في شهر فبراير، ظهرت فيلا شاطئية حالمة وأنيقة – رغم أنها قابلة للنفخ – على الرمال البكر في منطقة جزُر العالم في دبي. يعتبر عمل “المدينة المثالية”، وهو عمل تركيبي للفنان الإيطالي متعدد الاختصاصات فيليبو مينيلي مستمد من الصور المألوفة، تجسيد مثالي لمئات من مشاريع التطوير العقاري المقترحة في المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم. يبحث هذا العمل التركيبي الاستعراضي، الذي برز فيما بعد كمحورٍ أساسيٍ في العروض الفردية المتواصلة التي تحمل نفس الاسم، في العلاقة البشرية بالعمارة والفضاء الحضري. يتمحور هذا الاستعراض حول دبي، المدينة المتنوعة التي تتكيف عمارتها بشكل مستمر لتستوعب الاستخدامات المختلفة والعدد المتزايد من السكان.
تتناول ممارسات مينيلي على نطاق أوسع المشاهد الطبيعية المعاصرة والهوية الحضرية، والديناميكيات الثقافية في عالم ما بعد العولمة. أخذته مشاريعه الأخيرة في جولة حول الخليج وأوروبا وأمريكا الجنوبية، لكن مساعيه الأخيرة قادته إلى جاليري انلوكو، وهو مساحة إبداعية جديدة تتمحور حول الفن الحضري في أفينو الخياط في دبي.
يتكون المعرض من مشروع متعدد الاختصاصات منبثقٍ عن عدة سنوات من البحث في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي زارها مينيلي للمرة الأولى عام 2021. وعلى الرغم من تخطيطه لرحلة قصيرة، إلا أن قيود السفر الناجمة عن الموجة الثانية من فيروس كورونا أجبرته على البقاء في الإمارات لمدة ستة أشهر، حيث استمر في “التحقيق والتصوير والتوثيق والبحث” غير آبه بالمواعيد النهائية التي تلوح في الأفق. “وهكذا جرى كل شيء في الأساس، فهذه هي قصة حياتي. حيث تأتي الأمور دائمًا تلقائيًا وبشكلٍ فوضويٍ، فأنا لست ذلك النوع من الباحثين الذين يذهبون إلى مكان ما للقيام بمهمة محددة. لكن حياتي متداخلة بشكل وثيق مع ممارساتي الفنية. لذلك، أعتقد أن ذلك يساعد في الفعل ونقيضه، في أخذ الانطباعات وهدمها، بقدر ما يبني العمران ويهدم في الإمارات، من أجل البقاء في الصدارة،” هذا ما قاله مينيلي لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن.
يضم المعرض صورًا فوتوغرافية وعملاً تركيبيًا ومقطع فيديو، وحتى مكونًا يتخطى البيئة الافتراضية، معتمدًا على كتابات القرن الخامس عشر للمهندس المعماري والمنظر في عصر النهضة ليون باتيستا ألبيرتي (Leon Battista Alberti) حول التخطيط الحضري والتنمية الحضرية، والتي تشير إلى “أنه يجب تصميم المدن وفقًا لهندسة معمارية مخصصة لكل شريحة سكانية”. كما أن المعرض متأثر بـ “المدينة الفاضلة” للفيلسوف الإسلامي أبو نصر محمد الفارابي، والتي تميل إلى نهجٍ أكثر سلاسة وقابلية على التكيف يقوم على القيم في بناء المدن. يفحص مينيلي كيف أن العولمة وسهولة الحركة قد غيرتا، أو ألغت تماما، ما يعنيه أن تعكس العمارة والنسيج الحضري هويات سكانها بشكل ملموس. فكيف يمكن للمعماريين أن يعكسوا التراث عندما ينطوي التاريخ البدوي لمكان ما على عملية الترحال والتأقلم المستمرين؟
كما يتناول عرض مينيلي ما تعنيه كلمة “مثالي” بالنسبة للأفراد في جميع أنحاء العالم، وكيف يعمل تصورهم للمدينة الفاضلة على صياغة تفاعلاتهم اليومية مع النسيج الحضري للمدينة. تعرض سلسلة “بيساجيم C/A“، التي تتألف من 24 صورة فوتوغرافية التقطها الفنان من مختلف أنحاء حي ديرة التاريخي في دبي، صور المتاجر والفنادق التي تحمل أسماء مدن من جميع أنحاء العالم، مثل لاجوس ومانيلا وأوساكا واسطنبول.
