مع حلول الذكرى السنوية الأولى لسلسلة الاتفاقات الثنائية التي أبرمتها إسرائيل مع كلٍ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان في عام 2020، يشعر المحللون وكبار مسؤولي الحكومة الأمريكية السابقون أن اتفاقات أبراهام راسخة بسبب استنادها إلى السيادة والمصلحة الوطنية والتعاملات. قال ديفيد وولش (David Welch)، السفير السابق في مصر وعضو مجلس إدارة معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن هذا التركيز قد “غيّر النقاش من الناحية النفسية”. وأشار إلى أنه سمح لدول منفردة، وعلى رأسها الإمارات، بإعادة تقييم هيراركية المصالح التي كانت في السابق توجه عملية صنع القرار، تلك التي كانت تتشكل، بشكل خاص، حسب المصالح الفلسطينية التي لا تمت لهذه الدول بصلة، ومكن الدول من إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية. كما أن الاتفاقيات راسخة لأنها تستند إلى سنوات من الأنشطة متعددة الأطراف، وراء الكواليس، مع إسرائيل، ووصلت في بعض الحالات إلى علاقات قريبة من علاقات الأمر الواقع.
تقدم بطيء ومنتظم
أعربت السفيرة السابقة لدى مصر ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون (Anne W. Patterson) عن ارتياحها العميق لاتفاقات أبراهام، حيث كان حث الدول على إقامة علاقات مع إسرائيل أحد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية على مدى سنوات. ومع ذلك، وفيما يتعلق بالتطورات الإضافية المحتملة، قال وولش، وهو أيضًا مساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إنه لم يكن “متحمسًا للغاية”، لكنه كان يعتقد أن التركيز المستمر على المصالح الوطنية الفردية سيسمح لكل مجموعة من العلاقات الثنائية بالاستمرار في التطور بشكل طبيعي، وبوتيرتها الخاصة. من المرجح أن يكون التقدم بطيئًا ومنتظمًا في معظم الحالات، ومن المتوقع أن يقتصر على البلدان الأربعة في الاتفاقات الحالية. ولا يعتقد دانييل كيرتسر (Daniel C. Kurtzer)، السفير السابق لدى مصر وإسرائيل، أن هناك أي دولة أخرى من المرجح أن تحذو حذو الدول الأربع.
ليس من المرجح انضمام السعودية
لم يرجح أي من هؤلاء المسؤولين السابقين أن السعودية ستحذو حذو تلك البلدان وتبدأ في عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، سواء على المدى القصير أو المتوسط. عزا البعض ذلك إلى أن الميول القومية العربية التقليدية للملك سلمان بن عبد العزيز تكبح مجال المناورة لدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بخصوص هذه القضية. وأشار آخرون إلى ميول محمد بن سلمان نحو إجراء الصفقات. ذكر أحد المسؤولين السابقين، “إنه سيطلب ثمنًا كبيرًا مقابل ذلك”، وتابع، “ومن الصعب معرفة ماذا سيكون ذلك”. والأبلغ من ذلك ما جاء به جيرالد إم. فيرستاين (Gerald M. Feierstein)، السفير السابق إلى اليمن والنائب الأول لرئيس معهد الشرق الأوسط، حيث قال إنه ليس من المرجح أن يخاطر السعوديون، الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة، بما يمنحهم إياه هذا الموقع القيادي من نفوذ كبير من القوة الناعمة – أو إيجاد منفذ لتركيا أو إيران للاستحواذ على هذا الدور- مقابل عقد اتفاقية مع إسرائيل. ومع ذلك، فمن المرجح أن يستمر التعاون مع إسرائيل بعيدًا عن الأنظار، مع التركيز بشكل أساسي على الأمن.
التقدم مستمر رغم العنف في غزة
في حين لا يبدو أن هناك أي دول جديدة ستوقع على الاتفاقات، فإن الدول الأربع الموقعة بالفعل على الاتفاقيات مستعدة لمواصلة التقدم الذي تم إحرازه. لقد واجهت هذه الدول تحديًا جديًا أثناء أعمال العنف في القدس وغزة في مايو/أيار، لكن يبدو أن هذه الاضطرابات عملت على اختبار الاتفاقيات وتلطيفها ولم تضعفها.
