ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تزامنت زيارة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن مع تغييرات هامة في هيكل فريق السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة، تمثلت بإقالة مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر، وتعيين جون بولتون المعروف بمواقفه المتصلبة ضد إيران وكوريا الشمالية بدلا منه.
ومن المتوقع أن يكون لهذه التغييرات مضاعفات على علاقات وسياسات واشنطن تجاه السعودية والمنطقة ككل، تضاهي مضاعفات إقالة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو خلفا له. ومع أن لزيارة الأمير محمد بن سلمان أهدافا مختلفة ومتشعبة من تقنية واقتصادية وثقافية سوف تأخذه إلى سبعة مدن رئيسية، إلا أن أولوياته السياسية في واشنطن تمحورت حول سبل تنسيق وتطوير التعاون مع الولايات المتحدة لضبط واحتواء وصد النشاطات الإيرانية السلبية والتخريبية في المنطقة وتحديدا في اليمن. الرئيس ترامب، ووزير دفاعه جيمس ماتيس اللذان التقيا على حدة بولي العهد السعودي ووفده، جددا دعمهما لهدف مواصلة التصدي للثوار الحوثيين، ولكن في نفس الوقت أكد الجميع على ضرورة التوصل إلى حل سياسي يشمل مفاوضات بين الحكومة الشرعية والحوثيين. وقالت لنا مصادر خليجية موثوقة إن هناك قرارا سعوديا-إماراتيا بإنهاء الحرب في 2018 من خلال اقناع الحوثيين ميدانيا، أنهم لن يحققوا انتصارا عسكريا وأن أفضل حل هو التفاوض حول صيغة سياسية منصفة للجميع. المصادر قالت إن الحوثيين، على الرغم من الدعم الإيراني أدركوا مؤخرا أن مواصلة القتال إلى أجل مفتوح ليس خيارا جذابا، وأنهم منفتحون على التعاون مع مبادرة تحاول عُمان التي لها قنوات اتصال مع الأطراف المتقاتلة والقوى الإقليمية التي تدعمها، في إشارة إلى إيران، القيام بها وتحظى بتأييد أمريكي، قالت المصادر إن وزير الدفاع ماتيس أكده للعمانيين خلال زيارته الأخيرة.
وليس سرا أن هناك معارضة متزايدة في الولايات المتحدة للحرب في اليمن، وخاصة في الكونغرس وفي أوساط الرأي العام ومنظمات الإغاثة ومراكز الابحاث تعكسها وسائل الإعلام المختلفة التي تركز على فداحة الخسائر البشرية ومعاناة المدنيين والنقص الحاد في المواد الغذائية والطبية. معارضو الحملة الجوية التي تقودها السعودية ضد الثوار الحوثيين المدعومين من إيران، اختاروا التصويت، خلال محادثات الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض، على مشروع قرار في مجلس الشيوخ يقضي بوقف الخدمات اللوجستية والتقنية والاستخباراتية التي تقدمها القوات الأمريكية لسلاحي الجو السعودي والإماراتي، مثل رصد الأهداف العسكرية، وتزويد الطائرات بالوقود في الجو. صحيح أن القرار الذي تقدم به المرشح الرئاسي السابق السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز والسناتور الجمهوري مايك لي، لم يحظ بالأكثرية،(صوت ضده 55 عضوا من أصل 100) إلا أنه أظهر أن المعارضة ليست هامشية، وأن مؤيدي القرار كانوا يعرفون مسبقا أنهم لن يفوزوا، وخاصة بعد الجهود التي قام بها وزير الدفاع ماتيس لصيانة التنسيق العسكري، إلا أنهم أرادوا أن يبعثوا برسالة رمزية للبيت الأبيض والرياض. وفي لقاءاته مع المشرعين الأمريكيين والإعلاميين، تطرق الأمير محمد بن سلمان إلى انتقاداتهم وتحفظاتهم على دور السعودية في اليمن، مؤكدا أن السعودية لم تفوت أي فرصة لتحسين الوضع الإنساني هناك، وقال للصحفيين العاملين في جريدة واشنطن بوست “لا توجد هناك خيارات جيدة وخيارات سيئة في اليمن. هناك فقط خيارات سيئة وخيارات أسوأ”.
