في الوقت الذي قد ترغب فيه دول الخليج العربية في تجنب الوقوع في خضم صراع "روسيا ضد الغرب"، إلا أن الأزمة الأوكرانية تؤثر بالفعل على السياحة والغذاء والطاقة والقطاعات الاقتصادية الأخرى في المنطقة.
يوصف هجوم روسيا الأخير على أوكرانيا بأنه أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفي حين أن الدول الأوروبية، وبدرجة أقل الولايات المتحدة، هي التي ستتحمل العبء الأكبر للحرب، إلا أن آثارها سوف تنتشر خارج القارة. وتشمل هذه الآثار انعكاسات علاقة بنظام عالمي جديد، وأعمال موازية “لإعادة الوحدة” بين الصين وتايوان. وفي الوقت الذي قد ترغب فيه دول الخليج العربية في تجنب الوقوع في خضم صراع “روسيا ضد الغرب”، إلا أن الأزمة الأوكرانية تؤثر بالفعل على السياحة والغذاء والطاقة، والقطاعات الاقتصادية الأخرى في المنطقة.
السياحة
تستضيف إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة أعدادًا كبيرة من السياح الروس سنويًا. في عام 2021، كانت دبي الوجهة المفضلة لـ6٪ (600,000 زائر) من السياح القادمين من روسيا، ويأتي ترتيبها بعد مصر بنسبة 10٪ (مليون)، وتركيا بنسبة 45٪ (4,7 مليون)، وفقًا للجمعية الروسية لمنظمي الرحلات السياحية.
زوار دبي من الروس (بالملايين)
ترتيب روسيا كمصدر لسوق الزوار في دبي
من المرجح أن تسفر الحرب الروسية الأوكرانية عن انخفاض في عدد الزوار الروس، وخاصة إذا طالت المرحلة العسكرية للحرب، وكذلك تعليق عمل المزيد من البنوك الروسية على نظام سويفت للمراسلات بين البنوك، والذي يسهل عمليات الشراء الدولية. ونظرًا للمخاوف بشأن سلامة المجال الجوي الروسي والأوكراني والبيلاروسي، عملت شركة طيران الإمارات في دبي وشركات الطيران الشريكة على تعليق رحلاتها بالفعل إلى العديد من المدن الروسية. وسيتأثر كذلك الإنفاق السياحي لكل زائر روسي تماشيًا مع انخفاض التدفقات السياحية وتدهور سعر صرف الروبل مقابل الدولار. وذلك، وفقًا لدراسة أجرتها فيزا (Visa)، لأن متوسط السياح الروس يميلون إلى الإنفاق أكثر من نظرائهم الأوروبيين والمكوث لفترات طويلة.
من المرجح أن تتعرض السياحة في دبي لضربة أكبر من تركيا أو مصر نظرًا لاعتماد الأولى على إيرادات السياحة التي أنتجت ما يقل قليلاً عن خُمس إجمالي ناتجها المحلي قبل جائحة فيروس كورونا. ومع الانخفاض الكبير في تدفقات السياحة الصينية الوافدة إلى دبي بسبب قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا في الصين، أصبحت روسيا أكثر أهمية كمصدر سوق للزوار.
الغذاء
تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري القمح، حيث إن مجموع حصتهما في السوق العالمية تجاوزت 25٪ في عام 2019. سيكون لفترة القتال الطويلة تداعياتها المحتملة على المحاصيل، والوصول إلى الموانئ ومحطات تخزين الحبوب، وأسعار الشحن والتأمين، وموسم الزراعة الربيعي. لقد وضعت حرب روسيا مع أوكرانيا الأمن الغذائي – فيما يتعلق بالعرض والأسعار- على رأس جدول أعمال العديد من البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث حصلت المنطقة على 70٪ من صادرات القمح الروسية في عام 2021. على سبيل المثال، استوردت مصر ما قيمته 3,23 مليار دولار من القمح (أكثر من ثلثي إجمالي واردات القمح) من روسيا وأوكرانيا، في حين صدّرت الأخيرتان ما يقارب من ثلاثة أرباع القمح المستورد إلى تركيا بقيمة 1,6 مليار دولار في عام 2019.
