بعد خطابه التاريخي في القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض بالسعودية، أجرى الرئيس الأميركي دونالد جي. ترامب محادثات ثنائية مع كل زعيم من زعماء دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء نائب رئيس الوزراء العُماني، السيد فهد آل سعيد، الذي أُلغي اللقاء معه في اللحظات الأخيرة دون أي تفسير معلن. إن سِجلّ عُمان الفريد في العلاقات الخارجية –الذي يتراوح بين تسهيل الاتصالات الأميركية-الإيرانية المبكرة التي أدت في النهاية إلى الاتفاق النووي، إلى مساهمتها الفعالة في عملية السلام في الشرق الأوسط، إلى دعمها مؤخّرًا لمفاوضات السلام اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة- تم تجاهله تمامًا في خطاب الرئيس، رغم أنه قدّم الشكر لكل زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الآخرين لدورهم الخاص في مكافحة التطرف والجماعات الإرهابية الإقليمية.
وفي الواقع، يبدو أن طبيعة الدور الأساسي لعُمان في جهود تخفيف حدة النزاعات الإقليمية دفعت إدارة ترامب للنظر بقلق إلى هذا الدور، في ظل جهود واشنطن لاستعادة علاقاتها الوثيقة مع العربية السعودية. وفي هذا السياق، فإن علاقات عُمان الراسخة مع كل من طهران والقيادة السياسية للمتمردين الحوثيين في اليمن -التي حظيت بتقدير واضح من قبل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما- يمكن اعتبارها الآن سببًا للابتعاد عن عُمان. وهناك دليل آخر على أن العلاقات الأميركية-العُمانية ربما تكون باتجاه المزيد من الغموض، حينما ألغى وزير الخارجية ريكس تيلرسون لقاءه في الرياض مع نظيره العُماني يوسف بن علوي. وهذا تزامن مع خطة ميزانية إدارة ترامب للسنة المالية 2018 –التي تقترح تخفيضًا بنسبة 35 في المئة من المساعدات العسكرية/ الأمنية السنوية لعُمان، لتتراجع من 5.4 مليون دولار إلى 3.5 مليون دولار- ما يشير أيضًا إلى أن واشنطن تعيد النظر في نهجها تجاه مسقط.
لطالما كانت سلطنة عُمان حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة لنحو قرنين، وكانت الدولة العربية الثانية بعد المغرب، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع واشنطن في عام 1841. أضف إلى ذلك، فإن عُمان هي إحدى دولتين من دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة.
وبناء على هذه العلاقات التاريخية، فإن سلطان عُمان قابوس بن سعيد -وهو ذو أطول فترة حكم في العالم العربي- تمكن وبحنكة خلال فترة حكمه البالغة 44 عامًا من العمل وسيطًا إقليميًا ساعد في نزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران، وساهم في الوقت ذاته بشكل فعال في الحوار العربي-الإسرائيلي عبر استضافة مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه (MEDRC)، وهو منظمة مقرها مسقط مختصة في تبادل الخبرات الإسرائيلية في تكنولوجيا تحلية المياه وتوفير المياه العذبة النظيفة.
وبالنظر إلى تعهد ترامب بإعادة ترميم علاقات الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، وتسريع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، كجزء من جهد استراتيجي واضح لمواجهة النفوذ الإيراني “الخبيث” في المنطقة، فمن المفاجئ أيضًا أن يكون السلطان قابوس الزعيم الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يتصل به ترامب بعد، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بعلاقات براغماتية مع إيران وإسرائيل.
في السنوات الأخيرة، استغلت عُمان قنواتها مع طهران -ومع الحوثيين في اليمن- لتحرير ستة مواطنين أميركيين كانوا محتجزين، وهي جهود استحقت عُمان عليها عبارات الامتنان العلني من قبل أوباما.
بالإضافة إلى ذلك، “تدرك عُمان أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني هو مصدر للتوتر بين الولايات المتحدة والعالم العربي، لذلك فإن السلطان قابوس -وبما يتفق مع فلسفته في التعايش وحل النزاعات بشكل سلمي- قد سعى للعب دور بنّاء”، كما يقول ريتشارد شميرر، السفير الأميركي السابق لدى عُمان، مضيفًا أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني لم يكن، خلال فترة توليه لمنصبه الدبلوماسي في مسقط، قضية رئيسية على جدول الأعمال الأميركي-العُماني المشترك.
ومع ذلك، في عام 2010 أشادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه (MEDRC)، “كنموذج لصنع السلام في الشرق الأوسط”. وبعد عام كُشف أن أوباما اتصل شخصيًا بالسلطان قابوس ليطلب منه قيادة بوادر حسن نية عربية تجاه إسرائيل مقابل تجميدها الاستيطان.
تاريخ طويل في دعم السلام في الشرق الأوسط
بعد معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في عام 1979، كانت عُمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي التي انخرطت مع إسرائيل في عدد من المبادرات الدبلوماسية غير الرسمية. وكانت سلطنة عُمان واحدة من ثلاث دول عربية فقط لم تقاطع مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، فيما دعمت بفاعلية محادثات السلام الأردنية الإسرائيلية في السنوات اللاحقة.
