التصريحات الهامة التي أدلى بها المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي (Robert Malley) يوم الأربعاء خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول وجود “علامة استفهام ضخمة” حول فرص توصل مفاوضات فيينا بين إيران والدول الكبرى إلى احياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، يضع زيارة الرئيس جوزيف بايدن إلى إسرائيل والضفة الغربية، واحتمال توقفه في عواصم أخرى، أو عقد لقاء موسع يشمل قادة السعودية ودولة الإمارات في نهاية الشهر المقبل في منظور مختلف. المبعوث مالي أعطى تقويمًا متشائما بعض الشيء حين قال للمشرعين الأميركيين، “ليس لدينا اتفاق مع إيران، واحتمالات التوصل إلى اتفاق تبدو هشة في أفضل الحالات”.
ومع أن المبعوث مالي كرر القول إن احتمالات نجاح المفاوضات في فيينا أقل من احتمالات فشلها، إلا أنه أيضًا كرر القول إن إدارة الرئيس بايدن لا تزال تأمل بالتوصل إلى اتفاق “أطول وأقوى” من اتفاق 2015 يغطي مسائل تتخطى البرنامج النووي، وهو ما أخفقت في تحقيقه إدارة الرئيس باراك أوباما حين فاوضت إيران بشأن برنامجها النووي، ولكنها لم تربط سلوك إيران الإقليمي التخريبي بالاتفاق النووي. وكان الرئيس أوباما قد رفض مقترحات بعض مساعديه فرض ضغوط قوية على إيران لوقف تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للعراق وسوريا ولبنان واليمن، بحجة أن ذلك سوف يدفع بطهران للانسحاب من المفاوضات النووية. من جهته قرر الرئيس السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل أحادي في 2018، وقام بفر ض عقوبات أقسى ضد إيران لإرغامها على القبول بقيود أقوى ضد برنامجها النووي. ومع أن هذه العقوبات أضرت بإيران واقتصادها، إلا أنها لم ترغمها على تخفيف نشاطاتها النووية، بل على العكس فقد قامت بتطوير أجهزة الطرد المركزي، وخصّبت كميات من اليورانيوم تفوق بكثير ما سمح به اتفاق 2015، ما قربهّا كثيرا من عبور “عتبة” العصر النووي.
ومنذ استئناف المفاوضات في فيينا بعد انتخاب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، تميزت طروحات الوفد الإيراني بتصلب ملحوظ وتصعيد للمطالب والشروط الإيرانية، كان آخرها وأصعبها طلب إيران من واشنطن إلغاء قرار الرئيس السابق ترامب في 2019 تصنيف منظمة الحرس الثوري الإيراني كتنظيم ارهابي أجنبي في سياق سياسة فرض الضغوط القصوى ضد طهران.
وهناك معارضة قوية في واشنطن، داخل إدارة بايدن، وفي أوساط الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الكونغرس، إضافة إلى معارضة قوية لمثل هذا التنازل الأميركي في الدول العربية المعنية مباشرة بأي اتفاق أميركي-إيراني، وكذلك في إسرائيل. الطلب الإيراني أدى إلى نقاش قوي داخل إدارة بايدن بين من يقبل بالتفاوض مع إيران بشأن الحرس الثوري، وبين من يرفض من حيث المبدأ البحث في مسألة ليس جزءًا تقنيًا من القضايا النووية المطروحة على النقاش. ولكن يبدو أن معارضة الكونغرس القوية لمثل هذه الخطوة دفعت بالرئيس بايدن لرفض الطلب الإيراني، وهو موقف أبلغه بايدن إلى رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت، الذي أكد ذلك رسميًا في بيان هنأ فيه الرئيس الأميركي على موقفه.
المبعوث مالي لم يؤكد أن الغاء تصنيف الحرس الثوري كتنظيم ارهابي ليس مطروحًا على طاولة المفاوضات، ولكنه قال أن المطالب الإيرانية المتشددة هي التي أوصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. واضاف مالي أنه تم إبلاغ الإيرانيين أنهم إذا أرادوا تنازلات حول مسائل لا علاقة لها مباشرة بالمفاوضات النووية، مثل إلغاء تصنيف الحرس الثوري، فعليهم أن يقدموا تنازلات لواشنطن في المقابل. وتابع “قررت إيران أنها غير مستعدة لاتخاذ مثل هذه الخطوة”.
