تقدم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في الدوحة، المقامة بين 20 نوفمبر/تشرين الثاني و18 ديسمبر/كانون الأول، فرصة لا مثيل لها للمسؤولين القطريين لتسويق مختلف جوانب بلدهم للمشجعين والمشاهدين. من المتوقع أن يقوم ما بين 1.2 – 1.5 مليون زائر بحضور بطولة كأس العالم 2022 على مدار الشهر، بينما سيشاهد البطولة حوالي 5 مليار شخص. ومع ذلك فإن الوضوح والنقد غالبًا ما يسيران معا – فقد واجه المسؤولون في قطر والفيفا نقدًا لاذعًا. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يشكل التعرف علي قطر فوزًا كبيرًا، ما يعزز في نهاية المطاف أوراق اعتماد الدولة الخليجية الصغيرة السياحية وتطلعاتها المستقبلية.
إن إعلان فوز قطر عام 2010 بطلب استضافة كأس العالم 2022 قد أعطى المسؤولين القطريين أكثر من عقد من الزمن للاستعداد. لقد كانت الترتيبات لتحويل الدولة الصغيرة إلى مكان قادر على استضافة مثل هذا الحدث مكلفة، تتراوح تقديرات النفقات على البنية التحتية في قطر خلال العقد الماضي من 220 مليارًا إلى ما يزيد عن 300 مليار دولار، علما بأن المسؤولين القطريين يشيرون إلى أن الكثير من هذا التطور كان مخططًا له بالفعل. تملك قطر قدرات مالية ضخمة: حققت الحكومة إيرادات بقيمة 17.85 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2022، وحققت 23.54 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام.
جرى تنفيذ مبادرات التنمية الموجهة لكأس العالم بشكل متوازٍ مع إيضاح خطط السياحة في البلاد بشكل أشمل وتجديدها لاحقًا. في عام 2014، أطلقت قطر استراتيجيتها الوطنية 2030 المتعلقة بقطاع السياحة، تهدف الاستراتيجية إلى جذب ما يزيد عن 7 ملايين سائح كل عام بحلول عام 2030، زيادة عن 1.2 مليون سائح في عام 2012، وزيادة الرحلات السياحية المحلية إلى حوالي 2.5 مليون. يأمل المسؤولون القطريون بأن تصبح صناعة السياحة “محركا رئيسيًا للتنمية” لزيادة عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ريادة الأعمال وتعزيز القطاع الخاص.
عملت الهيئة العامة للسياحة في قطر على تجديد استراتيجية البلاد السياحية في عام 2017. وقدمت قطر في شهري يونيو/حزيران وأغسطس/آب المرحلة الأولى من نظام الترخيص الإلكتروني لتسهيل سياحة الأعمال، وألغت متطلبات التأشيرة لما يزيد عن ثمانين دولة. في سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت قطر مخططًا لتوجيه المرحلة التالية من استراتيجية السياحة على مدار خمس سنوات. شمل ذلك تحويل هيئة السياحة القطرية إلى المجلس الوطني للسياحة، والذي يتبع مجلس إدارة برئاسة رئيس الحكومة. بحلول عام 2023، يسعى المسؤولون إلى أن تصل مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.8%، وأن تصل معدلات إشغال الفنادق إلى 72%، وأن يصل البلاد 5.6 مليون زائر في العام.
وظهرت جائحة فيروس كورونا كعقبة رئيسية أمام تحقيق أهداف قطر السياحية، تحديدًا فيما يتعلق بعدد الزوار. في عام 2019، استقبلت قطر ما يقرب من 2.14 مليون زائر، ما عكس زيادة بحوالي 17% عن أعداد عام 2018– قبل أن ينخفض العدد بحوالي 73% في 2020، حيث وصل 581,000 زائر فقط.
ارتفع عدد الزوار الدوليين إلى قطر بشكل طفيف في عام 2021 ليصل إلى 611,000 زائر، لكنه ظل أقل بكثير من الأعداد المطلوبة. لقد مكنت المصالحة بين دول الخليج العربي في قمة مجلس التعاون الخليجي في العلا في أوائل عام 2021 المملكة العربية السعودية من أن تكون ثاني أكبر مصدر لزوار قطر في ذلك العام، حيث ينتقل السعوديون عبر الحدود البرية التي كانت مغلقة لعدة سنوات. في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أطلقت قطر للسياحة – أحدث هيكل إداري لقطاع السياحة في البلاد – حملة دولية جديدة للمساعدة في دفع السياحة إلى الأمام. وستوفر احتفالات كأس العالم والزوار البالغ عددهم 850,000 زائر خلال البطولة دفعة رئيسية لأرقام 2022.
