ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تم في أواخر شهر يوليو/تموز إحراز تقدم نحو إحياء وتنفيذ خطة بوساطة سعودية، تم التوصل إليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بهدف إخماد الصراع في جنوب اليمن. ولكن تعثر تنفيذ اتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً برئيسه عيدروس الزبيدي، بسبب انعدام الثقة المستفحل بين الموقعين، وعدم تقبل ذلك من قبل أنصار اليمن الموحد، خوفًا من ألا تتوافق أجندة المجلس الانتقالي الجنوبي مع ذلك الهدف.
لم يتم تنفيذ اتفاق الرياض بشكل ناجح أبداً منذ التوقيع عليه. اندلعت اشتباكات في وقت سابق من هذا العام بين القوات الموالية لحكومة هادي والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين. تصاعدت التوترات في أبريل/نيسان عندما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي “الإدارة الذاتية” في جنوب اليمن، وجاء ذلك جزئيًا احتجاجاً على فشل حكومة هادي في تقديم الخدمات بعد فيضان مدمر ضرب مدينة عدن. وصعّد المجلس الانتقالي الجنوبي من إجراءاته بمصادرة الأموال المخصصة لفرع البنك المركزي اليمني في عدن والمطالبة بدفع رواتب لقواته الأمنية، والتي كان معظمها يواجه تصعيد الحوثي في محافظة الضالع ومناطق أخرى في الجنوب.
على الرغم من أن اتفاق الرياض ليس مثالياً، إلا أن الضغوط السعودية على الأطراف [الموقِّعة] للالتزام مجدداً بمبادئه قد ساهمت في تحفيز بعض إجراءات بناء الثقة بين الجانبين. في 29 يوليو/تموز، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي إلغاء قرار الإدارة الذاتية بعد تأكيدات من نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، بأن حكومة هادي سوف تلتزم بإعادة تشكيل مجلس الوزراء بتمثيل متساوٍ من الشمال والجنوب، بحيث يشمل أعضاء من مناصري المجلس الانتقالي الجنوبي لتمثيل المصالح الجنوبية. كان هذا بمثابة تنازل سياسي كبير خفف من المخاوف المتعلقة بالمواجهات العسكرية المحتملة ومستقبل الوحدة اليمنية.
لم تكن هذه الانطلاقة متوقعة، حيث جاءت بعد ورود تقارير عن جمود في المفاوضات، وزيادة الخطاب الانقسامي على الأرض. قبل أسبوع، تصاعدت التوترات مع اندلاع تظاهرات كبيرة في لحج وحضرموت دعماً لإعلان الإدارة الذاتية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي. في غضون ذلك، اندلعت احتجاجات مناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين والمهرة. استخدم المجلس الانتقالي التظاهرات كوسيلة ضغط خلال المفاوضات، وقد أثمرت هذه الاستراتيجية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نجح في الاحتفاظ بالقوات العسكرية تحت قيادته لحماية المناطق الجنوبية من الهجمات المحتملة من قبل الحوثيين، وتجرأ على ذلك بعد أن ادعى مؤخراً سيطرته على مساحات شاسعة من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في الشمال.
وعلى الرغم من البيئة الإيجابية وتجديد الالتزامات باتفاق الرياض من كلا الجانبين، إلا أن الامتثال الواسع للاتفاق لا يزال موضع شك لافتقاره إلى التأييد الوطني، ولا سيما من الخصوم السياسيين للمجلس الانتقالي الجنوبي في المناطق الجنوبية والشمالية، الذين يخشون من أن أي صفقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي ستعزز من نفوذه وتمنحه “شرعية لا يستحقها“. لقد ارتفعت، في الواقع، شعبية هادي بين بعض ممن كانوا ينتقدونه في عام 2019، عندما واجهت قواته المجلس الانتقالي الجنوبي عسكرياً وارتفعت مرة أخرى عندما قاوم الانخراط في مباحثات جدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، بوساطة السعودية، والتي أدت إلى اتفاق الرياض. ويخشى معظم اليمنيين الذين يدعمون الدولة الموحدة من أن الاعتراف بالمجلس الانتقالي ككيان سياسي شرعي سيضعف حكومة الوحدة، ويفضلون النهج المطلق في التعامل مع المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره فصيلاً مسلحاً يجب تجريده من السلاح واحتواؤه.
