ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
سوف يشهد أواخر شهر مارس/آذار الذكرى السنوية السادسة للتدخل الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن. في الوقت الذي يكثف فيه المتمردون الحوثيون من هجماتهم في محافظة مأرب، يتجدد التفاؤل الدبلوماسي مع إدراج الإدارة الجديدة للرئيس جوزيف بايدن تسوية الصراع في اليمن كواحدة من مبادرات سياستها الخارجية الأساسية. قامت إدارة بايدن بوقف دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية، التي يقوم بها التحالف بقيادة السعودية في اليمن. وعلاوة على ذلك، قام بايدن، مستحدثًا بذلك منصبًا جديدًا، بتعيين تيموثي ليندركينج مبعوثًا خاصاً للولايات المتحدة إلى اليمن. كما ألغت الإدارة تصنيف حركة الحوثي كمنظمة إرهابية، متراجعة بذلك عن قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
هل هي سياسة أمريكية جديدة تجاه اليمن؟
من خلال تحركاتها الأخيرة، تبدو إدارة بايدن جادة في الوفاء بالتعهد، الذي قطعه الرئيس على نفسه في حملته الانتخابية، بإنهاء الحرب في اليمن. ومع ذلك، فقد أثارت هذه التحركات أيضًا التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة بصدد وضع سياسة تركز بشكل كافٍ على اليمن. لفترة طويلة، لم تكن للولايات المتحدة سياسة تجاه اليمن، وكان موقفها من هذه الدولة الصغيرة، الواقعة في شبه الجزيرة العربية، يرتبط بشكل أكبر بالمملكة العربية السعودية والمنطقة. في الواقع، خلال العقود الأخيرة، لم يكن هناك سوى القليل من الحالات التي لم تقف فيها واشنطن إلى جانب السعودية فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة باليمن.
علاوة على ذلك، عندما اندلعت الحرب في اليمن، وقادت السعودية تحالفاً شن تدخلاً عسكريًا في مارس/آذار 2015، قامت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بدعم الرياض، حيث كانت تشارك المملكة ببعض المخاوف المتعلقة بنفوذ إيران في المنطقة. وجاءت بعد ذلك إدارة ترامب لتقدم المزيد من الدعم للرياض. وفي الحقيقة، كان يبدو أن دعم ترامب للرياض “غير مشروط”، بشكل لم يسبق له مثيل، واتضح ذلك في كيفية تعامله مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول أو حتى في دعمه للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. في أبريل/نيسان 2019، أقر الكونجرس قرار سلطات الحرب، المتعلق باليمن، في محاولة لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف. ومع ذلك، ولأن القرار حصل على تأييد أقل من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، تمكن ترامب من استخدام حق النقض الفيتو ضده.
على الرغم من أن بايدن كان يشغل منصب نائب الرئيس خلال إدارة أوباما، إلا أنه كرئيس قام بتغيير مسار الولايات المتحدة في اليمن، وتغيير سياسة واشنطن المتعلقة بشبه الجزيرة العربية. من الطبيعي أن يكون الكثير قد تغيّر منذ أن دعمت إدارة أوباما التدخل السعودي في اليمن. حيث تزايدت الانتقادات لحملة الرياض العسكرية. فقد أصبحت الحرب أكثر تعقيداً مما كانت عليه عندما بدأت، حيث برزت أطراف فاعلة وانقسامات وتكتيكات جديدة، وهكذا يبقى أن نرى تأثير جهود إدارة بايدن الدبلوماسية على حل الصراع.
أهمية محافظة مأرب لحكومة هادي
شن المتمردون الحوثيون، في مطلع فبراير/شباط، هجوماً من ثلاثة محاور على محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء. ونذكر أن صنعاء قد سقطت في أيدي الحوثيين في يناير/كانون الثاني من عام 2015. في غضون ذلك الوقت، كان المتمردون قد سيطروا على معظم المدن الأخرى في شمال البلاد، ودفع القتال الكثير من الناس نحو الفرار إلى مأرب. منذ ذلك الوقت، تمكنت القبائل في مأرب من التصدي للحوثيين ومقاومتهم. وأصبحت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من الأمم المتحدة تعتبر مأرب العاصمة غير الرسمية في الشمال، ومع مرور الوقت أصبحت نقطة انطلاق لعمليات حكومة هادي ضد المتمردين.
