في العاشر من فبراير/شباط، أعلن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس الوزراء وحاكم دبي، عن تعديل وزاري. حيث تم استبدال أنور قرقاش كوزير دولة للشؤون الخارجية بشخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، في حين تم استبدال زكي أنور نسيبة كوزير دولة للدبلوماسية العامة والثقافية بخليفة شاهين المرر. تثير هذه التغييرات مسألة احتمال إعادة توجيه الدبلوماسية الإماراتية، وذلك بالنظر إلى مدى مركزية قرقاش في تطور موقف الدولة على الساحتين الإقليمية والدولية. والجدير بالذكر أنه كان وجه الإمارات والمتحدث باسمها فيما يتعلق بالشأن الليبي واليمني واتفاقية التطبيع مع إسرائيل.
قد يكون التعديل أكثر من مجرد تغيير في الأجيال – فقرقاش نفسه لا يزال شاباً إلى حد ما، فهو في الستينيات من عمره، وتم استبداله بشخبوط بن نهيان، وهو في أوائل الثلاثينيات من العمر- وطريقة لمنح سياسي رفيع المستوى وجدير بالاحترام التقاعد الذي يستحقه بطريقة مشرفة. وكان ذلك واضحاً في إعادة تسمية أكاديمية الإمارات الدبلوماسية بأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، والتي أعلنها ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، على تويتر بعد التعديل الوزاري مباشرة.
ومع ذلك، فإن هذا يشير إلى التقدم خطوةً نحو تعزيز دبلوماسية متماسكة متعددة الأوجه للاتحاد. وفي هذا الصدد، يعد الاستبدال الذي شمل وزيرين، ولم يقتصر على قرقاش، أمراً معبراً. وكما وصف محمد بن راشد تعديلاً وزارياً آخر في عام 2017، فإن هذا التعديل قد يمثل أيضاً “تجديداً للدم وحافزاً للتغيير” بينما تواصل الدولة طريقها نحو مئوية الإمارات العربية المتحدة في عام 2071.
منذ أن نالت الإمارات استقلالها قبل 50 عاماً، كانت بنية السلطة لديها مزدوجة الرأس، مع وجود هويات وأولويات محددة لأبوظبي ودبي. وقد تجلى هذا، على مر السنين، في ديناميكيات السياسة الخارجية المتناقضة. حيث يشير جيرد نونمان (Gerd Nonneman) إلى أنه خلال الحرب الإيرانية-العراقية، على سبيل المثال، كانت الإمارات “تتميز بمعسكرين”، قادت دبي “مجموعة واضحة الحياد” (مع الشارقة وأم القيوين)، بينما اتبعت أبوظبي ما أصبح حديثًا يعرف بمجلس التعاون الخليجي الموالي للعراق (إلى جانب إمارات رأس الخيمة وعجمان والفجيرة). وكما حللها في الآونة الأخيرة كلٌ من جورجيو كافيرو (Giorgio Cafiero) وخالد الجابر، “أدت الاختلافات الجوهرية بين أبوظبي ودبي إلى تعقيد العلاقات الثنائية بين الإمارات العربية المتحدة وإيران”. حيث أشارا إلى أن نهج أبو ظبي يشبه الموقف الثابت والمعارض للقيادة السعودية تجاه طهران، في حين ينظر قادة دبي “إلى علاقتهم مع إيران من خلال عدسة تجارية مقدمين العلاقات التجارية على العلاقات السياسة”.
بدلاً من أن تكون مشكلة، فإن هذه المواقف المتباينة بين الإمارتين الرئيسيتين أعطت دولة الإمارات بعض المساحة للمناورة داخل بنية الأمن الإقليمي للخليج. وقد سمحت هذه المواقف بالفعل للدولة الخليجية الصغرى بتنفيذ سياسات تختلف عن سياسة جارتها الكبرى دون أن يبدو أنها تتحدى وجهات نظر المملكة العربية السعودية. ولعل أفضل ما يوضح ذلك هو تقليص الإمارات علاقاتها مع إيران، وليس قطعها، عندما قطعت السعودية والبحرين والسودان العلاقات مع إيران في أوائل عام 2016 عقب الهجمات على السفارة السعودية في طهران.