غالباً ما يختزل الخصوم المجلس الانتقالي الجنوبي في كونه مجرد وكيل كونته دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تواصل تمويل بعض عملياته السياسية ودعمها، لكن هذا لا يمنع الدعم الشعبي الذي يتمتع به المجلس الانتقالي الجنوبي في مناطقه. تواصل حكومة هادي والموالون لها تجاهل الاحتجاجات المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المناطق الجنوبية، والمبالغة في أهمية الاحتجاجات الداعمة لحكومة هادي. ويؤثر الكم الهائل لهذه الدعاية على احتمالات التنفيذ الحقيقي لأي اتفاق. علاوة على ذلك، فإن استبعاد المجلس الانتقالي الجنوبي لا يبشر بالخير لليمن لأنه يعمق التهميش السياسي. إضافة إلى أن حكومة هادي لا تستطيع المطالبة بنزع سلاح القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي لعجز الحكومة عن حماية الجنوب من التوغلات العسكرية للحوثيين. وتتواصل الاشتباكات مع قوات الحوثين في الضالع، ونفذ الحوثيون ضربات بطائرات مسيرة على أهداف في الجنوب. وعلاوة على ذلك، فإن سوء التمثيل السياسي والضائقة الاقتصادية -على الرغم من وفرة الموارد في الجنوب– تعد من أكبر مظالم المجلس الانتقالي الجنوبي. إن الفشل في فهم ما حاق بالجنوب من تهميش بعد الوحدة مع الشمال في عام 1990، وما تلا ذلك من استغلال وقمع بعد الحرب الأهلية عام 1994، قد أسفر عن توسيع الفجوة بين الطرفين، وكان بمثابة المحرك الرئيسي للقضية الجنوبية.
ونظراً للدور العسكري الذي تلعبه القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة الحوثيين، اختار السعوديون نهجاً واقعياً تجاه الأزمة الجنوبية من خلال الضغط على كل من حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي لإنهاء المواجهات المسلحة فيما بينهما، والقبول بالحد الأدنى من الشروط الأمنية والسياسية، الأمر الذي سيسمح لكلا الجانبين بالتعاون فيما بينهما. كما يعمل السعوديون على معالجة بعض القضايا الأساسية، التي لا تستطيع حكومة هادي معالجتها بشكل واقعي في الجنوب، وأهمها خطة الإنعاش السريع لعدن، والمساعدات الاقتصادية التي تعالج بشكل غير مباشر الاعتقاد بأن المناطق الجنوبية مهملة، خاصة إذا قورنت بالمناطق الأخرى، التي تم تحريرها من سيطرة الحوثيين، وازدهرت خلال الحرب، مثل مأرب.
وقد تم اتخاذ خطوات إيجابية أخرى بشكل فوري نحو تنفيذ اتفاق الرياض. حيث قام هادي بتعيين الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد حامد لملس، من شبوة، محافظاً جديداً لعدن، وعيَّن اللواء أحمد محمد سالم الحامدي من المجلس الانتقالي الجنوبي مديراً للأمن في عدن. إن كلا هذين الإجراءين، إلى جانب إصدار التوجيهات بتشكيل مجلس وزراء جديد في غضون شهر، يمنحان المجلس الانتقالي الجنوبي طريقة للمشاركة في الحكومة ومقعداً على الطاولة خلال أي مفاوضات مستقبلية قد تترتب على كيفية حكم اليمن.
وفي حين أن هذه الإجراءات نحو تنفيذ اتفاق الرياض تمثل تقدماً ملحوظاً، إلا أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت ستساعد في رأب الصدع بين الجانبين على المدى الطويل، أو أنها ستمنع الأطراف من كلا المعسكرين من تقويض الاتفاق. لا تزال هنالك حاجة إلى نقاش أكثر شفافية حول عسكرة الجنوب والمسؤولية عن حمايته، فضلاً عن عملية حوار صارمة من شأنها أن تصب في مصلحة المستوى المحلي بعيداً عن أجندات الأحزاب السياسية وطموحاتها الإقليمية، من أجل أن يسفر اتفاق الرياض عن إحداث فرق حقيقي ودائم ويمنع تشرذم البلاد.