في العشرين من حزيران/يونيو أعلنت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ما يمكن أن يكون تحولاً حاسمًا في أسلوب التعامل الأميركي مع المواجهة بين مجموعة من حلفاء واشنطن الرئيسيين- السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر- وشريكة رئيسية أخرى هي قطر. مشيرة إلى أن “أسبوعين انقضيا منذ بدء المقاطعة، ونحن مستغربون من أن دول الخليج لم تنشر للعموم، أو للقطريين، تفاصيل الاتهامات الموجهة لقطر”. وأضافت بنوع من الحدة: “نحن الآن نتساءل سؤالا واحدًا بسيطًا: هل كانت هذه التحركات تعبّر حقًّا عن مخاوفهم إزاء دعم قطر المزعوم للإرهاب، أم هي بشأن شكاوى تتفاقم منذ فترة طويلة بين دول مجلس التعاون الخليجي”؟
الدول التي تواجه قطر استُفزت بشكل واضح من هذا الانتقاد الحاد، وسارعت إلى معالجة المخاوف الأمريكية. بتاريخ الحادي والعشرين من حزيران/يونيو أصدر وزير الخارجية الأمريكي بيانا يقول: “ندرك أن هناك قائمة مطالب أُعدت ونُسقت من قبل السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين”. وأضاف: “نأمل أن يتم تقديم قائمة المطالب سريعًا إلى قطر وأن تكون منطقية وقابلة للتطبيق.” ورغم ذلك، فلا شيء من هذا يغير المعادلة الأساسية، لأن انتقاد وزارة الخارجية في العشرين من حزيران لم يتم سحبه أو تعديله. ولم يكن الانتقاد الأمريكي مجرد لهجة دبلوماسية حادة على نحو غير اعتيادي تشكك في دوافع ومصداقية حلفاء قدامى للولايات المتحدة، بل يبدو أيضًا أنه يعقّد –إن لم يناقض- تعليقات سابقة لتيلرسون وللرئيس دونالد جي. ترامب بشأن الخلاف. وتسلط تعليقات الإدارة الأميركية القاسية والمتباينة الضوء على شدّة وتعقيد المصالح الأمريكية التي وضعتها هذه الأزمة على المحك.
في سلسلة من التغريدات والبيانات، بدا ترامب من الوهلة الأولى مؤيدًا بشدة للدول التي تواجه قطر، وبشكل شخصي إلى جانب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. وقال ترامب إن قطر “كانت تاريخيًّا للأسف ممولة للإرهاب على مستوى عالٍ جدًّا”، وربَط هذا التمويل بـ”أيديولوجيتها المتطرفة”. لقد بدا أن ترامب يتفاخر بحملة الضغط على قطر لتغيير سياساتها، فنشر تغريدات أظهرت أن رحلته إلى السعودية “آتت ثمارها بالفعل”. لقد قال إن العديد من القادة الوطنيين خلال وبعد رحلته إلى الشرق الأوسط “تحدثوا إليّ عن مواجهة قطر بسبب سلوكها”، ووصف الحملة التي تلت ذلك “بالإجراء الصعب لكن الضروري”.
أما تيلرسون فتبنى لهجة أكثر تفصيلا أكدت على الحاجة الطارئة لحل هذه الأزمة. الاختلاف الشديد بين مضمون وأسلوب كل منهما دفع الكثير من المراقبين إلى الاستنتاج أن ترامب وتيلرسون متناقضان، أو يقوّض الواحد منهما الآخر. ففيما بدت تعليقات تيلرسون –إلى حد كبير- متوازنة ومنصفة، إلا أنه في الواقع وقف إلى جانب الدول التي تطالب قطر بتغيير سياستها، تمامًا كما فعل ترامب. وحث تيلرسون هذه الدول “على تخفيف الحصار عن قطر”, لكنه أضاف أنه في حين أحرزت قطر بعض التقدم في وقف الدعم المالي للإرهابيين وطردهم من البلاد، فإن “عليها أن تقوم بالمزيد و… بشكل أسرع”. لذلك، ففيما يُتوقع من كل الأطراف العودة بسرعة إلى الوضع القائم سابقًا، أُبلغت قطر أن عليها أن تغير سياساتها وسلوكها الحالي.
ومع ذلك، فإن اللهجة والأسلوب في الدبلوماسية، أمران لهما أهمية كبيرة في تشكيل الوعي، وغالبّا المضمون الفعلي للسياسات. ربما لم يناقض ترامب وتيلرسون بعضهما بعضًا تمامًا، فيما يتعلق بتوقعات ورغبات واشنطن المرجوة وهي: حل سريع للأزمة وقيام قطر بمنع تمويل الإرهاب وإنهاء دعمها للمتطرفين. ورغم ذلك، فإن الفجوة بين أسلوبيهما في الخطاب أطلقت شكوكًا كبيرة حول الموقف الأمريكي، وانطباعًا واسع الانتشار أن في الإدارة خلافًا على هذه القضية. ومع ذلك، فإن تعليقات وزارة الخارجية الأخيرة تثير المزيد من الأسئلة الجوهرية حول مواقف واشنطن. فللمرة الأولى تُحوِّل المسؤولية من قطر إلى منتقديها، وتميّز بين “دعم الإرهاب” و”شكاوى –أخرى غير محددة- تتفاقم منذ فترة طويلة” بين دول مجلس التعاون الخليجي.