تقييم أثر الاتفاقات على القضية الفلسطينية
يعتقد بعض هؤلاء المحللين والمسؤولين السابقين أن الاتفاقيات، وخاصة الإماراتية، ستمنح هذه الدول درجة من التأثير في الحسابات الإسرائيلية، بل وحتى في صنع القرار المتعلق بالفلسطينيين. ومع ذلك، أقر العديد بأن الفلسطينيين شعروا بأن بعد هذه الاتفاقات فقد تم التخلي عنهم، كما أعرب أحد المسؤولين السابقين عن “غضبه” من الكيفية التي تطورت بها الأمور. وأعرب العديد عن رأي مفاده أنه مهما كانت صعوبة ذلك، فإن الفلسطينيين وقيادتهم سيضطرون في الأشهر والسنوات القادمة إلى استيعاب واقع اتفاقات أبراهام، وإعادة صياغة نضالهم من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
في دول الخليج، يجب على القادة الذين ما يزالوا يضمرون الاستياء للفلسطينيين بسبب دعمهم لصدام حسين منذ عقود (في الفترة التي سبقت غزو الكويت) أن يأخذوا بعين الاعتبار استمرار الدعم العام أو “دعم الشارع”، واسع النطاق، لتطلعات الفلسطينيين في إقامة دولة لهم. وأكد هؤلاء المسؤولون أن هذا الدعم قد يتعاظم بشكل كبير في إسرائيل والأراضي الفلسطينية في أوقات الأزمات بطرق قد تؤدي إلى تآكل الدعم للاتفاقيات. أعرب كيرتسر، الذي يُدرس الآن في جامعة برنستون، عن استيائه من بعض الخيارات الاستراتيجية التي اتخذها الفلسطينيون على مر السنين، والتي أضعفت موقفهم في استيعاب حقيقة أربع دول إضافية في المنطقة تصنع سلامًا مع إسرائيل. وأضاف أن العديد من الإسرائيليين، الحريصين على تجاوز القضية الفلسطينية بشكل نهائي، كانوا يحاولون إضفاء ثقل استراتيجي على الاتفاقات من شأنه أن “يغير الطبيعة الجوهرية” للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. هو يعتبر أن مثل هذا النهج “ضال وخاطئ”.
دعم إدارة بايدن الحذر
إلى جانب صموده في وجه الضغوط الناجمة عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أشار السفير الأمريكي السابق إلى تركيا ونائب مستشار الأمن القومي جيمس جيفري (James F. Jeffrey) إلى أن الاتفاقات صمدت أمام تغيير الإدارة الأمريكية، وهو مؤشر على دعم استثنائي واسع من الحزبين في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل من المستبعد للغاية (لكن لا يمكن إنكاره) أن تُترك طليعة الإنجازات التي حققتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على حالها. لاحظت باترسون أن فريق الرئيس جوزيف بايدن، على الرغم من دعمه الضمني، لم يفعل حتى الآن سوى القليل لدعم الاتفاقات فعليًا، على الرغم من تقييمها أن الإدارة الجديدة قد أشارت على الأقل للمغاربة إلى أنها لا تنوي التراجع عن قرار الاعتراف بالسيادة المغاربية على الصحراء الغربية.
مهمة، لكنها “ليست كامب ديفيد”
عندما طُلب من المحللين والمسؤولين وضع اتفاقات أبراهام في منظور تاريخي وإقليمي، قدموا عددًا من النقاط الرئيسية، أولاً، في مقارنة مع اتفاقات كامب ديفيد المصرية-الإسرائيلية عام 1978، والتي وصفت بأنها انهيار صارخ للنمط القائم آنذاك (وتسببت في مستويات هائلة من “القلق” و”التجريح” الذي وجهته الدول العربية لمصر)، يُنظر إلى اتفاقات أبراهام على أنها “أكثر تطورًا”، كما وصفها جوردون جراي (Gordon Gray)، السفير الأمريكي السابق إلى تونس وكبير مسؤولي العمليات التنفيذية الحالي في مركز التقدم الأمريكي. وأشار رونالد نيومان (Ronald E. Neumann)، السفير السابق إلى أفغانستان والرئيس الحالي لأكاديمية الدبلوماسية الأمريكية، إلى أن هذه الاتفاقيات لم تكن على القدر نفسه من الأهمية مثل اتفاقات كامب ديفيد. فمجموعة دول الاتفاقات الحالية “تجلب السلام بين دول لم تكن في حالة حرب”، على عكس مصر وإسرائيل.
