هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا في سوريا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الاقليمي.
يبدو أن التقدم السريع للجيش السوري في محافظة درعا في الأسابيع الأخيرة، إلى جانب عدم وضوح آفاق الدعم العسكري الأمريكي للمعارضة، أدى إلى حسم مصير الفصائل المتمردة في جنوب غرب سوريا. ومع ذلك، تواصل المعارضة تكبيد قوات الحكومة السورية وحلفائها خسائر فادحة: وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقرًا له، تكبدت قوات النظام وحلفاؤه 117 قتيلاً ما بين 30 حزيران و1 تموز. إنها خسارة فادحة لو تحملها الجيش السوري وحده. ومع ذلك، وبفضل ترتيب تقاسم أعباء نظام الأسد مع المقاتلين الشيعة الأجانب، فإن هكذا خسائر تصبح من الممكن تحملها.
ومن بين آخر المقاتلين الشيعة الأجانب الذين تلقوا رصاصة نيابة عن الرئيس بشار الأسد، كان زكي محمد عباس، وهو مواطن باكستاني يعمل في لواء زينبيون التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يتألف من مواطنين شيعة باكستانيين. دفن في مدينة قم المقدسة، في إيران، في 2 تموز. لا يعرف الكثير عنه: ربما يكون اسمه هو “الاسم الحركي”، ولا يزال الغموض يكتنف مكان وسنة ميلاده، ومهنته وموقعه وظروف مقتله في سوريا.
في هذا الصدد، مثله مثل معظم المواطنين الباكستانيين الشيعة الذين قتلوا في المعارك في سوريا. لا يزال لواء زينبيون أحد أقل الميليشيات الشيعية العاملة في سوريا شهرة ونصيبًا من الدراسة. قد يُعزى هذا جزئيًّا إلى حجم الميليشيا الصغير ومساهمتها المحدودة في الحرب. يبدو أن السلطات الإيرانية أيضًا حريصة بشكل خاص على حمايتها من أعين الاستخبارات الداخلية الباكستانية المتطفلة.
ومع ذلك ، فإن مسحًا ميدانيًا ممنهجًا للمعلومات المتوفرة حول الوحدة في مواد مفتوحة المصدر باللغة الفارسية يقدم رؤىً مهمة حول التاريخ المبكر للميليشيا وتكوينها ويساعد في شرح أهداف طهران الاستراتيجية من إنشائها. وربما يكون الهدف الرئيسي من ذلك ليس له علاقة كبيرة بقدرة اللواء على تقديم مساهمة حاسمة في سوريا، وإنما يتعلق أكثر في إعطاء مقاتليه تجربة قتالية يمكنهم الاعتماد عليها في النزاعات الإقليمية الأخرى، خاصة في وسط وغرب آسيا.
وفقًا لمسحٍ ميدانيٍ لخدمات الجنائز التي جرت في إيران والعراق ولبنان لمقاتلين شيعة أجانب قتلوا في المعارك في سوريا، لقي 157 مواطنًا باكستانيًّا حتفهم. قتل ثلاثة باكستانيين شيعة فقط أثناء قتالهم في العراق. في الأعداد الإجمالية، لم يتكبد الشيعة الباكستانيون خسائر كبيرة، الأمر الذي قد يشير إلى صغر حجم القوة. وعلى سبيل المقارنة، قُتل على الأقل 895 مواطنًا شيعيًّا أفغانيًّا و558 مواطنًا إيرانيًا شيعيًا وسُنيًا و116 مواطنًا عراقيًا شيعيًا (رغم أن هذا العدد قد يكون أعلى بكثير) و1232 مواطنًا شيعيًا لبنانيًا، لقوا حتفهم في القتال في سوريا.
المقاتلون الشيعة الأجانب الذين قتلوا في المعارك في سوريا ما بين كانون الثاني 2012 وتموز 2018
ومن بين الـ 157 باكستانيًا، تم التعرف على المدن الأصلية لثمانية منهم: سبعة منهم من مواطني باراتشينار وواحد من مقاطعة البنجاب. ومن بين السبعة الذين عرفت خلفيتهم التعليمية، كان خمسة من خريجي جامعة المصطفى الدولية في قم، حيث درسوا أصول الدين.
لكن لماذا يريد المواطنون الباكستانيون الشيعة التطوع في حرب بعيدة جدًّا عن وطنهم في المقام الأول؟ كيف تم تشكيل لواء زينبيون وماذا كان هدف الحرس الثوري الإيراني الاستراتيجي من تأسيسه؟
يبدو أن سيد عباس موسوي، الذي لم يتم التأكد من هويته، كان هو القائد الأعلى للواء الزينبيون. في مقابلة أجرتها معه “بانجريه” الأسبوعية في 23 حزيران 2016، زعمَ أن التهديد الملحوظ لمواقع الزيارة الشيعية في سوريا كان العامل الأساسي في التعبئة. أراد الشيعة الباكستانيون “الاندفاع للدفاع عن مقام السيدة زينب” والمشاركة في “المعركة المروعة ضد التكفيريين” على حد زعم موسوي. وقال إن هذا لا يمكن أن يتم إلا بمساعدة الجمهورية الإسلامية، لأن “إيران هي المركز الرئيسي ومقر قيادة هذه الحرب”. كما زعم موسوي أن الشيعة الباكستانيين كتبوا رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يطلبون فيها الإذن بالقتال في سوريا، فرد عليهم خامنئي شفهيًّا بقوله: “من كان قادرًا على أداء الواجب، فليفعل ذلك بأفضل ما لديه من قدرات”.
