ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تخضع القوة الصاروخية الإيرانية، وهي الكبرى في الشرق الأوسط، وفقًا لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، لمراقبة صارمة من قبل خبراء غير إيرانيين، ولكن ما الذي تكشفه المجلات العسكرية الصادرة في إيران عن ذلك؟ تم تحديد ست مقالات حول برنامج الصواريخ الإيرانية في مسح للمجلات الأكاديمية بجامعة الإمام الحسين، التابعة لحرس الثورة الإسلامية، ولم تقدم بالضرورة معلومات فنية جديدة. والأسوأ من ذلك في نظر الباحثين غير الإيرانيين، أن المقالات الصحفية تستند إلى حد كبير لبيانات مستقاة من مصادر باللغة الإنجليزية، بدلاً من اعتمادها على أبحاث لمحللين إيرانيين. وبالرغم من ذلك، فقد ألقت المقالات القليل من الضوء على وجهة نظر القيادة الإيرانية حول دور الصواريخ كقوة ردع استراتيجية.
يتتبع التأريخ الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمتمثل في مقال في عدد مايو/أيار 2019 من مجلة آفاق أمنية (التي تصدر منذ 2010)، جذور برنامج الصواريخ الإيرانية حتى حرب 1980-1988 مع العراق. وفي ظل عجزها عن الرد بالمثل على استخدام العراق الممنهج للصواريخ الباليستية ضد المراكز السكانية الرئيسية في إيران، وعدم قدرتها على تمويل قوات جوية حديثة حتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت الجمهورية الإسلامية برنامجاً وطنياً لمواجهة التهديدات المستقبلية. كان البرنامج يعتمد إلى حد كبير على عكس وتعديل هندسة الصواريخ الباليستية السوفييتية والكورية الشمالية، وصواريخ كروز الأمريكية، التي تم شراؤها من سوريا وكوريا الشمالية والمجاهدين الأفغان.
يمثل مقال في عدد أغسطس/آب 2018 من مجلة سياسة الدفاع، (التي تصدر منذ 1991) تصحيح للخلاصات السابقة، من خلال اقتباسات مستفيضة من مقال كامران تاريمي في عام 2005، والذي يتبع جذور برنامج الصواريخ الإيرانية حتى أواخر السبعينيات. بالنسبة لتاريمي، فإن نظام الشاه محمد رضا بهلوي تواصل مع واشنطن لشراء صواريخ لانس أرض-أرض قصيرة المدى. وعندما رفضت واشنطن طلب الشاه، قيل إن إيران وإسرائيل وقعتا مذكرة سرية عام 1977 للمشاركة في برنامج مشترك للبحث في الصواريخ الباليستية وتطويرها. وفي الوقت ذاته تقريباً، سعت إيران إلى برنامجٍ نووي عسكري سري، بالتزامن مع برنامجها النووي المدني.
من الناحية السياسية، فإن رواية تاريمي، ولا سيما حقيقة ظهورها لاحقاً في مجلة عسكرية، نشرت تحت رقابة الجمهورية الإسلامية، تُعتبر مهمة لأنها تتعارض مع الرواية الرسمية بأن نظام بهلوي كان مجرد عميل للولايات المتحدة دون وجود إدارة خاصة به. كما أن الرواية المنقحة مهمة أيضا لأنها تصور مسعى إيران للحصول على قدرة صاروخية وطنية باعتباره طموحًا طويل الأمد لقوة إقليمية، وليس مجرد رد فعل على الحرب مع العراق أو إحدى المهمات الثورية للجمهورية الإسلامية.