تأثيرها على دول المجاورة
من حيث تأثير الاتفاقات على دول الجوار، فإن هذا الفصل ما يزال في طور الكتابة، حسب تقييم معظم المحللين والمسؤولين. أشار جيفري إلى أنه في ظل حقيقة أن فريق بايدن يعاني من إدارته للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن لديه الدافع لمواجهة أي روايات عن “الهروب العاجل” في ظل استمرار تقدمه السياسي في المنطقة. إن العمل “عن طريق [الحلفاء والشركاء] ومعهم ومن خلالهم” في المنطقة من شأنه أن يؤثر بشكل حاسم في هذا الجهد، وستكون اتفاقات أبراهام أداة مفيدة في هذا الصدد. كما يرى بعض المحللين، أيضًا، أن المغرب مستعدة لإقامة علاقات متطورة ثلاثية مع الإمارات وإسرائيل، بطريقة يمكن أن تؤثر على التحالفات الإقليمية بطرق من شأنها أن تعود بالفائدة على الدول الثلاث.
كما رأى كيرتسر أن الاتفاقات، أو على الأقل تلك الموقعة مع الإمارات والبحرين، يمكن أن تكون مصدر قوة للجهود الرامية لإنشاء “ترتيب إقليمي” أوسع للتعامل مع إيران. في الوقت الحالي، يعتقد كيرتسر أن فريق بايدن سيركز كليًا على “إيقاف البرنامج النووي الإيراني في مساره”، إلى النقطة التي كان عليها قبل انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو/أيار 2018، حتى ولو طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت (Naftali Bennett) مثل هذا الترتيب الإقليمي في زيارته الحالية أو المستقبلية إلى واشنطن. لكن كيرتسر يرى أن الاتفاقات التي تركز على الخليج – مع الإمارات باعتبارها الركيزة الأساسية و”ربما السعوديين كشريك صامت” – يمكن أن تشكل في المستقبل أساسًا لبعض التفكير الاستراتيجي الإبداعي حول كيفية إدارة النفوذ الإيراني والنشاط المزعزع للاستقرار بشكل أفضل، سواء “كعامل مساعد” [لنسخة جديدة من] خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA 2.0) أو “كخطة بديلة” في حال تعثرت تلك المفاوضات. على الرغم من اعترافه بأن كيفية أداء هذا الترتيب في الواقع العملي لا تزال غير واضحة إلى حد ما.
مناورة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة
حسب تقييم كريستين سميث ديوان (Kristin Smith Diwan)، وهي كبيرة باحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإن الإماراتيين قد لعبوا – حتى الآن على الأقل – لعبة في غاية الإتقان، أو على الأقل متعددة الأقطاب – ومن المرجح أن يستمروا في لعب هذا الدور. ترى الإمارات في إسرائيل “لاعبًا إقليميًا كبيرًا”. أدى الاصطفاف إلى جانب الإسرائيليين لتعزيز قوة الإمارات على ردع إيران، ولكن ليس هذا ما أرادت الإمارات – أو اختارت – تسليط الضوء عليه. أشارت ديوان إلى أن هذا الاصطفاف إلى جانب إسرائيل قد عزز من مكانة الإمارات في المنطقة. وأبدت ديوان ملاحظة بأن الأمارات التي كانت دائمًا “قوة وسط” قد تمكنت من “السعي بشكل جيد للعديد من الشراكات” لتتبوأ أفضل مكانة في الجوار، دون الاعتماد على أي قوة بمفردها. وأشار وولش إلى نقطة في هذا الصدد، حيث أصر على أن الإماراتيين “سوف يلتزمون باتفاقات أبراهام لكنهم سيكونون في غاية المرونة في طريقة تعاملهم مع إيران”. وأشار إلى أنه ينبغي على الإسرائيليين أن يفهموا أن الإماراتيين قد يحتاجون إلى التمحور بشكل ديناميكي، من الناحية الدبلوماسية، نظرًا لقربهم من إيران وللطيف الظلامي الذي تلقيه الجمهورية الإسلامية على الدول الخليجية الصغيرة المجاورة.
