تعد عملية تبادل الاتهامات الغاضبة بين تحالف عريض من القادة السياسيين في الحزبين الأمريكيين – خاصة الديمقراطيين في الكونجرس- والحكومة السعودية وأنصارها، من الأكثر مرارة، وتنطوي على احتمالية أكبر للإضرار بشراكة دامت 80 عامًا بين البلدين. ولعلها كذلك واحدة من الازمات العديدة غير المبررة التي كان من الممكن تجنبها في العلاقة التي يعود تاريخها على الأقل إلى الدعم الأمريكي لإسرائيل في الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1973، والتي أسفرت عن حظر نفطي بقيادة السعودية. من الوهلة الأولى، تبدو الأسباب المباشرة للتناقضات المؤسفة الحالية أقل حدة من أزمة عام 1973 أو التوترات والخلافات التي أعقبت 11 سبتمبر/أيلول، اللتين ما تزال آثارهما ماثلة في الذاكرة الجماعية والثقافة السياسية لدى كلا الجانبين. ومع ذلك، فإن الأسباب الكامنة وراء التوترات الحالية تتمثل في الافتقار العميق للثقة الذي ظل يتنامى منذ حوالي 20 عامًا، والذي له مظاهره الشخصية والأيديولوجية والحزبية، بالإضافة إلى الخلافات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، والتي من شأنها أن تعقد جهود الإصلاح الضرورية لاستعادة العلاقة التي ما تزال حيوية لكلا الجانبين.
يعد السبب المباشر لهذا الغضب الحالي هو قرار مجموعة أوبك بلس التي تقودها المملكة العربية السعودية والمكونة من منظمة أوبك والدول المنتجة للنفط من خارج أوبك بما في ذلك روسيا، والمتمثل في الشروع في تخفيض الإنتاج من أجل إيقاف وعكس الانخفاض المطرد في سعر برميل النفط في الأسواق الدولية. تكمن المشكلة في أن كلاً من السعوديين والأمريكيين يشعرون بالصدمة والخذلان من تصرفات وردود أفعال تجاه بعضهم البعض، ولا يدل هذا فقط على انعدام الثقة، وإنما يدل كذلك على انعدام الفهم المتبادل، ما يشير إلى أن أيًا من الطرفين لم يعِر الاهتمام الكافي لمتطلبات ووجهات نظر الطرف الآخر. إن إعادة بناء الثقة ليست بالأمر السهل أبدًا، لكن الأساسيات الكامنة وراء الشراكة ما تزال قوية، لذلك إذا سادت العقلانية والمصالح الوطنية، فإن ذلك سيتحقق مع مرور الوقت. ومع ذلك، لا بد من تهدئة الأعصاب والحيلولة دون المزيد من تآكل الثقة من خلال استئناف الحوار الهادف القائم على الاحترام المتبادل، بدءًا من المشاورات التي تسبق اجتماع أوبك بلس القادم المقرر انعقاده في 4 ديسمبر/كانون الأول.
لماذا هذا الغضب من جانب الأمريكيين، خاصة الديمقراطيين
تفاجأ السعوديون برد الفعل الغاضب للولايات المتحدة على اتفاقية خفض الإنتاج، ولكن في الحقيقة ما كان ينبغي أن يندهشوا من ذلك. فقد كان أحد الأهداف الأساسية التي أراد معظم الأمريكيين الخروج به من رحلة الرئيس جوزيف بايدن إلى الشرق الأوسط في يوليو/تموز- على الرغم من قوله بأن الأمر يتعلق بالأمن وليس بتسعير الطاقة – هو التأكد من أن السعودية تساعد في الحفاظ على أسعار النفط منخفضة لممارسة الضغط على الاقتصاد الروسي ومساعدة الأوروبيين في الوصول إلى موارد الطاقة البديلة بأسعار معقولة خلال أشهر الشتاء الباردة القادمة. ويذكر أن إدارة بايدن كانت تعتقد أنها تلقت تأكيدات بأن السعودية ستبذل مثل هذه الجهود، ومن الواضح أنها اعتبرت إعلان أوبك بلس عن خفض الإنتاج الجديد بمثابة خيانة لتلك التأكيدات. علاوة على ذلك، أفادت التقارير أن الإدارة حثت الرياض بشدة على عدم إبرام مثل هذا الاتفاق مع روسيا والأعضاء الآخرين لمدة شهر على الأقل في الأيام التي سبقت الاجتماع الأخير. وبالتنسيق الوثيق مع البيت الأبيض، أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة مستشارها للأمن القومي إلى السعودية لحثها على عدم الإقدام على مثل هذه الخطوة في هذا الوقت. كل هذه المناشدات باءت بالفشل. لذلك، فإن الإدارة تنظر إلى هذا القرار على أنه تراجع عن الالتزام السعودي.