وبالانتقال إلى الحقبة المعاصرة، يخلص المقال إلى أن إيران جعلت قدراتها الصاروخية “العمود الفقري لسياستها الدفاعية”. وذلك بسبب “التكلفة المنخفضة للصواريخ وتأثيرها القوي”، والتي بالإضافة إلى “إمكانية نقل الصواريخ إلى فاعلين دون الدولة… – بما في ذلك قوات الحشد الشعبي [العراقية]، وحزب الله اللبناني، والحوثيون في اليمن، وحماس في فلسطين – تعمل على تغيير “موازين القوى” في منطقة الشرق الأوسط. ويعد هذا التصريح مهما جداً، حيث إن الجمهورية الإسلامية طالما زودت حزب الله بالصواريخ ولأنها تنكر بشدة قيامها بعمل الشيء نفسه مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
وقد أثيرت في السابق مسألة “إمكانية” نقل إيران الصواريخ إلى حلفائها عبر مقال في عدد نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016 في مجلة آفاق أمنية، حيث يؤكد المؤلفون أن “عمليات نقل الصواريخ الإيرانية إلى الخارج ليست على مستوى استراتيجي”. وأن الجمهورية الإسلامية ليست متورطة في “نقل تكنولوجيا الصواريخ”. ومع ذلك، فإن الموضوع الرئيسي للمقال هو نظام التحكم بتكنولوجيا الصواريخ وأنظمة التحكم العسكرية الأخرى، والتي، وفقًا للمؤلفين، “تضفي الطابع المؤسساتي على احتكار القوى العظمى” للأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة المتقدمة. ويُعتبر برنامج الصواريخ الإيرانية الوطني تحدياً لهذا الاحتكار، ويعمل بمثابة “معادل”، ويقلل من الفجوة بين إيران والقوى العظمى، على حد قول المؤلفين، ثم يستنتجون: “أي إجراء، محتمل أو فعلي، لكبح جماح القدرة الصاروخية أو السيطرة عليها يعتبر بمثابة نزع للسلاح، واستسلام إيران في مواجهة مختلف التهديدات.”
وهنالك مقال في عدد نوفمبر/تشرين الثاني 2016 من مجلة سياسة الدفاع يتناول بالتحديد القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، التي – من وجهة نظر سيد جواد صالحي وعباس فرح بخش – تزود الجمهورية الإسلامية بأهداف محتملة، وبالتالي، ردع العدوان الأمريكي على إيران. وفي مقال مفصل لهما في عدد مايو/أيار لعام 2018 في مجلة سياسة الدفاع، قام كلٌ من علي قديم ملالو وسيد أصغر جعفري من جامعة مالك عشتار للتكنولوجيا التابعة لوزارة الدفاع، بتوسيع قائمة الأعداء لتشمل إسرائيل، وخلصا إلى أنه: “من خلال تطوير الصواريخ وتعزيز القدرة الهجومية، تستطيع إيران أن تجبر أمريكا والكيان الذي يحتل القدس على أن يكونا أكثر حذراً في تصرفاتهما… ويمكنها منع الحرب إلى حد كبير”.
ولقلب الأمور رأسًا على عقب، هناك مقال في عدد يونيو/حزيران 2019 من مجلة سياسة الدفاع موضوعه الرئيسي هو أن القلق بشأن برنامج الصواريخ الإيرانية هو على الأغلب مهمة سياسة “الرُّهاب الإيراني” التي ترعاها الولايات المتحدة. وتهدف هذه الدعاية، على حد قول عيسى محمد حسيني وسيد جواد إمام- جمعة زاده، إلى “إضفاء الشرعية على وجود أنظمة الدفاع العسكرية والصاروخية الأمريكية في الدول العربية”. علاوة على ذلك، فإن “التهديد من الصواريخ الإيرانية يساعد الولايات المتحدة على بيع المزيد من الأسلحة لدول المنطقة”. ومن اللافت للنظر أن المؤلفين أنهيا مقالهما بالتأكيد على مدى ودقة الصواريخ الإيرانية، بالتالي، تأكيد ما صوراه في البداية على أنه حملة معاداة إيران من قبل الولايات المتحدة.
يوضح مسح المجلات الأكاديمية بجامعة الإمام الحسين حدود الحرية الأكاديمية في الجمهورية الإسلامية. وبدلاً من استخدام المصادر الأولية مثل تصريحات المسؤولين الإيرانيين، والتغطية الإعلامية لمختلف الأحداث المتعلقة ببرنامج الصواريخ الإيرانية – مثل اختبار الصواريخ ونوع الوقود والمواصفات الفنية، وما شابه ذلك – تعتمد المجلات على البيانات المستقاة من مصادر باللغة الإنجليزية التي تُنشر في الخارج. وإلى حد ما، ينطبق الشيء نفسه على التحليل، الذي يستند إلى نظرية العلاقات الدولية الغربية وأدبيات الدراسات الاستراتيجية، باستثناء بعض المقتطفات التي تعكس وجهة نظر القيادة الإيرانية حول دور الصواريخ كقوة ردع استراتيجية. وبالتالي، فإن المعلومات الواردة من مصادر غير أكاديمية مفتوحة باللغة الفارسية تقدم، في الوقت الراهن، النافذة الحقيقية الوحيدة حول التفكير الاستراتيجي في طهران.