لقد أظهر السلطان قابوس التزامه بالتوصل إلى معاهدة سلام عربية-إسرائيلية شاملة من خلال دعوته رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين لزيارة مسقط في عام 1994. وجاءت زيارة رابين بعد أشهر فقط من توقيع إسرائيل والأردن معاهدة السلام الشاملة. ورغم أن الزيارة التاريخية التي قام بها رابين كانت في البداية سريّة، إلا أنه تم الإعلان عنها عند عودته إلى إسرائيل.
وعلى الرغم من أن ما فعله السلطان قابوس، فيما يخص إسرائيل، لم يصل إلى مستوى خطاب الرئيس المصري أنور السادات التاريخي في الكنيست في عام 1977 ومعاهدة السلام الإسرائيلية-الأردنية في عام 1994، إلاّ أنه منح رابين والقيادة الإسرائيلية ما سعوا إليه منذ قيام الدولة اليهودية عام 1948: الاعتراف والشرعية. كذلك، يمكن القول إن دعوة السلطان قابوس لرابين، والجمهور الإسرائيلي، والعالم العربي بشكل عام، عبرت وبشكل علني عن رغبة سلطنة عُمان في النأي بنفسها عن الموقف السعودي ومنح إسرائيل اعترافًا فعليًّا.
بعد اغتيال رابين، أظهر السلطان قابوس التزامه بعملية السلام من خلال إيفاد وزير الخارجية العُماني للمشاركة في جنازة رابين. وفي مقابلة لاحقة مع الإعلام الإسرائيلي، قال علوي خلال استضافته من قبل رئيس الوزراء بالإنابة شمعون بيريز: “ستكون لعُمان قريبًا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لم تكن عُمان أبدًا في حالة حرب مع إسرائيل، لذلك لا حاجة لاتفاقية سلام”.
وكانت للعلاقة القصيرة بين السلطان قابوس ورابين وبيريز نتائج راسخة وإيجابية: فقد حافظت عُمان على قناة دبلوماسية مع إسرائيل منذ 1996 من خلال استضافة مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه (MEDRC). ويعد هذا المركز الوحيد الذي لا يزال قائما من بين خمس مبادرات إقليمية تضمنها اتفاق أوسلو كجزء من جهد تسريع عملية السلام. ومن خلالها، حضر مشاركون من غزة والأردن والضفة الغربية مع نظرائهم الإسرائيليين عددًا من الدورات حول تحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي في تل أبيب.
وكما يتضح، فإن أسلوب عُمان الدبلوماسي الهادئ في إدارة علاقاتها، يبدو مقصودًا: فمن خلال المحافظة على سياسة الحياد وعدم التدخل، تسعى عُمان إلى الحفاظ على استقلاليتها واستقرارها بالتنسيق الوثيق مع بريطانيا والولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع جيرانها الأقوياء، إيران والعربية السعودية. أما الشأن الإسرائيلي-الفلسطيني فليس من ضمن بواعث القلق الإستراتيجية المباشرة في عُمان؛ وعلى عكس إيران التي تشترك معها في مضيق هرمز، فإن إسرائيل قوة بعيدة.
وبالنظر إلى سعي ترامب لصياغة اتفاق سلام عربي-إسرائيلي شامل، يمكن لعُمان أن تلعب مبدئيًّا مرة أخرى دورًا محوريًا من خلال شبكاتها في مركز الشرق الاوسط لأبحاث تحلية المياه MEDRC. فدعوة من البيت الأبيض لنائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي المعين حديثًا، السيد أسعد بن طارق آل سعيد، يمكن أن تقدم فرصة لاستكشاف هذه الإمكانية مع الرجل الذي يبدو أنه في الطريق ليصبح خليفة قابوس في نهاية المطاف. ورغم أنه يبدو غير مرجح في الوقت الراهن نظرًا لخطاب ترامب المتشدد تجاه إيران، لكن يمكن لعُمان أن تستعيد دورها كقناة للرسائل الهادئة بين طهران وواشنطن بشأن قضايا الأمن الإقليمي كجزء من جهود تخفيف مخاطر نشوب صراع.
وفيما كانت آخر زيارة لرئيس أميركي إلى عُمان هي زيارة بيل كلينتون في عام 2000، أوفدت إدارة جورج دبليو بوش نائب الرئيس ديك تشيني إلى مسقط في الأعوام 2002 و2005 و2006 لبحث قضية إيران وقضايا إقليمية أخرى. ومؤخرًا، كانت إدارة أوباما ووزير خارجيتها جون كيري تحديدًا، يعتمدان على مسقط في استضافة مبادرات إقليمية من إيران، وسوريا، واليمن. وفي الواقع، ازداد تقدير كيري لدبلوماسية مسقط الفعالة لدرجة حضوره احتفال اليوم الوطني لسلطنة عُمان في عام 2016، وهي بادرة علنية غير عادية من قِبل وزير خارجية.
وحتى لو كانت استعادة عُمان مكانتها المرموقة في نظر الإدارة الأميركية الحالية لا تزال غير مؤكدة، فإن دور عُمان الفريد في دعم الجهود لحل بعض المشاكل الأكثر تعقيدًا في الشرق الأوسط، يتعين أن يقود إلى أقله فتح قنوات للتواصل.
سيغورد نيوباور هو زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. يوئيل غوزانسكي هو زميل باحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، وزميل وطني في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، وزميل ما بعد الدكتوراة في عام 2016-2017 في معهد إسرائيل.