ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
إن أهم العوامل المحركة لالتزام الإمارات العربية المتحدة بالطاقة المتجددة هي بطبيعتها سياسية واقتصادية في آن معًا.
تشمل هذه العوامل الالتزام بالتنويع الاقتصادي، وفي هذه الخطوة حذرٌ ضريبي إنما أيضًا بروز سياسي أمام الجهات الفاعلة المحلية والحلفاء والمستثمرين الدوليين. وتأخذ تدابير الإصلاح الاقتصادي بعين الاعتبار أن الوضع القائم للاقتصاد الخليجي الريعي التقليدي لم يعد يجدي في القرن الواحد والعشرين، وذلك بسبب التغيرات الجذرية التي شهدتها الخصائص الديمغرافية، ومنها النمو السكاني السريع للمواطنين والمغتربين، إلى جانب موارد النفط المحدودة وقلة ثبات الطلب العالمي. وإذ تضاعف توليد الطاقة الكهربائية خمس مرات بين عام 1991 وعام 2010 في الإمارات، مع معدل نمو بنسبة 8،5 في المئة سنويًا، يعتبر الالتزام على صعيد السياسات بإنتاج الطاقة المتجددة برنامج عمل حقيقي للإصلاح (والنمو الاقتصادي).
ومن الدلالات على الالتزام السياسي استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وترسيخ دور الإمارات في رئاسة منظمة دولية، وتعزيز صورة الدولة العالمية وريادتها في هذا القطاع. فمدينة مصدر ومحطة شمس 1 في إمارة أبوظبي ترمزان إلى التزام سياسي وجهود تُبذل لتبؤو الصدارة في هذا المجال، سيما وأن محطة شمس 1 هي أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.
لكن المحفزات الأخرى للطاقة المتجددة قد تكون أكثر تعقيدًا من ذلك. فالمحطات العاملة على الفحم أو الغاز تولّد ما يزيد عن 90 في المئة من الطاقة الكهربائية المنتجة حاليًا في الإمارات. والواقع أن هندسة محطات الطاقة – التي تعتبر استثمارًا ضخمًا في البنية التحتية – تختلف في الإمارات العربية المتحدة عن الدولتين المجاورتين لها، أي الكويت والمملكة العربية السعودية، اللتين تستطيعان استخدام النفط المنتج محليًا لتوليد ما يقارب نصف حاجتهما من الطاقة. في حين أن الإمارات تستورد الكمية التي تحتاجها من الغاز الطبيعي بشكل شبه كلي من قطر بموجب عقود طويلة الأمد. من هنا، يمكن اعتبار الاستقلالية في الطاقة، أقلّه في ما يتعلق بالغاز الطبيعي القطري، هدفًا سياسيًا واقتصاديًا على حدٍّ سواء.
في الوقت نفسه، قلّت كلفة إنتاج الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية، سواء في المحطات العاملة بتقنية الخلايا الكهروضوئية أو محطات الطاقة الشمسية المركزة. فقد باتت التكنولوجيا الشمسية تنتَج لسوق عالمية وبأسعار مشابهة لمحطات الطاقة الكهربائية التقليدية، وهذا ما تثبته التسعيرة التي اعتمدتها مؤخرًا شركة أكوا باور لمحطة توليد الطاقة الشمسية الجديدة في دبي العاملة بتقنية الخلايا الكهروضوئية لإنتاج 100 ميغاواط، والتي حُددت بـ5،98 سنت أمريكي لكل كيلوواط في الساعة، مع العلم بأن اقتصاديات إنتاج الطاقة الشمسية على هذا النطاق لم تكن قليلة التكلفة وقت إنشاء محطة شمس 1 في أبوظبي. من هنا المنفعة السياسية والاقتصادية الناشئة عن توسيع نطاق توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، أقله في الوقت الراهن.
وتجدر الإشارة إلى أن مسوغات الطاقة الشمسية تتعاظم في الإمارات بسبب هيكلية الاتحاد وملكية المرافق المنفصلة في كل إمارة. فإمارة أبوظبي تنتج وتستحوذ على نسبة تصل إلى 94 في المئة من نفط البلاد و90 في المئة من الغاز الطبيعي فيها، ما يعادل 8 في المئة و3،5 في المئة على التوالي من الاحتياطي العالمي. وقد بدأت الإمارات العربية المتحدة تستورد الغاز الطبيعي أكثر مما تنتج في العام 2008 بسبب ارتفاع الطلب على الغاز لإنتاج النفط وتوليد الكهرباء، وكذلك بسبب التركيبة الصعبة للغاز المحلي (احتوائه على نسبة كبيرة من الكبريت). أما دبي فوجدت نفسها أمام حافز متعاظم لتطوير موارد الطاقة المتجددة التي لا تحتاج إلى الغاز المستورد المكلف ولا انبعاثات الفحم الملوثة. كما أن اعتماد دبي على التجارة والصناعة لتسيير نهجها الاقتصادي عوضًا عن الاتكال على تصدير النفط، يعني أن توليد الكهرباء (وبيعها للمستهلك) يلعب دورًا محوريًا في قدرة هذه الإمارة على النمو.
أضف إلى أن هيكلية اتحاد الإمارات العربية المتحدة وضعت بعض العراقيل أمام توزيع الكهرباء بشكل فعال. فالإمارات الشمالية، وخصوصًا الشارقة، تعتمد على شبكة الكهرباء التي تُدار من إمارة أبوظبي. وغالبًا ما تنقطع الكهرباء عن الشارقة في أشهر الصيف مع أن ذلك لا يترابط بالضرورة مع مشكلة في توليد الطاقة في أبوظبي. لذلك فإن إنتاج الطاقة الشمسية يستوجب الاستثمار في توصيل مختلف الإمارات إلى شبكة التوزيع الكهربائي وزيادة نجاعة التوزيع بين الإمارات، علمًا بأن هذه المشكلة لا تزال موجودة مع الإمدادات الراهنة ككل.
علاوةً على ذلك، تتفاوت أهداف الطاقة المتجددة بين الإمارات المختلفة. والجدير ذكره هو أن هذه الأهداف طموحة. فاعتبارًا من العام 2013، وضعت دبي نصب أعينها هدف إنتاج 5 في المئة من المنتجات المتجددة بحلول العام 2020، إلا أنها أنتجت ما بلغت نسبته 7 في المئة لتعادل بذلك الهدف الذي وضعته أبوظبي للعام 2020. أما التحديات التي تقف أمام بلوغ هذه الأهداف فرهنٌ بالتزام الحكومة بالاستثمار في البنى التحتية وبناء محطات كهربائية جديدة وشراء التكنولوجيا الشمسية.
والمثير للسخرية أن استمرار المنحى المتراجع في أسعار النفط قد يثني الحكومة عن إنفاق الأموال على كافة أنواع الاستثمار في البنى التحتية، بما فيها الطاقة الشمسية. ولكن المحفزات السياسية للالتزام بالطاقة المتجددة قويةٌ بقدر الحاجة الاقتصادية لها في الوقت الراهن. أما الأهداف الأصعب فهي تحديد المعايير اللازمة لتوزيع الكهرباء في كافة أنحاء الاتحاد، ولا بد أن يكون هذا الهدف مشتركًا للتنويع الاقتصادي وتوليد النمو الاقتصادي.