هذا التمييز يساعد في توضيح معالم وتعقيدات مخاوف واشنطن من المواجهة بين حلفائها من دول الخليج، فعندما كان ترامب في الرياض أواخر أيار، كانت فكرته الرئيسية هي ضرورة الوحدة داخل الحلف المؤيد للولايات المتحدة، وأكدت الزيارة الأولويات الثلاث للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وهي: مكافحة الإرهاب (التي تشمل القضاء على تمويل الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة)، ومواجهة إيران، والسعي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إن الدافع الرئيسي لوقوف ترامب تحديدًا وبشكل لا لبس فيه ضد قطر، ربما يكون نابعًا من حقيقة أن الاتهامات الموجهة إلى الدوحة تم وضعها في إطار الأولويتين الأولى والثانية من بين الأولويات الثلاث.
فكل من ترامب وتيلرسون بالتحديد نوّها بشكل مباشر إلى القضية الأولى –مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهابيين- في تعليقاتهما على الأزمة. إن اتهامات ترامب لقطر بأنها كانت تمول الإرهاب “على مستوى عالٍ جدًّا” –رغم أن ما يقصده بـ”مستوى عالٍ” يبقى غير واضح إن كان يقصد مبالغ ضخمة من الأموال، أم يقصد مسؤولين حكوميين كبارًا، أم كليهما- هذه الاتهامات وجدت صدى لها عند تيلرسون. فقد قال وزير الخارجية، “إن لقطر تاريخًا في دعم المجموعات التي امتد نطاق تعبيرها السياسي من النشاط إلى العنف.” وفي كلتا الحالتين، يترتب على ذلك أن ما أثار حملة الضغط على قطر هو ذاك التاريخ والممارسات المتواصلة للدوحة.
ومع ذلك، فإن تعليقات وزارة الخارجية، تعكس فكرة إدارة ترامب الرئيسية للوحدة. إن الإدارة محبطة لأن المواجهة بين حلفاء الولايات المتحدة مستمرة دون تحرك ملموس نحو الحل، ويبدو أنها تشعر بالفزع بشكل خاص من أن التحالف الذي يواجه الدوحة استغرق وقتًا طويلاً لبلورة قائمة مطالب واضحة لإنهاء الأزمة. إن فكرة استمرار المواجهة الحالية، كما افترض وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، “لسنوات” هي فكرة غير مقبولة لدى واشنطن. فالولايات المتحدة لا تحتاج فقط جبهة موحدة في مواجهة إيران والإرهاب، بل تحتاج أيضًا استقرارًا في منطقة الخليج. ولا يمكنها العمل بنجاح -باعتبارها الضامن للنظام الإقليمي والاستقرار الاستراتيجي مع حلفائها الأساسيين الذين تحتفظ في مناطقهم بعناصر مختلفة لمنظومتها العسكرية التي لا غنى عنها في المنطقة- إذا كان الحلفاء غير راغبين في التعامل مع بعض. إن حجّة السعودية والإمارات بأن الحملة ضد قطر لا تهدف إلى بث الفرقة، وأنها في الحقيقة بحثٌ عن وحدة تستحق هذا المسمى لأن سلوك قطر هو المصدر الحقيقي للشقاق، هذه الحجّة قد تكون منطقية في سياق مجلس التعاون الخليجي، لكنها بدأت تفقد أنصارها في واشنطن.
ليس الأمر أن إدارة ترامب قد أصبحت فجأة متيّمة بالدوحة أو مقتنعة بحججها، فواشنطن تشعر منذ فترة طويلة بالقلق من عبث قطر مع المتطرفين والأيديولوجيات المتطرفة، وتشعر أن على الدوحة القيام بالمزيد في مكافحة تمويل الإرهاب. ولكن مع استمرار النزاع فإن الثمن بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة على المدى البعيد، يتضح أكثر فأكثر، ما يثير تساؤلات في واشنطن حول ما يمكن تأمينه من قطر بثمن معتدل. وبالتالي جاءت الصدمة، بقيام وزارة الخارجية في الواقع بانتقاد التحالف العربي والتساؤل عن أهداف الحملة ضد قطر ودوافعها.
لقد شعرت واشنطن بضرورة إيصال رسالة أن صبرها على الطرفين بات محدودًا، وأنها لا تزال تعتبر طرفي المواجهة حلفاء لها، رغم أن لديها بعض المخاوف بسبب سلوك قطر. بالإضافة إلى ذلك، فإن واشنطن أكدت أنها لن تتخلى عن الدوحة بصفتها شريكًا من خلال المضي قدمًا في عملية بيع مقاتلات F-15 لقطر، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين قوات البحرية الأمريكية والقطرية، والإشارة إلى أنها غير معنية بنقل القدرات العسكرية الأميركية في قطر، بما في ذلك قاعدة العُديد الجوية الضخمة (المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأميركية).
لقد وجدت إدارة ترامب نفسها أمام ضرورتين- الوحدة في صفوف حلفائها في الخليج العربي ومكافحة الإرهاب والتطرف– وفي سياق الأزمة القطرية، يبدو أنها تذهب في اتجاهات معاكسة. فطرفا النزاع العربي-العربي أصبحا الآن عرضة للتحذيرات الأمريكية شديدة اللهجة. لكن قطر هي الوحيدة التي تم إبلاغها بضرورة تغيير سلوكها طويل الأمد، والقيام بذلك بسرعة. ولذلك قد تقوم الولايات المتحدة بتحقيق التوازن بين أولوياتها المتعارضة، وبين طرفي الأزمة من حلفائها من دول الخليج العربية من خلال الضغط على التحالف الذي يواجه قطر لحل سريع للأزمة، ولكن ليس دون طلب التزامات محددة من الدوحة لإصلاح نهجها. ما عدا ذلك، فقد أظهرت واشنطن بوضوح في الأسابيع الثلاثة الماضية أنها مستعدة تمامًا للضغط الجدّي على الطرفين.