بعد مرور عام، تأثير إقليمي آخر
أعرب بعض المسؤولين السابقين عن شكوكهم في أن تحظى الاتفاقات بتأثيرٍ إقليميٍ أوسع، نظرًا للفوضى التي يعيشها الشرق الأوسط، على حد تعبير نيومان، في ظل وجود بؤر توتر في سوريا والعراق وإيران واليمن (بالإضافة إلى أفغانستان المجاورة). وأشار إلى أن “معظم الدول العربية منغمسة في مشاكلها الخاصة”. وفقًا لبعض المراقبين، كان مستوى الصراع والخلل الوظيفي كبيرًا جدًا، لدرجة أنه كان من الصعب رؤية كيف سيكون هناك تأثير إقليمي واسع للتقدم الدراماتيكي على المسار الإسرائيلي الفلسطيني – الذي لم تمثله هذه الاتفاقات – كما كان يعتقد الكثيرون قبل بضعة عقود فقط.
تنافس الدول الخليجية متواصل من أجل الصدارة والنفوذ
كما وجد بعض المسؤولين أنه من المفيد – في تقييم الذكرى السنوية الأولى – النظر إلى اتفاقات أبراهام من منظور دول الخليج التي تتنافس باستمرار من أجل الصدارة والنفوذ وحرية الحركة، وحماية قبضة كلٍ من الأسر المالكة على السلطة. أشار أحد المسؤولين السابقين، على سبيل المثال، إلى أن مخاوف البحرينيين من الوقوع أكثر فأكثر في حضن السعودية الخانق، كانت بمثابة حافز مستمر للتواصل بين المنامة وإسرائيل. كما أن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، جنبًا إلى جنب مع الإمارات، ساعد أيضًا في تحسين علاقات العائلة المالكة البحرينية مع نظرائهم من أفراد العائلة المالكة في أبو ظبي (ودبي)، وهذه أيضًا وتيرة متواصلة في حسابات العائلة المالكة البحرينية. وأشارت ديوان إلى الدوافع البحرينية ناجمة عن مخاوف من أن التحركات الاقتصادية السعودية المزمع القيام بها من الممكن أن تضر بالميزة الاقتصادية النسبية للمنامة في قطاعات محددة. واستشفَّ مسؤول آخر من الإجراءات الإماراتية محاولة هادئة لإبعاد الإمارات – لا سيما في واشنطن – عن الرياض، حيث “قرأ القادة الإماراتيون حساسيات الكونجرس والبيت الأبيض” بطرق سمحت لهم باستغلال علاقتهم مع السعودية لتعزيز نفوذهم.
الاقتصاد يحدد التقدم في ما بعد الذكرى السنوية
من بين الاتفاقات الأربعة، اجتذب اتفاق الإمارات-إسرائيل أكبر قدر من الاهتمام نظرًا لإمكانية المنافع الاقتصادية المتطابقة المتبادلة. يرى المراقبون أن الإمارات مستعدة للمضي قدمًا في القطاعات التي ترى فيها مزايا اقتصادية، مثل الصحة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وغيرها من مجالات التكنولوجيا فائقة التطور. وأشار جراي إلى أن المغرب، على العكس من الإمارات، ليست في وضع جيد لمثل هذا التركيز على التكنولوجيا أو الانطلاقة الاقتصادية، ولكن يحدوها الأمل في الاستفادة من السياحة المتزايدة. يعتقد بعض المحللين والمسؤولين أنه بحصول المغرب على اعتراف الولايات المتحدة بمطالبها السيادية على الصحراء الغربية، تكون قد حصلت على كل ما تريده، حقًا، من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل؛ حيث كانت الفوائد الاقتصادية بالنسبة للمغرب ذات أهمية ثانوية، في أحسن الأحوال.
من خلال قراءة الاتفاقات والمشهد الإقليمي، يبقى السؤال المثير للاهتمام هو كيف يساهم التركيز على حسابات المصالح الوطنية لكل دولة في تعزيز استمرارية هذه الاتفاقات، حتى مع استمرار الديناميكيات الإسرائيلية-الفلسطينية في اختبارها بين الفينة والأخرى. الفصل التالي، كيف من الممكن أن تتمكن هذه الدول من لعب دورٍ أكثر شمولية في الأمن الإقليمي، فهذا الأمر لم يكتب بعد.