ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أحيى وزير الخارجية الأمريكي مجددًا هذا الأسبوع الآمال المعلّقة حول احتمالية توصّل المفاوضات إلى حل لإنهاء الحرب التي دامت طويلًا في اليمن إذ صرّح فور وصوله إلى أبوظبي بأن كلًّا من العصيان الحوثي المسلّح والتحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد وافقا على وقف الأعمال العدائية ابتداءً من 17 تشرين الثاني/نوفمبر. ويبقى علينا أن نترقب لنرى ما إذا كان هذا الأمر سيتحقق، نظرًا إلى الرد الأولي لوزير الخارجية اليمني، الذي ادّعى أن حكومته لم تكن “على دراية بما صرّح به وزير الخارجية كيري وبأنها لا تأبه بما قاله.”ومع ذلك، يعتبر تقييم كيري للوضع وتكهّنه “بضرورة السعي إلى إنهاء هذه الحرب بأسرع وقت ممكن” صائبًا، ليس فقط بسبب الكارثة الإنسانية التي خلّفتها الحرب بل أيضًا نظرًا إلى بوادر الشؤم التي لاحت في أفق اليمن في الأسابيع الأخيرة والتي تنذر بأن ثمة جهود تبذل لتوسيع النطاق الجغرافي للحرب اليمنية ولزيادة الأسماء على قائمة المقاتلين المباشرين.
وفي الواقع، يعود تقليل العالم من أهمية الصراع اليمني ومن العثور على حل مناسب له واعتبارهما مسألتين من الدرجة الثانية إلى أن الحرب اليمنية لم تخلّف موجًة من الهجرة إلى أوروبا، وإلى أنه تم احتوائها بشكل كبير منذ دخول المملكة العربية السعودية في الصراع في العام 2015. والحق يقال إن أعداد الفارين من المجزرة السورية تشدّ ببساطة أنظار العالم أكثر من حرب أهلية تجري بمعظمها على أرض قليل من يتمكن من تحديد موقعها على الخريطة.
وبذلك تتجه أنظار المجتمع الدولي نحو اليمن بصورة استطرادية، كما كان الحال عليه عندما تسببت غارة جويّة سعودية في مقتل 140 شخصًا كانوا متواجدين في قاعة عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء في 8 تشرين الأول/أكتوبر، مما أثار موجًة من الاضطرابات وسط دعوات إلى وقف إطلاق النار. وكما قال مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية يرافق كيري في سفره في عُمان هذا الأسبوع، إن الجهود قد أُحبطت لأن “كلا الطرفين لم يكونا على استعداد لوقف القتال في الأسابيع الماضية.” وإن تغيّرت نظرتهم للأمور هذه المرة، فذلك لأن الوضع اليمني بات على مفترق طرق. ولكن لتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أن توضحا للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الدائم التعنّت، أن عرقلته للتفاوض للتوصل إلى تسوية باتت غير مقبولة.
وسرعان ما يصبح إقناع كافة أطراف النزاع بالقبول بوقف الأعمال العدائية ضرورة ملحّة نظرًا إلى الأحداث التي وقعت مؤخرًا، بما في ذلك انخراط الولايات المتحدة العسكري المباشر في حرب اليمن: أي تبادل إطلاق الصواريخ مع القوات الحوثيّة في 18 تشرين الأول/أكتوبر. ولقد اندلعت هذه الحادثة على أعقاب هجومين صاروخيين منفصلين تم إطلاقهما من الأراضي التي تسيطر عليها القوات الحوثيّة على السفينة الحربية “يو إس إس ميسون” الأمريكية، وهي مدمّرة تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر. وكردّ على الهجوم الثاني، أطلقت “ميسون” صواريخ من نوع كروز على اليمن، مدمّرة بذلك ثلاث منشآت أرضيّة للرادار جزمت الولايات المتحدة أنها كانت تستخدم لدعم الهجمات.