تعد دول الخليج العربية، مع عدد سكانها الأصغر والدخل المرتفع لكل فرد، أقل عرضة من الدول الأخرى في الشرق الأوسط للاضطرابات وزيادة الأسعار الناجمة عن أزمة أوكرانيا. لدى الإمارات وعُمان وقطر مستوى عالٍ من الخطورة على وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا؛ على النقيض من ذلك، تستورد بقية دول الخليج العربية كميات لا تذكر أو لا تستورد من هذين البلدين. بين عامي 2015 و2019، على سبيل المثال، زادت روسيا وأوكرانيا حصتهما في السوق من الثلث (بقيمة 91,2 مليون دولار) إلى ما يقارب نصف إجمالي القمح الذي استوردته الإمارات (بقيمة 154 مليون دولار)، حيث كانت روسيا مَصدر الجزء الأكبر من القمح.
حصة واردات القمح (%) من روسيا وأوكرانيا نسبة إلى الكمية الإجمالية من واردات القمح
ومع ذلك، فإن مرافق تخزين الحبوب الكثيرة تعني عدم وجود خطر، على المدى القريب، لحدوث نقص في الإمدادات في الإمارات. من المفترض أن تساعد الصدمة الناجمة جزئيًا عن ارتفاع أسعار النفط نتيجة للأزمة الأوكرانية في تحمل الزيادات على المدى البعيد في أسعار القمح، حتى في عُمان حيث جرت في السابق احتجاجات متعلقة بالغذاء.
في حالة المملكة العربية السعودية، قد تتسبب الآثار المدمرة للحرب على إمكانية الاعتماد على العرض والأسعار في إعادة تقييم زيادة واردات القمح من روسيا لتعويض انخفاض الإنتاج في المملكة. فتحت السعودية مؤخرًا سوقها أمام القمح الروسي في عام 2020؛ ثم ضاعفت ذلك سبع مرات في عام 2021 وإن كان ذلك من قاعدة منخفضة.
النفط والغاز
قبل الأزمة الأوكرانية، كان مصدرو النفط والغاز يستفيدون بالفعل من التدفقات القادمة من العائدات الهيدروكربونية التي تجاوزت الميزانية. تجاوز سعر خام برنت عند 78 دولارًا للبرميل في بداية يناير/كانون الثاني سعر التعادل المالي البالغ 66,80 دولار للبرميل لعام 2022 في دول الخليج الرئيسية كمجموعة، وفقًا لتوقعات جي بي مورجان (JP Morgan) الأخيرة. دفعت الحرب في أوكرانيا سعر النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، ومن الممكن أن يرتفع أكثر بالنظر لحقيقة أن روسيا – التي تستأثر بـ 12,5٪ و9,6٪ من الصادرات العالمية من النفط الخام والبترول المكرر، على التوالي– لم تتضرر بعد من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكما أشار آدم توز (Adam Tooze) من جامعة كولومبيا، تعد روسيا دولة نفطية استراتيجية – ومن الممكن أن يتسبب حجمها في أسواق الطاقة العالمية بجعلها أكبر من أن تُعاقب.
كل زيادة في سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل ستضيف 65 مليار دولار إلى عائدات تصدير النفط لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفقًا لتقديرات بنك HSBC في مذكرة في فبراير/شباط؛ وسيؤدي وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل إلى فائض في الميزانية والحسابات الجارية بقيمة 10٪ و15٪ على التوالي من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس. من الناحية الأولى، تعد المكاسب غير المتوقعة نعمة لميزانيات الخليج بشأن تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، إن ارتفاع أسعار الطاقة على مستوى العالم سيفضي لارتفاع أسعار السلع التي تحتاجها دول الخليج المعتمدة على الاستيراد، بما في ذلك الأسمدة والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والأدوية ومحولات الطاقة الشمسية.