ومع ذلك، حاولت أبوظبي التحقق من طموحات دبي في عدة مناسبات. يوضح كريم سجادبور (Karim Sadjadpour) كيف أن الأزمة المالية العالمية لعام 2008، التي تعرضت خلالها دبي لضربة شديدة لولا أن أبوظبي أنقذتها، أعطت أبوظبي “سلطةً اقتصاديةً وسياسيةً على دبي”، وكانت النتيجة المباشرة أن الإمارات أخذت تدريجيًا تتحدث بصوت واحد، “صوت أبوظبي في تعاملاتها وخلافاتها مع طهران”. ويشير بيتر سالزبوري (Peter Salisbury) أيضاً إلى أن أبو ظبي تعمل بهدوء “لتقليص العلاقات الاقتصادية لإمارات معينة مع إيران، بما في ذلك دور دبي كمركز مالي للشركات الإيرانية التي تخرق العقوبات… وإن كان ذلك محدود النجاح”.
طوال عام 2020، تسببت جائحة فيروس كورونا في خسائر فادحة في دبي بشكل خاص، وهو ما يفسر الخطة المختلفة التي اعتمدتها لمواجهة الفيروس، والتي تتعارض مع خطة أبوظبي. نقلاً عن مقال في صحيفة واشنطن بوست، يشير الكاتب جيم كرين (Jim Krane) إلى أن “دبي ستنهار إذا اضطرت إلى إغلاق السفر وتنفيذ التباعد الاجتماعي في حين لن تتأثر أبوظبي كثيرًا”، وترتب على ذلك إعادة فتح دبي نفسها للسياحة في وقت مبكر، مقارنة بالنهج الأكثر صرامة في أبوظبي. وأسفرت هذه الصعوبات الاقتصادية في دبي، إلى جانب حملة “الضغوط القصوى” التي شنتها الولايات المتحدة ضد إيران، عن إيجاد سياقٍ يمكن من خلاله أن نتوقع أن تحاول أبوظبي بالمثل تعزيز مكانتها في الاتحاد. ولكن بدلاً من ذلك، كانت هنالك عناصر متزايدة تحديداً في نهجي الإمارتين تندمج لتعزيز استراتيجية موحدة.
وقد أصبح ذلك واضحًا خلال العقد الماضي في صياغة استراتيجية الموانئ الإماراتية، التي أخذت تتناغم تدريجياً. واستثمرت شركة موانئ دبي العالمية في العديد من الموانئ حول العالم، ما يضمن التواصل الإماراتي، وقامت أبوظبي لاحقًا بعسكرة بعض هذه المواقع في القرن الأفريقي. وكانت هنالك صياغة متماثلة للسياسات الخارجية للإمارتين خلال الجائحة، تمثلت في صنع سهم سيبراني- طبي جديد “داخل جعبة الإمارات الدبلوماسية “للطاقة الذكية“”. فهي تجمع بين الدبلوماسية الإنسانية، التي تلعب فيها دبي دوراً أساسياً (من خلال المدينة الإنسانية الدولية)، والجهود المبذولة لتعزيز القدرات في المراقبة العالمية والحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي، والتي ترتكز عليه مجموعة 42، وهي شركة مقرها أبوظبي وقريبة من العائلة المالكة.
لا تعمل هذه الاستراتيجية الهجينة فقط على جَسر الخلافات بين نهجي الإمارتين المتنافستين تقليدياً، ولكنها تساعد أيضاً على إنشاء جسور جديدة مع القوى الخارجية – لا سيما الصين، ويتضح ذلك من النهج التعاوني في بعض المواقع بين استراتيجية الموانئ الإماراتية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والروابط بين البلدين أثناء التعامل مع الجائحة. اليوم، يمكن للتعديل الوزاري أن يؤدي إلى مزيد من التعزيز لاستراتيجية السياسة الخارجية المتعددة الأوجه هذه من أجل مساعدة الإمارات على الانطلاق في علاقة دولية مهمة أخرى: هذه المرة مع الولايات المتحدة، التي شهدت مؤخراً تغييراً كبيراً في القيادة، ما أدى إلى إعادة ضبط السياسة الخارجية بشكل كبير.