الاتفاق النووي مع إيران في حالة خطر
وحتى قبل تعيين بولتون مستشارا للأمن القومي، ألمح الرئيس ترامب بحضور ضيفه السعودي إلى أن أيام الاتفاق النووي الموقع مع إيران في 2015 أصبحت معدودة. ترامب انتقد تصرفات إيران الداخلية والخارجية واعتبرها “غير مناسبة”. وحول قراره النهائي بشأن مستقبل الاتفاق، والذي يفترض به أن يتخذه في 12 من أيار-مايو المقبل، قال ترامب للصحفيين “وسوف ترون ما سأفعله” بنبرة لم تترك هناك أي مجال للشك بأنه يسير على طريق الانسحاب من الاتفاق الدولي. وكانت هناك محاولات ومقترحات من بعض أعضاء الكونغرس والمسؤولين في الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق تدعو للحفاظ عليه، ولكن السعي لاتفاق آخر يلحق به ويتعلق بالبرنامج الصاروخي الإيراني الذي لم يشمله الاتفاق النووي. ولكن كل المؤشرات تبين أن إيران لن تقبل بذلك أو بأي من المطالب الأخرى التي تقدم بها ترامب ومن بينها إجراءات تفتيش صارمة اكثر للمنشآت النووية الإيرانية وأي من المرافق العسكرية الأخرى. وازدادت احتمالات الانسحاب من الاتفاق بعد أن أقال ترامب وزير الخارجية السابق تيلرسون الذي كان يدعو لصيانة الاتفاق، وتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) خلفا له. وكان بومبيو قد عارض الاتفاق عندما كان عضوا في مجلس النواب خلال ولاية الرئيس أوباما. وواصل بومبيو معارضته للاتفاق، بعد تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية. ويوم الأحد الماضي، قال السيناتور الجمهوري بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، إنه يتوقع انسحاب ترامب من من الاتفاق.
وإذا كانت هناك آمال تساور البعض ببقاء الولايات المتحدة عضوا في الاتفاق، جاء تعيين ترامب لمندوب واشنطن السابق لدى الأمم المتحدة بولتون مستشارا جديدا للأمن القومي، ليبدد هذه الآمال، بسبب معارضته، ليس فقط للاتفاق النووي، بل للنظام الإيراني الذي يعتبره بولتون مارقا ويستحق أن توجه له الولايات المتحدة ضربة عسكرية وقائية لتدمير قدراته النووية، وحتى لتغيير النظام السياسي في طهران. وبولتون هو من دعاة توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد كوريا الشمالية حتى من دون توفر عامل الاستفزاز. وسجل بولتون حافل بالتهديدات العسكرية لسوريا والعراق خلال حكم صدام حسين بشأن تغيير النظام السياسي، وهو يدعم تصنيف حركة الإخوان تنظيما إرهابيا، كما فعلت دول مثل مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
وليس من الواضح كيف يمكن لطهران أن تتعامل ايجابيا مع أي مبادرة عمانية لايجاد تسوية سياسية لحرب اليمن، إذا كانت تدرك عزم واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي، إلا إذا رأى الحوثيون أن مصلحتهم تقضي بتبني الحل السياسي.
النزاع مع قطر انتقل إلى واشنطن
حتى قبل وصول الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وصل النزاع بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى إلى واشنطن، حيث تدور رحاه في أروقة مراكز الابحاث والجامعات ومكاتب اللوبي، وتعكسه التغطية الشاملة لكبريات الصحف التي ترصد أيضا تحركات ومواقف شخصيات جدية، وأخرى انتهازية، تعمل مع هذا الفريق أو ذاك. وفي الأسابيع والأيام القليلة الماضية استخدمت قطر معلومات استولت عليها ( بواسطة هاكرز ) من حسابات الكترونية لشخصيات إماراتية وسعودية على اتصال مع أفراد في الولايات المتحدة. هذه الرسائل والوثائق قدمتها قطر إلى بعض الصحف والمواقع الالكترونية المتعاطفة معها، وفقا لما أكدته مصادر أمريكية مسؤولة. انتقال المواجهة الإعلامية بين الدول الخليجية إلى واشنطن، عرضها للانتقادات، كما عمق من خلافاتها، واقنع واشنطن أن احتمالات عقد قمة خليجية-أمريكية قد تبخرت كليا.
استقبال واشنطن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أظهر بشكل لا لبس فيه أن إدارة الرئيس ترامب تعول كثيرا على نجاح الأمير الشاب الصاعد في السعودية كطرف اصلاحي وصديق إقليمي يمكن أن تتعامل معه على مختلف الأصعدة، للحفاظ على ما تبقى من استقرار في منطقة تعاني من وجود دول فاشلة وأخرى تقترب من الفشل. مصادر أمريكية قالت إن الأمير محمد أبلغها أن قرار احتجاز مسؤولين سابقين وبعض الأمراء، هو قرار لن يتكرر ويهدف بالدرجة الأولى إقناع الجميع في السعودية أن السلطة لن تكرر الأخطاء السابقة التي أدت إلى انتشار الفساد. من جهته، يأمل الأمير محمد بن سلمان أن يجذب المستثمرين الأمريكيين للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية، وخاصة تلك التي ستبقى في المستقبل بعد انحسار النفط كمصدر رئيسي للدخل.