ومنذ وقوع تلك الحادثة، لم تتم أي عملية تبادل إطلاق نار إضافية (ويبدو أن الأخبار التي أنذرت بوقوع عملية ثالثة جاءت كنتيجة لخلل في نظام الرادار). وفيما لا يرغب أحد في هذا الاحتمال، يكاد يكون مؤكدًا أن أي هجوم ينجح في استهداف سفينة تابعة للبحريّة الأمريكية في البحر الأحمر أو في خليج عدن، ولاسيما إن أسفر عن سقوط ضحايا، سيقابل بردّ عنيف من الولايات المتحدة، من المرجّح ألا يقتصر على منشآت الرادار.
ويدعو مثل هذا السيناريو إلى طرح السؤال التالي: من المستفيد من جرّ الولايات المتحدة إلى هذه الحرب؟ ظاهريًا، يصعب تكهّن أن الحوثيين سيحققون غاياتهم عبر ضمّ القوات الجويّة الأمريكية إلى القوات الجوية السعودية وقوات أعضاء التحالف الأخرى التي تقوم بسحق قواتهم منذ عام ونصف. لكن من الأسهل التخيّل أن أكثر حليفين مقرّبين من الحوثيين، أي الرئيس السابق علي عبدالله صالح وإيران، سيرحّبان باحتمالية تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب. بالنسبة إلى صالح، كلّ ما يزيد زعزعة الوضع اليمني الهشّ بالفعل يساهم في تحقيق حلمه الأمثل فيلجأ إليه اليمنيّون مجددًا ويصرّون على أن يعيد السلام والاستقرار إلى ما تبقّى من البلاد. أما بالنسبة إلى إيران، فستكون في غاية السعادة إن رأت أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة قد انضمّتا إلى حملة القصف على أفقر دولة في العالم العربي، فتغرقان رويدًا رويدًا في مستنقع آسن.
وفي أعقاب حادثة البحر الأحمر، وقعت حادثة استفزازية مقلقة أخرى في 28 تشرين الأول/أكتوبر، إذ يقال أن القوات الحوثية أطلقت صاروخ سكود باتجاه مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، قام السعوديون لاحقًا باعتراضه وتدميره. إلا أنه لا يصعب تخيّل الغضب الذي كان سيعمّ العالم الإسلامي إن أطلقت القوات الشيعية صاروخًا على مقربة من أهم المواقع الدينية الإسلامية. نفى الحوثيون (والمتحدث باسم الحكومة الإيرانية) أي نيّة لقصف مكة المكرمة، وادعوا أنهم كانوا ينوون استهداف المطار الدولي في البحر الأحمر في مدينة جدة، على بعد 40 ميلًا إلى غرب مكة. ولكن في كلتا الحالتين، تنمّ الحادثة عن نيّة واضحة بتوسيع نطاق الحرب ليشمل أكثر المواقع الحساسة في المملكة العربية السعودية. ومن شأن أي هجوم يستهدف مكة المكرمة أن يضيف أيضًا غطاءً دينيًا يتسبب في تفاقم الصراع الذي بات يتخذ طابعًا طائفيًا أكثر وضوحًا بعدما زاد تورط المملكة العربية السعودية وغريمتها الشيعية إيران.
وأضف إلى هذا المزيج المتفجّر، احتمال واقعي بالفعل يتمثل بسعي القيادة الإيرانية إلى اختبار عزيمة الرئيس الأمريكي الجديد في مرحلة مبكرة من ولايته الأولى، واحتماليات أن يصبح تفشي وباء الحرب مدعاةً أكبر للقلق. قد تشكّل المبادرة التي أعلن عنها كيري هذا الأسبوع والتي تهدف إلى وقف الأعمال العدائية واستئناف المفاوضات السياسية، الفرصة الأخيرة والأمثل لمنع تحوّل الصراع إلى مشكلة أكبر وأكثر تعقيدًا. وسيتّضح في المستقبل القريب إذا ما كان لهذا الاقتراح أي فرصة للنجاح.