علاوة على ذلك، انقسم العالم الغربي فعليًا إلى معسكرين أحدهما مؤيد لروسيا والآخر معارض، وتلعب الحرب الأوكرانية دورًا في تحديد وجهات النظر حول العلاقات الدولية. هناك توقع بأن المجتمع الدولي بأسره أيضًا سينحاز إلى جانب أحد الطرفين، وأن كل ما تفعله الدول الأخرى، ويؤثر على أيٍ من طرفي الحرب الأوكرانية، سيعكس مثل هذا التوجه. ومع ذلك، فإن معظم العالم النامي في آسيا وأفريقيا، بما في ذلك الشرق الأوسط، لم ينظر إلى الحرب الأوكرانية على أنها لحظة انتقالية حاسمة في العلاقات الدولية كما يراها الغرب.
كان تفسير الولايات المتحدة المعتاد لاتفاقية خفض إنتاج النفط هو أن السعودية تقف في صف روسيا في المواجهة مع الغرب بشأن أوكرانيا. إن الشيء المهم في الاتفاقية ليس له علاقة بالسعودية أو اقتصادها، والذي يتردد صداه بدلاً من ذلك هو أنها تعزز الاقتصاد الروسي وتضعف العقوبات وتقوض العزلة الدولية لروسيا. ونظرًا لأن الولايات المتحدة، إلى جانب معظم الدول الغربية، تنظر إلى حرب أوكرانيا على أنها معركة لإنقاذ القانون والنظام الدوليين الواقعين فعليًا بين قوى الخير والشر، فإن هذا التحالف المفترض مع موسكو يُنظر إليه على أنه خيانة لا تغتفر من قبل شريك طويل الأمد.
إن توقيت القرار، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات النصفية الحاسمة في الولايات المتحدة، قد دفع العديد من الأمريكيين -وخاصة الديمقراطيين في الكونجرس وحلفاءهم – للشك في أن السعودية تتدخل بشكل فعال في السياسة الداخلية الأمريكية إلى جانب الجمهوريين، وحتى مع الرئيس السابق دونالد ترامب. ما يزال العديد من الديمقراطيين لم يسامحوا السعودية على ترحيبها الحار بترامب في أولى رحلاته الخارجية، ويفترضون أن دول الخليج، وخاصة السعودية، متحالفة بشدة مع الجمهوريين ومع فصيل ترامب بشكل خاص. إن فكرة وجود شريك دولي يسعى لمساعدة الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، على أمل تعزيز نفوذه في الكونجرس، وحتى الترويج لإمكانية ولاية ثانية لترامب، قد عززت ردود الفعل الغاضبة من قبل العديد من الديمقراطيين، لا سيما من داخل الكونجرس.