تصريحات مالي حول “تنازلات” محتملة من قبل الطرفين، يؤكد تقويم بعض المسؤولين الأميركيين، والقائل أنه صحيح أن القرار النهائي في إيران حول القضايا المصيرية لا يزال إلى حد كبير في يد المرشد الأعلى علي خامنئي، ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن هناك قوى فاعلة في النظام الإيراني، لا يستطيع المرشد خامنئي تجاهلها، مثل ضباط الحرس الثوري والبيروقراطية النووية المتحالفة معهم، خاصة وأن لهذه القوى دور هام في الاقتصاد الإيراني وفي صيانة الوضع القائم. ووفقا لهذا التقويم، الرئيس إبراهيم رئيسي – بعكس سلفه حسن روحاني – هو جزء من هذه التركيبة المتشددة في النظام الإيراني.
ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الاحتجاجات الشعبية في إيران على زيادة الأسعار على خلفية وصول معدلات التضخم إلى 42 بالمئة، سوف تدفع بالرئيس الإيراني إلى إعادة النظر في موقفه بشأن مفاوضات فيينا التي سيؤدي نجاحها إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية القوية التي فرضتها واشنطن ضد قطاع الطاقة الإيراني، وتلك التي فرضت ضد المصارف الإيرانية، والتي كبدت طهران خسائر ضخمة.
تزامنت تصريحات المبعوث مالي مع تقرير نشره موقع Axios، وجاء فيه أن المسؤولين الأميركيين بريت ماغورك (Brett McGurk) منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وعاموس هوتشستين (Amos Hochstein) المسؤول عن ملف الطاقة في وزارة الخارجية، وصلا سرًا إلى السعودية يوم الثلاثاء لإجراء مباحثات مع المسؤولين السعوديين حول سلة من القضايا قبل وصول الرئيس بايدن إلى المنطقة في نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل.
الزيارة تأتي على خلفية تدهور العلاقات بين إدارة الرئيس بايدن والسعودية في الأشهر الأخيرة في أعقاب رفض السعودية (ودولة الإمارات) طلب واشنطن زيادة إنتاج المملكة من النفط لضبط الارتفاع الحاد في أسعار المحروقات في الولايات المتحدة، وللتعويض عن النفط الروسي في السوق العالمي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. هذا الخلاف جاء على خلفية فتور العلاقات الثنائية منذ انتخاب بايدن الذي وجه انتقادات قاسية للسعودية بسبب انتهاكات حقوق الانسان، وخاصة في أعقاب قتل الصحفي جمال خاشقجي.
ويأمل المبعوثين الأميركيين، وفقاً لتقرير Axios تسهيل عملية نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير قرب مداخل مضيق تيران، من مصر إلى السعودية. وكانت السعودية في عام 1950 قد سمحت لمصر بالسيطرة على الجزيرتين السعوديتين اللتين خضعتا لاحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء في حرب 1967، وتم نزع السلاح منهما بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 1979. ويأمل المسؤولون الأميركيون بأن تؤدي مساهمتهم في إنهاء عملية نقل الملكية إلى تحسين فرص الاتصالات بين السعودية وإسرائيل، ولذلك فإنهم يأملون بالتوصل إلى اتفاق نهائي قبل زيارة بايدن إلى المنطقة. ويعتقد انه إذا تم أيضا حل الخلافات بين واشنطن والرياض حول انتاج النفط، فإن فرص زيارة بايدن إلى السعودية، أو مشاركته في قمة إقليمية تشمل قادة السعودية، سوف تتحسن كثيرًا. ولكن لا توجد هناك أي مؤشرات، حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي حول الجزر، بأن السعودية وإسرائيل تسيران على طريق تطبيع العلاقات بينهما في أي وقت قريب، وأن تدخل السعودية في حالة سلام رسمي مع إسرائيل من باب اتفاقيات إبراهام، التي أيدتها الرياض، التي لا تزال ترى أن الطريق إلى السلام مع إسرائيل يقتضي أولًا احياء مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
ويرى بعض المراقبين أن استمرار تعثر المفاوضات النووية في فيينا، وهي مفاوضات ليس سرًا أن السعودية ودولة الإمارات واسرائيل تعارضها، سوف يكون من بين المسائل التي ترجح عقد لقاء قمة إقليمي، وإن كان ذلك ليس شرطًا اساسياً لمثل هذه القمة.