وأوضح مينيلي، “امتلك بعض الأشخاص القادمون من تلك المناطق بعض المتاجر، ولذلك أرادوا، بتواضع، تبني هوية تلك المناطق بالنظر إلى السرديات التي تخص المنتجات الموجودة بداخلها، في حين أن بعض المتاجر الأخرى ربما تكون قد افتتحت في بادئ الأمر بالطريقة نفسها، ولكنها مملوكة الآن لمالكين مختلفين تمامًا، ولكنهم ببساطة احتفظوا بالاسم. وهذا أكثر ما أثار اهتمامي لأنه يظهر هذا النوع من النهج المثالي للسرديات وتفسيرات الصور”.
ليس مهمًا ما إذا كانت جمالية المساحات الداخلية التي صورها مينيلي تعكس جمالية المدن التي تحمل أسماءها أم لا. بل إن صورة ذلك المكان – بصرف النظر عن مدى تجذرها في واقعه الحالي- هي التي تحرك الخيال، وتغذي سُبل العيش لصاحب المتجر. تشير عملية تسمية محالهم التجارية إلى إضفاء الطابع المثالي على المدينة، ومحاولة تجسيد وإبراز روح ذلك المكان.
وعلى نحو مماثل، فإن سلسلة “بيزاج” مينيلي، التي تتضمن تسع لوحات مزدوجة (عمل فني يتكون من قطعتين أو لوحتين)، تصور لوحات إعلانية من جميع أنحاء العالم. تغطي اللوحات الإعلانية – الواجهات المزينة التي تحيط بمواقع البناء لتقليل التشويش البصري – اللافتات الإعلانية والمباني والسيارات، وتظهر جنبًا إلى جنب مع نظيرتها المصورة في اللوحات الإعلانية في الجانب الآخر من العالم. غالبًا ما تحاكي هذه الواجهات المناطق المحيطة بها لتعطي تجربة جمالية سلسة، وتبرز نسخة مثالية عن المساحات التي تحجبها، سواء من حيث الحنين للماضي على شكل نسخة سابقة من المبنى، أو الأمل المرتقب للمشروع الذي يوشك على الاكتمال.
تتضمن المشاهد التي التقطها مينيلي درجات متنوعة من التفاصيل والدقة البصرية. ويكاد يكون من المستحيل التمييز بين بعض اللوحات الإعلانية وخلفياتها، باستثناء التجاعيد التي تشي بأقمشة الستائر. وأوضح مينيلي أن بعض المشاهد الأخرى أكثر تجريدية، إذ تعرض “تكهنات حول الكيفية التي من الممكن أن تبدو عليها المباني في المستقبل” أو تعكس “تصورات عشوائية للنسخة المثالية لما سيحدث خلف هذه الواجهة”.
المحور الأساسي للمعرض، وهو نسخة قابلة للنفخ لفيلّا شاطئية مثالية، وإن كانت تتسم بالطابع العام. يأخذ العمل فكرة الحياة المثالية إلى ما هو أبعد من ذلك. “صنعت المجسّمات القابلة للنفخ بالكامل من صور رقمية… ما أود قوله هو أن الجزء النهائي من هذا التغلغل بين المشهد المادي والمشهد الرقمي يأتي لإضفاء المثالية على فكرة لأحد أنماط الحياة، وبيعها بدلاً من نمط الحياة ذاته”.
تتكون “المدينة المثالية” – والتي سُمّي المعرض باسمها – من فيلا تصويرية ذات طابقين، وأشجار نخيل فضية ومجسمة، ومسبح من الأنسجة البصرية الشاملة، وسماء زرقاء صافية وشمس. ذكر مينيلي أن هذا العمل التركيبي كان أحد العناصر الأولى التي تَصوَّرها للمعرض، وهو مستوحىً من “كل هذه التصاميم المصورة التي نراها في الإعلانات العقارية في جميع أنحاء دبي أو في كل هذه اللوحات الإعلانية الكبيرة التي تحتوي على تصاميم مصورة مذهلة للتطورات الحديثة في جميع أنحاء المدينة.” وتابع قائلاً إنه بالمقارنة مع عمل ديرة، فإن “المجسمات القابلة للنفخ تعد نوعًا من النسخ “المنشَطة” لهذه الصور أو النُهُج المثالية”. وأشار مينيلي إلى أن هذين العملين يكملان بعضهما بعضًا لأن “المتاجر المعروضة التي تحمل أسماء مدن وهويات مختلفة تعطي لمحة عن المقاربات الأولى نحو تحقيق المثالية في الفضاء العام”.
