوية سياسية للحرب. ولم يؤكد التحالف بنفسه هذه المحادثات التي جرت مؤخرًا بين الحوثيين والسعوديين بحسب ما تردد ومن دون مشاركة حكومة هادي. وفي حال حصولها، قد يشير ذلك إلى أن الرياض تشعر أساسًا أن صبر المجتمع الدولي حيال الجهود التي تبذلها في هذه الحرب بدأ ينفذ ويجب أن تسعى بالفعل إلى التوصل إلى حل سياسي.
ومن السابق جدًا لأوانه معرفة إن كان زخم واشنطن لإنهاء الحرب بتسوية يجري التفاوض بشأنها مستدامًا. لكن إلى جانب أفعال الكونغرس في الآونة الأخيرة، أعرب البيت الأبيض في كانون الأول/ديسمبر 2017 عن مخاوفه حيال إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في اليمن ودعا مباشرة السعوديين إلى “السماح بوصول المواد الغذائية والوقود والمياه والأدوية بالكامل إلى الشعب اليمني الذي هو بأمس الحاجة إليها”. في حال كانت ضغوط مماثلة لتستمر، وكان صداها ليتردد في عواصم أخرى من العالم، قد يكون ذلك بمثابة تحول حاسم في الرأي العام الدولي، ما يؤمن بصيص أمل بأن تكون الذكرى الثالثة لانخراط السعودية في الحرب اليمنية التي تصادف هذا الشهر هي الأخيرة.