قد يكون توقيت التعيينات الجديدة، بعد أقل من شهر من تنصيب الرئيس جوزيف بايدن، بحد ذاته له دلالات كبيرة. وأبعد من ذلك، تشير خلفيات الذين تم تعيينهم مؤخراً إلى أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة قد تتطور لتكون أكثر تناغماً مع سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة.
يبدو أن فريق بايدن حريص على استخدام ثقله لدعم الجهود الدولية لإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، إضافة إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران. خلال المسيرة الدبلوماسية الطويلة لخليفة شاهين المرر (التي بدأت عام 1978)، شغل خليفة شاهين المرر منصب سفير الإمارات في ثلاث دول محورية على جدول أعمال السياسة الخارجية لإدارة بايدن: إيران، وتركيا، وسوريا. قد تجعله هذه المناصب ذخراً حقيقياً في دبلوماسية تركز على إصلاح العلاقات وبناء الجسور في جميع أنحاء المنطقة لتعزيز دور الإمارات كوسيط وطرف رئيسي وفعال إقليمياً. كما شغل المرر منصباً في بعثة الإمارات الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ما أكسبه خبرة في المفاوضات المتعددة الأطراف حول العديد من القضايا المدرجة على جدول أعمال الإدارة، بما في ذلك اليمن وليبيا.
كان شخبوط بن نهيان في السابق سفيراً لدولة الإمارات لدى السعودية. عندما شغل هذا المنصب، صرّح أن العلاقات الإماراتية-السعودية “حدودها السماء”. وتمت الإشادة به على نطاق واسع لما له من فضل في تقوية العلاقات مع السعوديين، وهو ما أكده مؤخراً وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان. بالإضافة إلى كونه سيضفي وجهاً جديداً على الدبلوماسية الإماراتية، قد يكون تعيين شخبوط بن نهيان بمثابة إشارة إلى أن الجهود المبذولة لتأكيد قوة الإمارات في المنطقة لا ينبغي تفسيرها على أنها تحدٍ لموقف السعودية. ويبدو أن هذا الأمر يكتسب أهمية خاصة على خلفية الإشارات المتزايدة بأن الجارتين الخليجيتين قد تنحرفان عن بعضهما، نظراً لنهجيهما المتباينين، والمتناقضين أحيانًا، حول قضايا مثل التدخل في اليمن واتفاقيات التطبيع مع إسرائيل أو المصالحة الأخيرة مع قطر. أخيراً وليس آخراً، سوف يعمل تعيين أحد أفراد عائلة آل نهيان، من قبيلة بني ياس القوية، على ترسيخ الوظائف السيادية للدولة في العائلة المالكة (حيث لم يكن قرقاش ولا نسيبة من قبيلة بني ياس).
وفي حين أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لمعرفة ما إذا كانت مواقف المرر السابقة سوف تُترجم إلى دبلوماسية متجددة مع إيران وتركيا، إلا أنه يمكن اعتبار التعديل الوزاري رسالة فورية إلى الجماهير الإقليمية والوطنية بأنه لا وجود للتوترات، التي تبدو كثيرة بين سياسات القادة (سواء بين الإمارات والسعودية، أو بين أبو ظبي ودبي). على المستوى الإقليمي، كانت الإمارات حريصة بالفعل على أن تكون متحفظة في التعبير عن عدم موافقتها على المواقف السعودية، وكانت دبي تلعب ذلك الدور باستمرار. فعلى سبيل المثال، كان لحضور محمد بن راشد، بدلاً من محمد بن زايد، لقمة العلا للمصالحة مع قطر في يناير/كانون الثاني، إشارة خفية ومتقنة. على مستوى الاتحاد، فإن تعيين المرر، وهو دبلوماسي محترف من دبي، يشير إلى تقارب بين رأسي دولة الإمارات. وكان لصور الحفل، التي تجمع بين محمد بن راشد ومحمد بن زايد وتقدم قرقاش ونسيبة مع وسام الاتحاد بهذا المعنى، أهمية في غاية الرمزية – وإن كانت أقل دراماتيكية من تلك المتعلقة بمهمة المريخ. مع اقتراب دولة الإمارات من الذكرى الخمسين لتأسيسها، فإن الكشف عن هذا التحالف القوي للإمارتين الرئيسيتين، متكاملتين وموحدتين في بيئة إقليمية ودولية متغيرة، يأتي بالتأكيد في الوقت المناسب.