تم عرض هذا العمل التركيبي لأول مرة لفترة وجيزة على إحدى جزُر العالم، وهي عبارة عن أرخبيل صناعي قبالة ساحل دبي، تم تطوير عدد قليل من هذه الجزر واستخدامها. وقد صُممت كمجموعة شاعرية ومنعزلة عن العقارات المطلة على الشاطئ، وقد شكل هذا الوضع خلفية مناسبة لعروض مينيلي الخيالية لأسلوب الحياة المثالي، الذي يروج له المطورين العقاريين في جميع أنحاء العالم. وأوضح البيان الصحفي للمعرض أن “هذا التدخل، من حيث الجوهر، لا يتعلق بمدى اختلافنا، وإنما بمدى تشابهنا. وتؤكد البيئة السريالية على الموضوعات الجوهرية للتدخل: سلاسة الهوية والسعي لتحقيق تجربة حضرية مثالية تتجاوز النماذج المعمارية والثقافية التقليدية”.
يشير المشهد الحضري لمينيلي وتأملاته المعمارية المعاصرة إلى أن هذه الإعلانات العقارية تتغذى على الأحلام والطموحات الإنسانية المشتركة ــ من أجل حياة الترف المريحة والمنعمة ــ في حين أنها تقوم بدورها بتغذية الهويات. ولدى مقارنة التراث المعماري لموطنه الأصلي إيطاليا بمدن الخليج، قال مينيلي، “إذا بدأت من الخلفية الأوروبية أو من أماكن أخرى لها علاقة أكبر وأوسع بالتاريخ من حيث التحف المعمارية ومستويات التحف التاريخية في الأماكن العامة أو في المدن بشكل عام، ربما يقودك للاعتقاد بأنه لا وجود للأصالة في الخليج أو في دبي في هذه الحالة. ولكن هذا هو السبب أيضًا وراء رغبتي في تحدي المفهوم المعاصر للأصالة”.
وأردف قائلاً، “في إيطاليا، على سبيل المثال، هناك بالطبع ثراء هائل في الفن المعماري، والتفاصيل في المشاهد التي تذكرك بالهوية الافتراضية، وبهذه الأشياء العريقة من العصور الغابرة”، ولكن هذه الأصول الثقافية، حسب زعمه، لا تعكس بالضرورة الهوية الإيطالية المعاصرة. ويطرح مينيلي فرضية احتمال أن يكون هذا التراث المعماري والثقافي مجرد خلفية مبهرة “موجودة حقًا للتعتيم على عدم وجود طرح أصيل ومعاصر في الوقت الحاضر”.
وأشار مينيلي إلى أن التقليل من شأن العمارة المحلية أو التاريخية نتيجة للعولمة – والذي يمكن رؤيته على سبيل المثال في الخيارات المتجانسة لتناول الطعام والتسوق في المطارات أو المراكز التجارية في جميع أنحاء العالم- قد بدأ أيضًا بتشكيل الهويات الجماعية، وطمس الخطوط التي كانت ذات يوم تميز بشكل أكبر الإحساس بالذات المحلية.
وفي نهاية المطاف، فإن هذا هو الهدف من أعمال مينيلي في “المدينة المثالية”، “كفنان، أعتقد أن ما نقوم به والهدف الذي ينبغي أن نصبو إليه لا يقتصر على صناعة الأشياء، وإنما ينبغي أن يتمثل في استخدام هذه الأشياء لإيجاد مساحة للتفاهم والفكر”. ولدى وضع رؤى الواقع المثالي من دبي وأماكن أخرى إلى جانب الأنماط المعمارية المعاصرة المعتمدة في جميع أنحاء العالم، نجد أن مينيلي يقرب وجهات النظر بين سرديات انعدام الأصالة في مدن الخليج وعَمارة العولمة السائدة في كل مكان.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.