يحتفظ العديد من الديمقراطيين بقائمة طويلة من المظالم مع السعودية، عدا عن تحالفها القوي المفترض مع ترامب، ومن ضمن ذلك مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، والحرب في اليمن، ومجموعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان. لقد شعروا بالراحة لما قاله بايدن عندما كان مرشحًا في عام 2020 حول معاملة السعودية على أنها “منبوذة” أكثر من ارتياحهم لإجراءات إدارته البطيئة والحذرة، ولكن المدروسة، لإعادة بناء العلاقات التي بلغت ذروتها في رحلته إلى الشرق الأوسط في يوليو/تموز والمصافحة التصالحية، بالقبضتين، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولطالما نظر الديمقراطيون في الكونجرس للسعودية كشريك غير جدير بالاهتمام وغير أهل للثقة ولا يستساغ، وطالبوا بمجموعة من السياسات للإضرار بالرياض. ومع ذلك، ذكرت إدارة بايدن أن السعودية ستواجه عواقب وخيمة لكنها ستحددها في المستقبل، سعيًا للتفكير مليًا في الموقف والسماح بتهدئة الأعصاب. وفيما هو أبعد من القضايا الراهنة، والعلاقة بين بايدن ومحمد بن سلمان التي تتأرجح ما بين باردة إلى شديدة البرودة، يرى بعض المحللين كذلك تراجعًا في اهتمام السعودية بالتنسيق بشأن النفط مع الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة نفسها أصبحت منتجًا رئيسيًا للنفط.
لماذا يتفاجأ السعوديون ويشعرون بالخذلان
لقد صُدم الأمريكيون من هذه الخطوة السعودية، على الرغم من أنه كان عليهم أن يدركوا أنها قادمة وأن يفهموا سياقها الفعلي. العامل الرئيسي لواشنطن هو الحرب الأوكرانية. أوبك بلس هي منتدى لمنتجي النفط الأعضاء في أوبك، بقيادة السعودية، بالإضافة للمنتجين من خارج أوبك، خاصة روسيا. تقوم بنية العلاقة بشكل أساسي على حرب أسعار النفط في عام 2020 بين السعودية وروسيا، والتي أظهرت فيها الرياض قدرتها الحاسمة لتكون العامل المُرِجح. ولا ترغب السعودية في التخلي عن هذا المركز المهيمن الذي حاربت من أجله بضراوة وبذلت الغالي والنفيس لتفوز به بحكم الأمر الواقع في اتحاد منتجين النفط.
من وجهة النظر السعودية، لا يمكن استقرار سوق النفط دون التوصل لاتفاق بين هؤلاء المنتجين. وإلا سيتم تحديد السعر من قبل قوى فوضوية وغير متوقعة، حيث سيقوم مختلف المنتجين بزيادة وتخفيض إنتاج هذه السلعة وفقًا لأجنداتهم الخاصة. وفي حين التزم السعوديون بعدم السماح بارتفاع أسعار النفط إلى عنان السماء، إلا أنهم يصرون على أنهم يعتزمون دائمًا الحفاظ على السعر عند مستوى مقبول، ومنع انهياره الذي يلوح في الأفق. في الأسابيع الأخيرة، راقبت السعودية سعر برميل النفط ينخفض بشكل مطرد. ومن الواضح أن الرياض شعرت بضرورة تدخل معطيات الأمن القومي لمنع انخفاض الأسعار وعكس هذا الاتجاه بشكل متواضع.
ظلت السعودية لسنوات عدة تؤكد أن السعر المناسب للنفط يتراوح ما بين 80 و100 دولار للبرميل. وكانت واشنطن مرتاحة لمثل هذا الترتيب أيضًا، لا سيما أن التكسير الهيدروليكي أصبح مربحًا في الولايات المتحدة. وتهدف السعودية في أوبك بلس للحفاظ على حد أدنى للسعر عند 80 دولارًا للبرميل على أمل تثبيته عند 90 دولارًا للبرميل. وفي حين يؤكد السعوديون أن هذا قرار “اقتصادي بحت”، إلا أنه في الواقع يعمل على أعلى مستوى من الإستراتيجية الوطنية الكبرى- على الرغم من أن واشنطن لا تفهمه بهذه الطريقة.
في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان، انخرطت السعودية في جهد متميز، ولم يسبق له مثيل من عدة نواحٍ من أجل تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بسرعة في دولة كبيرة ومكتظة بالسكان من خلال التوجيهات من القمة للقاعدة. ويدرك قادة السعودية أنه لم يتبق سوى بضعة عقود لعائدات النفط الرئيسية التي يمكنهم خلالها استخدام الموارد الهيدروكربونية كأساس للتحول إلى اقتصاد ناجعٍ لما بعد الموارد الهيدروكربونية. وهو أمر ملح، وخطير ولا يمكن تأجيله.