وبعد رد خامنئي، قيل إن الجمهورية الإسلامية قد سهّلت نقل 50 مواطنًا باكستانيًا شيعيًا إلى سوريا. ومع ذلك، منعت السلطات الإيرانية موسوي من تجنيد الشيعة الباكستانيين الذين كانوا يقيمون في باكستان، ما دفعه هو وشبكته إلى تجنيد العمال الشيعة الباكستانيين الأجانب الذين يعيشون في الإمارات العربية المتحدة، والذين تم ترحيل بعضهم في أعقاب ثورات الربيع العربي.
وفي تناقض إلى حد ما، في المقابلة نفسها، كشف موسوي عن أنه هو ورفاق سلاحه من الشيعة الباكستانيين كانوا “على اتصال مع فيلق القدس [التابع للحرس الثوري الإيراني] لما يقارب الـخمسة عشر عامًا”. وهذا من شأنه أن يعيد بداية العلاقة إلى زمن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001 وانهيار حكم طالبان، وذلك قبل فترة طويلة من الحرب في سوريا والتهديد “التكفيري” المزعوم ضد مواقع الحج الشيعية في سوريا.
كما أبرزت بانجريه في مقابلة منفصلة مع جهاد، الذي تم تقديمه بوصفه أحد قادة زينبيون. كان جهاد، وهو من أهالي باراتشينار، متأثرًا سياسيًا بوالده، الذي كان من أتباع عارف حسين الحسيني، وأحد طلاب “آية الله العظمى روح الله الخميني” في مدينة النجف العراقية في السبعينيات، ولاحقًا ممثلًا في باكستان (تم اغتياله عام 1988). في عام 2007، أصيب جهاد بالرصاص في اشتباكات مع “الوهابيين” في باراتشينار. وهاجر إلى أبو ظبي عام 2012، حيث كان يعمل سائقًا، لكنه انتقل إلى مشهد، في محافظة رضوي خراسان في إيران عام 2015 للانضمام إلى لواء زينبيون “الناشئ”. الاحتمال الأكبر أن يكون هذا الادعاء صحيحًا: فقد تم ذكر لواء زينبيون لأول مرة في الإعلام الإيراني في جنازة حسين جاويد، أول “شهيد” من الوحدة، الذي لقي حتفه في القتال في العراق في حزيران 2014.
أما بالنسبة لدوافع جهاد ورفاق سلاحه، فقد اعترف مظفر علي كرماني، وهو قائد آخر في زينبيون، بشكل غير مباشر في مقابلة في العدد نفسه من بانجريه بأن الدافع الرئيسي للباكستانيين الشيعة للتطوع في الحرب في سوريا هو قتال “التكفيريين من وزيرستان”، أي، جماعة البشتون العرقية، الذين انضموا إلى القوات المناهضة للأسد هناك.
تشير تعليقات موسوي في بانجريه إلى أن تجنيد الحرس الثوري الإيراني المُمَنهج للمواطنين الشيعة الباكستانيين لم يكن له في البداية أي علاقة بالحرب في سوريا، ولكنه كان ردًا على تهديد طالبان وما تلاه من غزو بقيادة الولايات المتحدة لأفغانستان.
استغل الحرس الثوري الإيراني بنجاح العلاقات العضوية المتجذرة بين رجال الدين الشيعة في باكستان والشيعة الباكستانيين، من أجل تجنيد مواطنين باكستانيين شيعة. سوء معاملة الباكستانيين الشيعة في باراتشينار على يد “التكفيريين” والدافع الانتقامي ربما ساعد جهود الحرس الثوري الإيراني في تجنيد الشيعة الباكستانيين. ومع ذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني، وربما تحسبًا من اختراق المخابرات الباكستانية، فضل تجنيد العمال الشيعة الباكستانيين المقيمين في الإمارات بدلًا من تجنيدهم مباشرة من باكستان.
واستنادًا إلى تأكيدات موسوي، استغرق الأمر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ما يقرب من 14 عامًا لتجنيد عدد كافٍ من المواطنين الباكستانيين الشيعة حتى يتمكنوا من تشكيل وحدة عسكرية خاصة بهم. ووفقًا لأقوال جهاد، تلقى الباكستانيون تدريبات عسكرية بالقرب من مشهد.
هناك بعض المؤشرات على أن لواء زينبيون يخضع لقيادة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني بدلاً من العمل كوحدة مستقلة: ساعد مسح ميداني للرعايا الإيرانيين الذين قُتلوا في المعارك في سوريا على التعرف على ضابطين من العمليات الخارجية في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذين تمت إعارتهم للواء زينبيون: محمد جنتي، المعروف أيضًا باسم الحاج حيدر، وحميد رضا ضيايى.
من المعقول أن يكون الهدف من نشر لواء زينبيون الشيعي الباكستاني في سوريا هو تزويدهم بخبرة قتالية يمكن استخدامها في مكان آخر، أكثر منه تقديم مساهمة حاسمة في نتائج الحرب. لذلك ينبغي النظر إلى أهمية لواء زينبيون في سياق إقليمي أكبر، ربما كأحد العوامل المهمة المحتملة في الصراعات المستقبلية في غرب ووسط آسيا.