على المدى الطويل، سيتعرض السياسيون الأوروبيون لمزيد من الضغوط للتقليل من اعتماد بلدانهم على الفحم والنفط والغاز الروسي. هذا صحيح، على الرغم من أنه وفقًا للمعلق الاقتصادي ماثيو كلاين (Matthew Klein)، تزايد اعتماد أوروبا، الذي لم يتناقص، على الطاقة الروسية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014. والفارق هذه المرة – بافتراض صحة ذلك – هو الإجماع القوي في أوروبا على معارضة تصرفات روسيا. قد تكون قطر هي الرابح لأن التوسع المستمر في قدراتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال قد يترجم إلى صادرات تحل محل بعض مبيعات الغاز الروسي في أوروبا بحلول منتصف عقد العشرينيات من هذا القرن. قد تجد دول الخليج، مثل عُمان والسعودية والإمارات، القادرة على تنفيذ مشاريع الطاقة الهيدروجينية الخضراء والمصادقة عليها، عملاء في أوروبا يتقبلون هذه الطاقة، ويحرصون على التقليل من مدخلات الهيدروجين الأخضر من روسيا، إلى أدنى حد ممكن، في الاستخدامات المختلفة، مثل المَركبات والتدفئة والشحن.
قطاعات أخرى
تعمل حالة الغموض بشأن مسار الأزمة الأوكرانية، وبالتالي بشأن نطاق وعمق العقوبات المستقبلية، على رفع العواقب الجيوسياسية على السلع والبضائع المصنعة، لا سيما تلك التي تعتبر روسيا منتجًا مهمًا لها. وهذا يشكل فرصًا أو تحديات أمام الشركات الخليجية، اعتمادًا على المنتج المقصود.
على سبيل المثال، كانت روسيا والإمارات ثاني وسادس أكبر مصادرتصدير الألمنيوم إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2019. مهما كانت الاحتمالية ضئيلة في أن تواجه صناعة الألمنيوم الروسية عقوبات، فإنها من المرجح أن تعمل على تنشيط البحث عن خيارات غير روسية. سوف تستفيد على الفور كل من شركة الإمارات العالمية للألمنيوم وشركة ألمنيوم البحرين، أو ALBA – اللتين تعتمدان على الاتحاد الأوروبي في صادراتهما بنسبة 22٪ و12٪ على التوالي – من ارتفاع أسعار الألمنيوم، على الرغم من أن افتقارهما حاليًا للقدرات الاحتياطية يحول دون زيادة المبيعات. ومع ذلك، على المدى المتوسط، قد تكون زيادة حصتهما في السوق من الألمنيوم الأخضر مربحة وحكيمة.
بالنسبة لمعدن النيكل هنالك قصة مختلفة، حيث تبلغ حصة روسيا 17٪ من الصادرات العالمية. وعلى الرغم من أن روسيا ليست مَصدرًا حيويًا، إلا أنها على درجة كافية من الأهمية بحيث قد تؤدي الاضطرابات في الإمدادات الناتجة عن الصراع العسكري المطول مع أوكرانيا إلى زيادة مشاكل سلسلة التوريد الموجودة مسبقًا، والتي أخرت التوسع السريع في قدرات الطاقة المتجددة في دول الخليج. هذا لأن النيكل يستخدم في تصنيع بطاريات الليثيوم واللوحات الشمسية ومولدات الطلاء – جميع المكونات الرئيسية لتوليد الطاقة المتجددة.
تخضع الآن عمليات تصدير أشباه الموصلات إلى روسيا لضوابط أمريكية صارمة نتيجة للأزمة الأوكرانية؛ وهذا يؤثر بشكل مباشر على دولة الإمارات من خلال ملكيتها لشركة جلوبال فاوندرز لتصنيع الرقائق (GlobalFoundries). ومع ذلك، فإن تراجع العرض العالمي الحالي لأشباه الموصلات وما نتج عنه من ارتفاع للأسعار، إلى جانب حقيقة أن روسيا هي مستهلك صغير ومباشر لأشباه الموصلات، التي تعد الشركات الصينية المصنعة للرقائق بمثابة المزود الرئيسي لمعظم احتياجاتها من الرقائق، ينبغي أن يعوض أي خسارة في الإيرادات نتيجة الامتثال لضوابط التصدير الأمريكية.
إنه من قبيل قصر النظر أن نتخيل عدم وجود مصلحة لدول الخليج في أزمة أوكرانيا. وفي حين أنه من الممكن التحكم في التأثير الاقتصادي المباشر للصراع، وخاصة إذا انتهت العمليات العسكرية بسرعة، إلا أن تداعيات العلاقات الروسية مع أوروبا والولايات المتحدة ستشكل على المدى البعيد فرصًا وتحديات لكل من صانعي السياسات والشركات في الخليج.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.