لذلك، بالنسبة للحكومة السعودية، فهي تنظر للقضايا المتعلقة بتسعير النفط من منظور الأجندة السعودية للتنمية والتحول الاقتصادي، وهي أجندة طموحة جدًا وهشة للغاية. من الواضح أنهم لم ينظروا في الأساس إلى اتفاقية أوبك بلس بينهم وبين الروس من منظور الحرب الأوكرانية في المقام الأول – على الرغم من أنه كان ينبغي أن يدركوا كيف سينظر العالم الغربي، وخاصة واشنطن، إلى هذا الأمر. فقد نظر السعوديون إلى ذلك من منظور أجندتهم الاقتصادية المحلية الملحة، ولم ينظروا إليه على أنه انحياز لروسيا، عدا عن خذلان واشنطن أو إلقاء أوكرانيا لقمة سائغة للذئاب.
وهذا ما لا تكاد تعترف به واشنطن ولا تعيره أية قيمة. لكن الأمر الذي يبدو أن الكثير من الأمريكيين لا يدركونه هو أنهم غاضبون من السعودية لأنها لم تتعرض لتداعيات قوية لمساعدة الغرب في دعمهم أوكرانيا. إن أيًا من وجهتي النظر لا تعد غير منطقية وكلتاهما صحيحتان من الناحية الموضوعية. في الواقع، تتصرف السعودية من منطلق مصالحها وبطريقة كانت تقليديًا تعد مشروعة لأهداف تسعير النفط التي طالما كانت تعتبر منطقية أيضًا. في الوقت نفسه، تساعد الخطوة السعودية في تقوية الاقتصاد الروسي وتقويض حملة العقوبات والعزلة الدولية المفروضة على موسكو. وأسفرت الضرورات والأجندات المختلفة عن ظهور وجهات نظر مختلفة أدت إلى سوء فهم متبادل بين الجانبين وإساءة تفسير كل منهما لنوايا الآخر.
اجتماع أوبك بلس في الرابع من ديسمبر فرصة حاسمة للإصلاح
تفتقر الأزمة الحالية للمبررات الضرورية لأنها تستند في المقام الأول إلى سوء الفهم سابق الذكر، ولكنها تعكس قصورًا في التواصل الفعال ونقصًا عميقًا في الثقة. إن انعدام الثقة بين الرياض وواشنطن مرتفع بشكل ملحوظ وقد تطور بشكل مطرد على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية على الأقل. ومن هنا جاءت الخطوة السعودية للحفاظ على سعر النفط عند 80 دولارًا للبرميل، فالسعر الذي كان ينبغي أن يكون مقبولًا تمامًا ومنطقيًا للولايات المتحدة، وقد كان كذلك تقليديًا، أصبح بؤرة توتر رئيسية.
يتوقع الأمريكيون التعاون من السعودية، خاصة فيما يتعلق بتسعيرة النفط، ويشعرون أنهم لم يحصلوا عليه في وقت التوترات العميقة وهم في أمس الحاجة إليه، ولا سيما في المجال الأوروبي – والأهم من كل ذلك قبيل الانتخابات النصفية الوشيكة. وحدث أن تشاور السعوديون في الكثير من الحالات في الماضي مع واشنطن وتعاونوا في جوهر السياسة النفطية. ويتوقع السعوديون دعمًا أمريكيًا لأمنهم القومي الأساسي، بما في ذلك مساعدتهم في جهودهم الطارئة للاستعداد لعصر ما بعد الطاقة الهيدروكربونية، ويشعرون أنهم لم يحصلوا على هذا الدعم وهم في أمس الحاجة إليه. كان تقاعس الولايات المتحدة في أعقاب الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة في سبتمبر/أيلول 2019، التي يُعتقدأن إيران نفذتها، ضد منشآت أرامكو السعودية نقطة تحول رئيسية للسعودية، وربما قضى هذا التقاعس على أية آمال متبقية لدى السعودية في أن الجمهوريين أو ترامب سيقدمون الحل لتحسين العلاقات مع واشنطن وتطوير الأمن القومي. تعد قناعة الديمقراطيين بأن السعودية تحاول التدخل في الانتخابات النصفية إلى جانب الجمهوريين أو ترامب ضربًا من التفكير الذاتي. لا تعمل السعودية على تعديل أسعار النفط وفقًا لحسابات السياسية الأمريكية. ولكن ما يقومون به هو تجاهل الحسابات السياسية أثناء تحركاتهم من أجل تعديل أسعار النفط والحيلولة دون انحدارها إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول من وجهة نظرهم. في سياق مثل هذه الشراكة الوثيقة والحيوية، يشكل عدم اهتمام السعودية بالحسابات السياسية الأمريكية أمرًا يخدم مصالحها الذاتية.
