ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في 3 كانون الثاني/يناير، عيّن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي العميد إسماعيل قاآني قائدًا لعميات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني خارج الحدود الإقليمية. ويخلف قاآني الجنرال قاسم سليماني الذي قُتل على يد الجيش الأمريكي في العراق، بناءً على توجيهات من الرئيس دونالد ترامب. لكن، من هو قاآني وكيف قد يتغير فيلق القدس في ظل قيادته؟
يناهز قاآني 61 عامًا وهو يتحدّر من مشهد في محافظة خراسان الرضوية. واستنادًا إلى معلومات تتعلق بسيرته الذاتية نشرتها وكالات الأنباء الإيرانية عقب تعيينه، فقد انضمّ قاآني إلى الحرس الثوري الإيراني الناشئ في آذار/مارس 1980، بعيْد الغزو العراقي لإيران في أيلول/سبتمبر 1980.
وتمّ إرساله على الفور إلى طهران من أجل تلقي تدريب شبه عسكري في ثكنة الحرس الثوري في سعدآباد، التي تُعرف حاليًا باسم ثكنة الإمام علي. وعقب انتهاء التدريب العسكري الأساسي، عاد قاآني إلى مشهد حيث شكّل إلى جانب محمد باقر قالیباف، الذي أصبح لاحقًا عمدة طهران، ونور علي شوشتري، ضابط سابق في الحرس الامبراطوري والذي تحوّل إلى ضابط نافذ ومحترم إلى حدّ كبير في الحرس الثوري الإيراني، نواة وحدة سمّيت لاحقًا بفرقة “النصر -5”.
وسرعان ما تمّ إرسال وحدة مشهد إلى محافظة كردستان في إيران من أجل قمع الانفصاليين الأكراد، ليُصار لاحقًا إلى نقل قاآني ورفاقه إلى محافظة خوزستان للدفاع عن إيران في وجه الجيش العراقي الغازي. وحظي قاآني، الذي كان في المرتبة الثانية بعد قائد الفرقة قاليباف ضمن فرقة “النصر -5″، بفرصة التعرّف إلى الشاب قاسم سليماني الذي كان قائد “فرقة ثارالله 41” من محافظة كرمان. ووفق أحد التقارير، بدأت الصداقة بينهما في آذار/مارس 1982، وعلّق قاآني على علاقته بسليماني في مقابلة أُجريت معه عام 2015 قائلًا:
نحن جميعنا أطفال حرب. فما يربطنا ويجمعنا نحن ورفاقنا ليست الجغرافيا ووطننا الأم. نحن رفاق حرب والحرب هي التي جعلتنا أصدقاء. قد أكبره بعام واحد وقد نكون في العمر نفسه، لكن أيًا من هذه الأمور لا يهم. هو يتفوق عليّ في بعض المجالات… من يصبحون أصدقاء في الصعاب، تجمعهم علاقات أعمق وتدوم لفترات أطول ممن يصبحون أصدقاء لمجرد أنهم جيران.
ومع اقتراب الحرب مع العراق من نهايتها، حلّ قاآني محل قاليباف قائدًا لفرقة “النصر-5”. وما إن انتهت الحرب، تمّت ترقيته إلى منصب نائب القوة البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، ومن المرجّح أن يكون قد شارك بفضل هذا المنصب في عمليات الحرس الثوري لمكافحة كارتلات المخدرات التي تتسلل إلى محافظة خورسان من أفغانستان. كما من المرجّح أن يكون قاآني وسليماني قد تعاونا مع بعضهما لدعم الجبهة الإسلامية الوطنية المتحدة لإنقاذ أفغانستان، التي تُعرف أيضًا باسم “التحالف الشمالي”، ضدّ طالبان أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وحين تمّ تعيين سليماني قائدًا لفيلق القدس، ما بين 10 أيلول/سبتمبر 1997 و21 آذار/مارس 1998، عيّن بدوره على الأرجح قاآني نائبًا له. وتظهر أول إشارة موثقة إلى قاآني باعتباره قائدًا في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في نسخة العام 1993 من كتاب “التطرف الإسلامي: التهديد العالمي الجديد” للمؤلف محمد محدثين، حيث يتمّ التعريف عن قاآني بالقائد الرابع لجماعة “أنصار” المندرجة ضمن فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو وفق المؤلف “مسؤول عن أنشطة هذا الأخير في أفغانستان وباكستان والجمهوريات الآسيوية”.
تجدر الملاحظة أنه ما من تفاصيل كثيرة متوافرة حول الطبيعة الدقيقة لأنشطة قاآني كنائب لسليماني، لكن أقلّه منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وهي المرحلة التي تحوّل فيها تركيز إيران الاستراتيجي نحو الغرب، تقاسم الاثنان الأعمال: فبينما كان سليماني متواجدًا عمومًا على الجبهة الغربية، بقيت حدود إيران الشرقية في صلب تركيز قاآني. وما يكتسي أهمية مماثلة هو أنه في حين برز سليماني بسرعة على أنه القائد المؤثر لفيلق القدس، بدا أن قاآني شارك في الشؤون البيروقراطية والإدارية اليومية للمنظمة.
وفي ظل قيادة قاآني، من المرجّح أن يشهد فيلق القدس استمرارية أكبر مما سيشهد تغييرًا. ففي النهاية، لم يكن سليماني كفرد مسؤولًا بقدر العوامل الخارجية عن التغيير الأكبر في تاريخ فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني. وبسبب معدل الوفيات المرتفع في صفوف أفراد فيلق القدس في سوريا، بدأ الحرس الثوري بإرسال أفراد من كادره النظامي إلى تلك الدولة، الأمر الذي أزال الحواجز بين الفرعين المنفصلين التابعين للحرس الثوري ويحوّل تدريجيًا كامل الحرس الثوري الإيراني إلى فيلق قدس ينفذ عمليات كبيرة واحدة خارج الحدود الإقليمية.
غير أنه من المحتمل حصول تغيير ملحوظ من ناحية واحدة. فنظرًا إلى أن سليماني أصبح الوجه العلني لمنظمة كانت سرية فيما مضى، انكشف على خطر كبير، ما أدّى إلى مقتله. ولكنه بهذه الطريقة أيضًا، تمكّن من أن يصبح نموذجًا يحتذى به وبطلًا حشد الجماهير لقضية اعتبرها مقدسة. ومن الصعب توقّع أن يحاكي قاآني، البيروقراطي، قيادة سلفه المؤثرة. ولكن مع ذلك، سيمارس قاآني النفوذ نظرًا إلى قوة فيلق القدس المؤسسية نفسه.