تُعد مأرب، اليوم، آخر معقل للحكومة في شمال اليمن. إذا سقطت في أيدي الحوثيين، فستشكل ضربة قوية لحكومة هادي. أولاً، سيتمكن الحوثيون تدريجياً من ترسيخ أنفسهم كحكام الأمر الواقع في الشمال، وهذا ليس فقط سيشكل خسارة في المناطق الخاضعة لحكومة هادي، بل سيضعف كذلك من مكانتها السياسية. ثانياً، تشتهر مأرب بوفرة حقول الغاز والنفط. إذا لم تحافظ الحكومة على سيطرتها على مأرب، فستفقد سيطرتها على تلك الموارد، الأمر الذي سيتسبب في ضرر اقتصادي للحكومة. ثالثًا، سيطرة الحوثيين على مأرب سوف تعني انهيار ما كان بمثابة الدرع الحصين، الذي أوقف تقدم المتمردين نحو محافظتي حضرموت وشبوة الغنيتين بالنفط. وبالتالي، من المرجح أن يتقدم الحوثيون إلى شبوة، الذي من المتوقع أن تتم إعادة انتشار القوات الحكومية فيها.
قد يفتح هذا الأمر الباب أمام زيادة التوترات ما بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة. وحسب ما يشير تقرير مجموعة الأزمات الدولية: “يطمح المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر بالفعل على المحافظات الجنوبية في لحج والضالع وعدن إلى توسيع نفوذه عبر أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية: وكانت هذه الدولة المستقلة بين عامي 1967 و1990 تضم شبوة بالإضافة إلى أبين التي تسيطر عليها الحكومة، والتي تقع بين شبوة وعدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. حتى إن بعض قادة المجلس الانتقالي الجنوبي يرون أن إبرام صفقة مع الحوثيين من شأنه تعزيز آفاق تجديد استقلال الجنوب – الخطوة التي ستشكل كارثة لهادي – وهو ما يفضلونه على البقاء في حكومة الوحدة المضطربة، التي شكلوها مع الرئيس في ديسمبر/كانون الأول 2020. ومن المرجح لمثل هذا الشعور أن يتنامى إذا سقطت الحكومة في مأرب، وسعت إلى تعزيز موقعها في الجنوب”.
التحالف الضعيف بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي
على الرغم من الجهود الدبلوماسية، إلا أن التوترات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي لم تهدأ بشكل كامل. في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت الحكومة اليمنية بقيادة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض الذي كان يهدف إلى تحقيق هدفين على الأقل: إنهاء الاشتباكات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، التي اندلعت مجددًا في أغسطس/آب 2019، ورأب الصدع بين الطرفين المتحالفين صُورياً. كتب حسام ردمان: “ركز الاتفاق على ثلاثة أمور: تشكيل حكومة شراكة وطنية، وتغيير مدراء الأمن والسلطات المحلية في كافة المحافظات الجنوبية لتحسين الوضع المعيشي، وإعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية في الجنوب ودمج وحداتها في وزارتي الدفاع والداخلية”. وعلى الرغم من اتخاذ بعض الخطوات، مثل تشكيل حكومة تقاسم السلطات، التي تضم أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن الاتفاقية لم تنفذ بالكامل.
لا يوجد حتى الآن ثقة كاملة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي. يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي ينظر إلى اتفاق الرياض على أنه اتفاق مرحلي، تم الدخول فيه لأسباب براجماتية، ولا يزال عازماً على متابعة أجندته الانفصالية. في أبريل/نيسان 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن خطط لإنشاء إدارة حكم ذاتي في الأراضي التي يسيطر عليها في الجنوب. ردت حكومة هادي بأن مثل هذا الإجراء يحمل “عواقب وخيمة وكارثية”. وألغى المجلس الانتقالي الجنوبي إعلانه في يوليو/تموز. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه قد تنازل عن مثل هذه التطلعات. لا تزال الانقسامات قائمة بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقد يتعرض اتفاق الرياض الهش للانهيار إذا تصاعدت التوترات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي حين تتكثّف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب التي تسببت في تحويل اليمن إلى ما يعتبر أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إلا أن التوترات بين الجهات الفاعلة الرئيسية تتصاعد كذلك على الأرض، ما يضمن أن حل النزاع لن يكون مباشراً. ومن الناحية المُثلى، ولكي يسود السلام في اليمن، ينبغي على الأطراف المتحاربة أن تمتلك العزم على وضع مستقبل بلادها في المقام الأول وإعطاء الأولوية لعملية السلام. ولكن السيناريو الأرجح هو أن الجهود الدبلوماسية ستواجه تحديات صعبة طوال العملية، حيث يتسابق أصحاب المصالح المتضاربة على المكاسب ويحاولون صياغة النتائج الدبلوماسية. إن النجاح في ظل مثل هذه الظروف ممكن ولكن من شبه المؤكد أنه سيكون صعبًا للغاية.