كما لعبت الإمارات دورًا جادًا كذلك. ويذكر أن أبوظبي قد أبلغت الرياض بمخاوف واشنطن من تخفيض الإنتاج المحتمل في الأيام التي سبقت الاجتماع الطارئ لأوبك بلس، ويبدو أن أبوظبي أيضًا قد أعربت عن تحفظاتها. ومع ذلك، بمجرد انعقاد الاجتماع، انضمت دولة الإمارات في نهاية المطاف إلى جانب السعودية، وبحكم الإجماع، إلى جانب روسيا أيضًا. ومع ذلك وفور اتخاذ القرار، قام الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان بزيارة إلى موسكو وعرض وساطته بين روسيا وأوكرانيا. وقد تلقى ترحيبًا حارًا وحماسيًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يبحث باستمرار عن طرق للخروج من عزلته الدولية الخانقة.
كانت الخطوة الإماراتية جريئة وعكست ديناميكية، تطورت حديثًا، في المشاركة الدولية الإماراتية والتي من الممكن أن تحمل مخاطر معينة. واتسمت السياسة الخارجية التقليدية الإماراتية بالحذر، الأمر الذي يعكس دورها كقوة من المستوى المتوسط. في السنوات الأخيرة، اضطلعت الإمارات بشكل متزايد بأدوار دولية متحررة من ذلك الحذر. ومع ذلك، في هذه الحالة، تم تنسيق الرحلة إلى روسيا بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، وكانت جزءًا من جهد دولي بقيادة الولايات المتحدة للضغط على بوتين بشأن المخاطر النووية الناجمة عن حرب أوكرانيا.
لم تأتِ ردة فعل إدارة بايدن سريعةً أو خالية من الحذر تجاه خفض إنتاج النفط. كان استياؤها الواضح من قرار أوبك بلس، موجهًا بشكل أساسي نحو السعودية. وأكدت لحلفائها في الكونجرس أن بايدن سوف “يعيد تقييم” العلاقة مع السعودية، وأنها ستواجه “عواقب” هذا القرار. ومع ذلك، فهو لم يتخذ حتى الآن أي إجراءات من شأنها أن تشكل إعادة تقييم أو عواقب، مفضلاً السماح بتهدئة الأعصاب. من جانبها، أكدت الرياض لواشنطن أنها ستصوت ضد روسيا في الأمم المتحدة، وأنها تستنكر ضم روسيا للأراضي الأوكرانية المحتلة.