ستكون لأنشطة كأس العالم في الدوحة آثار نافعة للاقتصاد في الدول الخليجية المجاورة، والتي توفر مراكز مجاورة للمشجعين الراغبين في القيام برحلات قصيرة لحضور المباريات. سوف تستفيد القطاعات السياحية في الإمارات والسعودية وسلطنة عمان والكويت، بالإضافة لشركات الطيران في هذه الدول، من تدفق الزوار لحضور مباريات كأس العالم. إضافة لذلك، وفر كأس العالم فرصًا جديدة للحكومة القطرية لتعزيز العلاقات الإقليمية. لقد حضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حفل افتتاح كأس العالم، وزار رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان قطر خلال البطولة. ومع ذلك، فإن استمرار العلاقات المتردية بين قطر والبحرين قد حد من قدرة البحرين على الاستفادة من كأس العالم.
إن استضافة قطر لكأس العالم قد زادت من درجة تعرضها للنقد من جانب المراقبين الدوليين والمنظمات غير الحكومية والمسؤولين الحكوميين الأجانب. وتتمحور أكثر الانتقادات حدة حول قضايا حقوق الإنسان، لا سيما معاملة العمال المهاجرين والأقليات، مثل مجتمع الميم. يجب أن تؤخذ الدعوات لتحسين مكانة المجموعات الضعيفة من السكان في قطر على محمل الجد. ومع ذلك، فإن هذه التحديات الاجتماعية الاقتصادية والقانونية ليست، حصريًا، خاصة بقطر واستضافتها لكأس العالم، بل تطرح مخاوف طويلة الأمد متعلقة بجوانب معينة في المجتمعات الخليجية.
كما تدور مخاوف أخرى، أقل أهمية، حول توفر المشروبات الكحولية – بما في ذلك قرار اللحظة الأخيرة بحظر المشروبات الكحولية في الملاعب الثمانية التي تستضيف المباريات – والافتقار لحزم سياحية بأسعار متناسبة مع القدرة الشرائية للمشجعين الأجانب. كذلك تعمل الدول الخليجية المجاورة لقطر على تقييد، أو حظر بيع، واستهلاك المشروبات الكحولية بشكل صارم، وتعطي الأولوية بشكل مستمر لمشاريع ومبادرات الرفاهية السياحية. ونظرًا لصغر حجمها، يرغب المسؤولون القطريون في تجنب فائض المعروض من البنية التحتية السياحية المخصصة لقطاع المستهلكين، والتي من غير المتوقع أن يعود لقطر بعد انتهاء كأس العالم فيها.
سيكون أمام قطر اثنان من التحديات الرئيسية المتعلقة بالسياحة بعد أن يغادر آخر لاعب ملعب كأس العالم. الأول، تحتاج الحكومة لتعزيز التنمية الاقتصادية الذكية والمستدامة. وسيكون من الصعوبة بمكان الحفاظ على الزخم الاقتصادي دون الحاجة الملحة لصرف عشرات مليارات الدولارات على البنية التحتية سنويًا. ثانيًا، على المسؤولين القطريين والقطاع الخاص التعاون معًا للاستفادة في أحسن حال من البنية التحتية المتعلقة بكأس العالم، وتغيير وجهة استخدامها إذا لزم الأمر.
في دلالة على الثقة المتزايدة حول كأس العالم، تخطط قطر لاستضافة الألعاب الأولمبية عام 2036، على الرغم من ثلاث محاولات فاشلة في الماضي لاستضافة هذه الألعاب. إن الدخول في عرض مشترك مع الدول المجاورة، مثل السعودية والإمارات قد يوفر منصة أخرى لتعزيز العلاقات الإقليمية على المدى البعيد. وبصرف النظر عما سيحدث مع أولمبياد 2036، فإن كأس العالم لكرة القدم 2022 ليس حدثًا وحيدًا لقطر، بل هو عامل بالغ الأهمية في موضوع تطوير السياحة الرياضية. في عام 2019، استضافت قطر البطولات العالمية في ألعاب القوى وألعاب الشركات العالمية، وتستعد الدولة لاستضافة بطولة الاتحاد الدولي للسباحة FINA في 2023. وعلى الرغم من أن كأس العالم يوفر دفعة كبيرة للسياحة، إلا أن النجاح الأكبر لقطاع السياحة القطري سوف يعتمد على كيفية ضمان المسؤولين بقاء الدولة الصغيرة وجهة سياحية جذابة على مدى الأعوام القادمة.