على الرغم من نقص الثقة الراسخ والمتراكم منذ عقود، لا تزال الولايات المتحدة والسعودية بحاجة لبعضهما البعض حسبما تقتضي المصلحة الوطنية. تحتاج السعودية في نهاية المطاف ضامنًا خارجيًا لأمنها، والولايات المتحدة هي فقط التي يمكنها لعب هذا الدور في ظل الظروف الحالية. فالمملكة غير مجهزة كما يجب للتقدم وحدها في عالم ومنطقة محفوفين بالمخاطر. ومع ذلك، تظل منطقة الخليج وما تحويه من موارد للطاقة ذات أهمية مركزية للاقتصاد العالمي، ولا سيما في جنوب وشرق آسيا. ويظل الوجود العسكري القوي للولايات المتحدة في منطقة الخليج، والممرات المائية التي يمر من خلالها شريان الحياة للاقتصاد العالمي كل يوم، أحد الأصول الرئيسية لواشنطن مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
قد لا تكون الولايات المتحدة معتمدة على موارد الطاقة من الشرق الأوسط، ولكن ما يثير القلق العميق لدى واشنطن واستيائها هو أن الصين هي بالتأكيد كذلك. لذلك، حتى في سياق “المحور نحو آسيا” أو في التركيز على “منافسة القوى العظمى،” مع الصين بالدرجة الأولى، تظل منطقة الخليج، بما تتمتع به من موارد حيوية للطاقة وممرات مائية استراتيجية، ميزة تنافسية حاسمة للولايات المتحدة ومصدر نفوذها الرئيسي، لا سيما مع قوى جنوب وشرق آسيا. لتحقيق هذه الغاية، تحتاج الولايات المتحدة إلى شريك محلي أساسي، وفقط السعودية هي التي يمكنها أن تلعب هذا الدور بشكل معقول، نظرًا لأن العراق بالكاد يؤدي وظائفه، ولأن إيران تعارض الوضع القائم والقوى التصحيحية، ولأن دول الخليج الأخرى تفتقر إلى العمق الاستراتيجي، من حيث عدد السكان والامتداد الجغرافي والحجم الاقتصادي الذي يستأثر به السعوديون.
على الرغم من هذه الأساسيات الجوهرية القوية، فقدت السعودية مع مرور الوقت ثقتها في التزام الولايات المتحدة بأمنها وإرادتها في العمل، واستمرت الولايات المتحدة في إصدار الإملاءات ووضع أجندتها الخاصة دونما اعتبار للمصالح والضرورات السعودية، والتعامل وفق ما وصفها بعض الديمقراطيين صراحةً في الأيام الأخيرة، بأنها “دولة تابعة“. وفي غضون ذلك، أصبحت الولايات المتحدة تنظر للسعودية على أنها شريك غير جدير بالثقة، وغير فعال، ومع ذلك غليظ بشكل لا يمكن التسامح معه، وشريك لا تتوافق قيمه مع قيم واشنطن ولا يقدم شيئًا ذا قيمة. وبما أن أيًا من الطرفين لا ينظر إلى نفسه بهذه الطريقة، فينبغي تكريس كل الأسباب لإقناع الطرف الآخر بأنه مخطئ.
بقدر ما هنالك عناصر حقيقية في هذه التصورات، فأغلبيتها أيضًا غير دقيقة. إذا كانت الولايات المتحدة قد تخلت بالفعل عن دول الخليج العربية والمنطقة، فلن تحافظ على مكانتها ووجودها العسكري الهائل الذي تتمتع به في المنطقة. وبدلاً من ذلك، كان من الممكن تخفيض ذلك بشكل جذري، الأمر الذي سوف يلقى استحسانًا واسع النطاق من الجمهور الأمريكي. وإذا لم تعد السعودية مهتمة حقًا بالاعتبارات الأمريكية، فإنها سوف تتواطأ مع روسيا لرفع سعر النفط إلى ما هو أعلى بكثير من 80 دولارًا للبرميل، والتعاون مع إيران وغيرها في بيع النفط بعملات أخرى (وهذا سيكلف بالتالي الولايات المتحدة مليارات سنويًا)، وكان من الممكن أن يوقف الجانبان تعاونهما العسكري والاستخباراتي المكثف في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في الواقع، كان هناك قدر كبير من التعاون يجري على قدم وساق في الخفاء. ومع ذلك، قامت الولايات المتحدة، كما ذُكر، بإلغاء اجتماعٍ لمجموعة عمل تضم الولايات المتحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بشأن إيران، والذي كان يسعى لتطوير مجموعة أكثر تكاملاً من أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الإقليمية التي كانت واشنطن تروج لها بشدة لدى دول الخليج العربية وغيرها من الشركاء في الشرق الأوسط.
إن وجود مجموعة العمل هذه، والعديد من العناصر المجهولة الأخرى المماثلة للتعاون بين الولايات المتحدة والسعودية، وبين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي يذكرنا جيدًا بأنه يجري وراء الكواليس قدرٌ كبيرٌ من التعاون المفيد والمتواصل، والذي تطور على مر السنين. هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ازدهار العلاقات الأمريكية-السعودية على مدى 80 عامًا تقريبًا بالرغم مما تخللها من هزات وانقسامات طفيفة وكبيرة. لكنها كانت دائمًا تصلح نفسها لأن أيًا من الطرفين لم يدخل العلاقة بدافع الإيثار أو الإعجاب المتبادل. لقد تصرف كل من الجانبين بشكل كامل من منطلق مصلحته الوطنية، ولا تزال أسباب القيام بذلك قوية الآن كما كانت عليه في أي وقت مضى. لذلك، ينبغي إصلاح العلاقة، ومن المرجح أن يتحقق ذلك.
ومع ذلك، ونظرًا لانعدام الثقة لدى كلا الطرفين، فإن ذلك سوف يتطلب بعض الجهد. لحسن الحظ، هناك فرصة كبيرة في اجتماع أوبك بلس القادم. من المقرر أن يُعقد الاجتماع في الرابع من ديسمبر/كانون الأول، تمامًا مع بداية الشتاء الأوروبي البارد. خلال هذه الفترة، ستتضح الكثير من الأشياء. نأمل أن يزداد رضا السعودية عن استقرار سعر النفط. وستظهر نتائج الانتخابات النصفية، وإذا كان أداء الديمقراطيين جيدًا، لا سيما من خلال الحفاظ على تحكمهم بمجلس الشيوخ، فستنخفض مخاوفهم مما اعتبروه تدخلاً مقصودًا. حتى إن مسار الحرب في أوكرانيا يمكن أن يكون قد اتضح أكثر إلى حد ما بحلول ذلك الوقت. وعلى أية حال، يوفر هذا الاجتماع فرصة ممتازة للسعودية، دون أي مظهر من مظاهر الإكراه أو الضغط غير المبرر، لتبني بنية جديدة للأسعار تكون مقبولة للبيت الأبيض والكونجرس.
الحل يكمن في التنسيق. على أية حال، لقد أشعلت الرياض الأزمة الراهنة عن غير قصد، وبالتالي، يتعين عليها أن تأخذ زمام المبادرة لتدارك سوء الفهم من خلال تنسيق موقفها عن كثب مع واشنطن في الرابع من ديسمبر/كانون الأول. مع بداية تقديرها لعمق الغضب في واشنطن، أصدرت وزارة الخارجية السعودية في 12 أكتوبر/تشرين الأول بيانًا قالت فيه إن الولايات المتحدة طلبت تأجيل القرار لمدة شهر، ولكن ذلك سيكون له “عواقب اقتصادية سلبية”. ومع ذلك، فقد أصرت على أن القرار لم يكن “بدوافع سياسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية”، وأن السعودية لا تقف إلى جانب روسيا، وأكدت على أنها في الوقت الذي لن تقبل فيه بأي “إملاءات”، فإنها تنظر إلى “علاقتها مع الولايات المتحدة” كعلاقة إستراتيجية تخدم المصالح المشتركة لكلا البلدين”.
لا بد من تعضيد الأقوال بالأفعال. لحسن الحظ، يوفر اجتماع أوبك بلس في الرابع من ديسمبر/كانون الأول فرصة للرياض، إذا كانت الرياض تريد استغلالها لتصحيح الانطباع بأنها تقف بطريقة ما إلى جانب روسيا ضد الولايات المتحدة وأوكرانيا أو الانطباع بأنها لا تقيم اعتبارًا للضرورات الأمريكية. وينبغي على واشنطن أن تحذو حذوها من خلال إظهار مدى جديتها فيما يتعلق بمصالح الأمن القومي السعودية، بما في ذلك المشروع الوطني العاجل للتحول الاقتصادي. إن الأهداف الأمريكية والسعودية ليست متناقضة وليست في حالة من التوتر، كما أن أهدافهما طويلة المدى متوافقة بدرجة كبيرة – وجميعها تستند إلى الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين. من المؤكد أنه لا يوجد أساس منطقي لانهيار العلاقات بسبب تسعير الطاقة الذي ينبغي أن يكون مقبول لكلا الطرفين طالما أن هناك ما يكفي من المشاورات والتنسيق والمحاولات الصادقة لفهم مصالح بعضهم البعض.